متشددو إيران ينتصرون.. كيف شكلت شهور الاحتجاج نظاما أكثر قوة؟

الاثنين 6 فبراير 2023 09:26 م

سلط أستاذ الشؤون الدولية والشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز "ولي نصر" الضوء على وضع النظام الإيراني الحاكم حاليا بعد شهور من احتجاجات هي الأعنف منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية عام 1979، مؤكدة أن المتشددين أصبحوا أكثر قوة.

وذكر "نصر"، في تحليل نشره بمجلة "فورين أفيرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن موجة الاحتجاجات هزت إيران على مدى الأشهر الخمسة الماضية، وانضم إلى الشابات اللواتي يطالبن بوضع حد للحجاب الإجباري طلاب وعمال ومهنيون يطالبون بالحقوق الفردية والإصلاح السياسي، وحتى وضع حد لنظام الجمهورية الإسلامية نفسه.

وشكلت هذه المظاهرات التهديد الأكثر أهمية للحكومة الإيرانية منذ عام 1979؛ ما أثار التكهنات بأن النظام الثيوقراطي اليوم يمكن أن يسير بنهاية المطاف في طريق النظام الملكي السابق.

احتفظ النظام الإيراني بزمام الأمور، بفضل القمع القاسي لقوات الأمن وغياب القيادة والتنسيق بين المتظاهرين، لكن الغضب الشعبي لا يزال يتصاعد، والظروف الاقتصادية السيئة تجعل المزيد من الاضطرابات أمرًا لا مفر منه.

ودفع موقف النظام المحفوف بالمخاطر العديد من كبار رجال الدين في النجف وقم، ومسؤولون حكوميون كبار سابقون، وحتى قادة سابقين في الحرس الثوري الإسلامي، لانتقاد رد فعل الحكومة على الاحتجاجات. كما انتقدت وسائل إعلام مشهورة، محسوبة على التيار المتشدد ومقربة من الحرس الثوري الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" لسوء إدارته للاقتصاد.

 وندد أنصار للنظام، بمن فيهم الرئيسان السابقان "محمد خاتمي" و"حسن روحاني" ورئيس البرلمان السابق "علي لاريجاني"، برد فعل الحكومة القاسي على الاحتجاجات، ودعوا إلى تغيير ذي مغزى إذا أرادت الجمهورية الإسلامية أن تتغلب على العاصفة.

لكن لا يوجد دليل على أن المرشد الإيراني الأعلى "علي خامنئي" يستمع لهذه المطالبات، فمنذ بداية الأزمة شدد المتشددون قبضتهم على مقاليد السلطة، ويعارضون التعامل مع الغرب، ولا يرغبون في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

كما أصر المتشددون على الانعزالية وفرض الرقابة المشددة على المجالات الاجتماعية والسياسية، وتبني سياسات إقليمية عدوانية وزيادة التعاون مع روسيا.

بتعبير آخر، خرج النظام الإيراني من الاضطرابات، "أكثر تشددًا وربما عدوانية من أي وقت مضى"، حسبما أوردت "فورين أفيرز".

خط خامنئي الصعب

وأضاف "نصر" أن تحول إيران القوي، المناهض للغرب، ليس مدفوعًا بالرغبة في الدفاع عن أيديولوجية النظام الإسلامية، ففي كل خطاب منذ بدء المظاهرات، لم يقل "خامنئي" الكثير عن الدين، بل عن "مؤامرة أمريكية تم تحفيزها بالتنسيق مع إسرائيل والسعودية، لإضعاف إيران وإسقاط الجمهورية الإسلامية"، وفي رأيه، يجب على إيران حشد كل مواردها للرد على هذا الهجوم.

وألقى مسؤولون أمنيون، مقربون من "خامنئي"، باللوم على المحطات التلفزيونية المعارضة، التي تبث من أوروبا، لإذكاء الاضطرابات في إيران وتعبئة الرأي العام ضد الجمهورية الإسلامية، كما ألقوا باللوم على الاضطرابات في منطقتي البلوش والأكراد في إيران، التي تحث على التدخل الأجنبي.

وفي الخريف الماضي، حشدت إيران قواتها على طول حدودها مع أذربيجان وحذرت العراق من أنها قد تعبر الحدود إلى ذلك البلد لإغلاق معسكرات الانفصاليين الأكراد.

ولذا يؤكد "نصر" على أن "خامنئي" مصمم على الحفاظ على النظام الذي حكمه لأكثر من 3 عقود، إذ من شأن التسوية مع المعارضين في هذه المرحلة أن تلطخ إرثه، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، كما جرى عام 1979، عندما أدى استيعاب المتظاهرين إلى تسريع انهيار النظام الملكي.

وإزاء ذلك، لجأ "خامنئي" إلى العنف والقمع، بدلاً من الانصياع للمتظاهرين أو الاستجابة لنصائح المنتقدين، ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، قُتل مئات المتظاهرين في حملات القمع التي شنتها قوات الأمن، كما اعتقل الآلاف منهم، والكثير منهم يواجهون عقوبة الإعدام.

واستخدم النظام في حلمته القمعية أنظمة مراقبة متطورة، وتهديد عائلات المتظاهرين وأصحاب العمل والشركات؛ والدعاية والضغط الاقتصادي لقمع الاضطرابات.

كما اعتمد "خامنئي" بشكل أكبر على مشورة المتشددين داخل الحرس الثوري الإيراني ووكالات المخابرات والبرلمان ووسائل الإعلام، فهم، بالنسبة له، من يفهمون المشكلة كما يفهمها ويشاركونه عدم ثقته في الغرب، ويعارضون الاتفاق النووي باعتباره فخًا مصممًا لمحاصرة إيران.

وأدت الاحتجاجات إلى إضعاف آفاق استعادة الاتفاق النووي لعام 2015، وبينما لاتزال إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مترددة في السعي لإطلاق سراح السجناء الأمريكيين المحتجزين لدى إيران، خوفًا من رد الفعل المحلي العنيف الذي قد تتكبده إذا تم رفع تجميد الأصول الإيرانية كجزء من أي صفقة، يبدو المتشددون في طهران غير منزعجين من الازدراء الغربي.

بل إن المقربين من "خامنئي" لم يتكرثوا بمزيد من العقوبات من خلال إعدام المتظاهرين الشباب وإثارة احتمال أن يصنف الاتحاد الأوروبي الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.

وتتجه إيران إلى المنطقة المضطربة في الأمم المتحدة أيضًا، إذ أثارت مخالفات طهران النووية قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أخبر رئيسها البرلمان الأوروبي مؤخرًا أن إيران جمعت ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لـ "عدة أسلحة نووية".

وقد تحيل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران قريباً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتمال فرض عقوبات أممية جديدة على طهران.

وفي المقابل، هددت إيران بأنها سترد على مثل هذا السيناريو بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، معلنة بشكل فعال أنها ستصبح دولة نووية.

وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مع إسرائيل، التي هاجمت، الشهر الماضي، منشأة لتصنيع الأسلحة في مدينة أصفهان الإيرانية، وربما مع الولايات المتحدة، إذ صرح الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مرارًا وتكرارًا بن إدارته لن تتسامح مع تحول إيران إلى دولة نووية.

من طهران إلى موسكو

وأمام عزلتها الدولية المتفاقمة، اتجهت إيران إلى الاقتراب أكثر من روسيا، إذ لطالما اعتبر "خامنئي" والحرس الثوري الإيراني الكرملين حليفًا حيويًا.

ويتشاطر "خامنئي" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" نفس النظرة للغرب، وأدت حرب روسيا في أوكرانيا إلى تركيز أكثر حدة على موقف طهران وموسكو المشترك ضد الولايات المتحدة.

وتجاهل "خامنئي" الانتقادات من داخل النخبة الحاكمة للموافقة على تزويد موسكو بطائرات مسيرة متطورة، والتي استخدمها الجيش الروسي لإحداث فوضى في أوكرانيا، وجادل بأنه "مع وقوف الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط ضد الجمهورية الإسلامية، يجب على إيران أن تعزز علاقتها مع روسيا".

وهنا تلفت "فورين أفيرز" إلى الأداء العسكري الروسي الضعيف في أوكرانيا يجعل موسكو ركيزة استراتيجية أكثر قيمة؛ لأنه طالما أن الكرملين يحتاج إلى أسلحة إيرانية فمن غير المرجح أن يدير ظهره لطهران.

وأدى قرار إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة إلى تعميق الغضب الغربي تجاه الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي دفع طهران بدوره إلى الاقتراب أكثر من موسكو.

وفي هذه الحلقة المفرغة، يكون الفائز هو المتشددون الذين فضلوا دائمًا توثيق العلاقات بين إيران وروسيا والانفصال عن الغرب.

ومع انجراف إيران أكثر نحو فلك روسيا، تزداد قوة هؤلاء المتشددين، ما يحسن احتمالات فوزهم في معركة خلافة "خامنئي"، التي تلوح في الأفق.

تسعى إيران الآن لأن تصبح لا غنى عنها للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا، وكلما احتاج "بوتين" إلى إيران زاد احتمال أن ينتهك العقوبات الغربية ويزود طهران بالمعدات والتكنولوجيا العسكرية الحيوية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.

وأفادت وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، الشهر الماضي، بأن إيران ستتلقى أكثر من 20 مقاتلة دفاع جوي روسية متطورة من طراز "سوخوي 35" بحلول مارس/آذار المقبل وتتطلع للحصول على طائرات مروحية ونظام دفاع جوي متقدم من طراز "إس 400"، قادر على تعقب طائرات "إف 35" الأمريكية.

ويعزز ذلك من القدرة العسكرية الإيرانية بشكل كبير، ويمكنها من مواجهة القوة الجوية الإسرائيلية في سوريا والعراق بشكل أفضل، فضلاً عن الضغط العسكري الأمريكي في الخليج، كما يمنح طهران الثقة لامتصاص الضغط الغربي والتخطيط لهجوم عسكري محتمل رداً على أنشطتها النووية الموسعة.

لكل هذه الأسباب، يزداد قلق جيران إيران من انجراف طهران نحو موسكو، وما قد يترتب عليه من ترسيخ قوة المتشددين الإيرانيين وجعل إيران أكثر خطورة.

وفي نهاية المطاف، قد لا يواجه الغرب أزمات منفصلة تشمل روسيا وإيران فقط، بل أيضًا مشكلة إضافية، تتمثل في إدارة سلوكهما المشترك، وهي مشكلة ستكون أكبر من مجموع جزئيها.

ويأمل بعض المسؤولين والمحللين الغربيين في أن يؤدي استيلاء المتشددين في إيران على السلطة إلى تسريع الاحتجاجات؛ ما قد يؤدي في النهاية إلى تغيير النظام، لكن الأمل في ذلك يبدو ضعيفا.

اعتمدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على العقوبات والتهديد بالحرب لردع السلوك العدواني لإيران، بينما تبدو إسرائيل جاهزة للتصعيد العسكري لتخريب برامج طهران العسكرية والنووية.

ولن يؤدي ذلك إلا إلى تعزيز قناعات إيران المتشددة المناهضة للغرب، والمخاطرة باندلاع حريق إقليمي مفتوح لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحمله تزامنا مع مواجهتهم لروسيا والصين.

ولذا يخلص تحليل "نصر" إلى أن السيناريوهات المحتملة تؤشر إلى أن نظام المتشددين في إيران بات أكثر قوة، وأن الاحتجاجات الشعبية لم تزده إلا خطرا.

المصدر | فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الحجاب علي خامنئي الحرس الثوري

إيران توقف صحيفة محلية عن العمل لانتقادها غلاء اللحوم