بعد فراق دام 4 سنوات، التقي الداعية السعودي الشهير «سلمان بن فهد العودة» بابنه «عبد الله» الذي سافر للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث هيأت دولة قطر للداعية مفاجأة بدعوته لتقديم محاضرة وقد دعت نجله إلى الحضور، والالتقاء بوالده خارج الوطن في ثاني زيارة للداعية إلى دولة بعد تركيا، منذ رفعت السلطات السعودية حظر السفر عنه.

وقد احتضن الداعية والمفكر الإسلامي «سلمان العودة» ابنه «عبد الله» على المسرح المكشوف بالحي الثقافي كتارا، وسط تفاعل من الحاضرين الذين حضروا الحلقة بعنوان «شهداء على الناس».

وشارك «العودة» في المحاضرة الأولى له بعد اعتكاف ومنع للسفر دام 4 سنوات، قال عنها في افتتاحية محاضرته: «إنها كانت مفيدة جداً له، إذ جعلته قريبا من ذاته ومن أسرته وكتبه، والله سبحانه وتعالى».

كما تناول الكثير من الأمور المتعلقة بالقضايا المعاصرة مثل «الإرهاب»، الذي «أصبح تهمة يلعب بها الغرب ويلصقها بالإسلام» وفق قوله. كما ركز في حديثه الذي استمر قرابة الساعة ونصف الساعة، عن «الوسطية في الإسلام».

وانتقد «العودة» بشكل مباشر العلمانية، معتبرا أن العلمانيين ضد الدين الإسلامي ومتواطئون مع المجرمين، وأن العلمانية ذات تأثير محدود وهي غير معتدلة بل متطرفة، ومتضامنة مع المعتدين. مشيرا إلى أن الغرب لم يكن وسيطاً نزيهاً أو محايداً في قضايا الأمة.

كما تطرق إلى قضية «الجهاد» و«الوسطية»، قائلا: «الجهاد شريعة للأمة كلها، لكن بعض الممارسات باسم الجهاد لها عواقب. إن أي مسلم يرتكب جريمة يسلط الإعلام الضوء عليها، وإن الشيطان قد يدفع للإفراط والتفريط، ولكن الدين الإسلامي هو دين الوسطية». وأشار إلى أن «مكة المكرمة مركز الكون وجغرافية المنطقة إشارة إلى وسطيتها».

وحول الوسطية في الجهاد، لفت «العودة» إلى أن «الجهاد والمرأة من أكثر المواضيع التي استخدمها الغرب لإثارة الشبهات حول ديننا، وكان حكما غير موضوعي بهما».

وتابع «العودة» قائلا إن «القرآن الكريم مليء بالنصوص الموضحة للجهاد وأحكامه، والأمم كلها تلجأ للمدافعة عن نفسها"، متسائلاً: "هل يوجد دولة بلا جيش وقوات؟ وحتى الصهاينة يدمرون غزة كل فترة ويسمون جيشهم جيش الدفاع». مضيفا أن «الوسطية وعاء يستوعبنا جميعاً، منبهاً إلى أن الأسماء الحسنى لله عز وجل، تعبر عن الرحمة والود، وليس فيها عن العقاب أو العذاب، كما أن المتحمسين الذين لا يملكون بوصلة قد أضروا بقضايا الأمة».

وقد تابع «العودة» بقوله أن «الدين الإسلامي ليس نقيضا للإنسانية، وإذا أخذ أحد الدين بالشدة غلبه وابتعد عنه». مستنكرا قيام بعض الجهات التي وصفها بـ«المتنفذة في الدول العربية بلعن الإرهاب»، بينما هي تدعمه بالخفاء وفق قوله؛ لأنها «لا تستطيع مواجهة التيار الوسطي الإسلامي الأوسع نطاقاً بالأمة».

وأوضح الشيخ السعودي أن الأخير صار «بضاعة للتجارة، فمن أجله تنتج الأفلام، وتقام الحروب، وتباع الصحف».

واستغرب «العودة» قائلا: «انفجار بأحد الأماكن لا يعني شيئاً، لكن إذا كان الفاعل مسلما، يصبح إلصاق التهمة بالدين الإسلامي عبر الإعلام هو الأمر الأسهل، بل إن بعض الفضائيات العربية والإسلامية تسير على نفس الخطا». مشددا على «ضرورة عدم انعكاس حالة الضعف التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم، على إيمان المسلمين بالله وبدينهم».

كما أبدى «سلمان العودة» استغرابه مما أسماها بـ«الروح الهجومية للناس على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتويتر، والإنستغرام»، مطالباً الشباب بـ«أن يضعوا فلترا على أفواههم قبل الكلام». محذرا من أن «من يصف شعبا بصفة سيئة هي غيبة لكثير من الناس، وعليه أن يقدم شهادة في محكمة الله».

وفي سياق المحاضرة التي ألقاها الداعية السعودي في قطر، أكد «العودة» على ضرورة إيجاد مشروع عربي إسلامي للنهوض بالأمة، خاصة وأنها تقع في منطقة استراتيجية وسط الكرة الأرضية، ولها تاريخ عريق. وقال: «يمكن الحلم بهذا المشروع، فالصهيونية مشروع، وإيران مشروع، وماليزيا مشروع، وتركيا مشروع بوجه إسلامي، فلماذا يكون العرب دائماً استثناء».

وفي تعريفه للوسطية، أوضح «العودة»: «أنها ليست معيارا، وهي وعاء للجميع، ونحن كأمة شهداء على الناس، وعلى أنفسنا، وإنها عملية تربوية بحتة، ومفهوم أخلاقي أيضا».

ورغم تركيزه على الوسطية، طالب العودة بضرورة نبذ العنصرية في المجتمعات، مشددا على وجوب أن «نقاتلها حتى الموت». وتابع ابقوله إن «العالم في هذه الأثناء، رغم تمزق الأمة يعاني من فوبيا الإسلام، نتيجة الخوف من توحد الأمة الوسط»، مشيرا إلى أن «الأمة لم تكن يوما منغلقة، لكنها إذا نزعت جلبابها، وأخذت أخلاقها من الأمم الأخرى فلن تكون أمة سوية».

وإلى ذلك، نبه الداعية  أيضا إلى «ضرورة عدم جعل الهوية هاجساً لنا، وفي الوقت ذاته علينا التعايش مع باقي الأمم، وتبادل العلوم والخبرات معها».