الإدارة الأمريكية تحاول استقطاب السعودية كلاعب رئيس في تكتيكات أوباما بالشرق الأوسط

الاثنين 2 فبراير 2015 09:02 ص

تجاوزت القمة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» والعاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز» واجب تقديم العزاء إلى إجراء محادثات حاسمة لمناقشة البنود المثيرة للجدل بين واشنطن والرياض، وخاصة فيما يتعلق بإيران واليمن وسوريا الأمر الذي قد يعني قلب الأوراق في المنطقة.

وبحسب صحيفة «القدس العربي»، فقد نجح «أوباما» بالفعل في تنقية الأجواء مع السعودية خلال الزيارة الأخيرة وتبادلت واشنطن والرياض رسائل تفاهم وطمأنة حول استمرار العلاقة الاستراتيجية بين البلدين ومحاولة الاتفاق حول القضايا الأكثر الحاحا في المنطقة.

وتضيف الصحيفة، أن «أوباما» و«سلمان» اتفقا على استمرار إجراء مناقشات تفصيلية حول الكثير من القضايا برعاية من مسؤولين أمريكيين وسعوديين أقل رتبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة مما يدل على حرص واضح من العاصمتين على بدء صفحة جديدة من العلاقات.

تنطبق مقولة «عدو عدوي صديقي» تماما على الحالة الأمريكية السعودية الغريبة، حيث تحارب واشنطن والرياض معا تنظيم «الدولة الإسلامية» وهناك الكثير من التداخل في الاهتمامات بين البلدين في الشأن الإيراني والسوري والعراقي، وقد لا تحتاج الولايات المتحدة البترول السعودي كما كانت في السابق ولكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ما زالت تحقق فوائد سياسية جمة من السياسة النفطية السعودية بما في ذلك إدارة أوباما، ولكن الأهم من ذلك كله أن العاصمتين لديهما اهتمامات مشتركة مع اختلافات صريحة في وجهات النظر.

سياسة تتجاوز«تهدئة المخاوف» بشأن إيران

تعارض الرياض بشكل صريح التوصل لاتفاق نووي مع إيران وتشكك في تفاؤل إدارة أوباما على أن التوقيع على اتفاق شامل مع طهران سيوقف طموحاتها في الحصول على سلاح نووي، وقد حاول أوباما كما يقول الخبراء القيام بما هو أبعد من تهدئة المخاوف السعودية بهذا الشأن فهو يريد اقناع الملك الجديد بالانضمام إلى ملعب سياسة أوباما الخارجية في الشرق الأوسط ومشاركته في «تكتيكات» الإدارة الأمريكية بالمنطقة، أو بلغة أخرى إحداث انقلاب جذري في الموقف السعودي الذي تبناه الراحل عبدالله بن عبد العزيز والذي كان بعيدا عن أفكار وقناعات أوباما في كثير من القضايا.

وإذا نجح أوباما، كما يقول الخبراء، في اقناع العاهل السعودي الجديد باستراتيجته وتكتيكاته وخاصة فيما يتعلق بالعزم على إنجاح المفاوضات النووية مع إيران بدون تشويش وكبح جماح إنتاج النفط من أجل إنقاذ الأسعار من الغرق بشكل كامل، فإن من شأن ذلك توجيه ضربة قاضية للحملة العربية المناهضة للدبلوماسية الأمريكية في الموضوع الإيراني حيث تقود السعودية ودول الخليج ومصر مسارا بهذا الاتجاه يتصف بالمماطلة من صفقة واشنطن، وهو مسار يتفق بشكل غريب مع الموقف الإسرائيلي الذي يقوده بشراسة رئيس الوزراء نتنياهو ضد دبلوماسية أوباما.

النفط السعودي فوائد سياسية لأوباما وخسارة اقتصادية

راقبت الأسواق الأمريكية والدولية باهتمام «الانتقال السلس والسريع» للسلطة في السعودية، وبحذر بالغ حاول الخبراء قراءة نوايا الملك سلمان تجاه سياسة سلفه الراحل الملك عبدالله الذي استخدم سياسة القبضة القوية ولي ذراع إيران وروسيا بشكل جيد عبر الحفاظ على إنتاج المملكة من النفط الأمر الذي ساهم بخفض الأسعار إلى النصف تقريبا. وقد ارتفعت الأسعار لفترة وجيزة بعد دفن الملك في جنازة متقشفة ولكن الأسواق تنتظر بحرص بالغ الوصول إلى مرحلة متقدمة من استقرار الحكم السعودي الجديد والذي قام بالفعل بعدة تحركات في المناصب.

وقع الكثير من المحللين في حيرة لتفسير العناد السعودي بعدم خفض إنتاج النفط والمساعدة على استقرار الأسعار بعد ان تراجعت إلى أدنى مستوى بسبب انخفاض الطلب وبروز الطفرة النفطية الأمريكية وزيادة العرض وتباطؤ النمو العالمي وقال بعضهم ان المنطق الاقتصادي هو الذي تحكم بسياسة القيادة السعودية في هذا الشأن أكثر من محاولة تحقيق انجازات سياسية، حيث أدى انخفاض الأسعار إلى خفض الاستثمار في قطاعات الغاز والنفط وموارد الطاقة الأخرى في الولايات المتحدة إلى 37 في المئة.

ومن الصعب بالتأكيد الاعتقاد بأن السعودية لن تنظر إلى التداعيات الجيوسياسية لهذه المناورة الجريئة لأن انخفاض الأسعار يعني انخفاض الايرادات النفطية لإيران وروسيا وبالتالي زعزعة الاستقرار لهذه الدول ولكن «ألم» طهران وموسكو قد لا يؤدي بالضرورة إلى تنازلات سياسية بل ربما إلى تأثير معاكس، لذا فإن إدارة أوباما ستكون حريصة على اقناع السعودية بتغيير سياستها الحادة تجاه الإنتاج، ومن المتوقع ظهور إشارات من الحكم السعودي الجديد على تليين هذه السياسة.

انهيار اليمن والقرار الحاسم

يتحتم على أوباما والعاهل السعودي التوصل لقرار حاسم بشأن كيفية التعامل مع سقوط اليمن في أيدي الحوثيين الشيعة الذين استولوا على العاصمة صنعاء بدعم من إيران ودفعوا باستقالة رجل واشنطن والرياض «الضعيف» الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الاستقالة. وفي الواقع أصيب الأمريكان بخيبة أمل قريبة من الصدمة من انهيار الساحة الخلفية للسعودية، فقد كان هناك افتراض أن السعوديين يتحكمون قليلا في خيوط اللعبة السياسية في اليمن، فلديهم علاقات تاريخية مع العاصمة ورجال القبائل ومختلف الفصائل. الموقف الأمريكي والسعودي الرسمي معروف باتجاه أن الرئيس الشرعي للبلاد ما زال عبد ربه منصور هادي رغم استقالته، وبعيدا عن ذلك تظهر الاختلافات، فواشنطن تتجنب باستمرار وصف السيطرة الحوثية كانقلاب وهي تتحدث بطريقة طريفة عن انتقال سياسي وضرورة التوصل إلى تفاهم بين الأطراف المتنازعة فيما ينظر الموقف السعودي إلى السيطرة الحوثية كتهديد بالغ للأمن السعودي والمنطقة بأسرها.

الإصلاحات الاجتماعية

تتهجم وسائل الإعلام الأمريكية كل يوم على النظام الاجتماعي في السعودية حتى في لحظات حزينة مثل تقديم العزاء بوفاة زعيم راحل، حيث أشادت الصحف بشجاعة ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأمريكي لأنها لم ترتد غطاءً للرأس وفسرت علامات العبوس على وجهها كأنها اعتراض على انتهاك حقوق المرأة في البلاد بدلا من القول مثلا بأن الوجوم هو شيء طبيعي في مثل هذه المناسبات. ولكن بعيدا عن هرطقة الإعلام الأمريكي فإن الإدارة الأمريكية تعلم بأن الملك الراحل قد اعترف في الواقع بالحاجة إلى تحديث المجتمع وسار في هذا الاتجاه بحذر شديد بسبب القيود التي تفرضها المؤسسة الدينية والتقاليد والآراء المتشددة. وكان التقدم بطيئا ولكن نوايا الملك عبدالله يمكن العثور عليها في جامعة مختلطة للعلوم والتكنولوجيا تحمل اسمه.

ويتوقع المحللون الأمريكيون انتقال الاصلاحات السياسية والاجتماعية في عهد العاهل السعودي الجديد إلى وتيرة أبطأ بما في ذلك الدعوة للسماح للنساء بقيادة السيارات. وفي الواقع لم تتطرق المحادثات الأمريكية السعودية الأخيرة إلى ذلك وفقا لتصريحات متكررة من البيت الابيض.

علاقات تاريخية

العلاقات الأمريكية السعودية تحكمها مصالح استراتيجية متجانسة أكثر من كونها فكرة أو مبادرة من زعيم راحل أو مقبل وخاصة فيما يتعلق باستقرار الاقتصاد العالمي ومكافحة التطرف. وتشعر واشنطن برضى من جدية القيادة السعودية في مكافحة الإرهاب ووقف تصدير التشدد ناهيك عن مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والمساعدة في تدريب المعــارضة السورية المعتدلة. ورغم أن الأشياء قد تبدو غــريبة للــغـــرب في السعودية، إلا ان الأمور يمكن أن تكون أسوأ بكثير مما كانت عليه في عهد الملك عبدالله.

 

المصدر | رائد صالحة، القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية الأمريكية أوباما الملك سلمان

رويترز: «أوباما» يعزز علاقته بالملك الجديد .. و«سلمان» يؤكد: لاتغير في سياسة المملكة النفطية

«فورين بولسي»: العلاقات السعودية الأمريكية لن تتغير في عهد الملك «سلمان»