لماذا تدعم أنقرة «جبهة النصرة» وتهاجم «الدولة الإسلامية»؟

الخميس 12 فبراير 2015 11:02 ص

في أبريل من عام 2011، التقى كبار أعضاء حزب العدالة والتنمية التركي في أنقرة لمناقشة الاضطرابات التي عمّت سوريا. وركز الاجتماع على سوريا، وكيف ينبغي أن يكون رد فعل حكومة أنقرة تجاه القمع العنيف الذي يقوم به «بشار الأسد» وحكومته في سوريا ضد الاحتجاجات المناهضة للنظام. وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإن حالة الاضطراب والفوضى في سوريا خلقت الكثير من التحديات أمام «أردوغان» وحكومته.

ومنذ عام 2002 وضعت تركيا على رأس أولوياتها تأسيس علاقات جيدة مع سوريا؛ بحجة أن مناطق شمال سوريا تعد جزءًا مما تصفه أنقرة بـ«المناطق النائية الطبيعية» لتركيا.

ضغوط من أجل الإصلاح

في نهاية المطاف؛ قررالمشاركون في الاجتماع دعم «بشار الأسد» بحذر، مع حثه على تقديم تنازلات سياسية تسمح لجماعة الإخوان المسلمين السورية في المنفى بالعودة إلى الحياة السياسة السورية. وخلافا لما فعلته تركيا خلال الربيع العربي في مصر عندما دعت تركيا الرئيس «حسني مبارك» إلى التنحي بعد ثمانية أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات، فقد فضّلت تركيا أولا بقاء النظام السوري قائما شريطة السير في خطوات إصلاحية. وتحقيقًا لهذه الغاية أرسل «رجب طيب أردوغان» - الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك - مستشارين يثق بهما في محاولة لإقناع «الأسد» بإجراء إصلاحات ديمقراطية تجميلية لاسترضاء المحتجين.

وفي أبريل 2011، أرسل «أردوغان» رئيس مخابراته «هاكان فيدان» في محاولة لإقناع «الأسد» بتخفيف الأزمة وعدم التعنت. وفي وقت لاحق أرسل «أحمد داود أوغلو» - وزير الخارجية في ذلك الوقت والذي يشغل حاليا منصب رئيس الوزراء - في أكثر من مناسبة. وعلى الرغم من هذه الجهود المكثفة، إلا أنه لم يكلل جهد ولا رسول بالنجاح. وفي سبتمبر/أيلول 2011 قطعت تركيا علاقاتها مع النظام وبدأت تأخذ دورا نشطا في الجهود الإقليمية للإطاحة بالديكتاتور السوري.

مع المعارضة ضد ”الديكتاتور“

وتطورت مشاركة تركيا الأولية في الحرب على ثلاث مراحل. أولا؛ سمحت أنقرة بعبور آمن للأسلحة والمقاتلين - الذين انشقوا عن الجيش السوري - إلى مختلف المحافظات السورية. هؤلاء المنشقون الذي صاروا يُعرفون لاحقا باسم  «الجيش السوري الحر» وفرت لهم تركيا المأوى، وسمحت لهم بالعمل من مخيم خاص للاجئين داخل حدود تركيا مع سوريا. (وربما يُسمح لهم في وقت لاحق بإقامة في المدن الحدودية التركية).

وثانيا، حرصت أنقرة على تنظيم المعارضة في المنفى بشكل أثار جدلاK وسعت لتمكين الحزب السياسي المفضل لها والحليف - جماعة الإخوان المسلمين في سوريا - كما لو كان هو الحكومة. في نهاية المطاف، ساعدت هذه السياسة في كسر تحالف المتمردين في مهده.

ثالثا؛ بدأت تركيا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2011 تدافع عن التدخل الدولي في سوريا. مثلها مثل دول كفرنسا والحكومات العربية، دعمت تركيا إنشاء منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران على طول حدودها مع سوريا؛ حيث إن هذه الخطوة تتطلب تدمير الدفاع الجوي السوري والمنشآت العسكرية.

وتصورت أنقرة أن المتمردين سوف يستخدمون هذه المنطقة الآمنة لتشكيل حكومة تنافس حكومة «بشار الأسد» في دمشق. وبالتالي؛ فإن هذه الحكومة الوليدة ستقوم بتأمين الدعم من السوريين المحليين من خلال توفير الخدمات. وفي نهاية المطاف؛ سيضطر المجتمع الدولي للاعتراف بتلك الحكومة على أنها الحكومة السورية الرسمية. لكن هذه الجهود باءت بالفشل الذريع، وذلك بسبب إحجام الولايات المتحدة عن التدخل العسكري ومعارضة الخليج العربي - باستثناء قطر- لجهود تركيا لتمكين جماعة الإخوان المسلمين.

الرهان على جبهة النصرة

وربما أدركت تركيا أن استراتيجيتها الخاصة بالحدود لم تكن تعمل، ومن ثمّ بدأت وكالة الاستخبارات التركية في أواخر ربيع عام 2012م تنظيم هجوم للمتمردين ضد مدينة حلب. وكجزء من معركة حلب، فقد بدأت ألوية داخل الجيش السوري الحر الاعتماد بشكل كبير على «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا لتنفيذ هجمات انتحارية على نقاط التفتيش التي يسيطر عليها النظام السوري. 

ولدعم هذه الجهود؛ وصلت تركيا وقطر في نهاية المطاف مباشرة إلى «جبهة النصرة»، معتبرين أن الجماعة المتمردة ستخدم بشدة في تحقيق هدفها النهائي؛ اوهو لإطاحة «بالأسد»، كما تعتقد تركيا أنه يمكنها ترويض المجموعة  لتتعاون مع المجموعات السورية التي تحارب ضد النظام من أجل مستقبل جميع السوريين.

ويمكن لجبهة النصرة أن تكون ثقلا موازنا جيدا في مقابل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا. ولهذا الحزب علاقات قوية بحزب العمال الكردستاني الذي خاض تمردا دمويا ضد الدولة التركية منذ عام 1984. ولذلك كان من الأنباء السيئة بالنسبة لتركيا أن «الأسد» سحب في يوليو/تموز 2012 كل قواته باستثناء عدد قليل من القوات العسكرية من ثلاث مناطق - عفرين ذات الغالبية الكردية وعين العرب و جزيرة - للمساعدة في تعزيز قواته المحاصرة في مكان آخر. وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فورا الحكم الذاتي في هذه الأماكن الثلاثة، وردا على ذلك سمحت تركيا لعناصر الجيش السوري الحر وجبهة النصرة باستخدام آراضيها للهجوم من على مشارف منطقة جزيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. وبالمثل، سمحت تركيا في عام 2014 لجبهة النصرة وغيرها من ألوية المعارضة باستخدام أراضيها لمهاجمة «كساب»، وهي مدينة ذات أغلبية أرمنية في شمال غرب سوريا.

لهذه الأسباب تصدت أنقرة للجهود الدولية الرامية لتصنيف «جبهة النصرة» كمجموعة إرهابية في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وفي ذلك الوقت كانت تعمل تركيا مع المجموعة لترسيخ مكاسبها في حلب، وكذلك للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي لوقف مطالبه بالحكم الذاتي والانضمام إلى المجلس الوطني السوري المدعوم من تركيا. وكانت تركيا قادرة على الحفاظ على دعم هذه السياسة حتى أوائل عام 2014م، ولكن في ظل تزايد الضغوط الأمريكية رضخت تركيا وصنفت «جبهة النصرة» كمنظمة إرهابية رغم احتفاظها بعلاقات معها.

ضد الأسد .. وضد الدولة الإسلامية

من ناحية أخرى، لا توجد أدلة تشير إلى أن تركيا أعطت دعما على الإطلاق للدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ أن انشق زعيمها «أبو بكر البغدادي» عن «جبهة النصرة» في عام 2013م. وعلى الرغم من ذلك؛ لا ينكر أحد أن أنقرة ساعدت المجموعة بطريقة غير مباشرة حينما كان أعضاءها يحاربون تحت راية «جبهة النصرة»، بالإضافة إلى السماح لمقاتلين أجانب بعبور أراضيها للدخول إلى سوريا.

وفي الواقع؛ فقد لعبت «الدولة الإسلامية» لعبة الغايات المتعارضة مع مصالح تركيا في سوريا. وقد اشتبكت المجموعة مع مجموعة من المتمردين المدعومين من تركيا في جميع أنحاء شمال سوريا، كما ساعدت الأعمال العسكرية التركية قرب حلب هجوم نظام «الأسد» على المدينة. وتعتقد تركيا أن «الدولة الإسلامية» تلعب دوراً تكافلياً مع نظام «الأسد». ويقول حزب العدالة والتنمية أن وحشية «الأسد» تطيل أمد الدعم الشعبي للدولة الإسلامية، كما أن «الدولة الإسلامية» في الوقت ذاته تساعد نظام «الأسد» على الحفاظ على واجهة أنه يحارب الإرهاب.

وللتصدي لهذه العلاقة؛ طالبت تركيا المجتمع الدولي باستهداف «الأسد» ومن ثمّ إجباره على ترك السلطة. وبذلك سيتم القضاء على العوامل التي تدعم «الدولة الإسلامية». ومن شأن ذلك أيضا أن يسمح للمعارضة السورية بتماسك أكثر  يقود في نهاية المطاف إلى تولي السلطة في دمشق. هذا الفهم للصراع يشير إلى أن الإطاحة بـ«الأسد» من شأنها أن تؤدي أيضًا إلى تخفيف تركيا من دعمها لجبهة النصرة.

وحتى الآن؛ لا تزال تركيا تظهر استعدادا قويا للتعاون مع المجموعة على أمل أن نجاحها سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى الاستعاضة عنها بمجموعة أكثر اعتدالا من القادة الذين يروقون لشريحة أوسع من المجتمع السوري.

المصدر | هارون شتاين، فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

تركيا الدولة الإسلامية جبهة النصرة بشار الأسد الأكراد حزب العمال الكردستاني سوريا الإخوان المسلمين

2015 في عيون «ستراتفور» (1\2): تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

«الاتحاد الوطني الكردستاني» يشكر تركيا لسماحها بمرور «البيشمركة» إلى «كوباني»

«تدريب المعارضة السورية المسلحة» .. من السعودية إلى تركيا

تداعيات قتال «الدولة الإسلامية» في «عين العرب» على تركيا

«أردوغان» يلمح لتغير موقف تركيا إلي المشاركة فى التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية

«نيويورك تايمز»: تركيا ترسخ أقدامها في الشرق الأوسط ولم تعد الحليف ”المنقاد“ لواشنطن