"سويس ليكس": السرية المصرفية في خدمة الأثرياء

الخميس 12 فبراير 2015 06:02 ص

كشفت وثائق سرية مسربة أن الفرع السويسري لمصرف "إتش أس بي سي" HSBC غض الطرف عن مجموعة لا يستهان بها من النشاطات غير الشرعية لتجار أسلحة وألماس، فيما ساعد موظفوه عملاءه الأثرياء على التهرب الضريبي، وذلك بناء على هذه الوثائق التي بدأت تسرب منذ يوم الاثنين الماضي.

وتعود بيانات HSBC المسربة إلى حسابات مصرفية تصل إلى 100 مليار دولار، مملوكة لأكثر من مئة ألف شخص ومجموعة "شرعية" حول العالم. 

وقدم موظف سابق في المصرف السويسري، ويدعى هيرفيه فالسياني، الوثائق إلى سلطات الضرائب الفرنسية في العام 2008، وقامت الحكومة الفرنسية بكشفها لحكومات دول أخرى، مطلقة تحقيقاً في الموضوع.
وحصلت صحيفة "لوموند" الفرنسية على نسخة من البيانات، وقامت بإطلاع "الإتحاد (الكونسيورتيوم) الدولي للصحافيين الإستقصائيين" (ICIJ)، الذي قام بدوره بتحليل المواد مع صحيفة "الغارديان" البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". 
وتغطي الوثائق المسربة الأعوام 2005 و2006 و2007.

وخدم مصرف "إتش أس بي سي"، ومقره لندن وله فروع في جميع أنحاء العالم، وهو بالمناسبة ثاني أهم مصرف في العالم، عملاء مقربين من نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والرئيس السوري بشار الأسد. 

وبحسب صفحة "سويس ليكس" على موقع "الإتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين"، فإن "فريقاً من الصحافيين من 45 دولة كشفوا النقاب عن حسابات مصرفية سرية لمجرمين، تجار مخدرات، متهربي ضرائب، سياسيين، ومشاهير".

ويضيف الموقع: "الوثائق السرية تكشف أن العملاق المصرفي إتش أس بي سي استفاد من التعامل مع تجار سلاح وألماس يستخدم في تمويل الحروب، وزعماء ديكتاتوريين من العالم الثالث، ومجندي أطفال في أفريقيا".
وقال الـ"كونسورتيوم" الصحافي أن من زبائن المصرف سياسيين سابقين وحاليين من بريطانيا وروسيا وأوكرانيا وكينيا والهند ولبنان والمكسيك وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديموقراطية والجزائر.
وقال الاتحاد الصحافي الإستقصائي إن قائمة عملاء المصرف في سويسرا التي نشرت حديثاً تضم شخصيات ملكية، من بينهم الملك المغربي محمد السادس، وساسة ومسؤولين تنفيذيين في شركات، من بينهم رئيس مجلس إدارة شركة "سانتاندر" السابق، اميليو بوتين، الذي توفي العام الماضي.

وتحتكر سويسرا أكبر عدد من الزبائن الذين عاينتهم الوثائق المسربة، تليها فرنسا والمملكة المتحدة، والبرازيل وإيطاليا.

وبحسب القيمة المالية، تحتل سويسرا المرتبة الأولى بالودائع المشمولة في المعلومات التي يجري التحقيق بها، بمبلغ 31,2 مليار دولار، تليها المملكة المتحدة ب21,7 مليار دولار، ثم فنزويلا بـ14 مليار دولار، والولايات المتحدة بـ13,4مليار دولار، وفرنسا بـ12,5 مليار دولار، ولبنان بـ4,83 مليار دولار موزعين على 2998 زبون.

ورغم أن بعض المعلومات الواردة في الوثائق المسربة تم كشفها في وقت سابق، عندما تم تغريم "إتش أس بي سي" في العام 2012 من قبل الولايات المتحدة لسماحه لمجرمين باستغلال فروعه في غسيل الأموال، فإن المعلومات التي تم تسريبها يوم أمس الأول تؤكد أن المصرف كان له دور نشط في مساعدة أغنياء العالم على إخفاء ثرواتهم من السلطات.

في هذا الشأن، يقول "الكونسيورتيوم" الصحافي الاستقصائي إن "المصرف كان دائماً يطمئن زبائنه أنه لن يكشف عن تفاصيل وأرقام حساباتهم للسلطات الوطنية، حتى وإن أثبتت الأدلة أن هذه الحسابات لم يتم الإعلان عنها لسلطات الضرائب في البلد الأم للعميل"، مضيفاً أن "موظفي المصرف ( الذين يعرفون باسم موظفي العلاقات العامة) ناقشوا أيضاً مع العملاء مجموعة من الإجراءات التي ستسمح لهم بتجنب دفع الضرائب في بلدانهم الأم".

وأمس الثلاثاء، كشفت تسريبات جديدة في إطار فضيحة "سويس ليكس"  نشرتها وسائل إعلام سويسرية، أن مصرفيي البنك السويسري زاروا ما لا يقل عن 25 بلداً بشكل سري، وغالباً بشكل غير شرعي، للقاء عملاء يودعون لدى المصرف أموالاً غير مصرح بها.

فبين العامين 2004 و2005، تظهر وثائق "سويس ليكس"( أي المعلومات التي سرقها من إتش أس بي سي السويسري فالسياني) أنه حصل ما لا يقل عن 1645 لقاء في الخارج في 25 بلداً مع زبائن في المصرف، كما كتبت الصحيفتان السويسريتان "تاغس انزاغر" و"لوتان". وجرت معظم تلك اللقاءات في فنادق أو مطاعم فاخرة.

وهؤلاء المصرفيون الذين قاموا برحلات جوية منتظمة للقاء بزبائنهم في أمكنة بعيدة أو في أوروبا، كانوا يسمون "مسؤولي العلاقات العامة" ("ريلايشن ماناجرز") أو اختصاراً "آر أم".
وبحسب الصحيفتين السويسريتين، كان هؤلاء المصرفيون في خدمة زبائنهم الفعليين أو زبائنهم المقبلين، الذين كانوا يلتقونهم في صالونات خاصة في فنادق فخمة في تل أبيب أو باريس، أو في حانة في أنفير أو في مطار بوانت نوار في الكونغو الديموقراطية أو في "مقر صيفي في كوبنهاغن".

وحسب القوانين المرعية الإجراء، فان أي لقاء بين مصرفي وزبون يقتصر على المجاملة يكون قانونياً، لكن عندما يستغل المصرفي اللقاء للحصول على ودائع جديدة أو للمساعدة في كيفية تجنب دفع ضرائب، فانه في هذه الحالة يصبح غير قانوني.

وكان هؤلاء المصرفيين يستفيدون من تلك الزيارات، ليس فقط ليجذبوا الزبون إلى مصرفهم، بل ليقترحوا عليه حلولاً للتملص من ضريبة أوروبية على الودائع في سويسرا التي يملكها أوروبيون دخلت حيز التنفيذ في 2005. وتبلغ هذه الضريبة 15 في المئة على الأقل على فوائد هذا الادخار الأوروبي في سويسرا.

وبما أن هذه الضريبة لا تشمل سوى الحسابات التي يملكها أفراد، فان المصرف السويسري كان يقترح على زبائنه إنشاء شركات "أوف شور" ووضع أموالهم فيها.

وتفيد شهادة مهندس ديكور مقيم في موناكو واستمع إلى أقواله القضاء الفرنسي، أن مسؤولاً للعلاقات العامة اقترح عليه فتح شركة "أوف شور" أثناء زيارة إلى مونتي كارلو في العام 2005. وقال: "شرح لي انه لتجنب دفع هذه الضريبة، علي أن افتح هذه الشركة في بنما، لتفتح بدورها حساباً مصرفياً في اتش اس بي سي في لوغانو، لأحول إليه كل أموالي (حوالى 2,9 مليون يورو) كي لا تشملني هذه الضريبة. فشعرت حينها ببعض الخوف، لكنه كان مقنعاً، وقال لي إن الجميع يفعلون ذلك في هذا الوقت".

وقال موظف سابق في "اتش أس بي سي" السويسري إن مسؤولي العلاقات العامة "كان لديهم هواتف جوالة سرية بغية الاتصال بمكاتبهم عندما يكونون في الخارج".

وأضاف أن "رجال الجمارك أوقفوا مرة أحد هؤلاء المسؤولين. عندها منع المصرف موظفيه الجوالين من حمل حاسوب معهم أو أوراق تحمل شعاراً، أو أي مستندات رسمية".

وفي هذا الإطار، يقول أستاذ المحاسبة في جامعة فارفيك، كراوفورد سبينس، أن "حالة إتش أس بي سي تختلف عن أي فضيحة ضريبية أخرى، إذ أن هذا المصرف كان متواطئاً في التهرب الضريبي الواضح ومخالفة القانون، عوضاً عن المساعدة عن اعتماد وسائل مسموح بها أو شرعية للتهرب من دفع الضرائب".

ولكن بماذا سيساعد "سويس ليكس"؟
تساعد الوثائق المسربة الحكومات على الإعداد جيداً لمحاكمة المتهربين من الضرائب، والمصرف بحد ذاته، فيم وقت تسعى فيه هذه الحكومات لتكثيف حملتها ضد التهرب الضريبي لدعم خزائنها المتضررة جراء الأزمة المالية ووسط انتقاد من عدم دفع الأثرياء لما يتوجب عليهم للدولة.

"إنك تترك لتتساءل، عندما ترى حجم ما يجري، كم يستغرق من الوقت لتسوق متهرباً من الضرائب إلى العدالة"، تقول رئيسة لجنة الحسابات العامة في البرلمان البريطاني مارغاريت هودج للـ"بي بي سي"، مضيفة أنه "يجب استجواب رئيس مجلس إدارة إت أس بي سي السابق، ستيفن غرين، ما إذا كان نائماً طوال هذا الوقت، أو إذا كان يعلم بما يجري في المصرف، وبالتالي فهم متورط في ممارسات غير قانونية".

وفي بلجيكا، يفكر قاض بإرسال مذكرات توقيف بحق موظفين حاليين وسابقين في المصرف، إذا لم تتقدم التحقيقات بشأن العمليات السويسرية.

وقد شرعت خمس دول، وهي الولايات المتحدة وفرنسا و الأرجنتين واسبانيا وبلجيكا، بإجراءات قضائية ضد مصرف "اتش اس بي سي" السويسري.

ويواجه المصرف تحقيقات من جانب السلطات الأميركية والمشرعين البريطانيين، بعدما أقر بأوجه قصور في وحدته السويسرية، ربما سمحت لبعض العملاء بالتهرب من الضرائب.

كما تحقق السلطات الأميركية في ما إذا كان المصرف قد تلاعب بأسعار العملة. وقال مسؤول عن تطبيق القانون أمس الأول، إن التحقيقات "قد تدفع وزارة العدل لإعادة النظر في اتفاق تأجيل مقاضاة أبرم مع البنك في عام 2012".

وكان الاتفاق جاء ضمن تسوية بقيمة 1,9 مليار دولار أتاحت للمصرف تفادي توجيه اتهامات جنائية إليه، بعدما خلصت تحقيقات إلى أنه ساعد في دخول أموال غير مشروعة من تجارة المخدرات تقدر بمئات الملايين من الدولارات إلى النظام المصرفي الأميركي.

لكن ماذا قال "إتش أس بي سي"؟ يقول المصرف إن قطاع إدارة الثروات السويسري، الذي طالما عرف بسريته، كان يدار بشكل مختلف في الماضي، وإن هذا ربما نتج عنه وجود عدد من العملاء لدى المصرف "الذين ربما لم يمتثلوا تماماً لالتزاماتهم الضريبية المطبقة".

وأضاف في بيان مفصل من أربع صفحات أن أنشطته لإدارة الثروات، ولاسيما ذراعه السويسرية، خضعت "لعملية تحويل جذرية" في السنوات الأخيرة.

المصدر | موقع السفير

  كلمات مفتاحية

سوريا بنك HSBC فرنسا الزيارات سويسرا حسني مبارك بريطانيا التحقيقات

الدولي للصحفيين: تسريبات حسابات HSBC السرية لملوك وأمراء عرب مصدرها السلطات الفرنسية

«فوربس»: 66 من أثرياء العالم خرجوا من قائمة المليارديرات خلال 8 أيام فقط

ثروات 62 شخصا تساوي أموال نصف سكان العالم

أثرياء الخليج

السرية تحيط باجتماع حكومة العالم الخفية «بيلدربيرغ» في ألمانيا

«الإندبندنت»: اجتماع «بيلدربيرغ» خطر يخدم مصالح الأغنياء