التعاون التركي السعودي لمواجهة إيران… هل فات القطار؟

السبت 28 فبراير 2015 06:02 ص

«فاتكم القطار».. جملة أتذكرها كلما قرأت تحليلات تسهب بالتفاؤل بزيارة أردوغان للرياض، وبناء تعاون بين الأنظمة المعتدلة يساعد تركيا على مواجهة القطب الإقليمي الآخر إيران. 

حتى إن كان تغييرا ثانويا قد طرأ على سدة القيادة في الدولة الخليجية الكبرى، فإن هذا التغيير لم يأت ممن كان في المعارضة مثلا، بل ممن أسهموا في بناء السياسيات الخارجية نفسها على مدى السنوات الماضية. ومن يعرف النخبة المقربة من الجناح الجديد يدرك أنهم منتمون للذهنية الفكرية السابقة نفسها، التي من أهم ملامحها العداء الشديد للإسلام السياسي، والنظر لقضايا المنطقة بعيون الولايات المتحدة. فلماذا سنـــنتظر الحل من الأنظمة التي كانت هي المشكلة؟ الأنظمة التي عجزت عن مواجهة إيران لتخسر أربع عواصم عربية، آخرها صنعاء، والتي فشـــلت في حماية سنة العراق وسوريا، لتنتشر تيارات السلفـــية الجهادية وتنظيم الدولة، بعد أن انشغلت بمحاربة الربيع العربي وما أفرزه من تيار إسلامي معتدل ديمقراطي، لتواجه الآن بتنظيمات متشددة جهادية تحاول الحصول على السلطة بطريقتها نفسها.. الاستبداد والقوة.

من الصعب أن تجد تركيا عونا، فحلفاؤها العرب ليسوا كحلفاء إيران العرب.. الأردن والسعودية ومصر ليسوا حلفا معاضدا لتركيا، كما هو حال أنظمة العراق وسوريا ولبنان حلفاء إيران العرب المرتبطين بمنظومة عقائدية وطيدة، بل أن هذه الانظمة العربية يجمعها عداء معلن للإسلام السياسي المعتدل والإخوان المسلمين الذين يدعمهم بقوة أردوغان.. فكيف يمكن أن نتخيل أن تحولا جوهريا سيطرأ لبناء تحالف يعتد به بين تلك الدول وغريمتهم تركيا بمجرد تبدل ثانوي في الرياض، ثم لنفترض أن عصا سحرية حببت القلوب وأزالت العداوة، ولنقل إنه تحالف مضطرين أمام إيران.. كيف تستطيع الأنظمة العربية أن تواجه نظام خامنئي في ساحات صراعها العربية مع إيران.. العراق وسوريا واليمن؟

ولنضع جانبا مشاركتهم في التحالف الذي حولهم لقوات جوية تساند الميليشيات العراقية والأسد في حربهم الشعواء ضد «تنظيم الدولة».. حرب التحالف التي تقصف طائرته يوميا عشرات المدن السنية بالتناوب مع طائرات الأسد وإيران لتقتل عشرات الاطفال والنساء أسبوعيا، وآخرها كانت مجزرة الكرمة شرق الفلوجة قبل يومين التي حولت عائلتين لأشلاء.. لنضع جانبا ذلك، ولنقل إنهم قرروا انتهاج سياسية تركيا التي رفضت المشاركة في التحالف الدولي، بل ولنفترض حتى أنهم قرروا البقاء في التحالف لمحاربة «داعش» وبالمقابل قرروا مواجهة نظام الاسد وميليشيات إيران في العراق.. فماذا تملك هذه الانظمة العربية العتيدة من أوراق قوة في ساحات العراق وسوريا واليمن التي خسرتها على التوالي لصالح النفوذ الإيراني المتعاظم ؟

في العراق المناطق السنية معظمها تحت سيطرة «تنظيم الدولة»، والسياسيون السنة الذين تحتفظ معهم الانظمة العربية بعلاقات جيدة لا يستطيعون دخول مدنهم اليوم، بعضهم لا يستطيع دخول العراق برمته كطارق الهاشمي ورافع العيساوي، وبعضهم في السجن كالنائب العلواني، ومن بقي منهم في بغداد قد يقتل في أي وقت مع مرافقيه وأهله، كما حصل مع النائب زيد الجنابي..

ومن لا يقتل فبقاؤه مرهون بكونه ديكورا سنيا لحكومة موالية لإيران، حكومة يشارك سياسيو السنة فيها كل عام بالشروط نفسها، وبالإصلاحات التي يطالبون بها ويهددون كل عام منذ عشر سنوات بانهم سينسحبون إذا لم تتحقق. كما ان علاقة الانظمة العربية بقوى المجتمع السني التي يمكن أن يتعاونوا معها إما بقتال «تنظيم الدولة»، أو مواجهة إيران فهي محدودة ايضا، فكيف سينجح التعاون مثلا مع الحزب الاسلامي وهو من الاخوان المسلمين؟

أما إياد علاوي الذي كان السياسي الأكثر قربا من انظمة الاعتدال، فكل الذين انتخبوه اليوم من المناطق السنية إما لاجئين في المخيمات أو هاجروا للأردن وتركيا، أو في سجون الحكومة العراقية، ومن بقي منهم في مناطقهم انضموا «لتنظيم الدولة»، أو هو بالكاد يملك سلطة على أفراد حمايته في بغداد..

ومع ذلك لا تزال بعض النخب المرتبطة بالأنظمة ترى فيه حلا فقط، لأنهم يرون بعيون الولايات المتحدة التي لم تستطع تنصيبه حاكما للعراق وقتما كان جيشها يصول ويجول، لتخضع امريكا وجيشها لاحزاب المرجعية الدينية الموالية لإيران.

في سوريا تنظيم «القاعدة» بشقيه الدولة والنصرة يسيطران الان على معظم مناطق المعارضة، وما تبقى من فصائل في ريف دمشق وحلب ودرعا معظمها إما فصائل سلفية جهادية أو مقربة من الإخوان.. أما الفصائل الأخرى التي استثمرت بدعمها السعودية لسنوات، فإما تلاشت كـ»لواء أحرار سوريا» في حلب او أخرجت من سوريا على يد «النصرة» كـ»كتائب شهداء سوريا» لقائدها جمال معروف في إدلب..

قلنا لأصدقائنا في السعودية إنهم دعموا الفصائل الخطأ منذ البداية، لأن جل ما كان يهمهم هو اختيار فصائل تقدم نفسها كمعارض للفصائل الإسلامية الراديكالية أكثر من كونها فاعلة ومؤثرة في قتال النظام.. كان اختيار الفصائل التي تحظى بالدعم يتم على المسطرة الامريكية «الفصائل المعتدلة» على عكس قطر التي دعمت فصائل سلفية جهادية مؤثرة كـ»أحرار الشام» و»التوحيد»، لكن حتى هذه الفصائل الان ضعفت وكادت تتلاشى لولا أبواب تركيا.

حتى زهران علوش وفصيله «جيش الاسلام» الذي يحتفظ بعلاقات مع السعودية جمدت معظم المساعدات له، وعموما فإن قدرة الانظمة على دعم فصائلها على الارض مقابل دعم إيران لقوات الاسد كان محدودا وخجولا، فكل غرف التسليح التي امدت الفصائل جميعها (عدا النصرة وتنظيم الدولة) المدعومة من السعودية وقطر وتركيا، لم تجرؤ حتى الان على خرق خطوط حمراء وضعتها الولايات المتحدة، أهمها إدخال اسلحة نوعية ومضادات دروع طائرات بأعداد كافية، مقابل دعم غير محدود من إيران وحزب الله لقوات الاسد التي تسيطر الان على كل مراكز المحافظات في سوريا عدا الرقة.

ماذا عن اللاجئين؟

هل ستقدم الانظمة العربية على استضافة اللاجئين السوريين بشكل لائق كما فعلت تركيا؟ إن زيارة سريعة للحدود التركية السورية ستظهر ان معظم المخيمات والمساعدات الاغاثية التي تصل للنازحين السوريين داخل الجانب السوري من الحدود تصل من منظمات مجتمع مدني عربية، معظمها إسلامية، إما سلفية أو مقربة من الإخوان.. هذه المنظمات تتعرض للمضايقة، بل والملاحقة في معظم البلدان العربية «المعتدلة»، التي تريد مواجهة إيران.. لان انظمة هذه البلدان خاضعة للرقابة الغربية والأمريكية على المنظمات الاسلامية وان كانت إغاثية.. تماما كما هي خاضعة للفيتو الامريكي على ادخال السلاح النوعي للمعارضة السورية.

وفي اليمن تترد الانظمة العربية والسعودية بدعم حزب الاصلاح الاخواني، ولا تريد تزايد قوة «القاعدة» بتحالفاتها القبلية الجديدة، وتخشى تحول بعض المساعدات التي تمد بها السعودية القبائل لتصل ليد «القاعدة»، فمن ستدعم إذن في مواجهة الحوثيين؟ جمال بن عمر وقرارات مجلس الامن، بينما إيران لديها حلفاء نافذون كقوة شعبية ودينية في اليمن هم الحوثييون، يواجهون العيون الناعسة بتخزين القات بالمخرز. وحتى تركيا التي قدمت دعما كبيرا للثورة السورية، تبدو غير قادرة على المغامرة أكثر في دعم القوى المعارضة للاسد، لتدخل في صدام مع إيران وتخسر حلفاءها الامريكيين.

يكفي ان ننظر لعملية نقل الرفات التركية التي تمت بسرعة لنعرف مدى الحذر التركي من الولوج أكثر في مشروع المنطقة العازلة بدون وفاق مع الغرب، ويأخذ الاتراك بجدية تصريحات الإيرانيين التي علقت على عملية نقل الرفات العثماني، والتي تضمنت تحذيرا واضحا يقول، إن تدخلا تركيا كبيرا في سوريا قد يعرض المنطقة لحرب طاحنة.

لقد صلى رئيس الوزراء داود أوغلو صلاة الشكر في مقر القيادة العسكرية عندما عادت قواته بسلام للحدود، بينما يصلي سليماني وضباط الحرس الثوري كل يوم في الارض العراقية والسورية مع رفاقهم من قوات الأسد والميليشيات الشيعية وقوات حزب الله..

إن خيارات الأنظمة العربية محدودة إن لم تكن منعدمة في مواجهة إيران.. لسبب جوهري بسيط، هو أن هذه الانظمة قائمة اصلا على معاداة كل التيارات الشعبية المؤثرة، انظمة لا تملك امتدادات ولا تحالفات ذات ثقل اجتماعي في ساحات الصراع، التي تريد فيها مواجهة إيران.

ببساطة التيار الاقوى الآن شعبيا في المناطق السنية التي يمكن أن تكون مؤهلة للتحالف مع تلك الانظمة في العراق وسوريا واليمن هي بمعظمها تنتمي للتيارات الاسلامية الاخوانية او السلفية الجهادية، وهما تياران في عداء محكم مع تلك الانظمة.. بينما إيران تستطيع مثلا بواسطة المرجع الشيعي الإيراني السيستاني، أن تحرك جماهيرها في العراق بفتوى واحدة، وتملك من خلال الاسد وحسن نصر الله والحوثيين سلطة على جمهورها في لبنان وسوريا واليمن.

وما درج عليه بعض المحللين في إطلاق تفسيرات تتعلق بالـ«الجماعات غير الخاضــعة للدولة»، هي تعبير آخر لذلك، لكن هذه المقاربة تبدو أنها اسقطت اسقاطا من مناهج اكاديمية صممت لتفسير حالات بلدان اخرى، لان تقسيم الاطراف إلى دولة وجماعات خارجة عنها يصطدم بحقيقة ان مجتمعاتنا في المشرق العربي لم تصل بعد لـ«الدولة».. بل حتى الدولة او السلطة في بلداننا هي وجه حداثي لسلطة القبيلة او الطائفة.. هي مجتمعات بدائية بانتماءات أفرادها وولاءاتهم لمنظومة اولية بدائية تعيق تشكيل الدولة، لذلك فلا توجد دولة وجماعات، بل هي جماعات تتمظهر بحداثة الدولة وتنزع هذا القناع في اول اختبار.

 

  كلمات مفتاحية

التعاون التركي السعودي مواجهة إيران العراق سوريا اليمن الفصائل

«أردوغان» يتوجه إلى السعودية السبت وأنباء عن زيارة متزامنة لـ«السيسي»

«النفيسي»: الخليج بحاجة لحليف قوي مثل تركيا .. ومصر «السيسي» حليف ”غير مجد“

مصادر: «الملك سلمان» قد يتوجه إلي تركيا في أول زيارة خارجية له منذ توليه الحكم

«نيويورك تايمز»: تركيا ترسخ أقدامها في الشرق الأوسط ولم تعد الحليف ”المنقاد“ لواشنطن

«رويترز»: «أردوغان» سيظل رجل تركيا القوي سواء تغير الدستور أم لا

رجل أعمال إماراتي ينتقد تقارب الخليج مع تركيا ودبلوماسي قطري: من يرفض التقارب «غبي أو عميل لإيران»

موسم الحجيج إلى الرياض: العاهل الجديد في مرحلة استطلاعية قبل تحديد مسارات سياسته الخارجية

«خاشقجي»: «الملك سلمان» يزور تركيا بعد زيارة «أردوغان» وتوقعات بتنسيق يشمل كل المنطقة

فيديو .. «أردوغان» ردا علي صحفي سأله هل ستلتقي «السيسي» في السعودية: «هل تمزح»؟

التكامل «السعودي - التركي» يعيد للمنطقة توازنها

«سلمان-أردوغان» .. من التاريخ إلى الجغرافيا!

استطلاع أوروبي لـ«مخاوف» السعوديين: إيران تحاصرنا

السعودية .. أي التحالفين أجدى: مع تركيا أم مصر؟

الرياض وأنقرة: حسابات الاصطفاف الجديد

«أسوشيتدبرس»: السعودية تبتعد عن مصر وتوثق علاقتها بقطر وتركيا

التحالف السعودي التركي!

محللون: اتفاقية السلاح السعودية التركية خطوة «كبيرة» لتحسين العلاقات

مسؤول تركي ينفي اعتداء شرطة مطار اسطنبول على عائلة سعودية

تركيا تفتح تحقيقا «عاجلا» في حادثة الاعتداء على عائلة سعودية بمطار اسطنبول

فيديو.. تفاصيل جديدة حول حادثة الاعتداء على عائلة سعودية في مطار اسطنبول

الرياض: الاعتداء على عائلة سعودية في مطار أتاتورك حادثة منعزلة