فيلم الأوسكار 2018 «شكل الماء»: هل تتنفس مناديل الحواة؟!

الأربعاء 7 مارس 2018 08:03 ص

مساء الأحد الماضي فاز الفيلم الأمريكي «شكل الماء أو The Shape of Water» بجائزة الأوسكار للدورة الـ90 من الجائزة، والفيلم للمخرج المكسيكي «غييرمو ديل تورو» الذي نجح في تقديم توليفة سينمائية ترضي القائمين على الجائزة الأكبر أمريكيا وعالميا، وتضع عالم النفس «سيغموند فرويد» النمساوي من أصل يهودي (1856 ـ 1939)، في مواجهة الفلسطينيين والكتاب المقدس والسوفيت، وبالطبع الرغبات الجنسية غير المنطقية أو المبررة.

وكل ما سبق من مكونات فيلم الرعب والإثارة والرومانسية الفائز بالأوسكار لا يمكن بحال من الأحوال للمتلقي المتمرس فهمه حتى إن شاهد الفيلم لمرات، إذ إننا أمام حالة من حالات تفضيل الغرائب، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا خلق عالم من الخداع المتقن والإصرار عليه للفت أنظار المشاهد إلى أن مثل هذه النوعية من الأعمال هي المطلوبة والمرغوبة للجائزة بخاصة بعد فيلم الشذوذ الجنسي «ضوء القمر» الفائز بالجائزة العام الماضي.

ورغم الاتهامات الموجهة للفيلم بسرقة السيناريو المهلهل الذي لا يكاد يقدم فيلما من الأساس، إلا أن الفيلم فاز بجائزة أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل موسيقى، وأفضل إنتاج.

اختفى الفيلم وظهر النظام

طرحنا سابقا طرفة، يبدو أن تعديلنا عليها اليوم سيجعلها عالمية بجدارة بعد عربية، تقول المزحة أن رجلا حسن الظن بعالم اليوم أراد شراء دجاجة، وفي الطابق الأول أعجبه شكل المؤسسة البراق اللامع، وعنوانها الجذاب بأنها تبيع دجاجا غير مسبوق الجودة، ولكن الموظف سأله: «هل تريد دجاجة مذبوحة أم حية؟»؛ فلما أجابه الرجل، صرخ الموظف: «في الدور الثاني تجد طلبك».

وفي الدور الثاني أعجبته النظافة ووجود الكريستال في كل مكان، ولكن الموظف الجديد قال له هذه المرة: «هل تريد الدجاجة منتوفة الريش بعد الذبح أم بريشها؟ فلما أجابه المواطن، صرخ الموظف عن عمد: «في الدور الثالث..!».

وهكذا صعد المشتري المفترض، الطيب القلب للدور السابع ولم يجد طلبه ولكن قيل له:

ـ«هل أعجبك نظامنا في فن البيع؟ وإن كنا لا نبيع دجاجا أو حتى شيئا من الأساس!».

أما تطبيق المزحة على الفيلم فمتطابق فيما نرى بوضوح، فنحن لسنا أمام فيلم من الأساس، وإن تم دس عبارات سريالية، (إذ صاغ غيوم أبولينير كلمة السريالية لتظهر لأول مرة في مقدمة مسرحيته أثداء ترسياس التى كتبت عام 1903 وتم تمثيلها لأول مرة عام 1917، ثم صارت حركة مهجورة تعبر فنيا عن مكبوتات الجسد، دون مراعاة لمنطقية أو عقل) مع خلط ما سبق بفلسطين القديمة، و«شمشون ودليلة»، والكتاب المقدس، واليهود، مع رغبة بطلة الفيلم في إقامة علاقة غير مشروعة مع كائن مائي، وهو ما يدخلنا مع المكونات الهلامية المذكورة في دائرة «فرويد» والرغبات الجنسية المكبوتة.

لكن تطبيق المزحة على الفيلم يقتضي الاعتراف بوجود الشكل السينمائي الجيد فيه، من الموسيقى التصويرية، للإضاءة، للماكيير، للمونتاج، لتقليد أجواء نهاية الخمسينيات في الملابس والبيوت والشوارع والمنتجات الاستهلاكية الأمريكية كل ذلك باحتراف.. لكن مع غياب المنتج الضروري المطلوب في الفيلم أو الورق (بلغة صناع السينما) الذي يساوي القصة.

«شمشون» يأخذ «دليلة» ويترك المعبد

تدور أحداث الفيلم حول «إيلازيرا إسبزيتو» أو الممثلة البريطانية المولد (سالي هوكنز)، التي عرضنا لها من قبل الفيلم الهولندي «مودي»، وكانت معاقة جسديا فيه، وهي اليوم البكماء التي تستطيع السماع جيدا لكن لمعاملتها بقسوة من شخص أراد التحرش بها صغيرة فقدت النطق، تعيش «إسبزيتو» مجهولة الأصل، لا تعرف لها عائلة، ومعنى اسمها اليتيمة إذ إنها وجدت رضيعة عند شاطئ نهر، وفي أعماقها رغبة في إقامة علاقة جنسية متفلتة، متكررة، وعفوية بلا تكاليف.

في القرب من بطلة الفيلم يعيش الرسام المسن «مايكل ستولبيرغ» أو (روبرت هوف فستلر)، وهو رجل يتوق للشذوذ الجنسي، ويفشل في بيع لوحاته الفنية لانشغال السوق بمتابعة السلع الاستهلاكية.

أما «زيلدا دي فور» أو (أوكتافيا سبنسر) فصديقة بطلة الفيلم وهي زنجية تفتقد الحاجة للإشباع الجنسي حتى مع وجود زوجها، وهي تعمل مع البطلة في مدينة تم جذب السكان إليها على غير رغباتهم (بلتيمور القريبة من العاصمة واشنطن).

في مؤسسة خاصة بالتجارب الحربية الغامضة تعمل البطلة «إسبزيتو» مع صديقتها «دي فور»، وتفاجأن ذات يوم بقدوم كائن بر مائي من نهر الأمازون لحوض سباحة عملاق في المؤسسة (قام بدوره دوغ غونز)، فيما يطلب من المشرف على الكائن «إسترزكلاند» أو (مايكل شانون) تعذيبه ثم قتله لتشريحه لمعرفة خواصه البرمائية وتحديثها لإرسال بديل له إلى القمر ردا على صعود الروس له في سبتمبر/أيلول 1959.

وبدلا من قتل الكائن البرمائي أو السمكة بحسب مقدم حفل الأوسكار «جيمي كيميل» الذي قال في صخب وهو يعلن فوز الفيلم، الأحد:

ـ«يبدو أن الرجال من الأمريكيين قصروا في مواعدة النساء فواعدن الأسماك!».

بدلا من قتل الكائن السمكة تخطفه البطلة وصديقتها بمصاحبة الطبيب الجاسوس السوفيتي المكلف بالحفاظ على حياته، ويتعاون الجميع على خطفه في مواجهة وتحدي المسؤول عنه، لتحبسه البطلة في دورة مياه بيتها وتمارس معه الجنس، رغم دمويته وأكله قطة الجار!

وفي نهاية الفيلم ينجح الكائن البرمائي في الهروب من الشرطة ومحو الرصاص من جسده، وتحدي المشرف الأمريكي عليه، بل يأخذ البطلة لأعماق نهر الأمازون، وهناك يعيشان إلى الأبد في متع حسية جنسية وسعادة، في إشارة إلى أن «شمشون» نجح في أخذ «دليلة» الحقيقية في الفيلم تاركا المعبد الحربي السوفيتي الأمريكي وراءه.

«فرويد» واحتقار الفلسطينيين

لم يكتف الفيلم بتفاهة القصة، رغم جودة المؤثرات السينمائية الشكلية، وإنما عمد لإيجاد نوع من المنطقية إلى جعل البطلة التي وجدوها إلى جوار المياه تتوق لكائن من المياه يحقق رغباتها الجنسية العميقة، دون أن يكون بشريا يرهقها بطلباته ومعتقداته.

وفي المقابل فإن اسم صديقتها «زيلدا» يذكر المسؤول عن الكائن البرمائي بـ«دليلة» و«شمشون» في الكتاب المقدس، ومن هنا يعمد إلى سب الفلسطينين الذين قصوا شعر «شمشون» مصدر قوته وفقأوا عينيه وفقا للأسطورة التوراتية، وفي المقابل فإن الإسرائيليين متطورون أبدعوا الجهاز الذي ساهم في هروب البطلة وجارها وصديقتها بالكائن البرمائي.

وكل هذا «العك الجنسي والسياسي» والإساءة التاريخية البالغة للفلسطينيين يمثل فيلما ينال الأوسكار تحت اسم الأدب السريالي الذي تم أحياؤوه سينمائيا، والرغبات الجنسية المدفونة والتسليم بإجرام العرب عبر الفلسطينين عدة مرات في الفيلم.

فيلم اليوم «شكل الماء» تماما مثل المنديل الذي يخدع الحاوي به عيون مشاهديه ليقنعهم أنه أوجده من العدم، إذ إن هوليود بمخرجها المكسيكي قاما بمحاولة إفهامنا أن المنديل يمكنه أن يتنفس ويحيا وتكون له قصة حتى وإن مات الحاوي صاحبه!

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي مخرج مكسيكي شكل الماء The Shape of Water أوسكار سريالية فرويد الكتاب المقدس

الفيلم المجري «عن الجسد والروح».. تُفسد الخطايا آفاق الأحلام

انتقادات هوليوودية لجائزة أوسكار "أفضل فيلم جماهيري"

3 أفلام عربية تتقدم للمنافسة على أوسكار الفيلم الأجنبي