النفط: أساسيات السوق وجيوستراتيجية الشرق الأوسط

الأحد 5 أبريل 2015 07:04 ص

تتجاذب أسعار النفط في المرحلة المقبلة، عوامل عدة أهمها من جهة أساسيات السوق (الانعكاسات المترتبة على انخفاض الأسعار)، وارتفاع المخزون التجاري والاستراتيجي وزيادة الطلب. من جهة أخرى، هناك تزامن أحداث سياسية - عسكرية مهمة جداً في الشرق الأوسط. وتتأثر أسعار النفط عادة بكل من هذه الأساسيات، وبالأخبار أو الإشاعات حول التطورات السياسية والعسكرية في الدول النفطية. فحتى لو لم يتم تدمير منشأة نفطية، ولو هناك فائض في الأسواق، تبادر شركات المضاربة الى زيادة الأسعار أو خفضها وفقاً لمصالحها أو مصالح زبائنها الكبار.

تدلّ تجارب العقود الماضية، على أن الأخبار السياسية والعسكرية تؤدي الى تذبذب الأسعار بغض النظر عن الوضع الفعلي في الأسواق. وأدت سياسة «أوبك» خلال الأشهر الأخيرة، أي دعوة الدول المنتجة غير الأعضاء الى المشاركة في تحمّل مسؤولية التعامل مع التخمة في الأسواق، إلى رفض الدول المنتجة الكبرى، مثل روسيا، التعاون حتى الآن.

لكنها أدت بطريقة غير مباشرة، من خلال الأسواق، الى التأثير في المؤسسات المالية التي تستثمر في صناعة النفط المحصور والنفط الصخري في الولايات المتحدة، والى تقليص زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي من المعدل السابق السنوي، وهو 1.200 مليون برميل يومياً، الى زيادة خلال العام الحالي تبلغ 700 ألف برميل. والخطوة المقبلة المهمة لإنجاح تعاون «أوبك» مع الأقطار غير الأعضاء، هي نجاح محاولات إقناع روسيا بالتعاون والمساهمة في خفض الإنتاج، بخاصة لأنها الدولة المنتجة الأكبر في العالم اليوم، ولأن من الممكن للحكومة الطلب من شركاتها خفض الإنتاج، فهي مالكة لها.

في الوقت ذاته، يلاحظ أن الطلب على النفط ارتفع خلال هذه الفترة، ما أدى إلى تقليص الفائض في الأسواق الى معدل مقبول، (نحو 1.5 مليون برميل يومياً ممكن التعامل معه). لكن لا يزال غير واضح ما إذا كان هذا الارتفاع يعود الى زيادة استهلاك النفط فعلاً نظراً الى تحسن الأداء الاقتصادي العالمي أو انخفاض الأسعار، أم أن زيادة الطلب تعود الى تخزين النفط في الخزانات البرية (ارتفع مخزون النفط الخام في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي الى نحو 459.9 مليون برميل) أو حتى في الناقلات، كي يتم بيعه بأسعار أعلى لاحقاً. وهذا يعني بدوره، توافر فائض ضخم في الأسواق، وإمكان استعماله في المستقبل المنظور، ما قد يؤدي الى تراجع الأسعار لزيادة العرض على الطلب مرة أخرى.

هناك أيضاً عوامل مؤثرة أخرى في الأسواق، جيوسياسية خصوصاً. فهناك «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية بالتحالف مع مجموعة من الدول في اليمن، لوقف تمدد النفوذ الإيراني في الدول العربية. وواضح أن «عاصفة الحزم» ذات أهمية استراتيجية أوسع من اليمن. لكن من غير المعروف حتى الآن الأفق الزمني أو الجغرافي لهذه المعارك.

وتهيمن على أخبار الشرق الأوسط خلال هذه المرحلة أيضاً، المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، والتي لا تزال نتائجها غير معروفة حتى الآن، بخاصة طريقة رفع العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الأمن. لكن، حتى إذا وافقت الدول المتفاوضة على الطلب الإيراني، فماذا سيكون رد فعل مجلس الشيوخ الأميركي، المتآزر مع إسرائيل، على رغم سياسة الرئيس باراك أوباما. ومن جهتها، تستعد ايران لرفع العقوبات، وقد نقلت نحو 40 مليون برميل من النفط الخام على ناقلاتها (نحو 15 - 20 ناقلة) بالقرب من أسواقها التقليدية في وسط آسيا وشرقها، في انتظار اللحظة المناسبة. ومن الطبيعي، في حال رفع العقوبات وتسويق هذه الكميات الضخمة من النفط في الأسواق خلال فترة قصيرة، أن تتأثر الأسعار سلباً. لكن يعتمد هذا الأمر على نتائج المفاوضات التي يتخللها كثير من التسريبات الإعلامية، وهذا بدوره يؤثر في الأسعار يومياً إيجاباً أو سلباً.

وبغض النظر عن التطورات في الحدثين أعلاه، فإنهما سيشكلان مجالاً واسعاً للإشاعات والمضاربات ومن ثم تذبذب الأسعار، ومن يوم الى آخر. كما ستؤثر في الأسواق خلال فترة قريبة، معركة تحرير الموصل. فهي معركة مصيرية لكل من العراق الذي سيحاول تحرير ثاني أكبر مدنه، ولتنظيم «داعش» الذي سيحاول الاستمرار في احتلال أكبر مدينة عربية استطاع السيطرة عليها حتى الآن. ويمكن القول، على ضوء المعارك السابقة مع «داعش» في كوباني وتكريت مثلاً، إن معركة الموصل ستستمر فترة طويلة لتحقيق الانتصار فيها. والجانب النفطي في المعركة هو تحرير الحقول التي احتلّها «داعش»، خصوصاً من الأطراف الجنوبية الشرقية لكركوك، ناهيك عن الحقول الصغيرة في محافظة نينوى. والمهمة الأكبر نفطياً، هي إبعاد «داعش» عن سيطرته على خطوط أنابيب التصدير عبر تركيا، بخاصة غرب نهر دجلة في شمال العراق.

من البديهي أن المعارك المقبلة في شمال العراق، ستؤخر إصلاح الحقول أو تطويرها، ما سيعني تأخر الجدول الزمني المقرر لطاقة العراق الإنتاجية. طبعاً، هنا أيضاً، من الصعب تقدير تطورات المعارك وفترتها الزمنية. لكن من الواضح، أن تزامنها مع التطورات الأخرى، سيطلق مضاربات إضافية ومتناقضة في الوقت ذاته، بناء على تدفق الأخبار من يوم الى يوم، ما يعني أن من الممكن أن تقود في بعض اللحظات الى تراجع الأسعار، وفي أخرى الى ارتفاعها. هذه هي الأوقات الأمثل للمضاربين، حيث يحاولون الاستفادة من التذبذبات المتزايدة للأسعار، بخاصة لأن سببها جيوستراتيجي.

أخيراً لا آخراً، هناك الصراع الداخلي في ليبيا. وتشير المصادر الصناعية الى تقلّص الطاقة الإنتاجية النفطية في البلاد الى نصف ما كانت عليه قبل العهد السابق، فهي الآن نحو 800 ألف برميل يومياً بدلاً من 1.6 مليون. أما الإنتاج الفعلي فيتراوح ما بين 200 ألف و600 ألف برميل يومياً، بناء على سلامة الحقول والمنشآت وأمنها. وأدى تقلّص الصادرات النفطية الليبية في أوائل فترة الثورة، الى الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية، لأهمية النفوط الليبية الخفيفة للأسواق الأوروبية.

 

* وليد خدوري كاتب عراقي مختصّ بشؤون الطاقة

 

  كلمات مفتاحية

عاصفة الحزم أسعار النفط انخفاض أسعار النفط

«عاصفة الحزم» ترفع مؤشر عدم الاستقرار السياسي في بورصات دول الخليج

السعودية تسحب 100 مليار ريال من الاحتياطي .. وتوقعات بسحب المزيد إذا استمرت الحرب

«الخليج الجديد» يرصد التداعيات الاقتصادية المحتملة لـ«عاصفة الحزم» على دول التحالف

أسعار النفط ترتفع 2% وتقترب من 57 دولارا للبرميل