«ف.تايمز»: بذور ربيع عربي جديد تختمر.. هل يكفي القمع لوأدها؟

الخميس 8 مارس 2018 01:03 ص

يتذكر «محمد صغّير» الاضطرابات عام 2011 عندما سحقت قوات الأمن التونسية الاحتجاجات الجماهيرية التي أنهت في نهاية المطاف الحكم الوحشي لـ«زين العابدين بن علي». 

ويقول «محمد»: «تم إطلاق النار على أصدقائي بجانبي، أمامي وخلفي». وكانت الأحداث في تونس محفزا للربيع العربي حيث ثار السكان المضطهدون منذ فترة طويلة ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة.

والآن بعد سبع سنوات، فإن السيد «صغير» وهو خريج يكافح من أجل تغطية نفقاته حيث يكسب يوميا من 6 إلى 8 دولارات من عمله في مقهى، وهناك الآلاف من الخريجين مثله في الشوارع، وكان السبب وراء الاحتجاجات المناهضة للحكومة فى يناير/كانون الثاني الماضى هو خفض دعم البنزين وزيادة الضرائب على السيارات واستخدام الإنترنت والمكالمات الهاتفية، ولكن بالنسبة للكثيرين، مثل «صغّير»، كانت التحركات التقشفية الحكومية مجرد مثال آخر على ظلم النخبة الحاكمة التي تضر بالفقراء.

ويقول الشاب الذي يبلغ من العمر 36 عاما «الشباب ليس لديهم أي وسيلة للعيش. . . كل ما نريده هو الوصول إلى وضع العبيد الذين كان يتوفر لهم على الأقل الغذاء والملابس والمأوى»، مضيفا: «ليس أمرا طبيعيا أن أصل لهذا العمر وأكون غير قادر على تحمل تكاليف الزواج أو توفير بيت».

ويعكس هذا الغضب شعورا شائعا في منطقة مثقلة بأعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم، إذ أن نحو 30% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما عاطلون عن العمل وفضلا عن كون المنطقة واحدة من المناطق ذات أسرع معدلات النمو السكاني، تنظر الحكومات التي تعاني من أزمة مالية لإصلاح نظم الدعم المكلفة.

وهزت إيران في ديسمبر/كانون الثاني أكبر مظاهرات مناهضة للنظام خلال عقد تقريبا متأثرة إلى حد كبير بتدابير التقشف والاستياء من الفساد، كما تعرضت الجزائر والأردن لاحتجاجات صغيرة هذا العام بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتخفيض الإنفاق العام.

وتعكس نوبات الاضطراب خيبة الأمل التي يشعر بها كثيرون في جميع أنحاء الشرق الأوسط حيث يلقون باللوم على قادتهم بسبب تجاهل مطالبهم بأنظمة أكثر إنصافا توفر الوظائف والحريات الاجتماعية والرفاهية، وكان هذا الغضب المتزايد هو العامل المحفز لانتفاضات 2011 في المنطقة، مما أدى إلى نشوب الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، وتوفير أسباب تجنيد خصبة للجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية.

وفيما نجد أن الجماعة الجهادية تتراجع الآن بعد أن فقدت معاقلها في العراق وسوريا، يحذر الخبراء من أن المنطقة لا تزال تعاني من أزمة طاغية تشكل تهديدا أكثر خطورة لاستقرارها على المدى الطويل: فشل الحكومات في إصلاح الأنظمة التي جمعت على مدى عقود بين القمع والمرونة للحفاظ على الاستقرار.

وقال وزير الخارجية الأردني السابق، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي «مروان المعشر»: «ما لم تخرج بخطاب جديد سياسيا واقتصاديا، ستظهر نسخة جديدة من داعش». «إن التصدعات في المجتمع هي المشكلة الأكبر، ولسوء الحظ فإن عددا قليلا جدا من القادة يولي اهتماما بها».

وأضاف: «إذا لم يفعلوا ذلك، فقد نواجه ربيعا عربيا آخر، وهذه المرة أكثر راديكالية وأكثر عنفا». لا يمكن لأحد أن يتوقع متى سيحدث، لا أحد توقع متى حدث الربيع العربي. لكن الوضع الراهن ليس مستداما».

الوسائل القديمة

لم يبق سوى عدد قليل من البلدان العربية التي لم تتعرض لانتفاضات 2011، وبعضهم، مثل المغرب، نفذوا درجة من الإصلاح ولكن معظمهم عادوا إلى وسائل مجربة ومختبرة لاحتواء السكان المضطربين عبر قمع المعارضة وفي ذات السياق نجد أن العقد الاجتماعي التقليدي في الشرق الأوسط، الذي ينبني على مدفوعات الدولة التي تمولها البترودولارات مقابل الحرية السياسية المحدودة، يتلاشى.

ويأتي ذلك بعد فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط، وعدم الاستقرار والركود الاقتصادي، والاعتمادا المتزايد على الديون الخارجية لسد عجز الميزانية ، وأخيرا السيطرة على موارد الدولة وقد أنفقت حكومات الشرق الأوسط 74 مليار دولار على دعم الوقود في عام 2016، وهو ما يمثل ربع الدعم العالمي للطاقة، وفقا لصندوق النقد الدولي. وكثير منها يقلل أيضا من عدم كفاية الخدمات المدنية التي تصرفت كشبكات أمان اجتماعي ولكنها تستهلك حوالي ثلث الإنفاق الحكومي.

ويقول الخبراء إن الاصلاحات طال انتظارها، ولكنها تحدث فى بيئة متقلبة في ظل شعور متزايد بالظلم بين السكان الشباب والمتحضرين والمثقفين ويعتقد الكثير من العرب أن حياتهم ازدادت سوءا منذ عام 2011.

يقول «مراد زعبوطي» الشاب التونسي البالغ من العمر 34 عاما الذي يعيش مع مع والدته على معاش والده الراحل: «كان الوضع قبل الثورة أفضل فالآن كل شيء مكلف، لم أعمل لمدة عامين، لقد كان لدي أمل في الثورة، ولكن لم يتغير شيء».

وبينما أصبحت دول أخرى أكثر قمعا، فإن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن تطالب فيها بالتحول الديمقراطي في أعقاب انتفاضات عام 2011 غير أن المكاسب السياسية للبلاد لم يقابلها نجاح اقتصادي، إذ لا تزال تعاني من بطالة الشباب بنسبة 25% وتفاوت بين المناطق الساحلية الأفضل والمناطق الداخلية الفقيرة. 

وفي عام 2016، لجأت تونس إلى حزمة قروض بقيمة 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتخفيف الضغط على خزانة الدولة المثقلة لكن ذلك يعنى الدفع نحو الإصلاحات المؤلمة بما فى ذلك إجراءات التقشف التى تسببت فى احتجاجات يناير.

مسار مماثل

واتخذت مصر مسارا مماثلا، حيث حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار من قروض صندوق النقد الدولي خفضت القاهرة بموجبه دعم الوقود وخفضت قيمة الجنيه، ورحب المستثمرون والشركات بهذه التحركات بفعل النقص في الدولار، لكن هناك مزيد من المعاناة على المصريين بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مع ارتفاع التضخم إلى ما يزيد على 30%، وعندما سعت الحكومة إلى تعديل نظام إعانات الخبز، اضطرت إلى التحول عنه من جديد بعد اندلاع الاحتجاجات.

وتم تفادي الاضطرابات الواسعة النطاق في الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان، وذلك جزئيا بسبب أن التخفيضات التي طرأت على الإعانات الحكومية جاءت في ظل تشديد النظام قبضته الاستبدادية فمنذ استيلاء الرئيس «عبدالفتاح السيسي» على السلطة في انقلاب عام 2013، تم اعتقال الآلاف من الناس وإغلاق 450 موقعا على شبكة الإنترنت في حملة قمع تصفها هيومن رايتس ووتش بأنها «حملة قمع لم يسبق لها مثيل على جميع أشكال المعارضة». 

ومن المؤكد أن يفوز «السيسي» بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر.

وفي المملكة العربية السعودية، يتخذ ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» نهجا متعدد الجوانب لإصلاح الاقتصاد المعتمد على النفط ولإصلاح جذري في النظام الاجتماعي. 

وقطع وعودا لخلق مجتمع أكثر تسامحا، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة وسعى أيضا إلى تضييق العجز المالي عن طريق خفض إعانات القطاع العام، وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 127%، وإدخال ضريبة القيمة المضافة.

ولكن حتى مع العمل على إنهاء أي معارضة في المملكة حيث جرى اعتقال صحفيين وأمراء، فقد أعادت الرياض استحقاقات الموظفين المدنيين والعسكريين بعد ستة أشهر فقط من قطعها. 

واستجابت الرياض في غضون أيام من طرح ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% وأسعار وقود المشي لمسافات طويلة هذا العام على الشكاوى بمنح موظفي الدولة دفعة شهرية إضافية قدرها ألف ريال سعودي (267 دولارا) لمدة سنة.

ومع ذلك، إذا كان الأمير «محمد» سيحقق أهدافه، سيتعين على الجيل المقبل أن يخفض توقعاته بشأن الرواتب والامتيازات وأن يتنافس على وظائف القطاع الخاص حيث يعمل حاليا ثلثا السعوديين في مؤسسات الدولة، وتشكل فاتورة أجور القطاع العام أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مع زيادة رواتب الحكومة في المتوسط بنسبة 150% عن القطاع الخاص، وذلك وفقا لصندوق النقد الدولي.

ويقول الأستاذ السابق لعلم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض «خالد الدخيل»: «ندخل مناطق جديدة. إذا استمر الضغط الاقتصادي في الازدياد سوءا، فإن الاحتمالات مفتوحة حقا. هل الحكومة ستستوعب رد فعل الشعب؟ إذا لم يكن ذلك ممكنا، فقد يكون لدينا أوقات سياسية صعبة للغاية هنا».

تفاقم المشاكل

ويقول الأستاذ المصري في مجال التخطيط والشؤون العامة في جامعة مينيسوتا، «راجي أسعد» إن مشاكل المنطقة تتفاقم بسبب ضعف القطاع الخاص غير القادر على استيعاب الوافدين الجدد للوظائف وتزايد التوقعات لدى الباحثين عن عمل مع ارتفاع معدلات التحصيل العلمي.

ويضيف: «كان هناك افتراض بأن القطاع الخاص سيتولى دور إنتاج وظائف جيدة بمجرد انسحاب الدولة وهذا ببساطة لم يحدث»، مشيرا إلى «أن الاستثمارات الأجنبية لم تتحقق وأن الاستثمارات المحلية دخلت إلى مناطق لا تنتج عنها فرص عمل جيدة مثل العقارات».

وكما يقول «أسعد»: «كان المصري الذي يدخل سوق العمل مع التعليم الثانوي أو أعلى في السبعينات وأوائل الثمانينيات لديه فرصة بنسبة 70% لتأمين وظيفة في القطاع العام، وبحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تراجعت تلك التوقعات إلى 25%، في حين أن الفرصة الآن للحصول على وظيفة في القطاع الخاص في سوق العمل هي بنسبة 15% فقط».

ويضيف: «عندما تقوم بتعليم وتثقيف الشباب فإنك ترفع التوقعات وعندما تكون غير قادر على تلبية تلك التوقعات يحصل على الكثير من الغضب والإحباط. معظم البطالة في المنطقة هي بسبب الناس الذين لا يحصلون على وظيفتهم الأولى وليس بسبب فقدان وظائفهم وفي نهاية المطاف سوف تحصل على وظيفة في الاقتصاد غير الرسمي في أفضل الأحوال بعد البقاء على قائمة الانتظار لعدة سنوات».

ويضيف «أسعد» أن القمع لا يمكن أن يكمم مثل هذه الإحباطات لفترة طويلة فالخطر هو أن يكون لديك المزيد من الاضطرابات مع المزيد من القمع، كما أن الطبقة الوسطى، أو أولئك الذين يطمحون إلى أن يكونوا من الطبقة الوسطى، هم الأكثر استياء في هذا العقد الاجتماعي.

ويدرك صندوق النقد الدولي هذه المخاطر فقد حذرت «كريستين لاغارد» في يناير/كانون الثاني الماضي الدول العربية في موضوع ضرورة تسريع وتيرة خلق فرص العمل: «إن عدم الرضا العام، الذي يتفجر في العديد من البلدان، يذكر بأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر إلحاحا»، مضيفة أن 27 مليون شخص سوف يدخلون القوى العاملة العربية في السنوات الخمس المقبلة.

ومع أن كفاح الحكومات ينصب على جذب الاستثمارات إلى قطاعات تولد فرص عمل مثل التصنيع فإن صندوق النقد يدعو من أجل تخفيف الضغوط إلى «برامج حماية اجتماعية» أكثر استهدافا مثل المدفوعات النقدية لشرائح المجتمع الأكثر فقرا بدلا من نظم الدعم الأوسع نطاقا.

لكن الوزير الأردني السابق «المعشر» يصر على أن الإصلاحات الاقتصادية لن تعمل إلا إذا رافقها تغيير سياسي. «لا يمكن أن يكون لديك هذه الأنظمة الاستبدادية، سواء في المملكة العربية السعودية ومصر أو إيران أو في أي مكان آخر، وتأمل في ذات الوقت أن تبحر العملية الاقتصادية الخاصة بك بسلاسة».

كما يضيف «لا أحد يتحدث عن الحريات الكاملة والديمقراطية الكاملة بين عشية وضحاها، ولكن كما تطلب من الناس مزيد من التضحيات الاقتصادية، يجب أن تسمح لهم الحريات السياسية».

ونجد أن «صغير» مقتنع بأن الحفاظ على الوضع الراهن سيؤدي في نهاية المطاف إلى الاضطرابات. «إن درجة الغضب الشعبي ترتفع باستمرار. . . الغضب الشعبي سيصل إلى مستوى خطير».

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي السعودية مصر تونس المغرب

«أبو الغيط» مهاجما الربيع العربي: «هذه كارثة»

«ستراتفور»: الثورة القادمة في مصر.. لماذا سيسقط حكم «السيسي»؟