لإخفاء الحقيقة.. النظام المصري يعتقل ويرحل الصحفيين ويحجب الصحف

الاثنين 2 أبريل 2018 11:04 ص

«حاكم مصر المستبد يشدد قبضة الرقابة على الإعلام»، هكذا وصفت لجنة حماية الصحفيين، في تقرير حقوقي لها مؤخرا، أوضاع الصحافة في مصر، التي باتت فيها مصر تواجه الحقيقة عبر صحفييها المواطنين، وتقوم بترحيل أو تهديد الأجانب، فضلا عن تغريم الصحف والمواقع بعد حجبها.

ففي خطاب ألقاه الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، في مارس/آذار الماضي، حذر الإعلام، من أنه سيتم اعتبار أي تغطية صحفية تنطوي على إساءة على أنها «خيانة عظمى وليس حرية رأي».

وأضاف: «لن أحاسب أحدا على وجهة نظره. لكن لن أسمح بأن يتم عرضه على الناس».

جاءت تصريحات «السيسي» تمهيدا لرئاسيات محسومة سلفا لصالحه، بعدما غيب كل المرشحين الرئيسيين أمامه، وسمح فقط بمرشح ديكوري، مدفوع من جهات سيادية لتجميل الصورة.

وخلال هذه الرئاسيات، وما قبلها، شهدت الصحافة المصرية، تضييقا كبيرا باعتقالات لصحفيين محليين، لتمتد سلسلة الانتهاكات بحق الصحافة المصرية، لترحيل وتهديد الأجانب، وإجبارهم على سحب تقاريرهم، فضلا عن حجب وتغريم صحف أخرى.

اعتقالات متواصلة

وتحتل مصر المركز الثالث في حبس الصحفيين عالميا طبقا للجنة حماية الصحفيين، ومقرها الولايات المتحدة.

كما شغلت مصر المركز 161 من 180 دولة بمقياس حرية الصحافة العالمي لعام 2017، الذي تعده منظمة «صحفيون بلا حدود»، (غير حكومية/مقرها فرنسا)، متراجعة بمركزين عن عام 2015، حيث وصفت المنظمة في تقرير لها، مصر بكونها أحد أكبر سجون الصحفيين في العالم.

وتختلف التقديرات حول أعداد الصحفيين المعتقلين في مصر، بين 25 إلى 29 صحفيا، إلا أن معظمهم يعانون من ظروف صحية سيئة، وفق تقارير حقوقية تؤكد أن اعتقال الصحفيين في مصر غالبا ما يكون عنيفا، وينطوي على الضرب وسوء المعاملة، والإغارة على منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم.

ومنذ أن أعلن «السيسي»، في يناير/كانون الثاني الماضي، عزمه الترشح للانتخابات، وثقت لجنة حماية الصحفيين 4 حالات اعتقال لصحفيين، بسبب حوارات أجروها مع مرشحين معارضين، أو بعد انتقادهم لـ«السيسي»، أو لوجود صلات مزعومة تربطهم بالمعارضة أو جماعات ناشطة.

أول هؤلا، هو الصحفي «معتز ودنان» الذي اعتقل في 16 فبراير/شباط الماضي، بعد إجرائه حورا مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا «هشام جنينة»، وأحد أعضاء فريق حملة رئيس أركان الجيش الأسبق «سامي العنان» الذي زج به في السجن إثر إعلان نيته خوص السباق الرئاسي.

وفي 28 فبراير/شباط الماضي، اعتقل «أحمد طارق زيادة» محرر فيلم تسجيلي بعنوان «سالب 1095 يوما»، يتحدث عن منجزات «السيسي» خلال فترة توليه مهام منصبه.

كما اعتقل كل من «مي الصباغ» و«أحمد مصطفى» من الموقع الإخباري «رصيف 22»، في 28 فبراير/شباط الماضي، واتهما بحيازة «وسائل فوتوغرافية» بقصد إذاعة أخبار كاذبة.

فضلا عن ذلك، قالت «لجنة حماية الصحفيين»، إن هناك صحفيين اثنين على الأقل متواريين عن الأنظار خشية التعرض للاعتقال، بعد اتهامهما بنشر «أخبار كاذبة»، هما «أحمد الخطيب»، بعد إدانته والحكم عليه غيابيا بالسجن 4 سنوات، و«سلمى علاء الدين»، التي عملت أيضا في فيلم «سالب 1095 يوما».

هذا فضلا عن توقيف الإعلامي «خيري رمضان»، مقدم أحد البرنامج التلفزيونية، ليومين، حين اتهم بالإساءة ونشر أخبار كاذبة.

ترحيل

التضييق على الإعلام، لم يقتصر على الصحف المحلية فقط، بل امتد للصحف الأجنبية أيضا، وإن كان لم يصل إلى اعتقال، لكنه تمثل في ترحيل، وتهديد ودعاوى قضائية لإغلاق المكاتب، فضلا عن إجبار على سحب التقارير، بدعوى عدم مهنيتها.

ففي فبراير/شباط الماضي، رحلت السلطات المصرية صحفية بريطانية تدعى «بيل ترو»، تعمل لحساب صحيفة «تايمز»، بدعوى أنها كانت تعمل بصورة غير مشروعة، رغم إقامتها في القاهرة منذ سنوات، بعد أن ألقي القبض عليها أثناء إعدادها تقريرا عن قارب مهاجرين اختفى قبل عامين.

وقالت «ترو» في مقال نشرته «تايمز» إن الشرطة ألقت القبض عليها في وسط القاهرة بعد إجراء مقابلة مع «رجل غرق ابن أخيه، وهو في سن المراهقة، على الأرجح أثناء توجهه إلى إيطاليا»، واحتجزتها لساعات ثم «اصطحبتها إلى طائرة في مطار القاهرة متجهة إلى لندن».

دعوى قضائية

يأتي ذلك في وقت حددت فيه محكمة مصرية، يوم 10 أبريل/نيسان المقبل، لنظر أولى جلسات دعوى قضائية تطالب بسحب تراخيص وإغلاق مكتب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في مصر، وذلك بسبب فيلم وثائقي بثته الشبكة تناول حقوق الإنسان في مصر.

ومنذ أواخر فبراير/شباط الماضي، تشهد العلاقة بين القاهرة و«بي بي سي» توترا بسبب فيلم وثائقي تناول قصة سيدة مصرية قالت إن ابنتها، «زبيدة» (23 سنة)، ألقي القبض عليها مرتين في 2014 أثناء اشتراكها في مظاهرات ضد النظام، وأفرج عنها وأعيد القبض عليها مرة أخرى في 2016، وتعرضت أثناء حبسها للتعذيب والاغتصاب، ثم اختفت بعد ذلك لتعلن والدتها اختفاءها القسري.

لاحقا، أظهرت السلطات المصرية الفتاة للرأي العام برفقة الإعلامي «عمرو أديب» عبر شاشة «أون تي في»، نافية رواية الإخفاء القسري، وتعرضها للاغتصاب والتعذيب، وأنها على خلاف مع والدتها التي لا تعلم عنها شيئا، وأنها تعيش مع زوجها في منطقة فيصل جنوب القاهرة، وأنجبت منه طفلا أسمته «حمزة».

وطالبت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات (حكومية) «بي بي سي» بتقديم اعتذار لمصر بسبب التقرير، الذي أثار جدلا عالميا وانتقادات حقوقية واسعة، وتقول عنه القاهرة إنه «مفبرك».

إثر هذا التقرير، قرر النائب العام المصري المستشار «نبيل صادق»، في 28 من فبراير/شباط الماضي، بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأخبار «غير الحقيقية»، لكن إعلاميين وحقوقيين يتخوفون من أن يكون ذلك مقدمة لحملة تضييقات ممنهجة ضد حرية التعبير عن الرأي.

تهديد وشكاوى

وخلال عملية التصويت الانتخابات، قالت مصادر إن «رويترز» تعرضت لتهديدات لسحب تقرير لها عن الرئاسيات، قالت فيه إن طوابير الخبز في سيناء أطول من طوابير الانتخابات.

والخميس، قالت الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، إن اتصالات أجريت مع المسؤولين الإقليميين في الوكالة، خلصت إلى سحب التقارير المشار إليها، ونشر قرار السحب من خلال كافة وسائل الإعلام التابعة للوكالة بجميع أنحاء العالم.

واعتبرت هيئة الاستعلامات، قرار «رويترز»، بمثابة إقرار من الوكالة بعدم صحة ما ورد في هذه التقارير.

وأوردت وكالة «رويترز» في تصحيحها للتقرير، أنه «لا يتفق مع المعايير المهنية للوكالة».

كما قدمت الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات (حكومية)، بمذكرة إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ضد صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، نظرا لما قامت به بـ«نشر أخبار غير صحيحة، بهدف الإساءة إلى الانتخابات الرئاسية والهيئة المشرفة على إدارتها»، حسب قولها.

وطالبت الهيئة، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، باتخاذ الإجراءات اللازمة بما يتفق مع صحيح حكم القانون والقواعد المهنية في شأن العمل الصحفى والإعلامي، في شأن الصحيفة الأمريكية.

واعتبرت الهيئة الوطنية للانتخابات، أن ما نشرته الصحيفة من وجود مخالفات وحشد للناخبين من قبل مؤسسات الدولة للتصويت في الانتخابات ينطوي على أخبار وبيانات كاذبة ومختلقة من شأنها التشكيك في العملية الانتخابية دون سند أو دليل، فضلا عن كونه يخالف الحقيقة والواقع، حسب قولها.

حجب وتغريم

وبالعودة إلى الصحف المحلية، كان موقع «المنصة» الإخباري، آخر ضحايا المواقع المحجوبة في مصر، على إثر تغطياته للانتخابات الرئاسية، ليصل عدد المواقع المحجوبة إلى نحو 500 موقعا.

وجاء حجب موقع «المنصة»، بعد نشر قصة توثيقية تتبعت مشاهد قيل إنها تظهر مراقبين من الكونغرس الأمريكي يشاركون الناخبين الرقص أمام اللجان الانتخابية في المنوفية (دلتا النيل/شمال)، وخلصت قصة «المنصة» أن الذين ظهروا في هذه المقاطع ليسوا موفودين من الكونغرس.

وعلى الرغم من أن موقع «مصر العربية»، ضمن ما يقرب من 500 موقعا محجوبا في مصر، إلا أن المجلس الأعلى للإعلام، وقع عليه عقوبة بتغريمه 50 ألف جنيه (2835 دولارا أمريكيا)، بسبب نقله تغطية «نيويورك تايمز» للانتخابات تحت عنوان: «نيويورك تايمز: المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات».

حيث اتهم «الأعلى للإعلام» الموقع بنقل أخبار كاذبة نقلا عن الصحيفة الأجنبية دون تدقيق. 

بينما كانت الغرامة الأكبر، من نصيب صحيفة «المصري اليوم» (خاصة)، عندما أمر المجلس الأعلى للإعلام، بتغريمها 150 ألف جنيه (8508 دولارات أمريكية)، وإلزامها بتقديم اعتذار للهيئة العليا للانتخابات.

وكانت الطبعة الأولى من عدد «المصري اليوم» الخميس الماضي، قد صدرت بمانشيت رئيسي «الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات»، كعنوان لتقرير رصدت فيه تهديد الهيئة الوطنية للانتخابات بتحصيل غرامة 500 جنيه ممن لم يصوتوا، وكذلك وعود من مسؤولين بمكافآت مالية للناخبين، بالإضافة لتوزيع هدايا أمام اللجان في محاولات من الدولة لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات.

وتراجعت «المصري اليوم» سريعا عن المانشيت، واستبدلته في الطبعة الثانية والنسخة الإلكترونية بعنوان: «السيسي يكتسح موسى في المؤشرات الأولية للفرز».

كما قامت الصحيفة بعدة محاولات لشرح أن المقصود من العنوان لم يكن سلبيا، معتذرة عن سوء اختيار الألفاظ.

وقالت الجريدة إنها كانت تقصد «الحشد الإيجابي»، شارحة أن جميع الدول تلجأ إلى هذا الحشد لزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، وأنه لا يسيء للدولة في شيء، إلا أن ذلك لم يشفع لها.

ويتيح قانون المجلس، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2016، حق توقيع «العقوبات والجزاءات على وسائل الإعلام التي تخالف شروط التراخيص الممنوحة لها».

  كلمات مفتاحية

الصحافة مصر انتهاكات تضييق اعتقالات دعاوى قضائية حقوق الإنسان رئاسيات مصر 2018

صحفيو مصر يطلقون حملة تصعيدية ضد قانون «الصحافة والإعلام»

لائحة جزاءات مسربة.. الحجب والغرامة تنتظر الصحفيين المصريين