تحليل: انضمام الإمارات يعمق تعددية بريكس ولا يهدد الولايات المتحدة

الأربعاء 6 سبتمبر 2023 03:34 م

سلط الزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، نارايانابا جاناردان، والمدير العام لمؤسسة بحوث في دبي، محمد باهارون، الضوء على انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة لمجموعة بريكس باعتبارها مؤشرا على تنامي اتجاه التعددية داخل التكتل الدولي الصاعد بقوة.

وذكر الباحثان، في تحليل نشراه بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الدعوة التي وجهتها بريكس لـ 6 دول، بينها 4 من الشرق الأوسط، للانضمام إليها مؤشر آخر على نفوذ الصين المتنامي وتحول الشرق الأوسط بعيداً عن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.

وأضاف أن انضمام الإمارات يأتي ضمن العملية المستمرة للتنويع الاقتصادي والدبلوماسي والأمني للدولة الخليجية، الذي يركز على الشرق في عالم متعدد الأقطاب والانحيازات على نحو متزايد.

وأعلن التجمع الاقتصادي الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في جوهانسبرج في 24 أغسطس/آب أن الإمارات والسعودية وإيران ومصر وإثيوبيا والأرجنتين يمكن أن تنضم رسميًا إلى الكتلة الموسعة في يناير/كانون الثاني 2024.

ومن شأن التوسع في قائمة تضم 22 من المتقدمين الطموحين أن يؤدي إلى تنشيط بريكس بعد سنوات من الشكوك حول أهمية المجموعة وتأثيرها.

وإذا قبلت الدول الست دعواتها، فإن الكتلة ستمثل 46% من سكان العالم و36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي حين أن انضمام الأعضاء الجدد إلى اقتصادات الأسواق الناشئة هذه، والتي تحث على مزيد من التمثيل لدول الجنوب العالمي في الشؤون العالمية، يناسب مصالح بريكس، إلا أنه يضيف قيمة كبيرة لدولة الإمارات، التي تعد قوة متوسطة في حد ذاتها بسبب قدراتها النفطية والمالية والتجارية.

استقلال استراتيجي

وهنا يشير الباحثان إلى أن انضمام الإمارات إلى بريكس يدل على ثقتها المتزايدة في اتخاذ قرارات جريئة ومستقلة، ويجسد السعي لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة.

ووفقاً لوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، فإن انضمام الإمارات إلى بريكس "يشكل جزءاً من التزام الدولة بتعزيز الحوار البناء من خلال منصات نشطة تمثل الاقتصادات النامية والناشئة، وتركيز الدولة على الرخاء الاقتصادي على المدى الطويل والحفاظ على علاقات استراتيجية واقتصادية متوازنة - بما في ذلك مع المنظمات الدولية - في نظام عالمي دائم التطور".

وبينما تعد مجموعة السبع، بقيادة الولايات المتحدة، ناديا حصريا للديمقراطيات التي نشأت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي ازدهرت اقتصاداتها، سيكون من الصعب تصور ضم المجموعة لأي أعضاء إضافيين من خارج منظومتها القيمية.

أما بريكس، فقد وضعت الأيديولوجية جانبا وعرضت على الدول الأصغر مقعدا على الطاولة بين الدول المرشحة لأن تكون من أسرع الاقتصادات نموا في العالم.

وقالت جنوب أفريقيا، الدولة المضيفة للقمة، إن مجموعة بريكس "شاملة" وليست "معادية للغرب"، كما أعلنت البرازيل أن الدول المدعوة لبريكس تم اختيارها لأهميتها الجيوسياسية وليس الأيديولوجية.

وستساعد عضوية بريكس الإمارات على تعزيز استراتيجيتها متعددة التحالفات من خلال العمل مع الصين من ناحية ومع الولايات المتحدة كجزء من كتلة I2U2 (الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة) من ناحية أخرى.

بنك التنمية

ويساهم انضمام الإمارات إلى بنك التنمية الجديد الذي تروج له بريكس في سبتمبر/أيلول 2021، إلى جانب بنجلاديش ومصر وأوروغواي، في توفير "فرص للتمويل المشترك".

ويمكن لصناديق الثروة السيادية الغنية أن توفر "قدرة أكبر على الوصول إلى الأسواق لدول بريكس"، وخاصة في مشاريع البنية التحتية، ما يؤدي إلى زيادة الاتصال بينها.

وتعد الإمارات بالفعل مركزًا عالميًا مرموقًا، ويتوافق موقعها الاستراتيجي وشبكتها الجيدة من المطارات والموانئ والطرق، مع مساعي أعضاء بريكس للاستفادة من أجندة الاتصال العالمية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق الصينية.

كما أن عضوية الإمارات في بنك التنمية الوطني تربط عضويتها في بنوك التنمية الأخرى متعددة الأطراف، ما يعزز خططها للتنويع الاقتصاد.

وتناقش كتلة بريكس، التي ستضم 7 أعضاء من مجموعة العشرين عند انضمام السعودية والأرجنتين، صك عملة مشتركة، ورغم أن تحقق ذلك قريبا غير مرجح إلا أن بعض دول الكتلة والدول المدعوة للانضمام إليها بدأت بالفعل في استخدام عملاتها المحلية لإجراء التجارة.

وفي منتصف أغسطس/آب، بدأت الهند والإمارات في تسوية الصفقات الثنائية، بما في ذلك معاملات النفط الخام، باستخدام عملتيهما المحليتين بدلاً من الدولار الأمريكي.

وقبل بضعة أسابيع، مع وجود احتياطيات قليلة من الدولار الأمريكي أو عدم وجودها على الإطلاق لسداد قروض صندوق النقد الدولي، قامت الأرجنتين بتسوية جزئية باستخدام اليوان الصيني.

مواجهة الدولرة

وفي حين يمكن النظر إلى هذه التحركات على أنها خطوات للحد من الدولرة، فقد شدد الخبراء الماليون على أنها تساعد في تبسيط المعاملات التجارية، وتقليل رسوم تحويل العملة، والمساعدة في التغلب على الصعوبات الناتجة عن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، توفر بريكس منصة أخرى للدول المتنافسة، بما في ذلك السعودية والإمارات وإيران، وهي أعضاء بالفعل في تكتل "أوبك"، لتعزيز مساعيها لخفض التصعيد.

وفي حين يبدو أن هذه التحركات تقوض الجهود الأمريكية لاحتواء إيران وتعزز أهمية الدول غير الغربية في المنطقة، فإنها توفر أيضًا نموذجًا للولايات المتحدة لتتبعه من خلال التركيز بشكل أقل على القضايا الأيديولوجية والسياسية، وتوجيه المزيد من الاهتمام إلى الدبلوماسية الاقتصادية.

ومع توسع بريكس، ستضم المجموعة 3 دول إقليمية قوية في أفريقيا ودولتين في أمريكا الجنوبية، ما يمكن الإمارات من تعزيز استراتيجياتها في القارتين، والتي اكتسبت زخما في السنوات الأخيرة.

ومن الممكن تحقيق هذه الأهداف عبر الكتلة التجارية لأمريكا الجنوبية، أو السوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور) ومنطقة التجارة الحرة الأفريقية.

وقبل أيام قليلة من قمة بريكس، بدا مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان غير منزعج من خطط توسع الكتلة، وقال إن إدارة الرئيس، جو بايدن، لا تتوقع أن يتطور التجمع إلى "منافس جيوسياسي للولايات المتحدة".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقيم علاقات "قوية وإيجابية" مع 3 دول أعضاء في مجموعة بريكس، هي: البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وستستمر في "إدارة العلاقة مع الصين" و"صد العدوان الروسي".

ومن المرجح ألا يشكل توسع بريكس، في حسابات واشنطن، تحدياً خطيراً، ولعلها تشك في فعالية المنتدى متعدد الأطراف الذي يضم 11 عضواً، بأكثر من فعاليته في صورته "المصغرة" سابقا، المكونة من 5 أعضاء.

ولكن يتعين على واشنطن أن تضع في اعتبارها أن التوسع المستمر في النظم الاقتصادية البديلة يعكس تحولات متزايدة للقوى العالمية وسط فراغ بالقيادة العالمية.

ومن غير المرجح أن يكون النظام العالمي المتعدد الأقطاب مشروطاً بالقوى العظمى بل بالقوى المتوسطة والصغرى، التي تفضل تعدد الانحيازات.

ولذا سيكون من مصلحة الولايات المتحدة عدم النظر إلى الاستراتيجيات الجديدة لدولة الإمارات ودول الخليج العربية الأخرى من منظور المنافسة أو باعتبارها لعبة محصلتها صفر، بل كجسر بين الجنوب والشمال العالميين، خاصة عند التعامل مع تحديات النقاط الساخنة في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي وأوروبا.

المصدر | نارايانابا جاناردان ومحمد باهارون/معهد دول الخليج العربية بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات بريكس السعودية عبدالله بن زايد اليوان الدولرة