هل يتخلى الجيش المصري عن «السيسي».. السيناريوهات والنتائج

الأربعاء 26 أكتوبر 2016 06:10 ص

حالة الترقب التي تخيم على المشهد المصري، إزاء تصاعد الغضب الشعبي ضد سياسات الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، وسط تحذيرات إقليمية ودولية من «ثورة جياع» في البلاد، تطرح تساؤلات مقلقة عن موقف الجيش المصري، حال انفلات الأوضاع على خلفية تظاهرات «ثورة الغلابة» 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

لا يعرف أحد على وجه التحديد، كواليس المشهد داخل المؤسسة العسكرية، بعد اغتيال قائد الفرقة التاسعة مدرعات بالجيش المصري العميد أركان حرب «عادل رجائي»، السبت الماضي، على يد حركة «لواء الثورة»، التي أعلنت عن تبني عملية الاغتيال.

يعد «عادل رجائي» أرفع مسؤول عسكري مصري يتم اغتياله منذ اغتيال الرئيس المصري «أنور السادات» في أكتوبر/تشرين الأول1981، كما أنه لأول مرة يتم استهداف ضابط بهذه الرتبة بعيدا عن محافظات سيناء حيث تدور اشتباكات مستمرة بين الجيش ومسلحين منتسبين لتنظيم «الدولة الإسلامية».

الأرجح أن حالة القلق تتصاعد داخل أوساط المؤسسة العسكرية، بعد الزج بها في صراعات سياسية، ومشروعات اقتصادية ضخمة، من شأنها التأثير على أدوارها المنوطة بها، والسحب من رصيدها لدى الشعب المصري، فضلا عن تورط الجيش المصري في حرب استنزاف ضد تنظيمات متشددة في شبه جزيرة سيناء، وتكبده خسائر فادحة خلال السنوات الأخيرة.

  الخروج الآمن

يتصدر سيناريو «الخروج الأمن» المشهد داخل المؤسسة العسكرية المصرية، استنادا إلى تجربة الجيش المصري مع الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو أفضل الخيارات استراتيجيا، كونه يجنب البلاد فاتورة باهظة أمنيا وسياسيا واقتصاديا.

يعزز ذلك السيناريو، الأزمة السعودية مع مصر، وقرار الرياض وقف إمداداتها النفطية للقاهرة، واشتراط الكويت الدفع نقدا لتزويد مصر بالإمدادات البترولية، ما يعني تململ الحلفاء الرئيسيين الداعمين للانقلاب العسكري من سياسات «السيسي» على خلفية تناقض الموقفين المصري والخليجي بشأن الأزمة السورية، والحرب في اليمن، والأوضاع في العراق، والتهديد المصري بالتطبيع مع إيران، فضلا عن الاحتماء بالدب الروسي، وهي سياسات في مجملها لا ترضي عواصم خليجية، كانت الأكثر دعما لـ«السيسي».

في يوليو/تموز 2015، غاب وزير الدفاع المصري «صدقي صبحي»، عن مرافقة «السيسي» في زيارته الميدانية الأولى لشمال سيناء، وكانت إحاطته بالحرس الجمهوري وسط قيادات الجيش، دلالة على وجود خلافات وراء الكواليس بين القيادات العيا في الجيش، ومؤسسة الرئاسة.

في 24 فبراير/شباط الماضي، وخلال خطابه بمناسبة تدشين استراتيجية التنمية المستدامة «مصر 2030 »، تحدث «السيسي» بلهجة حادة وصارمة، قائلا «اسمعوا كلامي أنا بس»، ورددها ثانيًا «أنا بس»، وهو ينظر باتجاه وزير الدفاع المصري الفريق «صدقي صبحي».

وبينما رد الحضور بالتصفيق الصاخب على كلمة «السيسي»، اكتفى «صبحي» بوضع يده على الأخرى، دون أن يصفق، الأمر الذي اعتبره مراقبون آنذاك، إشارة إلى تفاقم الخلاف بين «المشير» و«الفريق»، وظهوره إلى العلن.

  «مش هسيبها»

لم يمهل «السيسي» المصريين، وقتا للتأكد من فحوى رسالته، قال في ذات الخطاب «إنتو فاكرين أنا هسيبها.. لا والله أنا هفضل ابني فيها وأعمر فيها حتى تنتهي، يا حياتي يا مدتي»، وهي الإشارة الأكثر صراحة بشأن رغبته في إكمال مدته الرئاسية الأولى، على الرغم من تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وتردي حالة الاقتصاد المصري. 

في مقابل «مش هسيبها»، خرجت إلى العلن في مارس /آذار الماضي، دعوات إلى طرح بديل مدني، الأولى جاءت عبر الكاتب المصري المعروف بقربه من جهاز الاستخبارات الحربية «عبد الله السناوي»، وقال خلالها إن «هناك ضغوط غربية لعدم إكمال السيسي فترته الرئاسية»، بحسب صحيفة «الشروق» المصرية.

وجاءت الدعوة الثانية عبر الإعلامي المقرب من نظام مبارك «عمرو أديب»، قائلا في برنامجه «القاهرة اليوم» المذاع على فضائية «اليوم»، «حمدين صباحي بيتكلم عن بديل مدني وهناك ضابط يدير الأمر، وأيام مبارك كان هذا الضابط قد جهز البرادعي كبديل لمبارك، أما الضابط الحالي فلم يجهز البديل، ولكن من خلال ما سمعته في لندن وبعض التطورات السياسية أستطيع أن أقول لكم مواصفات رئيس مصر القادم وهي أنه لن يكون من الجيش»، حسب قوله.

ما سبق يتفق مع تسريبات تقول إن قيادات عسكرية رفيعة المستوى، فاتحت «السيسي»، بضرورة عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2018، لكن «السيسي» رفض هذا السيناريو بشكل قاطع، متمسكا بالاستمرار في المنصب والترشح لولاية ثانية تمتد حتى 2022، وفق صحيفة «العربي الجديد».

وقالت المصادر، إن الجيش المصري متمسك بسيناريو الخروج بشكل آمن للغاية؛ لعدم فتح الباب لاضطرابات، أو التورط في أعمال عنف أو خطوات اضطرارية؛ للحفاظ على صورة المؤسسة العسكرية، مضيفة أن «السيسي» أولا وأخيرا، كان وزيرا للدفاع وكان على رأس المؤسسة حتى وقت قريب، ويجب تكريمه وتصديره أمام الرأي العام على أنه المنقذ والمخلص من «الإخوان المسلمين»، ومنحه الكثير من الامتيازات، وفق الصحيفة.

  انتخابات رئاسية مبكرة

التداول السلمي للسلطة يطرح نفسه بقوة تجنبا للدخول في سيناريوهات صدامية شعبية، في ظل تدهور شعبية «السيسي»، بسبب الفشل الذي طال معظم قطاعات الدولة، وحدوث أزمات غير مسبوقة في حدتها، حيث اختفت سلع مهمة مثل السكر، والأرز، إضافة إلى الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، ما تسبب في ارتفاع حاد في أسعار السلع خصوصا المواد الغذائية.

ووفق تقارير تقول إن مؤسسة الرئاسة المصرية، تدرك أن أجهزة ما داخل النظام نفسه تقف وراء دعوات 11/11، وأن التظاهرات التي شهدتها مدينة بورسعيد، شمال البلاد، الشهر الجاري، وتصاعدها بشكل سريع، وكذلك أزمة السلع الغذائية ليس أمرا طبيعيا، يبدو خيار التنحي، أو إجبار «السيسي» على الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، أحد السيناريوهات المطروحة على المسرح المصري.

لكن إزاء تهديد «مش هسيبها»، و«يا حياتي يا مدتي»، يمكن القول أن «السيسي» يفضل إكمال فترته الرئاسية الأولى حتى يونيو/حزيران 2018، على أن يبدو المشهد باعتباره مكتفيا بولاية رئاسية واحدة، وأنه زاهد في السلطة، ولا يريد الترشح ثانيا، وهو ما ظهر جليا في توقف حملة «تمديد» التي كانت تطالب ببقاء «السيسي» لفترة ولاية ثانية، بالتزامن مع تقرير لمجلة «الأيكونوميست» وصفت فيه الاقتصاد المصري بـ«السئ»، وملمحة في الوقت ذاته إلى تخلي دول الخليج عن دعمه إثر مطالبات له بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة.

  الصدام الدموي

تبقى احتمالات الصدام واردة، على خلفية تفاعلات جديدة شهدتها المؤسسة العسكرية، أبرزها اغتيال العميد أركان حرب «عادل رجائي» أرفع مسؤول عسكري مصري يتم اغتياله منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو المعني بتنفيذ الجزء الأكبر من خطة انتشار الجيش خلال 6 ساعات التي أعلن عنها «السيسي» في سبتمبر/آيلول الماضي، للسيطرة على البلاد حال اندلاع الفوضى.

عملية الاغتيال أبرقت رسالة تحذيرية لقيادات الصف الثاني والثالث في المؤسسة العسكرية، بأن يد الإرهاب ربما تطالهم، حال التراجع عن السياسات المتبعة، عزز ذلك أنباء مسربة عن رسائل تهديد تم إرسالها عبر تطبيق «واتس آب» إلى أرقام التليفونات الخاصة بضباط الجيش، تتوعدهم بالانتقام منهم ومن عائلاتهم، وفقا لموقع «24».

بدا أن التسريبات الصادرة عن مصادر أمنية مجهولة، تقول إن «ملفات كاملة بالمعلومات عن ضباط الجيش والشرطة بحوزة تنظيمات مسلحة»، تحمل في طياتها رسالة تحذير من سيناريو التخلي عن «السيسي»، وضرورة الوقوف وراءه (جيش، شرطة) في خندق واحد لمواجهة الإرهاب والفوضى، لاسيما أن مقار جهاز «الداخلية» ستكون هدفا للمتظاهرين حال تكرار سيناريو جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011.

تظل ورقة الفريق «محمود حجازي» رئيس أركان حرب الجيش المصري، هي الأخطر حال تفاقم الخلافات داخل المؤسسة العسكرية المصرية، كونه على علاقة «مصاهرة» مع «السيسي» الذي تزوج ابنه، ابنة «حجازي» عام 2010، كما أن رئيس الأركان كان تولى في وقت سابق قيادة الاستخبارات الحربية في أغسطس/آب 2012 بعد تعيين «السيسي» وزيراً للدفاع، ما يمنحه قدرة نوعية على دعم «صهره» حال حدوث أي تطور ليس في صالحه، لكن يبقى الأمر مرهونا بثقل موقفه داخل «المجلس العسكري» الذي يضم 23 عضوا برئاسة وزير الدفاع، وتصدر عنه القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين.

المخاوف من الإنزلاق إلى السيناريو السوري، أو الليبي، تقلل من فرص خيار «الصدام»، فضلا عن حجم وقوة المظاهرات المرتقبة، ومدى امتدادها في محافظات الجمهورية، وهو مؤشر سيحسم إلى حد كبير موقف الجيش المصري، الذي يعد واحدا من أقدم الجيوش النظامية في العالم، ومن المؤكد أنه يخشى التورط في صدام دموي مع الشعب، قد يتسبب في حدوث انشقاقات داخل صفوفه.

  الموقف الإقليمي والدولي

يظل مستقبل «السيسي» مرهونا بتوازنات إقليمية ودولية، أطراف خليجية تراه عبئا عليها، بعد حزمة مساعدات سخية لا يعرف أحد مصيرها، وقوى إقليمية مثل (إسرائيل) تراه رمانة الميزان لأمنها ومصالحها في المنطقة.

يؤكد ذلك اتصالات تمت مؤخرا بين مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى في (إسرائيل) والولايات المتحدة في ظل خشية شديدة على نظام «السيسي» في مصر، حيث تهدد الأزمة الاقتصادية بتقويضه، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية.

وأضافت الصحيفة أن التقديرات الإسرائيلية والأمريكية تشير إلى أن الخطر على نظام «السيسي» يكاد يكون وشيكا، وأن حالة الغليان الشعبي ستعيد الجماهير المصرية إلى الشوارع وتقوض حكم الجنرال «السيسي».

كما أن المشهد الإقليمي في ظل استمرار الأزمة السورية، والحرب في اليمن، وانفلات الأوضاع في ليبيا، وتنامي خطر تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتفاقم أزمة اللاجئين إلى أوروبا، يرفض برمته تحول مصر إلى بؤرة ساخنة في هذا التوقيت، ويعطي إشارة خضراء للمؤسسة العسكرية للتضحية بـ«السيسي»، كون الجميع يخشى من «نفاد صبر المصريين عليه بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وفرض مزيد من الأعباء على المواطنين»، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

المؤشرات والتقارير والتسريبات المتداولة وراء الكواليس في مصر، تقول إن قيادات في المؤسسة العسكرية باتت ترى في «السيسي»، عبئا عليها، ويصعب إقناع المصريين بالصبر عليه حتى عام 2018، وما بين سيناريوهات «الخروج الآمن» و«الصدام الدموي» و«الانتخابات المبكرة» يتأرجح مصير «الجنرال» الذي وصل إلى سدة الحكم عبر «انقلاب عسكري»، ويواجه «ثورة غلابة» قد تطيح به، أو تمهد الطريق لتغيرات جوهرية في المشهد المصري، أو يبقى الحال على ما هو عليه لحين إشعار آخر. 

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي صدقى صبحي محمود حجازي الجيش المصري ثورة الغلابة تظاهرات 11 نوفمبر

«السيسي» يواصل تصريحاته المثيرة للجدل: «مفيش» استئثار بالسلطة في مصر

فيديو.. 7 أسباب وراء «صراع الأفاعي» بين أجهزة المخابرات المصرية

ساسة وخبراء أمريكيون: مصر مقبلة على انتفاضة شعبية

سياسي مصري يعلن ترشح الفريق «سامي عنان» للرئاسة

رجال «مبارك».. طوق نجاة لخروج المصريين من مستنقع الاستبداد