كيف نجحت قطر في استقطاب الموقف الأمريكي ضد الحصار؟

الأحد 3 يونيو 2018 12:06 م

بعد مرور عام على الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر، استطاعت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الدوحة، التأثير في الموقف الأمريكي، وتحويله لصالحها.

فقد نجحت الأموال السعودية في بداية الأزمة في كسب الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الذي اتخذ موقفا متشددا ودعم القيادة السعودية وساند قرارها باتخاذ إجراءات صارمة بحق الدوحة.

لكن الحال تغير الآن، حيث ساهمت الجهود التي بذلتها القيادات القطرية، فضلا عن الأخطاء المتعددة التي اقترفتها السعودية، في تحويل موقف إدارة «ترامب» لصالح قطر.

وفي هذا الصدد، قال القائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى الدوحة «راين كليها» إن قطر قامت بعمل رائع للغاية في احتواء عاصفة الحصار، وأثارت إعجاب الحكومة الأمريكية بما اتخذته من خطوات.

فقد عمدت قطر إلى التعاقد مع العديد من الشركات الاستشارية، بغية مساعدتها في تعزيز علاقاتها مع الحكومة الأمريكية لتحييدها على الأقل، في خضم الأزمة التي تشهدها.

وكانت أولى البوادر الفعلية لنجاح تلك الجهود القطرية، انعقاد الحوار الاستراتيجي الأول من نوعه الذي جمع الولايات المتحدة وقطر في فبراير/شباط 2018، وقد عقد هذا اللقاء في واشنطن، على هامش سلسلة سنوية من الاجتماعات الثنائية بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا الجانبين.

وفي الشهر ذاته، وقع افتتاح خلية تفكير أسستها قطر، وأطلق عليها اسم منتدى الخليج الدولي، وذلك خلال مأدبة غداء في نادي الصحافة الوطني الأمريكي، وتجدر الإشارة إلى أن سفير الولايات المتحدة السابق في قطر «باتريك ثيروس»، يعمل مستشارا في خلية التفكير السالف ذكرها.

وبادرت الدوحة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية مع الجانب الأمريكي، في مجال الطيران المدني، ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، وكانت هذه الاتفاقيات بمثابة رسالة موجهة لدول الحصار مفادها أن طبيعة العلاقات القطرية الأمريكية لن تتغير.

ومثلت خطوات قطر لتوسعة قاعدة «العديد» الجوية العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية، عاملا داعما للموقف القطري.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي السابق والمستشار في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى «دنيس روس» أن الجيش الأمريكي، ولعدة أسباب مفهومة، يعي الأهمية الكبرى لقاعدة «العديد»، ولم يرغب في اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تثير أي تساؤلات حول القدرة على استخدام القاعدة وتمويل قطر لها.

ووقعت الدوحة، بعد أسابيع قليلة من بدء الحصار، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، لمعالجة بعض الهواجس التي تتعلق بمكافحة قطر للإرهاب.

وكمثال على الجهود التي تبذلها قطر في مجال مكافحة الإرهاب، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية للقائمة التي أصدرتها قطر بشأن وضع أفراد وكيانات قطرية على لائحة الإرهاب.

حملات التأثير

وقد دأبت السعودية على تخصيص جملة من الموارد المالية في إطار حملتها للتأثير على العاصمة الأمريكية، وفي الفترة الممتدة بين سنة 2015 وسنة 2017، عززت السعودية عدد وكلائها الأجانب الذين وظفتهم من 25 إلى 145 وكيلا، لتنفق بموجب ذلك أكثر من 18 مليون دولار.

وتسعى المملكة من خلال ذلك إلى ممارسة جملة من الضغوط في العاصمة الأمريكية، علاوة على ذلك، مولت الرياض عددا من المؤسسات الدينية الأمريكية والأقسام المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط بالجامعات الأمريكية؛ أما قطر، فقد التحقت بهذا الركب بشكل متأخر.

ويوضح «جان فرانسوا سيزنيك»، أحد أكبر الباحثين غير المقيمين في المجلس الأطلسي، الفارق بين التحركات السعودية والقطرية خلال الأزمة قائلا: «من وجهة نظر العلاقات العامة البحتة، يعتبر القطريون أكثر ذكاء من السعوديين»، مشيرا إلى أن القطريين يجسدون صورة أكثر انفتاحا، تعكس الانفتاح الثقافي، الأمر الذي لم يتمتع به السعوديون.

ووفقا لبعض المسؤولين الأمريكيين، كانت إدارة «ترامب» تعمل على دفع الموقف السعودي ضد قطر حتى يتخذ منحى أكثر خشونة في بادئ الأمر، لكن الموازين انقلبت نتيجة الأوضاع الإنسانية المأسوية في اليمن، فضلا عن قضية رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، الذي بدا وكأنه محتجز في الرياض، بالإضافة إلى الحملة الفوضوية للقضاء على الفساد التي قادها ولي العهد «محمد بن سلمان».

وتجلى نجاح التحركات القطرية في ترحيب «ترامب» اللافت بأمير قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، خلال زيارة الأخير لواشنطن، في أبريل/نيسان الماضي، حيث أعرب «ترامب» عن استعداد الولايات المتحدة لردع ومواجهة أي تهديد خارجي لسلامة أراضي قطر، وأثنى الرئيس الأمريكي على أمير قطر، واصفاً إياه بأنه «صديق عظيم».

ومن اللافت الإعلان قبل يوم واحد من لقاء أمير قطر بـ«ترامب»، أن الولايات المتحدة ستبيع قطر أنظمة متقدمة وصواريخ موجهة بالليزر بصفقة تبلغ قيمتها 300 مليون دولار، بعد أن وافقت واشنطن، في الشهر السابق للزيارة، على صفقة عسكرية بقيمة 197 مليون دولار لتحديث مركز العمليات الجوية للقوات القطرية لوجستيا وتكنولوجيا.

وبالرغم من مراهنة دول الحصار على تغيير وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» باعتباره كان رافضا لقرار الحصار، فقد كانت الرسالة الأولى للوزير الجديد «مايك بومبيو» مختصرة عندما طالب السعودية بإنهاء الأزمة الخليجية قائلا: «كفى».

ومما لاشك فيه أن هذه الرسالة كان لها وقع خاص على النخبة الحاكمة في المملكة، فالسعوديون الذين يراقبون بحرص ديناميكيات القوة في واشنطن، يعرفون أن علاقة «تيلرسون» كانت متوترة مع «ترامب»، وبالتالي تم تجاهله، بينما «بومبيو» أقرب إلى «ترامب»، وبالتالي سيعتبر «رقما أصعب».

ويبدو أن إقدام الولايات المتحدة على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كان دافعا رئيسيا وراء الرغبة الأمريكية الملحة لوضع حد للأزمة الخليجية في محاولة لتوحيد الجهود ضد طهران.

فقد ترك الحصار الباب مفتوحا لطهران في الخليج، بفعل الشقاق بين دول مجلس التعاون، الذي امتد عمليا إلى الكويت وعُمان المنزعجتين من حصار قطر، وأدى ذلك لتحسن المواقف لصالح طهران، مع اضطرار قطر لاستخدام الموانئ البحرية والجوية لإيران.

وإجمالا، فقد أبدت الدوحة براعة في استثمار كافة الأدوات المتاحة لمواجهة الحملة التي شنتها دول الحصار، كما أظهرت السياسة القطرية لياقة لافتة في استثمار الأخطاء السعودية والإماراتية، وكذلك الأحداث التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية، من أجل تغيير موقف إدارة «ترامب» من الأزمة.

  كلمات مفتاحية

حصار قطر الأزمة الخليجية دول الحصار العلاقات القطرية الأمريكية إدارة ترامب

«ترامب» مستقبلا «تميم»: الأمور تسير بأفضل حال مع قطر

«وضاح خنفر»: قطر «الرابح الوحيد» في الأزمة الخليجية