العمالة بالخليج.. الوافدون سواعد العمل رغم الانتهاكات والضرائب المتصاعدة

الاثنين 5 مارس 2018 01:03 ص

لا حياة في الخليج دون العمالة الأجنبية، فلبينية كانت أم باكستانية أم هندية أم بنغالية أم إندونيسية أم سريلانكية، فإن لم تكن ضمن العمالة والخدمات المنزلية، فهي حتما متجذرة في قطاع الخدمات والمبيعات، أو في قطاع التمريض أو الأعمال المهنية أو في البناء.

وتتعرض هذه العمالة التي تمثل أحيانا أكثرية سكانية في بعض الدول، لانتهاكات عدة رصدتها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، ما يؤجج بين فترة وأخرى الأوضاع بين البلدان المصدر ودول الخليج.

أعداد كبيرة

آخر إحصاء رسمي، صدر عن المركز الإحصائي لدول «مجلس التعاون الخليجي»، أظهر أن أكثر من ثلثي العمالة في دول «مجلس التعاون الخليجي» (69.3%) حتى نهاية العام 2016 هي عمالة أجنبية وافدة.

وبحسب البيانات الرسمية، بلغ إجمالي عدد الأيدي العاملة في دول المجلس (عدا الإمارات)، 20 مليون عامل، منها 13.86 مليون عامل من الوافدين.

وكان عدد العمالة الأجنبية الوافدة في دول الخليج قد بلغ 13 مليون عامل وافد بنهاية 2015، يشكلون 67.8% من إجمالي العمالة.

وتتألف دول الخليج التي يشملها التقرير (دول منتجة للنفط) كلا من السعودية والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان.

فيما تقول دراسات أخرى، إن هذا العدد غير دقيق، وتصل العمالة الوافدة في الخليج (بما فيها الإمارات) إلى نحو 17 مليون فرد، ويرتفع ليصل إلى 23 مليون فرد بعد إضافة أفراد الأسر، ما يعني قرابة نصف سكان دول الخليج العربية.

ويتصدر الخليج العربي، دول العالم، من حيث نسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضه، وفق تقرير سابق للبنك الدولي.

هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة، غيرت في تركيبة السكان بأربع دول على الأقل (الإمارات والبحرين والكويت وقطر)، حتى باتوا يشكلون أعدادا أكثر من مواطني هذه الدول.

وتعتبر العمالة الهندية، الأكبر بين تجمعات العمالة المهاجرة في جميع دول «مجلس التعاون الخليجي» بلا استثناء، وتشكل العمالة الهندية نحو 36% و35% و34% من السكان في البحرين وقطر والإمارات على التوالي.

وفضلا عن الهند، تستقطب دول مجلس التعاون عمالة بأعداد ضخمة من دول أخرى في جنوب آسيا مثل باكستان وبنغلاديش.

ويستشف من إحصاءات مؤتمر مانيلا (الفلبين)، حول العمالة المهاجرة والذي انعقد في مايو/أيار 2015، أن نحو مليون مواطن باكستاني يعملون في السعودية.

كما يستقطب كل من الإمارات وعمان وقطر والكويت مئات الآلاف من رعايا باكستان يعملون في بعض القطاعات الحيوية مثل الأمن والحراسات.

إضافة إلى ذلك، تستقطب اقتصادات دول مجلس التعاون أعدادا ضخمة من العمالة من بنغلاديش؛ حيث تقدر أعدادهم بنحو 447 ألفا في السعودية

أيضا، هناك عمالة بعشرات الآلاف من النيبال وخصوصا في قطر. كما

تستقطب دول مجلس التعاون أعدادا كبيرة من رعايا إندونيسيا من الإناث للعمل في العمالة المنزلية.

كما تعتبر السعودية، أكبر مستقطب للعمالة الفلبينية على مستوى العالم، إذ كشفت إحصائيات رسمية في عام 2014، أن السعودية تستحوذ على نحو ربع العمالة الفلبينية المغادرة، وتليها مباشرة الإمارات بنسبة 15%.

فوائد متبادلة

ويستفيد من هذا الكم الكبير من العمالة، الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة الوافدة، على حد سواء، فتوافد العمالة الأجنبية يخدم العمال أنفسهم وأفراد أسرهم واقتصادات بلدانهم عبر التحويلات المالية.

وحسب تقديرات حديثة لـ«صندوق النقد الدولي»، يبلغ حجم التحويلات السنوية للأجانب من الدول الخليجية بنحو 84.4 مليارات دولار، في الوقت الذي تقول فيه دراسات أخرى إنها تتجاوز الـ100 مليار دولار سنويا، أي 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، وبالتالي الأعلى دوليا من حيث الأهمية النسبية.

وتستفيد الاقتصادات الوطنية المستقبلة للتحويلات المالية مما يعرف بـ«مضاعف الدخل»، حيث يتحول الدولار إلى أكثر من دولار في نهاية المطاف من خلال عمليات التبادل التجاري.

يحدث ذلك نتيجة استفادة قطاعات مختلفة من الأموال المصروفة داخل الاقتصادات المحلية؛ فقيام الوافد بإرسال 1000 دولار أمريكي مثلا يعني صرف هذا المبلغ من قبل المستفيدين في البلد الأم على أمور مختلفة، مثل: شراء المواد التموينية، والمواصلات، والاتصالات، أو الشروع في بناء منزل، أو غير ذلك.

وتتم ترجمة هذه الأموال بحصول نمو في أكثر من قطاع؛ الأمر الذي يفسح المجال لزيادة أو مضاعفة الدخل.

كما يسهم العمال في المقابل بتنفيذ الخطط التنموية في دول «مجلس التعاون الخليجي» عبر العمل في مختلف الأنشطة، بما في ذلك القطاعات غير المقصودة عند العمالة المحلية الخليجية كالبناء والتشييد، وبعض القطاعات الخدمية مثل العناية الشخصية.

وتتميز العمالة الوافدة، باستعدادها للعمل لساعات مطولة الأمر الذي يخدم تطلعات القطاع التجاري.

كما يسهم العمال الوافدون الذين يديرون المحلات التجارية الصغيرة للبيع بالتجزئة في تعزيز نوعية المعيشة في المناطق المختلفة، عبر فتح محلاتهم لساعات متأخرة وفي بعض الحالات على مدار الساعة.

اللافت كذلك إسهام التجار من الهند على وجه الخصوص بإقامة منشآت تجارية وصناعية وبالتالي المساهمة في تطوير القطاع الصناعي، فللتجار الهنود كمثال، دور ملموس في تجارة الذهب بدبي على وجه التحديد.

وتستفيد شركات الطيران التابعة لدول «مجلس التعاون الخليجي»، من حركة المسافرين مع دول المصدر، مثل: الهند، وباكستان، والفلبين على مدار السنة.

أزمات وانتهاكات

ومنذ سنوات، توجه انتقادات عديدة لدول الخليج حول وضع العمال الأجانب فيها.

وتعتبر منظمات حقوقية، أن السبب الأول في التجاوزات الممارسة بحق هؤلاء العمال هو نظام الكفالة المعمم على كل الأجانب المقيمين في الخليج.

ومع بدء استعداد قطر لاستقبال مونديال كرة القدم لعام 2022، سلطت الأضواء من جديد على وضع العمال الأجانب الذين يعملون في بناء الملاعب والمنشاءات الخاصة بالحدث، كما سلطت الأضواء على السعودية التي رحلت مؤخرا مئات الآلاف من الأجانب بحجة المخالفة لنظام العمل.

ومن أبرز الأزمات والمشكلات الاقتصادية، التي ظهرت أيضا مؤهخرا مع تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية، عدم صرف رواتب مستحقات هذه العمالة الشهرية المتراكمة أو تسريحهم من العمل.

يضاف الى ذلك الانتهاكات والتجاوزات المستمرة التي أكدتها الكثير المنظمات الحقوقية والإنسانية.

الانتهاكات بحق العمالة الأجنبية، دفعت رئيس المفوضية السامية لمجلس حقوق الإنسان الأممي الأمير «رعد بن زيد بن الحسين»، للقول إن «انعدام حقوق العمال الأجانب في دول «مجلس التعاون الخليجي» أدى إلى وفاة العديد منهم خاصة من الجنسية النيبالية».

وأضاف خلال جلسة خاصة للمجلس التابع للأمم المتحدة عقدت في جنيف عام 2015، أن «العمال الأجانب في تلك الدول يتعرضون باستمرار لعدة أنواع من الانتهاكات على رأسها الانتهاكات الجسدية التي تؤدي إلى الموت».

وبين «بن الحسين»، أن من بين الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الأجانب «الاعتداء الجسدي والاحتجاز الاعتباطي وغير الملائم للأجور، وساعات العمل وظروفه غير الإنسانية ومصادرة جوازات السفر والإقامة في سكن غير آمن».

وتابع منتقدا: «لا وجود لآلية فعالة تتيح للمهاجرين الذين يتعرضون لسوء المعاملة رفع قضيتهم إلى القضاء»، داعيا دول «مجلس التعاون الخليجي» إلى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمال، ومراقبة الوكالات غير المرخصة التي تستقدم عددا كبيرا من العمال إلى دول المجلس.

وعلى الرغم من موافقة دول «مجلس التعاون الخليجي» في منتصف 2011، على تبني الاتفاقية (189) «اتفاقية منظمة العمل الدولية للعمالة المنزلية»، في المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في جنيف، على أن يسري مفعولها ابتداء من 5 سبتمبر/أيلول 2013، إلا أنه حتى الآن لم تقم الدول الأعضاء بالتصديق على الاتفاقية.

وفي كل الأحوال، لم تشهد الأعوام الماضية، سوى تحسن خجول في قوانينها المتعلقة بالعمالة الأجنبية، لا سيما البحرين والسعودية، ما يجعلها بعيدة كل البعد عن ما تصبو إليه الاتفاقية.

وفي مقابل ذلك، تدرس دول المجلس، تبني عقد موحد للعمالة المنزلية يضم بنودا ليوم راحة أسبوعي، وإجازات سنوية ومرضية مدفوعة الأجر، ويمنح العمال حق الاحتفاظ بجوازات سفرهم.

ضرائب وتوطين

لم يقف الأمر عند ذلك، بل بدأت دول «مجلس التعاون الخليجي»، بخطوات متسارعة نحو استبدال الوافدين بالمواطنين، عبر «السعودة» (السعودية)، و«التكويت» (الكويت)، و«التعمين» (سلطنة عمان)، والتقطير (قطر)، وهي الإجراءت التي وصفها البعض بـ«العنصرية».

فضلا عن ذلك، بدأت بعض الدول كالسعودية والكويت، فرض ضرائب ورسوم على العمالة الوافدة، ما دفع عدد منهم إلى العودة إلى أوطانهم أو البحث عن دول أخرى وفرص العمل فيها.

ومع مطلع 2018، أعلنت دول مجلس التعاون، بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة بشكل موحد، وبالفعل بدأت السعودية والإمارات فيما أجلت باقي الدول.

لم يقف الأمر عند ذلك، فمنذ يوليو/تموز الماضي، بدأت الحكومة السعودية تحصل 100 ريال (26.6 دولارات) شهريا عن كل مرافق للعمالة الوافدة، ويرتفع الرقم سنويا عن كل مرافق حتى يصل 400 ريال (106 دولارات) شهريا بحلول 2020.

ومطلع 2018، أصدرت السعودية قرار فرض رسوم شهرية تتراوح بين 300 – 400 ريال شهريا (80 – 106 دولارات) على كل عامل وافد، ويرتفع الرقم إلى800 ريال (213.3 دولارات) شهريا، بحلول 2020.

وفي الكويت، فرضت الحكومة رسوم على الخدمات للوافدين، تصل بعضها إلى حوالي 500%.

ومن المرتقب أن تزيد كل هذه الأعباء الجديدة، مصاريف العمالة، ما يدفع إلى خفض مدخراتهم وتحويلاتهم إلى بلدانهم الأم.

ويتوقع الخبراء الاقتصاديون، أن تؤدي الضرائب والرسوم الجديدة التي تفرضها دول «مجلس التعاون الخليجي»، إلى أعباء جديدة على العمالة الأجنبية والوافدين، ما يؤثر بشكل مباشر على التحويلات المالية في المنطقة.

شد وجذب

وأمام هذه الانتهاكات والضرائب والرسوم الجديدة، تظهر بين الحين والآخر أزمات بين دول الخليج، والدول المصدرة للعمالة، كان آخرها الأزمة المندلعة بين الفلبين والكويت، والتي اتسعت رقعتها لتشمل السعودية وقطر أيضا.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، حظرت الفلبين إرسال العاملات إلى الكويت بسبب «انتهاكات بحق عاملات الخدمة المنزلية»، أدت إلى انتحار 7 منهن في الأشهر القليلة الماضية.

قبل أن تحض الفلبين، عمالة بلادها في كل من السعودية وقطر، على العودة لبلادهم، أو البحث عن فرص عمل في دول أخرى.

وتطالب أغلب الدول المصدرة للعمالة، منع أصحاب العمل من أخذ جوازات سفر العمال، والسماح لهم بالاحتفاظ بهواتفهم، وحظر نقل العمالة من كفيل (صاحب عمل) لآخر دون موافقة العامل وموافقة الدولة المصدرة.

كما تنادي بعض الأصوات، دول الخليج إلى توطين العمالة الأجنبية، ومنحهم الجنسيات الخليجية، وفق ما تنادي به المنظمات الدولية، في إطار سعيها لتحقيق العولمة في مجال الموارد البشرية وتوطين العمالة التي يعتبرونها مهاجرة.

ومن هنا، يمكن القول إنه في ظل بيئة خليجية تعاني من قلة السكان وضخامة الثروات وزيادة الأطماع الخارجية، ليس من المبالغة القول إن العمالة الوافدة وما يرتبط بها من خلل في التركيبة السكانية أصبحت تمثل قضية أمن قومي خليجي وعربي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

توطني الوافدون وافد الخليج ضرائب انتهاكات

وافدو الخليج.. الإمارات تتصدر استقطابهم والسعوددية الأقل نسبة

رغم "العنصرية وسوء المعاملة".. رغبة متزايدة من الأفارقة بالعمل في الخليج