اليمن ومناوشات موسكو والرياض

الجمعة 3 أبريل 2015 07:04 ص

إن الأحداث الأخيرة في اليمن وبدء العمليات العسكرية السعودية، ضمن التحالف العشري، تثير الكثير من التساؤلات حول الموقف الروسي من هذه التطورات. فقبل هذه العمليات العسكرية بأيام قليلة، تحادث هاتفيا وزير الخارجية السعودي مع نظيره الروسي. ويقول البعض إن الفيصل أبلغ خلال هذه المكالمة الهاتفية لافروف بأن السعودية ستقوم بعمل عسكري ضد الحوثيين في اليمن، من دون أن يُبلغه بموعد بدء هذه العمليات.

وينفي البعض الآخر أن يكون قد تم إبلاغ روسيا بالنيات السعودية، ويعتقد هؤلاء بأن الحوار بين الوزيرين اقتصر على محاولة البحث عن تسوية للوضع المعقد في اليمن.

وبغض النظر عن الروايتين، فقد تمثل رد الفعل الأول لموسكو في بيان للخارجية الروسية، دعت فيه إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية والقتال، والعودة إلى طاولة المفاوضات مجددا بين أطراف النزاع كافة. ولم يفت هذا البيان «إبراز» ما أعلنته واشنطن من تقديم الدعم اللوجيستي والاستخباري للعمليات العسكرية السعودية.

وكرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة الخارجية الروسية للوقف الفوري للقتال، وتبعه أيضا وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي حذر من خطورة تحول الحرب في اليمن إلى صراع بين السنة والشيعة، أو مواجهة بين العرب وإيران.

كما طالب لافروف «جماعة «أنصار الله» بوقف الأعمال المسلحة في جنوب اليمن، والتحالف بإنهاء ضرباته للأراضي اليمنية، وأشار إلى ضرورة استئناف المفاوضات بين الرئيس هادي والحوثيين. ويمكن أن نستشف من الموقف الرسمي الروسي أن موسكو ترفض التدخل الخارجي في اليمن.

في مطلع شهر آذار المنصرم، زار وفد من الحوثيين العاصمة الروسية في محاولة لكسر العزلة الدولية المفروضة على الجماعة ونيل دعم موسكو. ونظر البعض لهذه الزيارة أيضا على أنها محاولة لتوثيق العلاقات مع روسيا، باعتبارها حليفا لإيران. وتُشيع بعض المصادر بأن الحوثيين استقبلوا في فترة سابقة وفودا روسية رسمية وغير رسمية قامت بزيارة صنعاء، وأن وفدا روسيا زار منطقة مران بمحافظة صعدة، معقل الحوثيين، وزار محافظة الحديدة وميناء الحديدة البحري.

ويدخل في هذا السياق ما تردد قبل أشهر عدة عن وصول سفينة «أوكرانية« محملة بالأسلحة الروسية إلى الحوثيين، لكن موسكو نفت هذا الموضوع جملة وتفصيلا.

ورغم زيارة الوفد الحوثي إلى موسكو، فقد وصل السفير الروسي في اليمين فلاديمير ديدوشكين إلى عدن في الثامن من آذار 2015، حيث التقى مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأبلغه أن « موقف بلاده يدعم شرعيته». ونقل السفير الروسي، بحسب المصادر الروسية، تحيات الرئيس بوتين إلى الرئيس هادي بسلامة خروجه من صنعاء ووصوله إلى عدن.

وخلال اللقاء جرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها، كما تم تبادل الآراء حول الوضع في اليمن والمنطقة. وأشار السفير الروسي إلى انه لا خيار أمام اليمنيين للخروج من أزمتهم الا من خلال الحوار واستكمال العملية السياسية لتجنيب اليمن ويلات الصراعات.

وهذا تحديدا جعل البعض يرى أن مهمة الوفد الحوثي في العاصمة الروسية قد مُنيت بالفشل. بيد أن روسيا تحاول دائما في سياستها الخارجية الحفاظ على علاقات مع الأطراف السياسية المتباينة والمختلفة، وفق تطور موازين القوى السياسية في كل دولة. ولا تُمثل اليمن، هنا، استثناء لهذه السياسة. وبناء على ذلك، يمكن القول إن روسيا لن تقطع صلاتها بالحوثيين، برغم من تأكيدها على شرعية هادي، لا سيما وأن السفير الروسي في اليمن أعلن أن بلاده لن تنقل سفارتها من صنعاء إلى عدن. كما أن الخارجية الروسية أكدت مؤخرا أن موسكو لديها علاقات مع جميع أطراف النزاع اليمني، وأن ثمة مطالبات لها بالعمل على المساهمة في تسوية الصراع في اليمن. 

واللافت أن وسائل الإعلام الروسية، المقروءة خصوصا، تتباين فيها المواقف حول الوضع في اليمن. فنلاحظ فريق من الكتاب الروس يعتبر ما يجري اليوم فرصة لموسكو لتنتقم من السعودية، التي، بحسب رأيهم، شاركت في انهيار الاتحاد السوفياتي السابق عبر أسعار النفط، والتي تقوم بنفس الدور اليوم أيضا تجاه روسيا.

ويدعو هذا الفريق إلى ضرورة دعم روسيا للحوثيين، ما يُطيل الحرب ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ويتكهن هؤلاء أيضا بعواقب وخيمة على المملكة، وصولا إلى تفكيكها. وثمة فريق آخر، يرى أنه لا مصلحة لروسيا في احتلال وتفكيك اليمن، ولا في الإضرار بالسعودية على اعتبار أن ذلك ستكون له أثار وخيمة على الشرق الأوسط القريب جغرافيا من روسيا. 

ونعتقد أن موسكو سوف تتمسك بموقفها الداعي إلى وقف العمليات العسكرية والعودة إلى المفاوضات في اليمن من دون التصعيد مع السعودية، على الأقل في المستقبل المنظور. ونلاحظ أن موسكو قد اكتفت، حتى اللحظة، برد غير مباشر على انتقاد وزير الخارجية السعودي لكلمة الرئيس الروسي إلى القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ.

وجاء هذا الرد على لسان المتحدث الاعلامي للرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، الذي أكد بعد ساعات قليلة من انتقادات الفيصل أنه «لا تُوجد قيود قانونية على تصدير السلاح إلى سوريا». وهذا يخالف رغبة المملكة العربية السعودية، ويُزيد من انتقاداتها للموقف الروسي في سوريا.

في هذا السياق، نرى أن اليمن باتت جبهة جديدة للمناوشات الديبلوماسية بين البلدين. ولذلك، لا يتعين استبعاد عمل الكرملين على تصعيب مهمة السعودية في الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي خاص باليمن تحت الفصل السابع، لا سيما إذا تحولت العمليات من الجو إلى البر.

 

  كلمات مفتاحية

اليمن سعود الفيصل سيرجي لافروف العلاقات السعودية الروسية عاصفة الحزم الحوثيين

موسكو بين طهران والرياض

كيف سينعكس الاتفاق النووي «الأمريكي - الإيراني» على روسيا ؟

روسيا تتدخل في مسألة اليمن

وفد من «الشورى السعودي» يزور روسيا لإقناعها بـ«عدالة» التحرك العربي فى اليمن