«الحوت الأزرق».. لعبة الصراع الداخلي والتحدي المميت

الأربعاء 18 أبريل 2018 02:04 ص

«طلاسم غريبة مكتوبة ومختفية بين أوراقه»، «جروح في يديه على هيئة أشكال غير مفهومة»، «مشاهدة أفلام وفيديوهات مرعبة».. ثم «الانتحار».

جميع ما سبق صفات وتصرفات وسمات اشترك فيها ضحايا لعبة «الحوت الأزرق».

ولعبة «الحوت الأزرق»، والتي تعرف أيضا باسم «تحدي الحوت الأزرق» أو«تحدي الموت»- عبارة عن لعبة على الهواتف المتنقلة، يعتقد أنها بدأت في روسيا وانتقلت منها إلى دول آسيا الوسطى ثم إلى إيران والهند، ثم إلى العديد من الدول العربية والتي سجلت عدة حالات انتحار بين الأطفال والمراهقين.

تتألف اللعبة من خمسين مهمة أو تحديا يضعها «قيّم» (curator) أمام اللاعبين، ويتوجب عليهم إتمامها خلال خمسين يوما، ومَكمن الخطر والفزع هنا هو التحدي الأخير الذي يطلب من اللاعب إنهاء حياته بالانتحار.

بداية اللعبة

كانت أول إشارة صريحة إلى وجود اللعبة من خلال مقال في صحيفة روسية في مايو/أيار 2016، ربط العديد من حالات الانتحار غير المتصلة ببعضها بعضوية في مجموعة تدعى «إف 57» (F57) على شبكة تواصل اجتماعي روسية تدعى «فكونتاكت».

ورغم حالة الذعر الأخلاقي التي اجتاحت روسيا، فإن الانتقادات وُجهت إلى المقال لعدم وجود دليل على أن أيا من حالات الانتحار كانت نتيجة لأنشطة المجموعة.

وتذكر تقارير مختلفة أن عدد ضحايا اللعبة تجاوز حتى الآن 150 طفلا ومراهقا، رغم أنه لا يوجد تأكيد حتى الآن على وجود هذه اللعبة، وكل تقارير حالات الانتحار تستند إلى بلاغات من عائلات الضحايا أو أصدقائهم الذين يقولون إنهم شاهدوهم وهم ينفذون بعض مهام اللعبة.

وإذا حاولت البحث عن اللعبة على الإنترنت فإنك على الأرجح لن تعثر عليها، وذلك لأن القيّمين عليها يتحكمون بشدة في من يمكنه الوصول إليها. وتذكر تقارير حديثة أن هؤلاء القيّمين يحددون ضحاياهم ويرسلون إليهم رابطا، وبمجرد فتحه على هاتف الضحية يقوم بنسخ كامل البيانات من جهازه إليهم.

وتشير مواقع إلكترونية إلى أن اللعبة ظهرت في روسيا عام 2013، وأن مطورها معتقل ومحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة البحث عن مراهقين على الإنترنت وحثهم على قبول التحدي الذي ينتهي بانتحار المشارك فيه.

ولا يزال من غير الواضح كيف ينضم المشاركون إلى اللعبة، لكن بشكل عام يعتقد أن «القيّم» عليها يتواصل مع المراهقين بعد مشاهدة تعليقاتهم على «فيسبوك» أو «يوتيوب» أو «إنستغرام» أو «صراحة» وغيرها من التطبيقات.

وتعتبر بعض الوسوم مثل «bluewhalechallenge#»، وcuratorfindme# وi_am_whale# بماثبة إشارات للقيمين المجهولين.

مراحل اللعبة

وكل مراحل اللعبة الخمسين مثيرة للفزع والاشمئزاز، وتتدرج في الخطورة والدموية إلى أن تنتهي بالموت، وتاليا بعض مهامها حسب تسلسها:

1. انقش بالمشرط «f57» على يدك وأرسل صورة إلى القيّم.

2. استيقظ الساعة 4:20 صباحا وشاهد الفيديوهات المخدرة والمرعبة التي يرسلها لك القيّم.

3. اجرح ذراعك بمشرط على طول الوريد، ولكن ليس عميقا، ثلاثة جروح فقط، وأرسل صورة إلى القيّم.

تلك كانت أول ثلاث مهام من اللعبة، لكنها تتدرج لتصبح أشد خطورة ودموية:

10. استيقظ الساعة 4:20 صباحا واصعد إلى سطح (كلما كان السطح أعلى كان ذلك أفضل).

11. انقش رسم حوت على يدك بمشرط، وأرسل صورة إلى القيّم.

12. شاهد أفلاما مخدرة ومرعبة طوال اليوم.

14. اجرح شفتك.

15. غز يدك بإبرة عدة مرات.

16. افعل شيئا مؤلما بنفسك، اجعل نفسك مريضا.

ثم تأتي اختبارات الثقة:

20. القيّم يختبر إن كنت جديرا بالثقة.

21. تحدث «مع حوت» (لاعب آخر مثلك أو قيّم) على سكايب.

ثم تزداد المهام غموضا وخطورة:

23. مهمة أخرى بمشرط.

24. مهمة سرية.

25. اجتمع بحوت.

26. يخبرك القيّم بتاريخ وفاتك وعليك تقبل ذلك.

إلى أن نصل إلى المهمة الأخيرة

50. اقفز من بناية مرتفعة، أنهِ حياتك.

الحالات المبلغ عنها

تونس:

حتى 12 مارس/أذار 2018، انتحر 7 أطفال تونسيين جراء اللعبة، أصدرت المحكمة الابتدائية بسوسة حكما يقضي بحجب لعبة الحوت الأزرق ولعبة مريم في البلاد.

بنغلاديش:

تناقلت العديد من التقارير الإخبارية ووسائل الإعلام في بنغلاديش أخبار محاولات انتحار على صلة باللعبة.

 وكانت فتاة (في سن المراهقة) قد انتحرت، وزُعم أنها قامت بذلك بسبب إدمانها للعبة الحوث الأزرق في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017،  لكن ما زاد من شهرة اللعبة في بنغلاديش هو قيام الشرطة باعتقال طالب جامعي وذلك بسبب اشتباه في لعب اللعبة، لكن هذه الحالة لم يتم تأكيدها رسميا.

البرازيل:

ربطت العديد من التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام البرازيلية حالات إيذاء النفس ومحاولة الانتحار للأطفال بلعبهم للعبة الحوت الأزرق. وقد قامت الشرطة بعدد من التحقيقات؛ لكن لم يتم تأكيد أي حالة رسمية حتى الآن، وحاول ثمانية من البرازيليين الانتحار بعدما كانوا قد عرضوا أنفسهم للتعذيب، لذلك يشتبه في أن يكون هذا الحادث له صلة مع اللعبة.

بلغاريا:

ظهر الخبر الأول عن لعبة الحوت الأزرق في بلغاريا في منتصف فبراير/شباط عام 2017، وكانت منظمة إنترنت أكثر أمانا قد نشرت تقريرا تطالب فيه مستعملي الهواتف بعدم الانصياع للشائعات، وأن الموضوع مبالغ فيه ولا يستحق كل تلك الضجة، كما طالبت ملاك مواقع الويب بتفادي نشر المعلومات المغلوطة حتى لا تخلق موجة من القلق والذعر بين أولياء الأمور.

تم فتح مجموعتين في «فيسبوك» لمناقشة قضية هذه اللعبة ومحاولة دفع مستخدمي الهواتف لتجريبها، لكن سرعان ما قامت سلطات بلغاريا بالتبليغ عنها وحذفها، وقد انتشر خبر اللعبة وما تُسببه في غضون أسبوعين، مما دفع بالصحافة البلغارية للتحرك حيث نشرت المزيد من التقارير حول هذه اللعبة، مؤكدة أنها مجرد خدعة الهدف من ورائها الترويج لا غير.

الهند:

طوال عام 2017، ذكرت وسائل الإعلام في الهند أن عدة حالات انتحار للأطفال سببها لعبة الحوت الأزرق، وكانت حكومة الهند قد ضغطت على وزارة تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات التي بدورها ضغطت وطلبت من عدد من شركات الإنترنت (بما في ذلك جوجل، فيسبوك وياهو) بإزالة جميع الروابط التي توجه المستخدمين إلى تحميل اللعبة، مما دفع بعض المعلقين والمدونين إلى اتهام الحكومة بخلق الهلع بين المواطنين. 

وطلبت المحكمة العليا من الحكومة المركزية الهندية حظر كل المواقع التي قد توصل للعبة الحوت الأزرق.

وأفاد تحقيق شامل أجرته الحكومة الهندية في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2018 عن عدم وجود أي دليل يشير إلى تسبب لعبة الحوت الأزرق بأية وفيات قائلة: «حللت اللجنة نشاطات الإنترنت ونشاطات الأجهزة وسجلات المكالمات وغير ذلك من نشاطات التواصل الاجتماعي والأدلة العدلية الأخرى. كما تفاعلت مع الضحايا المرتبطين بالحوادث والذي تم إنقاذهم. ولم يثبت صلة لعبة الحوت الأزرق للتحديات بأي من هذه الحوادث».

إيطاليا:

التغطية الصحفية للعبة الحوت الأزرق بدأت في 3 يونيو/حزيران 2016 عن طريق صحيفة لا ستامبا التي وصفت اللعبة بأنها عبارة عن تحدي وفي نفس الأمر هي «مزحة سيئة».

بعد ذلك نشر موقع BUTAC تقريرا يؤكد فيه عدم وجود اللعبة أساسا، وفي 14 مايو/أيار 2017، نشرت قناة «إيطاليا 1» تقريرا مفصلا عن اللعبة، مؤكدة أنها موجودة.

وأكدت مجموعة من التقارير أن عدة حالات انتحار يعود سببها للعبة، خاصة حالة فتاة مراهقة من ليفورنو، وفي أعقاب ذلك زادت تغطية الإعلام للموضوع، وكثرت المنابر التي تُؤكد وجود اللعبة خطورتها، وما زاد من قلق أولياء الأمور هو الارتفاع الحاد الذي شهده «جوجل» من حيث عدد نتائج البحث عن اللعبة.

وفي 22 مايو/أيار 2017، أعلنت شرطة إيطاليا أنها تلقت 40 إنذارا بخصوص اللعبة، ثم ارتفع عدد الإنذارات إلى 70 على مدى 24 ساعة فقط.

روسيا:

في مارس/أذار عام 2017، كانت السلطات في روسيا تُحقق فيما يقرب من 130 قضية منفصلة تتعلق بحالات مشكوك في صلتها باللعبة.

وفي شهر فبراير/شباط قام طفل يبلغ من العمر 15 عاما بإلقاء نفسه من عمارة بعلو 14 طابقا في مبنى في إيركوتسك بسيبيريا وذلك بعد الانتهاء من المهام الخمسين المرسلة إليه، كما قام زميله (يبلغ من العمر 16 سنة) بنفس العملية، وقد تركوا رسائل على صفحتيهما على مواقع التواصل الاجتماعي تُفيد بأن للانتحار علاقة باللعبة.

وفي نفس الشهر قام شاب آخر يبلغ من العمر 15 عاما أيضا برمي نفسه من شقة عالية في مدينة كراسنويارسك، لكن هذه المرة لم يُفارق الحياة بل تعرض لجروح وإصابات حرجة تسببت في إدخاله للمستشفى.

في 11 مايو/أيار 2017 ذكرت وسائل إعلام روسية أن «فيليب بودكي» مطلوب بتهمة «تحريض المراهقين على الانتحار»، وكان «بوديكين» قد وصف ضحاياه «بالنفايات البيولوجية» مدعيا أنه يُحاول «تطهير المجتمع».

وقد تم إلقاء القبض عليه في وقت لاحق وتم الزج به في سجن سانت بطرسبرغ بسبب العديد من التهم على رأسها «تحريض 16 فتاة على الأقل على قتل أنفسهن».

في 26 مايو/أيار عام 2017، أقر مجلس الدوما (البرلمان الروسي) بمشروع قانون يمنح المحكمة الحق في إنزال تهمة جنايات عن كل من يحاول التشجيع على الانتحار أو خلق أدوات تُساعد في هذا، وذلك عقب 130 حالة وفاة مشتبه في ارتباطها بتحدي لعبة الحوت الأزرق.

وفي 7 يونيو/حزيران 2017، وقع الرئيس «فلاديمير بوتين» على قانون يفرض عقوبات جنائية على كل من يُحرض القاصرين على الانتحار.

الجزائر:

في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، انتحر طفل يبلغ من العمر 11 سنة بولاية سطيف شرق الجزائر، وقد أكدت نتائج التحقيق أن سبب الانتحار كان بسبب لعبة الحوت الأزرق التي كان يقضي معظم وقته فيها لمدة شهر.

في 8 ديسمبر/كانون الأول، أقدم طالبان على الانتحار في ثانوية بولاية بجاية وذلك بعد استعمال لعبة الحوت الأزرق.

وسجلت الجزائر وفاة 7 شبان بسبب اللعبة.

السعودية:

في 6 مايو/أيار 2017، انتحر طفل يبلغ من العمر 13 سنة شنقا بربط عنقه بحبل مشدود في الدولاب بمسكنه العائلي بجدة، وبعد التحريات اكتشفت الشرطة وجود لعبة الحوت الأزرق على هاتفه.

فرنسا:

في فرنسا تم الإبلاغ عن بعض الحالات التي يمكن أن تكون متصلة بالحوت الأزرق: وذكرت كذلك قناة LCI على موقعها محاولة انتحار أربع فتيات بسبب اللعبة، ونشرت صحيفة La Voix du Nord في وقت سابق خبر انتحار فتاتين تشاركتان أيضا في لعبة الحوت الأزرق، بالإضافة إلى 12 طالبا في مدرسة في فنستير.

ولمواجهة التهديد الذي تشكله لعبة الحوت الأزرق نشرت الشرطة الفرنسية في 6 مارس/أذار 2017 رسالة على حسابها في «تويتر» لتنبيه المراهقين وأولياء أمورهم وذكّرت بأن التحريض على الانتحار يعاقب عليه من قبل القانون الفرنسي بـ5 سنوات في السجن وغرامة 75 ألف يوور.

المغرب:

في الآونة الأخيرة انتشرت لعبة «الحوت الأزرق» في المغرب، خاصة في صفوف المراهقين، وتسببت في محاولات انتحار كثيرة وتعد أبرز حالة هي وفاة أحد المراهقين بمدينة أكادير جنوب المغرب، ويذكر أنه بعد تنفيذه لتحديات اللعبة أقدم على الانتحار برمي نفسه من سطح العمارة التي يسكن بها، استجابة للتحدي الأخير في اللعبة.

مصر:

في عام 2018 أثار انتحار نجل البرلماني المصري السابق «حمدي الفخراني» بسبب لعبة الحوت الأزرق انتباه وسائل الاعلام المحلية إلى هذه اللعبة، وفي حين ظهرت بعض الحالات الأخرى؛ بدأ البرلمان المصري بمناقشة سن تشريعات لمعاقبة المتورطين في هذه النوعية من الجرائم والتنمر على الإنترنت.

وخلال الشهر الجاري، عثرت أجهزة الأمن بمدينة المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية (دلتا النيل) على جثة تلميذ بالمرحلة الابتدائية (12 عاما) مشنوقا داخل غرفته.

وسجلت مصر مؤخرا أكثر من حالة انتحار بسبب تلك اللعبة بينها شاب في منطقة حلوان جنوبي القاهرة، وآخر بمدينة المحلة في محافظة الغربية، إلى جانب حالة اشتباه ثالثة لفتاة في محافظة الأسكندرية، شمالي البلاد.

وفي وقت سابق، قضت دار الإفتاء المصرية بتحريم المشاركة في اللعبة المسمَّاة بـ«الحوت الأزرق Blue Whale»، التي تطلب ممن يشاركون فيها اتباع بعض الأوامر والتحديات التي تنتهي بهم إلى الانتحار.

 الصراع الداخلي

وينقل موقع «تايمز أوف إنديا» عن مدير قسم الصحة النفسية والعلوم السلوكية في دلهي، «سمير باريخ»، قوله إن المراهقين يمرون بصراع داخلي، ويواجهون أسئلة على شاكلة: «من أنا؟» و«هل يحبني الناس؟» و«هل يجدني أصدقائي جيدا بما فيه الكفاية؟» و«هل أنا وحيد؟»، لذلك فهم يعتبرون أفضل هدف لمثل هذه الألعاب التي تستغل المراهقين الساعين لنيل القبول والاعتراف والاهتمام بهم من قبل أقرانهم.

الجفاء الأسرى والاضطراب

من جانبه، أوضح الاستشاري النفسي «أسامة الحفني»، في تصريح لـ«الخليج الجديد»، أن «اللعبة تستهدف فئة سنية معينة، والتي تتميز بالفضول وحب الاستكتشاف والتقليد الأعمى».

وأوضح أن مراحل اللعبة «تستفز المراهق بالتحدي، وعمل الأمور الغامضة»، مرجحا أن أغلب المراهقين المدمنين للعبة يعانون من حالة جفاء أسري وأن اللعبة تتوافق كثيرا مع حالات الاضطراب التي يمرون بها.

وحذر «الحفني» من كثرة تناول اللعبة والحديث عنها في وسائل الإعلام من كونها قد تدفع البعض لتجربتها بدافع الفضول والتحدي.

  كلمات مفتاحية

لعبة الحوت الأزرق الصراع الداخلي الانتحار المراهقين

«الإفتاء» المصرية تحرم المشاركة في لعبة «الحوت الأزرق»

انتحار نجل برلماني مصري سابق بسبب لعبة «الحوت الأزرق»