استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«جيش كامب دايفيد» وساعة الحقيقة .. جذور الفشل العسكري في سيناء

الأربعاء 4 فبراير 2015 06:02 ص

ليس الجيش هو المسؤول عن أزمة سيناء، وجذر المشكلة تاريخي يتعلّق بأوضاع شمال سيناء ومظلومية أهلها وسلوك السلطة تجاههم، وتجاه مصر ككلّ. غير أن المسيرة الـ«نيبوليبرالية»، مترافقة مع القمع والفساد، التي صارت من سمات النظام المصري بعد «كامب دايفيد» وتفكيك الدولة الناصرية، قد أنتجت الأزمة والمظلومية وانتجت – في آن واحد – جيشاً لا يقدر على حلّها وحماية النظام من مكلوميه ومن أعدائه. الجيش المصري، في الواقع، كان أول ضحايا «كامب دايفيد»

«تعال حتى أخبرك عن شقاء الجندي، وعن الرؤساء الكثيرين عليه: الجنرال، رئيس الجند، الضابط الذي يقوده في المعركة، حامل الراية، نائب الضابط، الكاتب، قائد الخمسين، ورئيس الحامية. كلهم يذهبون ويجيئون في قاعات القصر صارخين: «احضروا لنا عمالاً!». (الجندي) يوقَظ في أي ساعة من الليل. هناك من يلاحقه ويسوقه كما يساق الحمار. إنّه يعمل ويشقى حتى يغيب أتون (الشمس) في ظلام العشيّة. إنه دائماً جائع. بطنه يؤلمه. إنه ميتٌ، ولكنه على قيد الحياة. وحين يتسلم حصته من الحبوب، بعد تسريحه من الخدمة، يجد أنها غير صالحة للطحن!».

(من تعاليم المدوّن المصري وينيمديامن الذي عاش في عهد الأسرة الملكية العشرين)

في إحدى وثائق الـ«ويكيليكس» السرية من عام 2008، نجد السفيرة الأميركية في مصر، مارغريت سكوبي، تحذّر السلطة السياسية في واشنطن من تراجع أداء الجيش المصري ومن جمود قياداته؛ فتقول إن وزير الدفاع وقادة الجيش «يرضيهم أن يستمروا بتكرار ما يفعلونه منذ سنوات»، مضيفة أن «الجاهزية العملانية والتكتيكية للجيش المصري قد تآكلت» في عهد المشير طنطاوي - الذي تسلّم منصبه عام 1991 واستمرّ فيه حتى اندلاع ثورة يناير.

إلا أن تمجيد الجيش المصري لا يغيّر في واقعه شيئاً، والامتداح المبالغ للجيش وبسالته في خطاب القادة المصريين (كما في الخطاب الأخير للرئيس السيسي) لا يغطّي على القصور في ساعة الامتحان، بل يبدو كتأكيدٍ لعجز القوات المسلحة عن تقديم إنجازات حقيقية، ملموسة، تتكلم عن نفسها.

تجلّى الفشل العسكري والسياسي في شمال سيناء يوم الخميس الماضي حين تمكنت الجماعات الإسلامية المسلحة (وأهمها «أنصار بيت المقدس»، التي تطلق على نفسها اليوم اسم «ولاية سيناء» بعد أن بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية» وصارت تعتبر نفسها جزءاً من «الخلافة») من شنّ سلسلة هجمات متزامنة ومنسقة على 11 هدفاً للجيش المصري والشرطة، مخلفة أكثر من أربعين قتيلاً من دون تسجيل خسائر في صفوفها.

هذه الهجمات المعقدة والجريئة (بعضها شنّ على الكتيبة 101، التي تُعَدّ من الوحدات المرهوبة الجانب في سيناء) نفت ادعاءات الحكومة المصرية عن تحقيق نجاحات كبيرة ضد المجموعات المسلحة، وأنّ هذه المجموعات قد أُضعفت وجرى الحدّ من حركتها – فإذا بها تنفّذ هجوماً أوسع من هجوم تشرين الأول الماضي، الذي قتل عشرات الجنود أيضاً، وسبّب تشديد الإجراءات الأمنية وفرض حظر التجوال على مناطق واسعة من شمال سيناء.

نقطة الانحدار

كتب عالم السياسة الأميركي لوسيان باي أن «المؤسسة العسكرية هي أقرب المنظّمات البشرية إلى النموذج الأمثل للمؤسسة الصناعية والمُعلمنة». وحتى قبل الحداثة الصناعية، كانت الجيوش أهمّ أركان الدول، حتى لا نقول إنها سبب وجودها، وأن الدول (الحقيقية) قد تكونت حول مؤسسة الجيش وليس العكس. بهذا المعنى، كان جمال عبد الناصر – أحببته أو كرهته - يحمل مشروع دولة حقيقي، مشروعاً يضع أهدافاً وتحديات جوهرية أمامه ويحتاج إلى جيشٍ كفوء لتنفيذها.

هذا المسار لم ينتهِ مع نكسة حزيران ورحيل عبد الناصر، بل استمرّت عملية إعادة بناء الجيش بعد وصول أنور السادات إلى الحكم وحتى عام 1973. وكانت الطاقات البشرية تحشد في القوات المسلحة، ويجري إعداد الوحدات وتدريبها لأداء مهمات واقعية وحل مشاكل محددة.

استمرّت الأجندة التي تعتبر أن مصير مصر، حتى على المستوى الداخلي، يرتبط إلى حد بعيد بنتيجة المواجهة الإقليمية التي تخوضها مع إسرائيل والغرب، والتي قد لا تعني الهزيمة فيها سقوط النظام فحسب، بل خسارة القرار السياسي المستقل، والعودة إلى أيام الوصاية - بحيث تصبح مصر مجرد تابع هامشي للقوى العظمى (وقد يظلّ «النظام» بمعنى شخوصه، وهو تماماً ما حدث).

أوهام السلام

بعد سنواتٍ طويلة من استيعاب التجهيزات والعقيدة الغربية، وباعتبار القدرات المفترضة للجيش المصري كقوة «غربية» حديثة، فقد لا يكون من المتاح دوماً منع المسلحين من شنّ هجوم يشبه هجمات سيناء، ولكن لا سبب لأن ينجو منهم أحد، فالطائرات وحوامات «أباتشي» يفترض بها أن تكون فوقهم خلال دقائق.

في الحقيقة، يقول المسلحون لصحافي الـ«فاينانشال تايمز»، إنهم يعرفون بقدوم الحوامات قبل أن تقلع، وهم يقيمون حواجز علنية على طرقات شمال سيناء (التي يمنع على أكثر الإعلام دخولها)، ويعرفون بموعد مرور القوات المصرية وغاراتها قبل وصولها بنصف ساعة.

لدى توقيع كامب دايفيد، كان السادات يدعي أنّ التوجه نحو الغرب سيقوي الجيش المصري ويحدّثه، وأنّ مشكلة الجيش الأساسية كانت في اعتماده على السلاح السوفياتي (كما يقول في مذكراته). كانت هناك خطط برّاقة لبناء صناعة عسكرية مصرية بأموال خليجية، ولتوطين صناعة الأسلحة الأميركية في مصر، وإنشاء مشاريع مشتركة مع دول غربية لتبادل التكنولوجيا والخبرات.

في الواقع، سرعان ما شحّ التمويل عن «الهيئة العربية للتصنيع»، ولم يتمكّن المصريون – بحسب الباحث روبرت سبرينغبورغ – من توطين صيانة المعدات المعقدة (التي ظلت في أيدي المتعاقدين الأميركيين)، فضلاً عن توطين التكنولوجيا والبناء عليها. امّا الشركة العربية - الأميركية لتصنيع العربات، التي كان يفترض بها أن تصمم وتنتج عربات مدرعة لمصر، فقد صارت فعلياً وكالة لشركة «جيب»، تختص بالسيارات المدنية التي يقتنيها الأثرياء.

جيش بلا معركة

مع انسحاب مصر من حلبة الصراع ضد إسرائيل، وصعود موجة الخصخصة والانفتاح، فقد الجيش تدريجياً أهميته المركزية في النظام. يقول الباحث إبراهيم الحديبي إن الإنفاق على الجيش انخفض من 19.74 بالمئة من الناتج القومي عام 1980 إلى 2.2 بالمئة عام 2010. مكّنت المعونة الأميركية الجيش من شراء المعدات والتجهيزات، غير أن مخصصاته في الميزانية الرسمية انخفضت كثيراً، ولم يعد الجيش اللاعب الوحيد في النظام السياسي مع صعود طبقات ومراكز قوى جديدة، بل إن جهاز الشرطة والأمن صار ينافسه من جهة أهميته وحظوته لدى النظام.

في هذا الجوّ، ركّز الجيش في عهد عبد الحليم أبو غزالة (في الثمانينيات) على الحفاظ على موقعه بين المؤسسات، وهيبته، وامتيازات ضباطه. فتم، مثلاً، بناء المدن العسكرية التي أمّنت مستوى اجتماعياً للضباط ومساكن لائقة ونوادي اجتماعية ورياضية باذخة وأحياء خاصة بهم، لكن على حساب مزيد من العزل عن المجتمع. وازداد دور الجيش في الاقتصاد عبر نشاطاته وصناعاته المدنية.

بالنسبة إلى حسني مبارك، كان دخول الجيش في الاقتصاد فرصة لاستغلال المؤسسة العسكرية وعديدها وقدرتها التنظيمية لتنمية الاقتصاد وتحمل جزء من العبء الاجتماعي عن الدولة (بما أن وظيفته الحربية قد انتفت).

أما بالنسبة إلى أبو غزالة وقيادة الجيش، فقد كان النشاط الاقتصادي وسيلة للحفاظ على استقلالية الجيش واكتفائه الذاتي، وتوليد دخلٍ مستقل عن الميزانية وإرادة النظام الحاكم (تقول بعض التقديرات إن الجيش يتحكم بأكثر من عشرة بالمئة من الاقتصاد المصري، وإن عائدات هذه المؤسسات وأرباحها ترجع إلى الجيش مباشرة ولا تدخل في الميزانية الرسمية).

هذه الفلسفة قد تسمح للجيش بأن يحافظ على موقعٍ صلب ضمن توازن القوى الداخلي، وهو ما أثبتته الأحداث، غير أنها لا تخلق جيشاً محترفاً وفعالاً.

هذه الحقيقة التقطتها إسرائيل منذ زمن، حين توقفت عن اعتبار مصر تهديداً استراتيجياً، وجفّ، منذ أكثر من عقد، سيل التقارير الذي يقارن القدرات العسكرية بين البلدين.

في دراسة لمعهد «جافي» الإسرائيلي – من عام 2003 – يخلص المحللون إلى أن الجيش المصري، ببساطة، لا يشكّل تهديداً عسكرياً على إسرائيل؛ وأنّه، على الرغم من اقتناء المعدات الأميركية، فإن الفجوة بين مصر وإسرائيل قد اتسعت في العقود الماضية، ولم تضق.

المصريون يملكون طائرات «أف-16» مثلاً، ولكنهم – تقول الدراسة الإسرائيلية – يستعملونها كأنها «ميغ-21». والمنحة الأميركية قد تساعد على اقتناء السلاح، ولكن الاستثمار الأكبر هو في صيانته، والتدرب عليه، واتقان استعماله.

فمثلا، مع أن أكثر من 80% من المنحة السنوية الأميركية يذهب إلى سلاح الجو – فاقتناء منظومات غربية باهظ الثمن – إلا أن الطيّار المصري لا يتلقى، يقول سبرينغبورغ، إلا ربع ساعات الطيران التدريبية التي ينالها نظيره الأميركي.

هكذا ولد «جيش كامب دايفيد»: واجهة جيش غربي حديث، ولكن صفوفه مكونة من جنودٍ تدريبهم سيّئ ورواتبهم قليلة؛ ويعيشون – مادياً ورمزياً - في عالم مختلف عن عالم ضباطهم، على عكس الجيوش الغربية. له دورٌ عسكري في خدمة إسرائيل وأميركا (حقوق الطيران فوق مصر حيوية بالنسبة إلى الجيش الأميركي)، ولكن من دون قدرة للدفاع عن البلاد ضد العدو الداخلي والخارجي.

العجز في سيناء هو من بقايا التركة التي خلّفها لمصر أنور السادات؛ الذي ما زال قطاع كبير من النخبة المصرية يترحّم عليه.

 

المصدر | الأخبار اللبنانية

  كلمات مفتاحية

مصر القوات المسلحة كامب دايفيد سيناء القمع الفساد ولاية سيناء الجيش المصري

النتائج المتأخرة لكامب ديفيد

«جهاد الخازن» يدعو «السيسي» إلى إخلاء سيناء من سكانها وقتل كل من يبقى!

«السيسي»: مصر لن تسمح بتهديد الأمن القومي أو العربي

«ذي ماركر»: وصول «السيسي» للحكم وفر 40% من النفقات الحربية الاسرائيلية

مقتل ضابطين ومجندين في انفجار عبوة ناسفة برفح شمالي سيناء

مقتل 3 قضاة في هجوم مسلح علي سيارتهم بالعريش .. و«ولاية سيناء» يتبني

«جبهة مصرية» في مواجهة «حماس»

دلالات تعيين سفير مصري جديد في تل أبيب

«إسرائيل» تعتزم إنشاء مصنعا في مصر لتشغيل 5 آلاف عامل

يديعوت: حكومة «السيسي» اعتمدت كتابا دراسيا يبرز «إيجابيات كامب دافيد»