لماذا تحاول إدارة «ترامب» إظهار المهاجرين المسلمين كـ«خطر داهم»؟

الثلاثاء 30 يناير 2018 08:01 ص

أصبح أحد المواضيع المهيمنة على الخطاب الأمريكي رغبة الرئيس «ترامب» الواضحة في خنق الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة.

وقد جاء إلى الرئاسة مع اعتقاد راسخ بأن الأجانب والمهاجرين يهددون الأمن القومي للولايات المتحدة، ولكن العديد من الوقائع كانت دائما في طريقه.

وفي محاولة للعثور على حقائق بديلة لدعم سياسات الهجرة التي تفضلها إدارة «ترامب»، أصدرت وزارة العدل والأمن الداخلي مؤخرا تقريرا يتلاعب ببراعة بالأرقام ويطوّع الإحصاءات لتعزيز التحيز إلى جانب «ترامب».

ومن السهل انتقاد عدم أمانة التقرير، ولكن علينا أن ندرك أيضا أنه يعكس بشكل مبالغ فيه التحيزات التي كانت جزءا من الخطاب الأمريكي لمكافحة الإرهاب عبر الإدارات الثلاث الأخيرة على الأقل.

وبهذا المعنى، فإن «ترامب» والفوبيا المعادية للأجانب قد جعلنا نقشر طبقات هذه القضية، الأمر الذي يسمح لنا بمواجهة الافتراضات المضللة التي دفعت السياسة لفترة طويلة جدا.

وجاء في التقرير أن ثلاثة أرباع الذين تمت إدانتهم بارتكاب جرائم إرهابية كانوا أجانب أو مهاجرين، وسرعان ما تم دعم التقرير في تغريدة رئاسية، وكرر النائب العام «جيف سيشنز» النتائج التي توصل إليها التقرير في خطابه يوم الجمعة أيضا.

وقد تم انتقاد التقرير بسرعة لأنه مضلل، لأنه يركز حصرا على جزء من المشهد، وهو الإرهاب الدولي، مع تجاهل الإرهاب المحلي.

لكن التقرير كان قائما على القائمة الرسمية الوحيدة لقضايا الإرهاب التي تحتفظ بها وزارة العدل، والتي تقتصر في حد ذاتها على تلك التي تصنف على أنها «إرهاب دولي»، وقصر النظر هذا ليس جديدا؛ حيث تركز وزارة العدل - نفسها - الجزء الأكبر من مواردها على الحالات التي لديها اتصالات أجنبية، وتتجاهل الهجمات التي لها وجه أمريكي فقط.

وفي حين أنه لا توجد جريمة معينة قد توصف كـ«إرهاب محلي» بدوافع سياسية، فإن وزارة العدل لديها بوضوح القدرة على تحديد حجم الإرهاب، إما لأن الجريمة المتهم بها تعرف بأنها إرهابية، أو على أساس السلوك المعني.

وفي البداية، يمكن للإدارة الاطلاع على البيانات التي يحتفظ بها المحامون الأمريكيون، ومنذ عام 2001، كان هناك 1441 لائحة اتهام فيدرالية للجرائم المتعلقة بالإرهاب المحلي، و736 للجرائم المتعلقة بالإرهاب المصنفة على أنها دولية.

ومن المحتمل أن يؤدي تحليل هذه البيانات إلى إظهار قدر كبير من العنف من جانب المجموعات العنصرية المعظمة للبيض وما شابه ذلك، ووجد تحليل في أبريل/نيسان 2017  من قبل مكتب المساءلة الحكومية، أنه في الأعوام الأخيرة، كان 73% من وفيات الهجمات الإرهابية بسبب «متطرفي اليمين المتطرف».

وعلى مدى العقد الماضي، قامت وزارة العدل بالتقليل من هذا النوع من العنف، وضمان أن ينظر الأمريكيون إلى الإرهاب على أنه ظاهرة أجنبية ومسلمة، كما أنها بالغت بشكل منهجي في حجم هذه الأخيرة.

وفي حين يتصور الأمريكيون العاديون أن الإدانة الإرهابية تتعلق بأي تفجير أو إطلاق نار جماعي، فإن غالبية قضايا الإرهاب في قائمة وزارة العدل عبارة عن توفير «الدعم المادي» لمجموعة إرهابية أجنبية، وبعض هذه التهم خطير بالتأكيد، ولكن بعضها الآخر غطى أنشطة أكثر غموضا، بما في ذلك الأنشطة التي لا يقصد منها دعم الإرهاب.

والواقع أن قرابة نصف الإدانات الواردة في القائمة ليست إرهابا على الإطلاق، بل يمكن وصفها بالأحرى بأنها «ذات صلة بالإرهاب».

وقد يبدأ السرد القائل بأن الهجمات الإرهابية هي مشكلة إسلامية في الانهيار، بسبب حدوث حوادث إطلاق نار جماعي وتزايد بروز المتفوقين البيض في المشهد السياسي، حتى مكتب التحقيقات الفيدرالي بدأ يلاحظ ذلك، وطبقا لما ذكره مدير المكتب، فإن نحو 1000 تحقيق نشط في الإرهاب المحلي فقط.

لكن إدارة «ترامب» مصممة على تجاهل تعقيد هذه التهديدات والحفاظ على التركيز على المهاجرين والمسلمين، لأن ذلك يناسب أجندتها.

تجاهل متعمد

ومن الأمور الرئيسية التي يقوم بها التقرير الأخير تقسيم الأمريكيين إلى أولئك الذين ولدوا كمواطنين وأولئك الذين تجنسوا، وتجاهل البيانات التي تفيد بأن معظم المتهمين بتهمة الإرهاب الدولي هم أمريكيون أصليون، وقررت الإدارة العودة إلى التاريخ العائلي للعثور على علاقات أجنبية.

ومن بين الحالات الـ8 التي أبرزها التقرير، هناك خمس من الأشخاص الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة للانضمام إلى أفراد الأسرة، ويعد جمع شمل الأسرة أولوية طويلة الأمد لقانون الهجرة لدى الولايات المتحدة، والتي سعت إدارة «ترامب» لتصويرها كسلسلة مخيفة من الهجرة التي تسمح لجحافل الأجانب بالوصول إلى البلاد.

ويمكن أن يفقد الأمريكيون المجنسون مواطنتهم في ظروف محدودة معينة، ولا يستطيعون الترشح للرئاسة، وعلاوة على ذلك، لا يوجد أي أساس في الدستور أو القانون لتقسيم الأمريكيين على أساس ما إذا كانوا مواليد أو مواطنين متجنسين.

ويميز قانون الأمن الوطني - مثل القوانين التي تنظم الرقابة والمبادئ التوجيهية للتحقيقات بين مكتب التحقيقات الفيدرالي- بين «الأشخاص» (وهي فئة تضم جميع المواطنين وتشمل عموما المقيمين الدائمين) و«الأجانب».

وبطبيعة الحال، كثيرا ما تخرج السياسة الأمريكية عن هذه المبادئ السليمة للمساواة، وفي الواقع، لا تختلف الافتراضات التي يستند إليها تقرير إدارة «ترامب» عن تلك المستخدمة لتبرير اعتقالات الحرب العالمية الثانية من الأمريكيين اليابانيين؛ حيث اعتمدت على فكرة أن جيل أو اثنين من المهاجرين الأمريكيين ليسوا أمريكيين حقيقيين.

وبينما رفضت الولايات المتحدة هذه الحادثة المخزية في تاريخها، رفض «ترامب» نفسه أن يحكم بها كرد مناسب على التهديدات الأمنية، وقد دفع بعض المشرعين بحماس إلى عدم دستورية قوانين إنكار المواطنة - على نطاق واسع - عن المشتبه فيهم كإرهابيين.

ونحن نعلم جميعا أن الرئيس ليس من محبي المسلمين، وأنه يريد إبعادهم عن البلاد، ولذلك يحاول التقرير أيضا تحديد «جرائم القتل بدافع الشرف»، وهي مسألة لا علاقة لها بالإرهاب، بأنها إشارة للممارسات الإسلامية البربرية المفترضة.

ويحاول التقرير تحديد حجم الزواج القسري وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) في الولايات المتحدة، وفي الحقيقة، لا علاقة لذلك بالإرهاب أو الإسلاموية على وجه الخصوص، على الرغم من أن هذا هو ما يروج له «الصليبيين» المناهضين للمسلمين الذين يؤثرون على البيت الأبيض.

وللأسف، لا تقتصر هذه الآراء على عدد قليل من العناصر الهامشية، وتحظى جهود ومحاولات تصوير المسلمين على أنهم خطرون وغير متحضرين بنسب طويلة من الجهود الرامية إلى إصدار تشريع ضد التهديد غير المحدود للشريعة الإسلامية، فضلا عن المواقف التي اتخذها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الدفاع، وكلاهما استخدم القوالب النمطية السلبية عن المسلمين.

وعلى الرغم من هذا التاريخ الحديث، انتقد الكثيرون تصريحات إدارة «ترامب» وكراهيته للأجانب، واعتبروها خارجة عن المبادئ الأمريكية، ويقابلهم أولئك الذين يشيرون إلى أن العنصرية والتعصب أصلها أمريكي مثل «فطيرة التفاح» تماما، وكلاهما بالطبع، صحيح.

وفي الحقيقة، يتطلب تحويل تصورنا لأنفسنا إلى واقع مواجهة التحيزات وضمان عدم تلويثها بالسياسة، ويمنحنا عصر «ترامب» فرصة للقيام بذلك، ويجب ألا نضيعها.

  كلمات مفتاحية

حظر المهاجرين ترامب وزارة العدل الأمريكية قوانين الهجرة المسلمين الإسلاموفوبيا

«ترامب» يعدد إنجازاته ويمدد فتح «غوانتانامو» ويهاجم روسيا والصين