اللعبة الإقليمية الكبيرة الجديدة: السعودية وإيران

الثلاثاء 8 يوليو 2014 12:07 م

غابريل ريفكيند، جياني بيكو - أوبن ديمقراسي - ترجمة: الخليج الجديد

بدأ الخطر يظهر مع انتشار قوات «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا عبر الحدود السورية والعراقية مهددة بتطبيق الخلافة الإسلامية والشريعة كذلك على أولئك الذين لا يلتزمون بنموذجها من التعنت العنيف. وقد بدأ الكره الطائفي في تشكيل الصفات الوراثية للمنطقة مهددا بتآكل الحدود التي رسمت منذ سقوط الدولة العثمانية منذ قرن مضى.

كما أن البرنامج القمعي للدولة الإسلامية له طريق لا رحمة فيه وأجندة غاية في المحافظة. لقد قامت بالفعل بإنشاء محكمة للشريعة وقامت مؤخرا بنشر مقاطع فيديو لمقاتليها وهم يحرقون جوازات سفرهم، في إشارة إلى نوع من الدعاية. أن هذا التنظيم متطور وله قادة ذوي خبرة تجاوزوا بها القاعدة والإرهاب وهي ترى نفسها قوة إقليمية تسعى للتغيير.

احتلال العراق في 2003 أدى إلى إنهيار البنية التحتية السياسية والإقتصادية والإجتماعية بها. وقد أدى ذلك إلى فراغ في السلطة ينتظر القاعدة وأمثالها من التنظيمات مثل «الدولة الإسلامية». كما أن تطور «الدولة الإسلامية» يمكن أن يعود إلى التيار السلفي المتطرف في العراق خلال الحرب الطائفية الأولى في 2007 – 2008. ولكن مثل هذه الجماعات يجب أن توضع في سياق أكبر: «اللعبة الكبرى» للامتداد الضار للرؤية السعودية للخلافة كما عبرت عنها «طالبان» ولا تزال.

إن أية مقارنة بين «طالبان» و«الدولة الإسلامية» وبين رؤيتهم الدينية ينبغي أن يرتبط بالرؤية الدينية السنية التي في السعودية. إن الحرب الطائفية الإقليمية تحفزها قوى من وراء الستار. فالحرب في العراق وسوريا لا ينبغي تسميتها بالحرب الأهلية وإنما فصل ثالث من الحرب بين السعودية وإيران في السنوات الثلاثين الماضية والتي وصلت الآن إلى أن تصير مواجهة سنية شيعية على الأراضي السورية العراقية.

في وقت أول حرب أهلية طائفية في العراق قتل آلاف السنة في الأنبار على يد الفرق الشيعة وقد تحول هؤلاء السنة إلى القاعدة من أجل حمايتهم. كما أن الطفرة العسكرية الأمريكية قد أدت بقادة القبائل السنية إلى الموافقة على التخلي عن اتفاقاتهم مع «الدولة الإسلامية» في مقابل تمثيل أمريكي للتفاوض وحمايتهم من حكومة المالكي. وقد أثبتت هذه الوعود أنها فارغة. لم يتواصل إهمال السنة بدى الظهور فقط، بل الجديد وكأنه حكومة تسيطر عليها الشيعة وتدعمها إيران بأجندة طائفية.

كما أن جنود «الدولة الإسلامية» يتألفون من مقاتلين أجانب أتوا من كثير من دول العالم الإسلامي والعربي من أجل الانضمام إلى الجهاد. إلا أن القادة يضمون قادة حرب سابقين وضباط مخابرات خدموا في ظل حكم «صدام حسين» ومن بينهم نائب صدام حسين «عزت إبراهيم الدوري» وهو أحد الرجال الذين يعرف عنهم قسوة أسطورية. وقد أوجد ذلك خليطا قويا من الأيديولوجية المتطرفة والخبرة العسكرية الاحترافية وهو ما جعل «الدولة الإسلامية» بالقوى التي هي عليها الآن.

لن تكون السعودية غير سعيدة جدا بضعف الشيعة في العراق، فقد عانت الاضطراب من قبل النفوذ الإيراني في العراق منذ حرب 2003. ومع ذلك لا يوجد دليل يصدق على أن الحكومة السعودية تدعم «الدولة الإسلامية» ماديا. غير أن مانحين خاصين (بعيدا عن الدولة) من السعودية وبعض دول الخليج قد قاموا بشكل غير قانوني بتمويل الدولة الإسلامية في الماضي. ومع أنها هي التي أوجدت هذه الجماعات إلا أن السعودية قد فقدت نفوذها الآن على هذه الجماعة والتي تراها الرياض الآن جماعة إرهابية وأنها تمثل تهديدا مباشرا على أمن المملكة.

كما أن أهمية هذه التبرعات الخاصة قد تضاءلت الآن من خلال تنوع مصادر الدخل لدى «الدولة الإسلامية» ومن بين هذه المصادر التهريب والابتزاز وكذلك الأنشطة الإجرامية. وهناك الآن إمكانية للوصول إلى تمويل عن طريق حقول البترول في الشمال العراقي وكذلك في المناطق الشمالية الشرقية في سوريا وهو ما يقول بأنهم يمتلكون المال الخاص بهم ولا ينتظرون منحا من أحد. كما أن درجة كفاءة هذه الجماعة تعتمد على بنائها الذي يمكنه أن يمنح رواتب شهرية لجنودها.

إن ظهور «الدولة الإسلامية» يشير إلى أزمة أكثر عمقا تتمثل في التمثيل وسط المجتمعات المختلفة في المنطقة. عندما لا تقوم حكومة بحماية مواطنيها الذين يعانون من ظروف وحشية للحرب فإن المواطنين يتحولون إلى تنظيمات شبه عسكرية من أجل أمنهم. وقد خلقت عقودا من الفساد والحكومات السلطوية في المنطقة التي تقوم بقمع كل من المعارضة العلمانية والإسلاميين المعتدلين بيئة خصبة لمثل هذه الأيديولوجيات.

كما أن حدود الدولة القومية قد ذهبت من عقول الكثير من مواطنيها وقد عززت الأحداث على الأرض هذا الأمر. ويأخذ مكان ذلك إعادة تخطيط للمنطقة على أسس طائفية فتنقسم إلى دويلات من المحتمل أن تكون عدائية فيما بينها. ووفقا لـ«بيتر هارلنج»، محلل بارز في مجموعة الأزمات الدولية، فإن المشكلة تتمثل في الانقسام والاستبدادية وطريق الفساد الذي تمارسه السلطة وليس في الحدود»، غير أن الترسيم الجديد للحدود وبيئة انعدام الأمن قد أهلت الظروف الحالية لهذا التعبير الديني المتطرف. وربما لا يكون هناك رجعة عن تلك التغييرات ولا يبدو أن هناك مناقشة لمصادر الفشل الاجتماعي والسياسي في المنطقة حيث لا تظهر الحكومات اهتماما بتحسين الحياة اليومية للناس. 

إن الحدود الممتدة على طول 600 كم بين سوريا والعراق الآن تسيطر عليها هذه الجماعة. وهناك بعض العراقيين السنة في غرب مقاطعة الأنبار، وهو موقع المتظاهرين ضد الحكومة، مدعين مزيدا من القواسم المشتركة مع الأغلبية السنية في شرق سوريا. وقد وضعت اتفاقية «سايكس بيكو» في عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا الأقليات في السلطة. وقد قامت «جيرترود بيل» في عام 1920 بترسيم الحدود العراقية وهي الحدود التي تواجه تحديا كبيرا الآن.

كما أن التصاق الدولة الوطنية في هذه المنطقة على مدار عقود قد فشل في خلق هويات سياسية واجتماعية متجانسة في حقبة للتغيير وهو ما أدى لتقوية نفوذ عناصر غير وطنية وإضعاف المؤسسات. لا يريد الربيع العربي أن يزيح الديكتاتوريين فقط بل أراد أيضا تمركز السلطة والتحول إلى هويات محلية تعكس احتياجات مجتمعاتهم.

ويقترن كل ذلك بمعركة من أجل تقرير المصير في المنطقة، حيث يقوم الأكراد العراقيين بقيادة حركة نحو الاستقلال. كما أن رئيس المنطقة الشمالية في العراق، «برزاني»، قد دعا إلى استفتاء من أجل الاستقلال قائلا بأنه قد حان الوقت للأكراد بأن يقرروا مصيرهم. ولذلك فإن الوقت صار متأخرا جدا على ما قالته الحكومة الأمريكية من أن القادة العراقيين ينبغي أن يقدموا أسسا للحدود وكذلك حكومة لكل العراقيين.

وبسبب هذا المستوى من الفوضى، من يمكنه أن ينجز الأعمال في فترة جيدة وأين المصادر المحتملة للاستقرار؟ هناك موجة من التحالفات الجديدة بحيث يكون فيه عدو عدوي يصير صديقي من أجل محاربة «الدولة الإسلامية». وقد قامت روسيا بالدخول من خلال تسليم دفعة أولى من الطائرات وقامت أمريكا بإنزال طائرات بدون طيار وهليكوبتر وقامت إيران أيضا بالتزويد بطائرات مهاجمة، إن الشدائد تجمع المصابين.

إن أي تدخل عسكري سوف يكون بحاجة إلى أن يكون محدود النطاق وأن يتجنب تكرار الائتلافات السابقة للجماعات الشيعية المسلحة التي تغزي فقط التطرف السني. وسوف يكون المفتاح هو قادة القبائل في مقاطعة الأنبار. كما أن مصالح قادة البعثيين السنة تتعارض مع الدولة الإسلامية وهناك احتمال بتحالف مؤقت. فالدولة الإسلامية تسعى لإقامة دولة تمتد من العراق إلى سوريا وتقف أمام أي حل سياسي يحافظ على الحدود الحالية للعراق. أما المصالح السنية فتتمثل في الإطاحة بحكومة المالكي من أجل استعادة السيطرة التي فقدوها في 2003 أو أن يكون لهم منطقة حكم شبه ذاتي مثل كردستان، يمكن حمايتها من نهب بغداد.

إن الأيديولوجية القمعية المتشددة للدولة الإسلامية والحكومات في المنطقة قد أثارت عنفا طائفيا وخصومة قبلية وأيديولوجية ودينية. كما أن رؤية لنظام أخلاقي جديد يمكن أن تكون ضرورية من أجل إيجاد جماعات مختلفة بقناعات بأنها يمكن أن تتعايش في المنطقة.

 وفي أعقاب هذه الأزمة، فإن ظهور «الدولة الإسلامية» يجعل من السهل على السعودية وإيران أن يتوصلوا إلى تسوية مؤقتة، ليس فقط لأنهم سيسيطرون على تحرك «الدولة الإسلامية» وإنما بسبب اهتماماتهم حول نفوذ هذه الجماعة. وسوف يكون مطلوبا فصل جديد في تاريخ البشرية وإلا فإن المنطقة سوف تواصل انحدارها نحو عصور الظلام. 

  كلمات مفتاحية

صحيفة لبنانية: العلاقات السعودية الإيرانية تتلبد بالارتياب مجددا بسبب "تفرد" «سعود الفيصل»

«واشنطن بوست»: كيف ترسم الطائفية ملامح الحرب في اليمن؟

«بوليتيكو»: اللعبة الخطرة للمملكة العربية السعودية في المنطقة