«ن. تايمز»: إيران ترسخ وجودها في سوريا.. وتوسع «محور الممانعة»

الأربعاء 21 فبراير 2018 01:02 ص

عندما حلقت طائرة إيرانية بدون طيار فوق المجال الجوي الإسرائيلي هذا الشهر، أطلقت سلسلة سريعة من الضربات والضربات المضادة التي عمقت المخاوف بشأن ما إذا كانت حرب كارثية جديدة تختمر في الشرق الأوسط. وتزامنا مع تدمير الطائرة بدون طيار سقطت طائرة إسرائيلية بعد قصفها مواقع في سوريا، ولكن حالة التصعيد تلك انتهت بسرعة. غير أن جولة القتال تلك استرعت اهتماما جديدا حول مدى تعمق إيران في سوريا، وحول إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة.

وقد تم نشر مستشارين تكتيكيين من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في قواعد عسكرية في جميع أنحاء سوريا. ويظهر قادة الحرس بانتظام في الخطوط الأمامية لقيادة المعارك. وقد بنت إيران ميليشيات ولا تزال تدعم الميليشيات القوية المكونة من آلاف المقاتلين الذين تدربوا في سوريا. وقد زودتهم بالتكنولوجيات الجديدة، مثل الطائرات بدون طيار، للتجسس على الأعداء وربما لمهاجمتهم من الجو.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون وأعداء (إسرائيل) إن أي نزاع جديد بين (إسرائيل) وإيران، أو أي من حلفائها، يمكن أن يجعل إيران تحشد شبكة واسعة من الوكلاء المتشددين في بلدان متعددة، وهو ما تشير إليه إيران بأنه «محور الممانعة».

وقال «كامل وازن»، مؤسس مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية في بيروت، والمختص بسياسات الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط: «إذا كانت هناك حرب، فإنها ستكون حربا إقليمية». وأضاف أن «أي مواجهة ستكون مع جبهة الممانعة».

وقد دخلت إيران وحلفاؤها لأول مرة إلى سوريا للدفاع عن حكم الرئيس «بشار الأسد» ضد المعارضين السوريين بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، وساعدت لاحقا قواته ضد الجهاديين في تنظيم «الدولة الإسلامية».

إعادة بناء محور الممانعة

وقال محللون إنه نظرا لأن مقاتلي المعارضة فقدوا الأرض ولا توجد تهديدات واضحة لحكم «الأسد» منهم حاليا، فإن إيران وحلفاءها يحاولون التركيز على إقامة بنية تحتية لتهديد (إسرائيل). وتواصل إيران تدريب وتجهيز المقاتلين وتعزيز العلاقات مع الحلفاء فى العراق ولبنان على أمل إقامة جبهة موحدة فى حالة نشوب حرب جديدة.

وقال «أمير توماج»، وهو محلل أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو متخصص في شؤون إيران: «الهدف النهائي هو حالة حرب أخرى، جعل سوريا جبهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله وإيران». وأضاف :«إنهم لا يجعلون ذلك هدفا فحسب بل حقيقة». (الخريطة: التواجد الإيراني في سوريا)

يتكلم القادة الإيرانيون علنا عن عملهم لبناء هذا المحور من المقاومة ضد النفوذ الإسرائيلي والأمريكي. وقال محللون ومسؤولون في إيران إن مفتاح الاستراتيجة هو الاعتماد ليس على المعدات العسكرية التقليدية أو السيطرة على الأراضي التي يمكن لـ(إسرائيل) أن تقصفها بسهولة، بل على بناء علاقات ونفوذ مع القوات المحلية التي تشترك في نفس الأهداف والاستفادة من خبراتهم.

وقد مكن هذا النهج إيران من تعزيز قوتها في العالم العربي مع تقليل التهديد داخل حدودها كما خلق ذلك مشكلة بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة و(إسرائيل) والمملكة العربية السعودية التى تخشى من نفوذ إيران المتزايد و تكافح من أجل التوصل إلى سبل لوقفها. وقد بدأ بعض الناس في (إسرائيل) يشيرون إلى احتمال نشوب «الحرب الشمالية الأولى»، وهذا يعني أن (إسرائيل) سوف تضطر للقتال عبر الحدود اللبنانية والسورية. ويقول كثير من الإسرائيليين إن الخطر ليس فقط من الميليشيات المدعومة من إيران، بل أيضا من الجهود الإيرانية لإعطاء أسلحة متقدمة وعالية الدقة لحزب الله قادرة على ضرب البنية التحتية الحساسة.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن إيران وحلفاءها يسعون إلى إقامة ممر بري من إيران إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان لنقل هذه الأسلحة وبناء مصانع تحت الأرض لتصنيع الأسلحة فى لبنان وسوريا. يذكر أن (إسرائيل) تقوم بقصف قوافل فى سوريا يعتقد أنها تحمل أسلحة متقدمة لحزب الله ولكن الطبيعة السرية للمجموعة تجعل من الصعب تحديد الأسلحة التى وصلت لهم وما إذا كانت مصانع الأسلحة تعمل.

إن هذه الأسلحة، إلى جانب القذائف الثقيلة غير الدقيقة تماما التي تصل إلى أكثر من مائة ألف صاروخ والتي تقول (إسرائيل) إنها موجودة لدى حزب الله بالفعل، يمكن أن تسبب مشكلة لدفاعات (إسرائيل).

وقال «يعقوب أميدرور» مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق وزميل معهد القدس للدراسات الاستراتيجية «أن إسرائيل لن تواجه فقط هذه الكمية من الأسلحة ولكن التهديد الذى تتعرض له حقا يكمن في المواقع الاستراتيجية الضعيفة». وأشار إلى الجمع بين أسلحة أكثر دقة وجبهة جديدة، قائلا «إن كل واحدة منها مشكلة و معا سيكون ذلك أمرا مدمرا».

وقد أثارت التحركات الإيرانية في المنطقة قلق الولايات المتحدة. وقال «ماكماستر»، مستشار الرئيس «ترامب» لشؤون الأمن القومي في ميونخ: «ما يثير القلق على وجه الخصوص هو أن هذه الشبكة من الوكلاء أصبحت أكثر قدرة على أن تكرس وجود إيران أكثر فأكثر».

نموذج موحد

وبتوسيع نفوذها في سوريا في السنوات الأخيرة، اتبعت إيران نموذجا موحدا. وقد ساعدت في إنشاء حزب الله في لبنان في الثمانينيات، والذي تطور منذ ذلك الحين إلى القوة العسكرية المهيمنة في البلاد وإلى قوة إقليمية في حد ذاته، حيث انضم إلى الحروب في سوريا والعراق واليمن. وفي العراق، قامت إيران برعاية مجموعة من الميليشيات التي قامت بتطوير روابط عميقة في الاقتصاد والنظام السياسي العراقي.

وقد أعطت الحرب في سوريا فرصة جديدة لإيران لدفع هذا المشروع من خلال ربط حلفائها في بلاد الشام معا.

وقام مقاتلون من حزب الله بالدخول في مواجهات مع المعارضين السوريين بالقرب من الحدود اللبنانية، وأرسلت إيران مستشارين لمساعدة قوات «الأسد» المحاصرة خلال السنوات الأولى من الحرب. و بحلول عام 2013، كانت قوات «الأسد» على وشك الانهيار، ولكن إيران تدخلت بقوة أكبر، وقامت بعملية إقليمية واسعة لتدريب وتسليح ونقل آلاف من رجال الميليشيات الشيعية من الخارج إلى سوريا لمحاربة المتمردين والجهاديين.

وتتراوح تقديرات عدد العسكريين الإيرانيين في سوريا اليوم من الآلاف إلى مئات الآلاف. وبينما يشارك البعض بشكل مباشر في القتال، فإن معظمهم مدربون أو قادة أو خبراء يقدمون المشورة للجيش السوري ويشرفون على الميليشيات، وهذه الميليشيات، يمكن أن تضم ما يصل إلى 20 ألف مقاتل، وتستعرض إيران من خلالها عضلاتها الحقيقية.

ويشمل هؤلاء المقاتلون حوالي 6000 من حزب الله. أما معظم باقي أفراد الميليشيات -الذين يأتون من أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وأماكن أخرى- فقد جندوا للقتال في سوريا بالمال ومن خلال تحريك المشاعر الشيعية. وفي الواقع، فإن معظمهم يرون الحرب في سوريا من الناحية الدينية، كجهاد ضد أعداء دينهم.

وقال «علي الفونة» الباحث في المجلس الأطلسي والذي يعد تقارير حول مقاتلي الميليشيات الأجنبية الذين قتلوا في سوريا إن عدد الوفيات المبلغ عنها قد انخفض بشكل كبير لأن الذين يقاتلون من أجل «الأسد» قد انتصروا في الحرب. ولكن بدلا من مغادرة البلاد، فإن الميليشيات تبدو وكأنها تحول وجهتها نحو (إسرائيل).

وقال «الفونة» في بحثه إنه حدد ثلاث قواعد إيرانية رئيسية تشرف على العمليات في أجزاء كبيرة من سوريا -واحدة بالقرب من حلب في الشمال واثنتين جنوب العاصمة دمشق- فضلا عن سبع قواعد تكتيكية أصغر بالقرب من الخطوط الأمامية النشطة حيث تتواجد إيران ووكلائها.

ويبدو أن فكرة الوجود الإيراني الدائم في سوريا تخيف (إسرائيل) التي تخشى من أن تواجه تهديدا هناك على غرار ما يشكله حزب الله في لبنان. ويقول المحللون القريبون من إيران ووكلائها إن هذه هي الفكرة بالضبط.

وقال «علي رزق»، المحلل اللبناني الذي يكتب لموقع «المونيتور»، وهو موقع إخباري يركز على قضايا الشرق الأوسط، «إن ما يجري تكرار لنموذج حزب الله». وقال إن إيران تدرب بالفعل مقاتلين في جنوب سوريا، وحتى لو قام حزب الله بتخفيض وجوده هناك، كما تعهد قادته، فإنه سيترك وراءه نموذجا سوريا.

وفى الشهور الأخيرة قام زعيما ميليشيا عراقيين على الأقل بزيارة الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع حزب الله وقال أعضاء الميليشيات أن الزيارات تضمنت وضع خطط لكيفية تعاونهم فى أي نزاع مستقبلى.

وقد عادت الحياة إلى طبيعتها فى مرتفعات الجولان التى تسيطر عليها (إسرائيل) منذ يوم المعركة يوم 10 فبراير/شباط، ويعمل منتجع التزلج على جبل حرمون كالمعتاد. ولم يكن هناك تأثير مباشر على الإسرائيليين.

تجنب الحرب

لكن الإسرائيليين وكثير من اللبنانيين قلقون لفترة طويلة من أن حربا أخرى عبر حدودهم هي أمر لا مفر منه. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي «بنيامين نتنياهو» قد ألقى خطابا اليوم الأحد في مؤتمر الأمن في ميونيخ محذرا القادة الإيرانيين من عدم اختبار تصميم (إسرائيل) وتعهد بأن (إسرائيل) إذا ما اضطرت للتحرك فستتصرف «ليس فقط ضد الوكلاء الايرانيين الذين يهاجموننا بل ضد إيران نفسها».

ويقول الجانبان إنهما لا يريدان الحرب، حيث أن الخوف من الدمار الواسع والوفيات بين المدنيين يردع الأعمال القتالية الجديدة منذ الحرب الأخيرة بين (إسرائيل) وحزب الله في عام 2006. لكن الأوضاع تحتمل أن يؤدي سوء التقدير أو الخطأ من قبل أي من الجانبين إلى إثارة أعمال عدائية جديدة.

وقد أعرب بعض المحللين عن أملهم في أن تكون روسيا، التي تدخلت أيضا في سوريا نيابة عن «الأسد»، بمثابة عائق او حاجز لطموحات إيران وقد تعاونت روسيا مع إيران خلال الحرب، ولكنها تسعى أيضا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع (إسرائيل).

ومن الجدير بالذكر أن روسيا لم تشتك علنا عندما قصفت (إسرائيل) قوافل يعتقد أنها مرتبطة بحزب الله. ويتساءل آخرون إلى أي مدى سيتشرب السكان السوريون المشروع الإيديولوجي الإيراني، مشيرين إلى أن مجموعات ضئيلة فقط من السوريين تشترك مع أيران في الانتماء الشيعي.

ولا يزال الكثير غير واضح بشأن نوايا إيران. وبعد أيام من تدمير (إسرائيل) لطائرة بدون طيار قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون أنهم ما زالوا غير متأكدين ما إذا كانت الطائرة محملة بصواريخ أو أرسلت للمراقبة أو كانت مجرد اختبار للدفاعات الاسرائيلية. وقال رئيس أركان القوات الجوية الاسرائيلية للصحفيين: «من المهم بالنسبة لنا أن نفهم طبيعة مهمتها». وأضاف: «علينا أن نفهم الأمر ونتحقق منه».

  كلمات مفتاحية

إيران سوريا (إسرائيل) حزب الله محور الممانعة

معضلة النظام الإيراني.. البقاء وسط محيط من الأعداء وقدرة متضائلة على الانتقام