مصر وقرار الحرب وخارطة ما بعد المجزرة

الثلاثاء 17 فبراير 2015 06:02 ص

لم يكن القرار بدخول الحرب سهلا، بل مثقلا بتحديات ومخاطر لا يمكن انكارها، لكنه كان حتميا، حتى أن مجرد اتخاذه ينبئ بحجم الضغوط الشعبية الهائلة التي تعرض لها مجلس الدفاع الوطني، بعد أن صدم المصريون بفيديو الذبح الذي لا تكفي أي كلمات لوصف بشاعته. نعم لم تخرج أي مظاهرات فورا، لكن الغضب كان يغلي في الصدور، ولم تستطع مصر ان تنام، حتى ان الرئيس عبد الفتاح السيسي اضطر إلى تقديم موعد خطابه، ليلقيه في منتصف ليلة المجزرة بعد ان كان مقررا مساء أمس.

كان المنطق الأمني يقتضي الانتظار حتى يتم إجلاء أكثر من مليون مصري من ليبيا قبل بدء الرد العسكري، حفاظا على حياتهم. إلا أن النظام أدرك أن الوقت سيكون متأخرا لإنقاذ مصداقيته، كما ان الغضب الشعبي ربما لن يمهله كثيرا من الوقت أصلا. خاصة في ظل أجواء احتقان خلفتها حوادث قتل وعمليات ارهابية راح ضحيتها عشرات المصريين خلال الاسبوعين الماضيين.

أدرك انه لا يحتمل ان يبدو وكأنه يعتبر الاقباط مواطنين من الدرجة الثانية، فاتخذ القرار. 

كانت القاهرة تدرك جيدا حجم المخاطر من فتح جبهه جديدة، ودخول حرب مفتوحة مع جماعات إرهابية على الجانب الآخر من حدود يبلغ طولها ألفي كيلو متر، لذلك كانت تفضل أن تكون جزءا من جهد دولي يعمل بغطاء من مجلس الامن على منع تحول ليبيا إلى جنة للجماعات الارهابية.

إلا ان المجزرة فرضت معطياتها الواقعية الخاصة على الداخل المصري، بل وعلى المستويين الاقليمي والدولي ايضا، وبينها:

أولا: اما في المشهد المحلي المعقد، فان المجزرة اعادت احياء تراث تاريخي عاشته مصر سنوات في الماضي، عنوانه «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، وهو ما يوفر «شبكة أمان» للنظام الذي كان يتعرض حتى أمس الأول لانتقادات قاسية حتى من بعض اقرب انصاره لأسباب عديدة. لكن قرار الرد على المجزرة جمع المصريين حوله.

وهكذا فانه سيأمل في تراجع ما يتعرض له من ضغوط بشأن ملفات تبدأ من انتهاكات حقوق الانسان، ولا تنتهي عند ازمات كارتفاع الاسعار ونقص الطاقة. كما لم يتردد بعض أبواقه الإعلامية في محاولة استغلال المجزرة سياسيا إلى أقصى مدى، وهو ما ظهر امس فعلا في مزاعم بأن من قاموا بالذبح من الاخوان (..) وليسوا من داعش.

ثانيا: أما على المستوى الدولي، فقد سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى المطالبة بدعم دولي شامل لمصر في حربها ضد الارهاب، ما قد يتجسد في قرار جديد من مجلس الامن ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مستفيدا من الدعم الروسي – الصيني هذه المرة، وهو الذي حال دون صدور قرار دولي بشأن محاربة التنظيم في العراق وسوريا.

ويبدو أن ثمة نواة تحالف مصري مع فرنسا وإيطاليا بدأت فعلا في الدفع بهذا الاتجاه. كما أن فيديو الذبح قد سهل المهمة عندما تحدث صراحة عن (تهديد روما وامة الصليب) خاصة ان الجريمة وقعت قصدا على الشاطئ المقابل لاوروبا، حيث اصبحت العمليات الإرهابية حدثا شبه يومي. واذا نجحت هذه الجهود المصرية فقد لا يجد الاتحاد الاوروبي مفرا من ان يقود الحرب الجديدة، في تهميش جديد للنفوذ الأمريكي. 

ثالثا: أما إقليميا، فان دخول مصر الحرب رسميا ضد تنظيم الدولة، يمثل تطورا نوعيا بأي مقياس، إلا انه ينبه ايضا إلى ان التنظيم في ليبيا أصبح لا يقل خطورة، ان لم يكن يزيد، عنه في العراق وسوريا.

بل قد يكون منصفا القول ان تنظيم الدولة الذي تراجع في عين العرب وشمال العراق ووسطه، يتوسع في ليبيا حتى اصبح يملك ثلاث ولايات هناك. وبالتالي فاننا قد نكون امام سلسلة طويلة ودموية من الكر والفر بين الجانبين.

أما التعقيدات التي تقلص من فعالية عمل التحالف الدولي في العراق وسوريا، وأهمها عدم امتلاكه استراتيجية حقيقية، فلا تبشر بامكانية توسيع نطاق غاراته غربا، خاصة ان الولايات المتحدة لن تتحمس لخوض حرب جديدة، ناهيك عن ان تكون بقيادة تحالف مصري- اوروبي، في ظل توتر واضح بين القاهرة وواشنطن، وهو ما تمثل في اتهام السيسي المبطن للأمريكيين في خطابه أمس الأول بـ«ازدواجية المعايير». 

وأخيرا فإن الحرب الجديدة ربما ترسم خارطة جديدة من حروب لا يعرف أحد حدودها أو نهايتها، كما قد تمنح النظام المصري فسحة من الوقت، الا انها لن تعفيه إلى الابد من مواجهة تحديات داخلية لا تقل مشروعية او أهمية عن حماية الامن القومي.

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

ليبيا مصر قرار الحرب خارطة ما بعد المجزرة تحالف مصري أوروبي فرنسا إيطاليا

«عمر الحاسي»: الهجوم المصري على درنة ”عدوان إرهابي غادر“ وسنلاحق قضائيا المسؤولين عنه

«مجلس شورى مجاهدي درنة» يدين الهجوم المصري محذرا: دماؤنا ليست رخيصة

«المؤتمر الوطني العام» يدين ”العدوان المصري على درنة“ ويعتبره انتهاكا لسيادة الدولة

«الدولة الإسلامية» يؤكد سلامة مقاتليه عقب الغارات المصرية على درنة ويتوعد برد عنيف

مقتل 7 بينهم 3 أطفال وامرأتين في هجمات للطائرات المصرية ضد أهداف بـ«درنة» الليبيبة

«نيويورك تايمز»: «الدولة الإسلامية» يورط مصر في ليبيا لتخفيف الضغط عن سيناء