«ستراتفور»: عجز «حفتر» نعمة لـ«الوفاق» ونقمة للمصريين والإماراتيين

الجمعة 20 أبريل 2018 03:04 ص

كانت الفترة الماضية حافلة في السياسة الليبية.

إذ أفادت وسائل الإعلام في البلاد بأن المشير «خليفة حفتر» (75 عاما)، قائد القوات المنبثقة عن مجلس نواب طبرق، عانى إما من سكتة دماغية أو نوبة قلبية، وهو الآن يتلقى العلاج في فرنسا.

وبشكل غير مفاجئ، سارعت قيادة قوات«حفتر» إلى نفي ذلك، وسط تقارير متضاربة تفيد بأن الأخير أصيب بوعكة صحية خلال جولة خارجية، وطلب العلاج في باريس.

وبفضل الدعم الذي يقدمه له ممثلون دوليون أقوياء، ربما يكون «حفتر» هو القائد العسكري الوحيد الأقوى في الصراع الليبي، إلا أن موقفه القوي المناهض للإسلاميين والعناد ضد قبول الحكم المدني جعله شخصية مثيرة للانقسام.

وإذا كان «حفتر» دخل بالفعل في غيبوبة أو يعاني من مضاعفات صحية خطيرة، فإن الأمر سيكون له صداه في جميع أنحاء الصراع الليبي.

لكن حتى لو كانت هناك شائعات حول وفاة «حفتر» الوشيكة، فمن المرجح أن تعيد جميع القوى الخارجية تقييم استراتيجياتها في العمل مع القائد الليبي بسبب سنه وآفاقه الصحية السيئة.

وبعد 7 أعوام من ثورة أطاحت بـ «معمر القذافي»، لا تزال ليبيا غارقة في صراع سياسي، مع حكومتين وحرب أهلية ثانية.

ولعب «حفتر» دورا حاسما في تأجيج هذا الصراع، وأصبح جزءا لا يتجزأ من أي عملية توحيد، لكنه بقي أيضا شخصية استقطابية عميقة بين الليبيين.

وستغير المخاوف بشأن صحة «حفتر» الملعب بأكمله في ليبيا.

الرجل بين الخرافة والأسطورة

كان «حفتر» انضم أولا إلى الجيش الليبي في عهد الملك إدريس الأول عام 1966.

وبعد 3 أعوام، شارك في الانقلاب الذي قاده «معمر القذافي» ضد النظام الملكي.

وخلال الأعوام الـ20 التالية، صعد «حفتر» إلى مناصب أعلى في الجيش الليبي؛ ليصبح في نهاية المطاف قائدا رئيسيا في النزاع التشادي الليبي في الثمانينات.

وبعد أن أسرت القوات التشادية «حفتر»، انشق هو وعدد من الجنود الليبيين الآخرين عام 1987، وتعهدوا بالولاء لـ«جبهة الإنقاذ الوطني»، التي كانت تدعمها «السي آي إيه» والسعودية، وهي جماعة معارضة خارجية طالبت بالإطاحة بـ«القذافي».

وسرعان ما ارتفع «حفتر» في صفوف «الجيش الوطني الليبي»، الجناح العسكري لـ«جبهة الإنقاذ الوطني»، وهو الاسم الذي لا يزال يستخدمه المارشال الميداني لقواته.

وخلال العقدين التاليين، عاش «حفتر» في «لانغلي» بولاية فرجينيا الأمريكية؛ ما ساعده على تنسيق أعمال قواته ضد «القذافي».

وبعد فترة وجيزة من بدء الثورة الليبية عام 2011، عاد «حفتر» إلى وطنه على أمل بناء جيش متمرد بالتعاون مع منشقي النظام.

واجتذب «حفتر» بعض التابعين في البداية، لكنه فشل في النهاية في أن يصبح قائدا للقوات المسلحة في حكومة ما بعد «القذافي»؛ لأن الثوار والإسلاميين الذين هيمنوا على «المؤتمر الوطني العام» (أول برلمان منتخب بعد الثورة) رفضوا منح السلطة لأي شخص كان يدعم «القذافي» من قبل، بما في ذلك «حفتر».

وكرس المؤتمر فيما بعد مبدأ إبعاد «داعمي القذافي» في قانون العزل السياسي الذي صدر في مايو/أيار 2013.

وبعد رفضه من قبل «المؤتمر الوطني العام»، سعى «حفتر» إلى تعزيز «الجيش الوطني الليبي» خلال العامين التاليين، وأقام علاقات أوثق مع الشركاء الإقليميين في السعودية والإمارات ومصر.

ومستفيدا من الفراغ الأمني ​​في أعقاب الثورة، شدد «حفتر» على حاجة ليبيا لتشكيل جيش قوي ومهني يمكن أن يدمج الموالين السابقين لـ«القذافي» وميليشيات المتمردين في قوة موحدة لحماية حدود ليبيا، ومواجهة ما أسماه بالجماعات الـ«متطرفة» في البلاد.

ومع الوقت، جمع تصنيف «المتطرفين» كل الجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، ربما بسبب إصرار أبوظبي والرياض والقاهرة خاصة بعد أن أطاح «عبد الفتاح السيسي» في مصر بالرئيس المنتمي للجماعة «محمد مرسي» عام 2013.

واكتسب موقف «حفتر» الدعم بين المجموعات القبلية في شرق ليبيا، إضافة إلى القوى الإقليمية.

وفي فبراير/شباط 2014، ألقى خطابا متلفزا، معلنا انقلابا ضد الحكومة المؤقتة في طرابلس.

وفشل الانقلاب، لكن «حفتر» استمر في ممارسة قدر كبير من السيطرة في البلاد.

وبعد 3 أشهر، أطلق ما أسماه بـ«عملية الكرامة» في شرق ليبيا بدعم من السعودية والإمارات ومصر، في محاولة لتخليص البلاد من جميع الإسلاميين.

غير أن عملية «حفتر» أثارت هجوما مضادا من قبل التحالف الإسلامي المصراتي في طرابلس، المعروف باسم «فجر ليبيا»؛ مما أدى إلى غرق البلاد في حربها الأهلية الثانية منذ سقوط «القذافي».

ونتيجة لذلك، أصبح لدى ليبيا الآن حكومتان متنافستان، واحدة في طبرق (مجلس النواب) تدعم «حفتر»، وواحدة في طرابلس (حكومة الوفاق الوطني).

وخلال الحرب، عزز «حفتر» «الجيش الوطني الليبي»، ووسع سيطرته على الغالبية العظمى من المناطق الشرقية والجنوبية في ليبيا وبرقة وفزان.

وفي حين شهد القادة الليبيون الآخرون أوقات صعود وسقوط في الأعوام الـ7 منذ سقوط «القذافي»، كان «حفتر» ثابتا وشاهدا على شؤون البلاد مع جيشه.

كما أظهر «حفتر» مهارة في جذب الدعم الإقليمي والدعم من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، من خلال تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله الجماعات المتطرفة في بنغازي وسرت ودرنة وغيرها.

وقد لا يكون «حفتر» غير قابل للاستبدال كليا في «الجيش الوطني الليبي»، لكنه يقترب إلى حد كبير من كونه لا غنى عنه.

الوحدة والانقسام

وحصل «حفتر» من مؤيديه على قدر كبير من التأييد، بينما استغرق أكثر من 6 أعوام من الجهد لبناء جيش محترف ذي تسلسل قيادي واضح.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال «الجيش الوطني الليبي»، في صميمه، خليطا من الميليشيات المسلحة المختلفة، التي يعمل كل منها بشكل مستقل عن الآخر وفقا لجدول أعمالها الخاص، ويخوض المعارك الخاصة به.

ويشمل جيش «حفتر» الموالين لـ«القذافي»، والميليشيات القبلية الشرقية والجنوبية، والكتائب السلفية، وغيرها الكثير.

ومن غير المستغرب أن تكون الانقسامات التي تدور رحاها عميقة في الغالب.

وفي حين أن العداء المشترك للجماعات الإسلامية مثل أنصار الشريعة وتنظيم الدولة الإسلامية يوحد كل المجموعات، فإن المعركة ضد هؤلاء تراجعت منذ أن قام «الجيش الوطني الليبي» بإزاحتهم فعليا من بنغازي عام 2017.

والآن، وسط التساؤلات حول صحة «حفتر»، فمن المرجح أن تنمو هذه الشقوق بشكل أكبر.

وإذا غادر «حفتر» المشهد، فإن القادة العسكريين الباقيين سيبذلون قصارى جهدهم للاحتفاظ بـ«الجيش الوطني الليبي»، لكن جهود «حفتر» لتهميش المنافسين المحتملين تضمنت عدم وجود تتابع سلس.

وعليه، في النزاع الليبي الأكبر بين الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب، فإن مؤسسات مثل «حكومة الوفاق الوطني» في طرابلس والعناصر العسكرية القوية هناك ستستفيد بشكل كبير من خروجه والضعف الناتج في طبرق، مقر مجلس النواب.

ومن شأن عجز «حفتر» أن يضر بالزبائن الذين استثمروا كثيرا في جيشه.

وقد أدركت مصر والإمارات وفرنسا قيود العمل مع «حفتر»، وسعت بالفعل إلى توسيع استراتيجياتها في ليبيا إلى ما وراءه.

وبغض النظر عن صحة «حفتر»، يبدو أن فكرة أنه قادر بسرعة على توحيد وحكم ليبيا كرجل قوي لم تكن سوى سراب.

وفي طرابلس، بدأت مجموعات كثيرة، مثل السلفيين والمجموعات المحلية الأخرى، في التضافر مع بعض المجموعات الإقليمية التي تدعم «حكومة الوفاق الوطني»، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، ونجحت في الإطاحة بالعديد من مسلحي مصراتة والمجموعات الإسلامية من المنطقة.

ووسط هذا التقارب في الهدف، قامت مصر بتسهيل المحادثات بين «حفتر» وغيره من القادة العسكريين من طرابلس ومصراتة والزنتان ومناطق أخرى في الغرب، الذين قد يشتركون في نفور نظام «السيسي» من جماعة «الإخوان المسلمين».

وبذلك، كانت القاهرة تأمل في إنشاء جيش ليبي جديد مع وجود «حفتر» على رأس السلطة، لكن أيضا بمشاركة القادة المدنيين في حكومة موحدة.

وبتوجيه الدعوات إلى مجموعة أوسع من المجموعات، تأمل مصر في بناء تحالف وطني أكبر يعتمد بدرجة أقل على «حفتر».

وعلى مدى الـ 30 عاما الماضية، كان «حفتر» يلوح بظلاله على السياسة الليبية، في البداية كرجل سعى إلى إسقاط «القذافي»، ثم كشخصية تسعى إلى السيطرة على البلاد بعد زواله.

وسيترك رحيل «حفتر» عن المشهد فجوة كبيرة يهرع إليها الآخرون لملئها، لكن حتى إذا كان قد استمر كوسيط قوة رئيسي في البلاد، فمن المرجح أن جميع أطراف النزاع كانوا سيبحثون عن بدائل لشخصيته المثيرة للشقاق.

  كلمات مفتاحية

حفتر ليبيا مصر الإمارات فرنسا مرض حفتر خلافة حفتر

شقيق «حفتر» يكشف تفاصيل جديدة عن حالته الصحية

وسائل إعلام مصرية تتوقع عودة «حفتر» لبنغازي خلال ساعات

المدعى العسكري بحكومة «الوفاق» الليبية يهرب من خاطفيه