موسكو بين طهران والرياض

السبت 18 أبريل 2015 07:04 ص

أصدر الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في 13 أبريل/نيسان الجاري مرسوماً يُلغي الحظر على تزويد إيران بصواريخ «إس-300» للدفاع الجوي. وعلل وزير الخارجية الروسي، «سيرغي لافروف»، هذا المرسوم بالقول «إن أنظمة الدفاع الجوي مهمة بالنسبة لإيران، خصوصاً في ظل الوضع في اليمن». كما ربطه بما أسماه «النتائج الإيجابية» لمفاوضات السداسية وطهران حول الملف النووي الإيراني. واستقبلت إيران قرار الكرملين بترحيب شديد، حيث وصفته بـ«اليوم المميّز في التاريخ الحديث للعلاقات الروسية ـ الإيرانية». وذكر مسؤولون إيرانيون أن الشعب الإيراني كان «مستاء بسبب حظر تسليم إس-300».

وبنظرة على العلاقات الروسية ـ الإيرانية، بما فيها العلاقات العسكرية، يمكن القول إنها عادة ما تكون مرتبطة بتطورات الأحداث الإقليمية والعالمية، وتمر بفترات صعود وتراجع. فعنصر «الضرورة»، وليس «الشراكة الاستراتيجية» كما يروّج البعض، يظل الرابط الرئيس للعلاقة بين البلدين. فقد شهدت العلاقات العسكرية، في الفترة الممتدة بين العامين 1989 و1991، صعوداً بين موسكو السوفياتية وطهران الإسلامية بالتوقيع على أربع اتفاقيات كبيرة بأكثر من خمسة مليارات دولار. وتضمّنت اتفاقية للتعاون العسكري بينهما في العام 1989 بيع إيران طائرات ومروحيات عسكرية ومنظومات مدفعية صاروخية مضادة للطائرات من طراز «إس ــ 200» وغواصات ديزيل ودبابات. 

غير أن تحوّلات تسعينيات القرن الماضي في روسيا، جعلت موسكو تستجيب للضغوط الأميركية والإسرائيلية للابتعاد عن طهران بدرجة ما. ولعب بروتوكول «غور ـــ تشيرنوميردين» في 1995، دوراً مهماً في هذا الابتعاد الروسي، حيث نص على وقف التعاون العسكري المستقبلي بين روسيا وإيران. وبذلك خسرت موسكو آنذاك، بحسب التقديرات الروسية، نحو أربعة مليارات دولار.

وعندما انسحبت روسيا من البروتوكول المذكور بعد هجوم حلف «الناتو» على يوغوسلافيا، بدأت مرحلة جديدة بين موسكو وطهران شملت عملياً الفترة 2000 ـــ 2007، حيث احتلت ايران في هذه الفترة المرتبة الثالثة بين المستوردين الكبار للأسلحة الروسية.

ففي تشرين الأول 2001، وخلال زيارة وزير الدفاع الإيراني السابق «علي شمخاني» لموسكو، جرى التوقيع على اتفاق حكومي مع روسيا بشأن التعاون العسكري. وبمقتضى هذا الاتفاق زوّدت روسيا إيران بمروحيات للنقل العسكري متعدّدة الأغراض. وحصلت القوات الجوية الإيرانية في ما بعد على ست مقاتلات «سوخوي 25»، وثلاث مروحيات «مي17».

ووقعت روسيا اتفاقاً مع إيران في 2005 لبيع 29 منظومة دفاع جوي «تور-M1» بقيمة إجمالية 1.4 مليار دولار، لحماية منشآت الطاقة النووية في بوشهر وناتانز. ووافقت روسيا في 2007 على تزويد إيران بخمسة أنظمة دفاع جوي مضادة للطائرات متوسطة المدى من نوع «إس ـــ 300»، بقيمة تزيد على 800 مليون دولار. 

وفي العام 2010، أُصيبت العلاقات العسكرية بين البلدين مجدداً بالتوتر والفتور بسبب قرار دميتري ميدفيديف، رئيس روسيا آنذاك، بحظر توريد صواريخ «إس ــ 300» إلى إيران، «انسجاماً» مع قرارات مجلس الأمن الدولي، وإرضاء للولايات المتحدة وإسرائيل. ومن ثم، تقدّمت طهران بشكوى ضد شركة «روس أبورون إكسبورت» الحكومية الروسية لتصدير الأسلحة إلى محكمة جنيف في سويسرا، مطالبة بتعويضات تقدّر بــ 4 مليارات دولار.

ولحلّ هذه المشكلة، اقترحت روسيا بيع منظومة صواريخ الدفاع الجوي «تور- إم 1 آي» إلى طهران، ولكن إيران رفضت هذا العرض. وفي كانون الثاني 2015، وقع وزير الدفاع الروسي في طهران اتفاقاً للتعاون العسكري مع إيران. وجرى الحديث عن استبدال «إس ــ 300» بصواريخ الدفاع الجوي «أنتي ــ 2500»، ولكن طهران رفضت هذا العرض أيضاً. 

إن المشكلة الراهنة في ما يتعلّق بصواريخ «إس ــ 300»، بعد رفع الحظر عنها، تكمن في أن الوحدات الخمس من هذه الصواريخ التي اتفقت عليها إيران في 2007، قد تم تفكيكها والتخلّص منها. ولذلك قد يتطلب الأمر التوقيع على عقد جديد بين البلدين بهذا الشأن، وإن كان البعض يعتقد بأن طهران سوف تتسلم «إس ــ 300» بنهاية العام الجاري. كما أن البعض الآخر لا يستبعد رغبة إيران في الحصول على صواريخ الدفاع الجوي الروسية الأحدث «إس ــ 400».

لا شك في أن مرسوم بوتين برفع الحظر عن «إس ــ 300» لإيران يُعدّ قراراً سياسياً، في المقام الأول، يهدف إلى تعزيز العلاقات الروسية الإيرانية في ظل الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه يمثل أيضاً استعداداً لتقاسم «الكعكة الإيرانية» عسكرياً واقتصادياً في حال رفع العقوبات الأممية عن إيران بعد التوصل إلى اتفاق دولي حول ملفها النووي في حزيران المقبل.

لكن «الامتناع» الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن القرار المتعلق باليمن قد «عكّر» شعور طهران بـ«السعادة» لرفع الحظر. وهذا الغضب تجلّى في تعليقات كثير من المراقبين السياسيين الإيرانيين على الموقف الروسي، خصوصاً أن الامتناع الروسي جاء بعد ساعات قليلة من قرار إلغاء الحظر، وعشية زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى العاصمة الروسية.

فتصريحات بعض المسؤولين الروس قبل التصويت على مشروع القرار 2216، أعطت «إيحاء» بأن «الفيتو» الروسي بات جاهزاً. غير أن لقاء بين وزير الدفاع السعودي والسفير الروسي في الرياض، يبدو وكأنه غيّر موقف روسيا.

فعبر رفع «الحظر» و «الامتناع» عن التصويت تبدو موسكو وكأنها توقفت لبرهة في منتصف الطريق بين إيران والسعودية. ولا يُخفى أن الكرملين، ومنذ سنوات، يراهن على استثمارات خليجية كبيرة في روسيا، ولكنها لم تأت بعد. ويراهن حالياً على دور سعودي في رفع أسعار النفط العالمية، ولا يرغب في مزيد من توتر العلاقات مع الرياض بعدما جرى بينهما بسبب سوريا.

 

  كلمات مفتاحية

موسكو طهران الرياض الشراكة الاستراتيجية أسعار النفط السلاح الروسي أس-300

محلل يمني: قرار مجلس الأمن صفع الحوثي .. وموسكو خذلت طهران

«بوتين»: توريد «إس 300» إلى إيران سيشكل عامل ردع في المنطقة ولا يهدد «إسرائيل»

إيران تتسلم منظومة صواريخ «إس 300» من روسيا خلال العام الجاري

روسيا ترفض إدراج زعيم الحوثيين في قائمة العقوبات الدولية

اليمن ومناوشات موسكو والرياض

كيف سينعكس الاتفاق النووي «الأمريكي - الإيراني» على روسيا ؟

«العبادي» يتجه إلى موسكو خلال أيام لتعزيز العلاقات العراقية الروسية