السيسي والطيب.. معركة شرسة لترويض الأزهر

الخميس 29 نوفمبر 2018 04:11 ص

"الفقيه الذي عذبنا"، المانشيت الذي تصدر مجلة حكومية مصرية، مقربة من الأجهزة الأمنية والسيادية في البلاد، لم يكن إلا عنوانا لمواجهة عنيفة بين مؤسسة الرئاسة المصرية، وشيخ الأزهر الإمام الأكبر "أحمد الطيب".

بموازاة ذلك، جاءت عناوين من عينة "المجدد" و"فقه الرئيس"، في إشارة إلى دعم هجوم الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، المستمر على الخطاب الديني، وتحميل الأزهر مسؤولية انتشار التطرف، والقراءة الخاطئة لأصول الدين.

الصراع الخفي، ظهر للعلن أكثر من مرة، ابتداء من "تعبتني يا مولانا" التي نطق بها "السيسي" في كلمة ارتجالية العام الماضي، موجها خطابه لـ"الطيب"، وليس أخيرا الصدام علنا خلال الاحتفال الذي نظمته وزارة الأوقاف، قبل أيام، بمناسبة ذكرى احتفال المولد النبوي الشريف.

وخلال كلمته، دعا "الطيب" إلى ضرورة الحفاظ على السنة النبوية المطهرة وعدم الانجرار وراء الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة وفي ثبوتها وحجيتها، كما أدان دعوات الاعتماد فقط على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع.

لكن كلمات "الطيب" لم تجد قبولا كبيرا لدى "السيسي" الذي رد على الإمام الأكبر قائلا: "يا ترى إساءة من ينادى بالاعتماد على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع أكبر، أم إساءتنا كفهم خاطئ وتطرف شديد؟".

الحظر والتظاهر

ولم تتوقف تداعيات الصراع عند انتهاء الحفل، بل امتدت إلى حظر طال البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي، وهجوم إعلامي صريح على الأزهر وشيخه، وتعليمات أمنية بتجاهل تصريحات وفعاليات المشيخة، بل وحذف أخبار بعد تداولها من صحف ومواقع إخبارية يومية.

وتفيد تقارير إعلامية بصدور تعليمات رئاسية تحظر نشر بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الرافض لدعوات المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.

واضطرت مواقع إلكترونية، إلى حذف بيان الهيئة بعد ساعات من النشر، بعد إبلاغها أن التعليمات صادرة من مؤسسة الرئاسة.

في المقابل، بلغ صدى الصدام بين "السيسي" و"الطيب" جنوبي مصر، حيث مسقط شيخ الأزهر، الذي انتفض في مظاهرة حاشدة في مدينة القرنة، غربي الأقصر.

وقبل أيام، وجه ائتلافا "دعم الأزهر" و"قبائل الصعيد"، دعوة لصلاة الجمعة في ساحة الطيب، لمواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي، ورموزها وشيوخها، وهي التظاهرة التي تجاهلتها عن عمد وسائل الإعلام الرسمية.

معركة بيانات

وعلى صفحات مجلة "صوت الأزهر"، وتحت عنوان "نعم للتجديد.. لا للتبديد"، نشر "الطيب" مقالا اعتبر ردا ضمنيا على مطالبات "السيسي" بالتجديد، قال خلالها إن "التجديد وضرورته للمسلمين في كل زمان ومكان، لم يعد أمرًا قابلًا للأخذ والرد، فهو حقيقة شديدة الوضوح في الإسلام: نصًّا وشريعة وتاريخًا".

وأضاف: "التجديد الذي ينتظره المسلمون، يجب أن يسير في خطين متوازيين، الأول ينطلق من القرآن والسنة، وبشكل أساسي، ثم ما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك"، بعيدًا عن إلغاء الدين أو تشويهه، ليكون تجديدًا وليس تبديدًا".

لكن وزير الأوقاف المصري "محمد مختار جمعة"، حاول مسك العصا من المنتصف، وأصدر بيانا هو الآخر، أكد خلاله على "حجية السنة المطهرة"، داعيا إلى مواصلة "مسيرة الاجتهاد والتجديد وتفكيك الفكر المتطرف، ومواجهة قوى الشر والظلام".

وأوضح أن "لا خلاف حول ثبوت النصوص الصحيحة وإنما الخلاف كل الخلاف مع أصحاب الأفهام السقيمة الذين لا يفرقون بين النص الثابت والفكر البشري المتغير الناتج عن فهم النص، إذ نجزم أن هذا الفهم وذاك التطبيق فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات ليس قرآنا ولا نصا مقدسا".

والتوتر بين "السيسي" و"الطيب"، ليس حديثا، بل يمتد ليشمل قضايا أخرى منها الطلاق الشفهي، وتجديد الخطاب الديني، وتكفير تنظيم "الدولة الإسلامية"، والخطبة الموحدة، ومناهج وقانون الأزهر، وزواج القاصرات، الأمر الذي تجاوز كونه خلافا في الرأي، إلى محاولة من الجنرال الحاكم لترويض المشيخة، وإخضاع المؤسسة الدينية لنفوذه وهواه.

لكن السر وراء حدة الصراع يكمن في إعلان "الطيب" عبر بيان متلفز، تبرؤه من الدماء التي سالت بمجزرتي فض اعتصام أنصار الرئيس "محمد مرسي" أول رئيس مدني منتخب في البلاد، في ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، قبل أن يعتزل الإمام الأكبر لأيام في مسقط رأسه (جنوبي البلاد) رفضا لفض الاعتصام بالقوة.

ومن آن لآخر، يشن إعلاميون محسوبون على النظام الحاكم، هجوما على كتب السنة والتراث الإسلامي، ويحملون الأزهر مسؤولية تفريخ الإرهابيين، فضلا عن إثارة قضايا جدلية دون الرجوع للأزهر، ونشر فتاوى غير معتمدة من المشيخة، ودار الإفتاء، واستضافة دعاة لا صلة لهم بالمؤسسة الدينية في البلاد.

و"الطيب" الذي كان أحد أبرز الداعمين للانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وشارك في البيان الذي ألقاه السيسي حينما كان وزيرا للدفاع آنذاك للإعلان عن خارطة الطريق، في مرحلة ما بعد مرسي، يتلقى كثيرا إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل تلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط لإقصائه من المشهد.

ووفقا لقانون الأزهر الذي تم إقراره في يناير/كانون الثاني من عام 2012 -ونص على انتخاب شيخ الأزهر وانتهاء خدمته ببلوغه سن الثمانين- يكتسب شيخ الأزهر حصانة في منصبه تجعله غير قابل للعزل، إضافة إلى أن تقاعده لن يكون قبل 9 سنوات حين يتعدى 80 عامًا، وفقًا للقانون.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي الأزهر الشريف أحمد الطيب تجديد الخطاب الديني محمد مرسي

فشل وساطات لانتزاع رسالة تأييد من شيخ الأزهر للسيسي

الأزهر يستنكر هجوم مفكر مصري عليه ويطالب الأعلى للإعلام بالتدخل

انتقادات للسيسي بعد تجاهله شيخ الأزهر (فيديو)