استراتيجية صهيونية جديدة لمواجهة التحولات في سوريا

السبت 5 يوليو 2014 12:07 م

صالح النعامي، السبيل، 5\7\2014

كشف الجدل الداخلي الذي تصاعد في الكيان الصهيوني في أعقاب التصعيد الأمني الأخير على الحدود مع سوريا النقاب عن أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تبلور إستراتيجية دفاعية جديدة في مواجهة «المخاطر» الناجمة عن التحولات الدرامتيكية في سوريا.

فقد تبين أن إسرائيل قد شرعت بالفعل في تطبيق بعض مركبات هذه الإستراتيجية، في حين أن مركبات أخرى لا زالت تخضع للنقاش. فعلى سبيل المثال شرع جيش الاحتلال بالفعل في نصب منظومات مضادة للصواريخ على نقاط محدودة على الحدود تعتمد على تقنيات قادرة على إسقاط الصواريخ قبل وصولها الجدار الحدودي.

ويتضح أن أهم الخطوات التي أقدم عليها الجيش الصهيونية في سعيه مواءمة إستراتيجيته الدفاعية في الجولان للتحولات المتسارعة قد تمثلت في تدشين فرقة عسكرية جديدة أطلق عليه «فرقة 211»، مكونة بالأساس من ألوية مشاة ووحدات خاصة، تمتاز بقدرة سريعة على الحركة، حيث إن هذه الفرقة قد حلت محل «فرقة 90» المدرعة، التي ظلت تتمركز في الهضبة منذ أواسط السبعينيات حتى منتصف عام 2013.

ونظراً لتعاظم المخاوف لدى قيادة الجيش الإسرائيلي، فقد تم تعيين الجنرال أوفيك بوخريس (المتدين)، الذي يوصف بأنه «أحد أفضل القادة الميدانيين» في الجيش الإسرائيلي، كقائد لهذه الفرقة. وعلى الرغم من أن قيادة الجيش الصهيوني باتت متأكدة أن جماعة مرتبطة بنظام الأسد هي المسؤولة عن التصعيد الأخير، إلا أن تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن عهد الهدوء على الحدود الذي استمر أكثر من أربعة عقود قد ولى إلى غير رجعة.

ولقد بات واضحاً أن الصهاينة يخشون أن يتكرر في الجولان السيناريو الذي تعرض له خلال تسعينيات القرن الماضي في جنوب لبنان، عندما تحولت قواعد وقوافل هذا الجيش إلى أهداف لصواريخ وقذائف حزب الله. أن أحد مظاهر التحول في الإستراتيجية الصهيونية تجاه سوريا يتمثل في الاستعاضة عن كثافة تواجد الجيش ودورياته الراجلة والمحمولة بتدشين عوائق أرضية تقلص القدرة على التسلل عبر الحدود.

ويشير الجنرال عتي شيلح، القائد السابق لسلاح الهندسة الميدانية في جيش الاحتلال إلى أن أهم العوائق «الأرضية» القادرة على مواجهة عمليات التسلل إلى قبل الكيان الصهيوني من الجولان السوري تتمثل في حقول الألغام. وحسب شيلح فإن التحدي الأكبر الذي ستواجه الكيان الصهيوني مستقبلاً يتمثل في التصدي لتبعات سيطرة «الجهاديين» على هضبة الجولان، سيما وأن المؤشرات لدى تل أبيب تؤكد أن «جبهة النصرة» تحديداً هي التي تسيطر على المناطق المتاخمة للحدود مع الكيان الصهيوني.

وهناك ما يؤشر على أن تل أبيب تتبنى إستراتيجية «الدفاع النشط»، والقائمة على المبادرة إلى مهاجمة أي طرف في سوريا بمجرد حصول تل أبيب على معلومات استخبارية تفيد بتخطيط هذا الطرف لشن عملية ضد الأهداف الصهيونية. مما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن تفجير الأوضاع الأمنية سيفضي إلى أضرار اقتصادية هائلة، سيما وأن كثيراً من المرافق السياحية تقع بالقرب من الحدود.

لقد حرص قادة الجيش ومحافل التقدير الإستراتيجي الصهيوني على التشديد على أن التصعيد الأخير واستهداف مواقع الجيش السوري لم يغير القناعة المتجذرة لدى دوائر صنع القرار السياسي في تل أبيب والمتمثلة بضرورة تصميم الجهد الحربي ضد سوريا بحيث لا يؤدي إلى إضعاف نظام الأسد وتعزيز قوة المعارضة ومكانتها السياسية، على اعتبار أن بقاء النظام الحالي هو أفضل البدائل الممكنة في ظل الظروف الحالية. وقد تعاظمت الدعوات داخل تل أبيب إلى تدشين حزام أمني في قلب الأراضي السورية بغرض نقل المواجهة إلى قلب سوريا، بدلاً من «المخاطرة» بمواجهة تبعات صعود «الجهاديين» داخل العمق الصهيوني.

ويرى أصحاب هذه الدعوات أن فرص نجاح إستراتيجية الردع في مواجهة «الحركات الجهادية» تؤول إلى الصفر، وذلك بخلاف النظام السوري، مما يستدعي تواجداً عسكرياً في قلب الأراضي السورية. ويذكر أن صحيفة «هارتس» قد كشتف في مارس 2013 النقاب عن أن إسرائيل بحثت مع الولايات المتحدة ودول عربية فكرة إقامة منطقة عازلة في الجولان السوري. وحسب الصحيفة، فإن هذه الفكرة قامت على أن تعمل دول عربية ترتبط بعلاقة جيدة مع مجموعات سورية «معتدلة» على تمركز عناصر هذه المجموعات في المناطق المتاخمة للحدود مع الكيان الصهيوني.

ونوهت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بحث الاقتراح مع الأمريكيين وممثلي دول عربية. ويبدو من خلال مسار الأحداث أن الدول العربية التي راهنت تل أبيب على دورها فشلت في توفير البضاعة لتل أبيب، بدليل أن «جبهة النصرة» التي تتولى السيطرة على معظم مناطق الجولان السوري وليست «الجماعات المعتدلة». ومن الواضح أن التصعيد الأخير خدم قيادة الجيش التي «تقاتل» من أجل زيادة موازنة الأمن وعدم المس بها، كما تطالب وزارة المالية.

وقد أسهم التصعيد الأخير في تعزيز مكانة قيادة الجيش الإسرائيلي في الصراع الدائر بين وزارتي الحرب والمالية بشأن موازنة الأمن. فـ»تل أبيب» تعي أن المياه على الحدود مع سوريا لم تعد راكدة وأن حجم التحديات يتعاظم على الرغم من أنه يبدو لأول مرة أن إسرائيل هي الطرف الوحيد المستفيد مما يجري في المنطقة.

 

  كلمات مفتاحية

«معهد الأمن الصهيوني»: مواجهة حتمية مع «حماس» أو«حزب الله» خلال 2015