توازن القوى الصاعدة في الشرق الأوسط

السبت 7 مارس 2015 01:03 ص

خطوط المعركة في الشرق الأوسط في تغير مستمر، حيث دفعت القوة الفوضوية لتنظيم «الدولة الإسلامية» جميع القوى الرئيسية في المنطقة مثل تركيا وإيران والسعودية إلى إعادة التفكير في عقود من العلاقات الإقليمية الاستراتيجية.

ويتجلي هذا بشكل أوضح في العراق وسوريا حيث تدور معركة طائفية بالوكالة تعكس توازن القوى، وعلى الرغم من أن الفوضى هي التي يبدو أنها تطفو على السطح فإن هذه الحراك يسير متماشيا مع الاستراتيجية بعيدة المدى للولايات المتحدة في المنطقة.

وفيما انتقد كثيرون قرار واشنطن بعدم أخذ دور مباشر لاحتواء الأوضاع والعنف في سوريا أو الاعتماد على القوات المحلية لمكافحة «الدولة الإسلامية» في العراق.فإن الضرورات الجيوسياسية العالمية للولايات المتحدة تعمل في مسار الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط  من خلال تحمل القوى الإقليمية لأعباء إدارة مشكلاتها.

إن رفض واشنطن الانجرار الى حرب برية  في الشرق الاوسط هو مثل عملية إنضاج بطئ للثمار، وكذلك تلعب تركيا بحذر لاستعادة نفوذها السابق في حدودها الجنوبية لكي توازن المنافسة السعودية الإيرانية التي غذت العنف في المنطقة وأدت لزعزعة الاستقرار.

الأجندة الجيوبوليتكية

لقد كتبنا الأسبوع الماضي عن محاولة مصر لصياغة رد عربي على الضغط الاقليمي الذي يركز على تنظيم «الدولة الإسلامية» ويتجاهل بعض الجماعات التي تهدد إدارة «عبد الفتاح السيسي». لكن القاهرة تفتقر الى الثقل الجيوبوليتيكي اللازم من أجل تشكيل مخرجات في سوريا والعراق فضلا عن التغيير في منطقة أوسع. وبالرغم من هذا تحاول السعودية استخدام مصر للعب دور أكبر في العالم العربي والسني لتنافس كلا من تركيا وإيران.

إن التحديات كثيرة، والتماسك السني يبدو بعيدا مثل التحالف العسكري المستقر، ويبدو أن السعودية قد ساعدت على إنهاء ما قد بدأته واشنطن من دفع أنقرة للعب دور أقوى في المنطقة.

شهد يوم الاثنين الماضي وصول «أردوغان» مع وفد سياسي تركي للقاء نظرائهم وعلى رأسهم الملك الجديد «سلمان» حيث تم إعلان قليل من التفاصيل بعد المناقشات، لكن المهم أن  الطرفين اتفقا على العمل في سوريا سويا، وهذا الاتقاق يظهر تحولا كبيرا في العلاقات بين القوتين السنيتين الرئيسيتين، حيث السياسة التركية تحت قيادة «أردوغان» والعدالة والتنمية تفضل التيار الاسلامي، أما السعودية فمنذ عهد الملك الراحل فإنها ترى الاخوان خطرًا عليها، ولكن مع تصاعد تهديدات إيران و«الدولة الإسلامية»، يبدو انها تتهيأ لتغيير تكتيكي.

أعادت السعودية أيضا علاقاتها مع قطر التي دعمت الإخوان المسلمين، مما وضعها سابقا في خلاف مع الرياض في عهد الملك الراحل، وهناك مؤشرات كبيرة أن الدوحة والرياض وأنقرة يعملون معا في سوريا ويدعمون مجموعات مشتركة من المعارضة، حيث نرى الجبهة الشامية على الحدود التركية  تحظى بدعم أوسع وفي نفس الوقت هناك تقليص للدعم الخليجي لبعض المجموعات السلفية وعلى رأسها جبهة النصرة.

في العراق أيضا فإن المملكة العربية السعودية والأردن يعملان مع رجال القبائل العربية السنية الساخطة لتوسيع ائتلاف القبائل العراقية التي تقاتل «الدولة الإسلامية»، كما تعمل تركيا مع كل من القوات الكردية و حكومة بغداد. هذا التعاون السني لا يخلو من التحديات، ولكن كل من تركيا والمملكة العربية السعودية ترغبان في تشكيل مستقبل كل من سوريا والعراق وفقا لمصالحهما الاستراتيجية، والرياض وأنقرة هما في نهاية المطاف منافسين على النفوذ في المنطقة. ولكنهما مضطرين أيضا للتعامل معًا ضد إيران.

ويعد العراق جوهرَا لاستراتيجية إيران في الشرق الأوسط. لأنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للنفوذ الإيراني في العالم العربي، أو كما فعلت ذلك مرات عديدة في التاريخ، تكون بمثابة أساس انطلاق للغزو.  ومع ما سبق فمن المنطقي بعد ذلك أن إيران كثفت تدخلها العسكري المباشر في العراق خلال الأسبوع الماضي، مع قوات الحرس الثوري التي تشارك مع الميليشيات الشيعية المدعومة من قبلها، وقوات الجيش العراقي وعدد محدود من العناصر القبلية السنية في معركة تكريت.

جنبا إلى جنب مع  دعم إيراني طويل الأمد لحكومة الرئيس السوري «بشار الأسد» (الذي خدم تاريخيا كطريق وممر للدعم المادي الإيراني إلى حزب الله)، كثفت إيران وجودها العسكري عبر كل من سوريا والعراق في محاربة «الدولة الإسلامية». في حين أن تركيا والمملكة العربية السعودية تحاولان توسيع نفوذهما في كل من هذه الدول، وقد اضطرتا إيران إلى اتخاذ موقف دفاعي تسعى من خلاله للاحتفاظ بعناصر النفوذ الذي كانت تتمتع به في الفترة بين الغزو الأمريكي للعراق والاضطرابات في عام 2011 إبان الربيع العربي. وهذا الانعكاس الاستراتيجي هو أحد العوامل التي دفعت طهران للتفاوض مع الولايات المتحدة للمساعدة في الحصول على الاعتراف بموطئ قدم لها في العالم العربي والحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية.

وبما أن التهديد الذي تشكله «الدولة الإسلامية» يؤدي إلى علاقة عمل واهية بين أنقرة والرياض، والخطة الامريكية لموازين القوى في المنطقة تنطوي على تغيير أكثر من ثلاثة عقود من العلاقات المتوترة مع حليفها السابق إيران.  فإن تورط إيران المباشر في معركة تكريت يثير تساؤلات حول المعركة في نهاية المطاف في الموصل، حيث تتزايد الميليشيات الشيعية تتزايد ببطء هناك، كما تخطط الولايات المتحدة لمساعدة القوات الكردية والعراقية في القتال ضد «الدولة الإسلامية».

التنسيق مع إيران هو حافز بالنسبة للولايات المتحدة. خصوصًا وأن المنافسة المباشرة بين طهران والرياض تشكل خطرا كبيرا جدا وتعمل على  زعزعة الاستقرار الإقليمي، وهذا يستلزم دور تركي أكبر في المنطقة. وهكذا نرى خطوط المعركة تتلاقى، وتداخل وتمتزج في توازن القوى الصاعدة.

  كلمات مفتاحية

تركيا السعودية إيران أردوغان الملك سلمان

سياسة شرق أوسطيّة جديدة من دون «الإخوان»؟

«أردوغان»: خطوات سعودية مرتقبة ربما تحدث تغييرات في الإدارة المصرية

خطوط جديدة في الرمال: من الذي سيفوز في العراق بينما يعاد رسم حدود الشرق الأوسط؟

«ميدل إيست بريفينج»: دور جديد «غير مرغوب» للسيسي في نظام الشرق الأوسط الأمريكي الجديد

«أردوغان» يصل العاصمة الرياض ويجري مباحثات مع الملك «سلمان»

«ستراتفور»: اتجاهات السياسات العالمية وتحولات الشرق الأوسط خلال عشر سنوات قادمة

«أردوغان» و«تميم» يدشنان شراكة سياسية وعسكرية استراتيجية بين تركيا وقطر

تقسيم المقسّم في الشرق الأوسط

الدول «السبع» وتوازن القوى الجديد