«نيويورك تايمز»: تركيا ترسخ أقدامها في الشرق الأوسط ولم تعد الحليف ”المنقاد“ لواشنطن

السبت 14 فبراير 2015 12:02 ص

على مدار عدة عقود، كانت تركيا تمثل الحليف المنقاد للولايات المتحدة. ولكن منذ إعادة انتخاب حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية في عام 2007، بدت السياسة الخارجية التركية أكثر استقلالية في قضايا الشرق الأوسط، والتي غالبا ما تضع تركيا  في خلاف مع واشنطن.

وكانت هناك خلافات حادة بين البلدين  تجاه انقلاب 2013 في مصر، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وحول ضرورة التدخل في سوريا. ودارت الانتقادات أيضا في قضية التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» حول إذا ما كانت تركيا تمثل حليفا حقيقيا من خلال موقعها في الناتو. ولكن كثيرا من هذه الانتقادات كانت مضللة.

وقد أظهرت الأزمات الحالية أهمية الدور المحوري الجيوستراتيجي لتركيا ولم يكن من المستغرب أن كلاً من البابا «فرانسيس»، الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ورئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» قد زاروا أنقرة في الأشهر القليلة الماضية. ويرجع ذلك جزئيا لأنهم لا يفهمون مصادر الحزم التركي الجديد، حيث لا يرون أن تحولها يخدم فعلا مصالح أميركا على المدى الطويل.

يعود الفضل في هذه السياسة الخارجية التركية الجديدة إلى الرئيس «رجب طيب أردوغان»، الذي كان رئيسا للوزراء في الفترة من 2003 إلى 2014. ولكن جذور ذلك تمتد إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية لرئيس الوزراء «تورغوت أوزال» خلال 1980 والتي بدأت التحول الديمقراطي في البلاد وأدت لصعود الطبقة الوسطى المسلمة من قلب الأناضول.

بعد تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، أبعدت سلطة علمانية صغيرة البلاد عن تراثها الإسلامي الرائع. ومع  أواخر القرن العشرين كان كثير من الأتراك يبحثون مرة أخرى عن الوحدة والقيادة التي وفرتها سابقا الدولة العثمانية مع الحنين إلى الماضي. إنها اليوم لم تعد تقبل ببساطة سياسات الغرب الإشكالية في المنطقة، مثل دعمها للانقلاب الذي جاء بالجنرال «عبد الفتاح السيسي» إلى السلطة في مصر.

عندما رفضت الولايات المتحدة المساعدة في فرض منطقة حظر الطيران في سوريا أو فرض خطوطها الحمراء الخاصة بشأن الأسلحة الكيميائية، استحضرت تركيا تاريخ اللامبالاة الغربية بالاعتداءات ضد السكان المسلمين في البوسنة والشيشان من ذوي الاصول التركية.

وقد تأكدت هذه الصورة في الأشهر الأخيرة، حين حاولت واشنطن الضغط على تركيا للدخول في حرب شاملة ضد «الدولة الإسلامية»، في حين تجاهلت الكم الأكبر من  إراقة الدماء على يد نظام «الأسد» ضد المدنيين السنة الذين يشاطرهم الأتراك نفس المذهب.

ويقول منتقدو الحكومة التركية أيضا أن هناك  تعصبا تجاه المعارضة الداخلية وتعزيزا للأجندة  العرقية والطائفية في الشرق الأوسط. وتم  انتقاد حزب العدالة والتنمية بحجج مثل ردوده القاسية عام 2013  على احتجاجات ميدان تقسيم تحت حجة إضعاف المؤسسات الديمقراطية. ولكن  تركيا لا تزال أكثر ديمقراطية بكثير من كل جيرانها. ولديها انتخابات حرة ونزيهة، ولا تحاول القضاء على خصومها السياسيين أو تعمل على اضطهاد الأقليات العرقية والدينية.

و تسعى تركيا أيضا إلى إبعاد المنطقة عن دائرة الاستبداد والصراع والتدخل الخارجي التي تعاني منها منذ نهاية العصر العثماني. فبعد زيارة الرئيس السوري «بشار الأسد» الأولى إلى تركيا في عام 2004، تبنت قيادة حزب العدالة والتنمية وعود الرئيس الشاب للإصلاح وتحسين العلاقات مع سوريا. إلا أنه بعد تجاهل الرئيس «الأسد» نداءات الحكومة التركية للإصلاح وتنفيذه عمليات القتل الجماعي للمدنيين السوريين طالبت أنقرة بعزله.

وبعد مجئ حزب «أردوغان» إلى أعلى الهرم في تركيا في انتخابات عام 2002، عمل من خلال تعزيز العلاقات مع إسرائيل باعتبارها شريكا شرعيا في محاولة تركية من أجل  التوسط لإحلال السلام الشامل في المنطقة. ولكن بعد وفاة المئات من المدنيين الفلسطينيين في حروب غزة ومداهمة القوات الإسرائيلية سفينة الإغاثة التركية «مرمرة» في عام 2010، قررت تركيا أنها لن تنغمس  في الأوهام التي ترتجي السلام من حزب الليكود الحاكم في إسرائيل.

كما قدمت حكومة العدالة والتنمية أكثر من أي حكومة تركية أخرى لإنهاء النزاع الكردي. حيث تستضيف تركيا 1.6 مليون لاجئ سوري، بما في ذلك 200  ألف منهم من الأكراد عدا عن المسيحيين واليزيديين الهاربين من «الدولة الإسلامية».

كما قدمت أنقرة المساعدات العسكرية للبيشمركة الكردية لمكافحة المتطرفين في سوريا، وأصبحت حكومة إقليم كردستان في العراق واحدا من أقرب الشركاء الاستراتيجيين والاقتصاديين لتركيا.

لقد تسامحت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مع دول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لتحقيق أهدافها قصيرة المدى في الشرق الأوسط، والتي جلبت فقط الاستبداد والصراع. وقد ساهم فشل واشنطن في تقديم الدعم الكامل للحكومة الديمقراطية بقيادة «محمد مرسي» والإخوان المسلمين في مصر إلى عدم الاستقرار وأعمال العنف التي وقعت هناك منذ ذلك الحين.

وكان تخلي الرئيس «أوباما» عن دعم المعارضة السورية خلال العامين الأولين من الانتفاضة ضد «الأسد» قد أدى لتمهيد الطريق لظهور «الدولة الإسلامية».

ولتفادي أي كوارث وأزمات أكثر من هذا القبيل، ينبغي على واضعي السياسات في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى التخلي عن نهجهم التعسفي، وأن يحذو حذو تركيا التي تسعى للتنمية والمشاركة الإيجابية من خلال سياساتها تجاه الشرق الأوسط.

 

* «هاكان يافوز»، هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية يوتا، مؤلف كتاب العلمانية والديمقراطية الاسلامية في تركيا“، ومرشح الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.

المصدر | هاكان يافوز، نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

تركيا الدولة الإسلامية أردوغان تورغت أوزال حزب العدالة والتنمية

لماذا تدعم أنقرة «جبهة النصرة» وتهاجم «الدولة الإسلامية»؟

«أردوغان»: تركيا لن تقف على أعتاب «الاتحاد الأوروبي» متوسلة العضوية!

2015 في عيون «ستراتفور» (1\2): تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

«أردوغان» و«تميم» يدشنان شراكة سياسية وعسكرية استراتيجية بين تركيا وقطر

«تدريب المعارضة السورية المسلحة» .. من السعودية إلى تركيا

التعاون التركي السعودي لمواجهة إيران… هل فات القطار؟

خطوط جديدة في الرمال: من الذي سيفوز في العراق بينما يعاد رسم حدود الشرق الأوسط؟

نائب رئيس الوزراء التركي: حزب العدالة والتنمية حقق نجاحات وتحولا كبيرا في البلاد