جيوبوليتيكال فيوتشرز: كيف ستؤثر أزمة خاشقجي على العلاقات السعودية التركية؟

الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 11:10 ص

لدى تركيا والمملكة العربية السعودية علاقة غير مستقرة منذ أعوام. وقد اختلفا حول مجموعة من القضايا الإقليمية، كان آخرها اختفاء الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، الذي اختفى بعد زيارة القنصلية السعودية في إسطنبول منذ أكثر من أسبوعين.

وهناك عدد من التفاصيل المفقودة في هذه القصة، بداية سبب دخول مواطن سعودي يعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة إلى قنصلية سعودية في إسطنبول لمجرد الحصول على وثيقة لزواجه القادم، مرورا بالعديد من التفاصيل ووصولا إلى اعتراف غير مقنع للرياض بأن "خاشقجي" قتل خلال شجار داخل القنصلية.

وأثار هذا الغموض عاصفة إعلامية وتكهنات بأن هذا الحادث قد يتطور إلى أزمة بين السعودية وتركيا، ويضر بالعلاقات بين الرياض وواشنطن. لكن القوى الجيوسياسية الأوسع والمصالح المشتركة من المرجح أن تحل محل أي توترات تنشأ عن قضية "خاشقجي".

وبالتأكيد، لدى السعودية وتركيا أسباب لعدم الثقة ببعضهما البعض على المدى الطويل. لكن لديهما أيضا أسباب للتعاون، وسوف يكون السماح لهذا الحادث بتعطيل العلاقات محفوفا بالمخاطر بالنسبة لهما وللولايات المتحدة.

تاريخ المنافسة

تتمتع كل من تركيا والمملكة بتاريخ من التنافس الثنائي يعود إلى بداية السلالة السعودية. وولدت السعودية من رحم المعارضة للإمبراطورية العثمانية. وقبل تأسيسها، لم يكن هناك كيان سياسي مركزي وموحد في شبه الجزيرة العربية. وتم السيطرة على سواحل شبه الجزيرة بشكل كبير من قبل العثمانيين، ولكن داخل شبه الجزيرة كانت السيطرة لسلسلة من القبائل اللامركزية. 

وتأسست المملكة العربية السعودية الأولى عام 1744، عبر شراكة بين مؤسس السلالة السعودية، "محمد بن سعود"، ومؤسس الفرع الإسلامي المتشدد المعروف بالوهابية، "محمد بن عبدالوهاب". ومنح اتفاقهما السعوديين مؤسسة دينية تدعم استقرار القيادة السياسية، في حين اكتسب "عبدالوهاب" صلات بمصدر قوة يمكّنه من فرض ونشر تفسيره لما كان في ذلك الوقت مذهبا إسلاميا إصلاحيا. وخلقت هذه الشراكة كيانا يمكنه تحدي العثمانيين، وهو الكيان الذي نشأ وسقط مرتين قبل أن يصبح المملكة العربية السعودية التي نعرفها اليوم منذ عام 1932.

وكان قلق العثمانيين أقل بشأن المناطق الداخلية لشبه الجزيرة، وأكبر حول الطرق البحرية عبر البحر الأحمر والخليج العربي، وكذلك المدينتين المقدستين، مكة والمدينة. ولمئات الأعوام، منحت السيطرة على هاتين المدينتين السلاطين العثمانيين الشرعية، ليس فقط كحكام على أرض شاسعة، بل كقادة للعقيدة الإسلامية. وتصدى العثمانيون لأي محاولات لعرقلة الطرق إلى هذه المدن، وأخذوا ذلك على محمل الجد. لكن في النهاية، استولى عليها السعوديون، وورثوا المكانة المرموقة كحراس على المدن المقدسة.

والآن، تريد تركيا استعادة موقعها كزعيم للشرق الأوسط، وتحاول استخدام الإسلام للقيام بذلك. لكن هذا قد يكون أمرا صعبا لدولة قومية علمانية مثل تركيا. وإذا كانت تريد توسيع نطاقها إلى ما وراء حدودها، فيجب أن تكون قادرة على جذب غير الأتراك في العالم الإسلامي. وفعلت ذلك من خلال تقديم نفسها، على مدى الأعوام القليلة الماضية، كزعيم للمسلمين السنة، وهو دور تطالب به المملكة أيضا. وسوف توتر هذه المنافسة العلاقات بين البلدين لأعوام مقبلة.

تزايد الشكوك

وتنبع التوترات الحديثة بين السعوديين والأتراك من علاقات أنقرة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية سنية كانت الرياض قد تبنتها في السابق، ولكنها تعارضها الآن. ويشكل تشجيع الإخوان المسلمين لمشاركة المواطنين في السياسة تحديا للنظام السعودي، فالمملكة مبنية على نوع من العقد الاجتماعي حيث يبقى المواطنون السعوديون خارج السياسة والشؤون الحكومية، وفي المقابل يحصلون على فوائد سخية من الدولة. وبالتالي، يشعر السعوديون بالقلق من جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها تدعو بشكل أساسي إلى نوع النشاط السياسي الذي قد يهدد سلطة النظام الملكي على البلاد.

وبالنسبة لتركيا، فإن التعاون مع المنظمات التي تدعو إلى الإسلام السياسي لا يشكل مثل هذا الخطر. وترى تركيا جماعة الإخوان المسلمين بمثابة سفينة تستطيع من خلالها تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر تشجيع تشكيل الحكومات التي تتماشى مع أنقرة أيديولوجيا في جميع أنحاء المنطقة، ويا حبذا لو كانت تعتمد على تركيا للحصول على الدعم. وهذا هو السبب في أن المملكة ترتاب في دعم تركيا للإخوان المسلمين.

ونمت هذه الشكوك بعد حصار قطر العام الماضي من قبل مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية. وتدخلت كل من تركيا وإيران، اللتان كانتا في طريق المنافسة مع السعودية، لدعم قطر ومساعدتها في مقاومة الضغوط من الرياض.

وتعد قطر بلدا فريدا من نوعه في الشرق الأوسط. فهي غنية ولديها عدد قليل من السكان، لذا فهي تواجه معارضة داخلية صغيرة، تجعل مجموعات مثل جماعة الإخوان المسلمين لا تشكل تهديدا، لأن معظم القطريين يستفيدون من النظام الحالي وليس لديهم سبب لتحديه.

ومكّن هذا قطر من اتباع سياسة خارجية أكثر مرونة، والتي تضمنت دعم جماعة الإخوان المسلمين، وكان هذا الدعم هو المحرك الرئيسي لقرار السعودية والإمارات بفرض مقاطعة عليها، بالإضافة إلى دعمها لحماس، وهي منظمة مرتبطة على نحو فضفاض أو على الأقل مستوحاة من الإخوان المسلمين.

وطالب تحالف الحصار قطر بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة. ومن الواضح أن المملكة كانت قلقة من وجود قوات تركية متمركزة في شبه الجزيرة العربية، خاصة أن الوجود العسكري التركي في الحيازات العثمانية السابقة، مثل القرن الأفريقي على طول البحر الأحمر، وهي المنطقة التي تعتبرها الرياض جزءا من دائرة نفوذها، يستمر في النمو. لكن محاولة السعودية عزل قطر فشلت حتى الآن، مع اقتراب قطر من تركيا، حيث ترى الدوحة حاجة متزايدة للحلفاء الذين يمكنهم الدفاع عنها إذا ما تم شن غزو سعودي ضدها.

وفي الوقت نفسه، ليس لدى تركيا ولا السعودية أي مصلحة في إضعاف الآخر بشكل كبير. فهما بحاجة إلى بعضهما البعض لاحتواء إيران التي تزداد طموحا، والتي تشارك في الحروب في اليمن (على الحدود السعودية) وسوريا (على الحدود التركية). ويواجه كلا البلدين أيضا المزيد من التهديدات المباشرة. وتشهد تركيا منافسة متزايدة في شرق البحر المتوسط ​​حول حقوق استكشاف الغاز الطبيعي. وتحاول السعودية تنفيذ إصلاحات جوهرية دون الإخلال بالتوازن بين مؤسساتها السياسية والدينية.

ولذلك، فإن البلدين ليس لديهما أي سبب يذكر لتصعيد التوترات أو إحداث شرارة أزمة أخرى في الشرق الأوسط بشأن قضية "خاشقجي".

وصحيح أن المسؤولين الأتراك قد سربوا تفاصيل تورط الرياض في مقتل "خاشقجي"، حيث قادت أنقرة توجيه إصبع الاتهام إلى الرياض بسبب اختفاء الصحفي، فإن لدى تركيا أسبابها الخاصة لردع السعوديين. ولا يتعلق الأمر بالرياض نفسها فقط. فأنقرة لا تريد أن تظهر ضعيفة وغير قادرة على حماية الناس الذين انتقدوا الرياض، لأن هذا قد يشمل أيضا أعضاء باقي المعارضين على أراضيها.

لكن تركيا لن تستفيد كثيرا من إتلاف العلاقات مع المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي؛ نظرا للتحديات الأخرى التي تواجهها.

وناقش الرئيس "رجب طيب أردوغان" الأمر مع الملك السعودي "سلمان"، وأنشأ مجموعة عمل مشتركة للتحقيق في اختفاء "خاشقجي"، في محاولة لنزع فتيل الوضع، وحتى خلال خطابه الأخير، تجنب "أردوغان" إطلاق تصريحات عدائية تجاه المملكة وكان حريصا ألا تتطور القضية إلى مواجهة بين أنقرة والرياض.

اهتمامات الولايات المتحدة

ومن جانبها، لم تورط الولايات المتحدة السعوديين بشكل مباشر في اختفاء الصحفي، ولكنها أشارت إلى احتمال فرض عقوبات إذا العثور على يد للسعوديين في الأمر. لكن مثل هذه الخطوة لن تخدم مصالح واشنطن. وتعتبر الرياض حليفا قديما للولايات المتحدة. وقد يتناقص اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي، لكنها لا تزال مستوردا صافيا للنفط، والرياض هي واحدة من أكبر مورديها. كما تعتمد الولايات المتحدة على السعودية لموازنة إيران والحد من توسعها.

ومع بدء تطبيق المزيد من العقوبات على إيران في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، ستنخفض إمدادات النفط العالمية. وتضغط الولايات المتحدة على السعودية لزيادة إنتاجها، وهو ما فعلته. لكن واشنطن قلقة من أن انخفاض الإمدادات سيقود أسعار النفط إلى الارتفاع، ما يضر بالاقتصاد الأمريكي. لذا، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعاون السعوديين على هذه الجبهة.

وقالت الرياض إنها سترد بقوة ضد العقوبات، مشيرة الى أنها قد ترفع أسعار النفط ردا على ذلك. حتى أن صحفي من قناة العربية، المملوكة للسعودية، أصدر تهديدا مشكوكا فيه بدرجة كبيرة بأن الرياض قد تقترب أكثر من طهران إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات. لكن السعودية في وضع صعب بالفعل في الداخل، ولا يمكنها المخاطرة بإبعاد أحد أقرب حلفائها، وإضافة المزيد من عدم اليقين إلى موقفها السياسي غير المستقر.

وقد تكون إحدى الطرق التي استطاع السعوديون عبرها نزع فتيل الأزمة وتخفيفها هي الاعتراف بأن "خاشقجي" توفي في القنصلية، ولكن ليس بإشراف النظام نفسه. وتتيح هذه القصة للنظام السعودي الخروج من الزاوية الضيقة عبر تصوير القضية كحادثة، وإلقاء اللوم على مجموعة صغيرة من الأفراد، مما يمنح الولايات المتحدة ذريعة لتطبيق أسلوب أكثر ليونة مع الرياض، لكن هذه الرواية لم يبد أنها فشلت في تهدئة الرأي العام العالمي، كما لا يبدو أن أنقرة قررت القبول بها بشكل تام، فيما لا يزال موقف واشنطن مترددا بشكل كبير.

ولدى الولايات المتحدة والسعودية وتركيا جميعا مصلحة في تهدئة الوضع. لكن هذا الحادث يكشف حقيقة مؤلمة عن استقرار المملكة اليوم؛ حيث يحاول ولي العهد "محمد بن سلمان" احتواء الفجوة الداخلية المتزايدة بين المعتدلين والتقليديين. وكمعارض لولي العهد، تحدت "خاشقجي" حول جدول أعمال "بن سلمان". ويضع اختفاؤه الولايات المتحدة وتركيا في موقف حرج، لكن مصالحهما على المدى الطويل ستحدد أفعالهما في هذه القضية.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي القنصلية السعودية العلاقات السعودية التركية العلاقات السعودية الأمريكية

الأناضول: 85 شاحنة تركية تنتظر بميناء سعودي دون مبررات

خبير: لا أبعاد سياسية وراء توقيف شاحنات تركية بالسعودية

ميدل إيست آي: السعودية وضعت خطة استراتيجية لإسقاط تركيا

لليوم الثاني.. الحياة السعودية تهاجم أردوغان بشراسة

المونيتور: الصبر التركي ينفد تجاه الحرب الباردة مع السعودية والإمارات