«هفنغتون بوست»: لا ينبغي أن نلوم السعودية للبحث عن مصالحها في سوق النفط

الأحد 3 مايو 2015 03:05 ص

يبدو أن كل أسبوع سيجلب معه تحولات جديدة في الجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الصدمة في سوق الطاقة، وبخاصة في أسعار النفط. في الآونة الأخيرة، كان هناك تهديد بفرض حصار على مضيق باب المندب الاستراتيجي بين اليمن وجيبوتي مع القدرة على تعطيل إمدادات النفط العالمية، وهذا الأسبوع كان هناك تعديل وزاري في التسلسل الهرمي للملكية السعودية.

أسعار النفط بطبيعتها متقلبة للغاية وتستجيب لدافع المضاربة فقط لإعادة التأقلم مع المعايير قصيرة ومتوسطة المدى عندما تستقر الأحداث السائدة. السيناريو الذي لاحظه وزير النفط السعودي السابق «أحمد زكي يماني» ترجمه بقوله: «الديناميكيات السياسية لها تأثير على المدى القصير على أسواق النفط، وسوف تعكس الأسعار العرض والطلب على المدى الطويل في الوقت الذي يكون فيه السوق مدفوعا بالطلب». ولم يمض وقت طويل على وفاة الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» حتى ارتفعت الأسعار لبضعة أيام قبل أن تعاود الهبوط مرة أخرى.

ويبشر التغيير الأخير في المملكة العربية السعودية بكسر كبير في تقليد راسخ وتحول في اتجاهات صناعة النفط. فلأكثر من ثلاثين عاما حافظت المملكة العربية السعودية، كونها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، على قيادة وتوجيه منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، وعادة ما كان ذلك بناء على طلب من الولايات المتحدة لتنظيم أسعار النفط العالمية عن طريق ضبط الإنتاج، وهو سيناريو تمت الاستفادة منه في تطوير حقول النفط ذات التكلفة العالية بأمريكا الشمالية. وقد شهد هذا العام «بين عشية وضحاها» تحول زلزالي في السياسة في الوقت الذي رفض السعوديون فيه لعب دور المرجح. هذا التحول في السياسة هو استجابة مباشرة لتحد من الولايات المتحدة لتصبح المنتج رقم واحد، نظرا لزيادة الطفرة الأمريكية في الإنتاج في عام 2014 بأكثر من 16% ، وهو ما يتجاوز 10 ملايين برميل يوميا.

حقيقة أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا قد عززتا بشكل ملحوظ من إنتاج النفط في السنوات الأخيرة عندما استقر إنتاج أوبك نسبيا عند حوالي 30 مليون برميل يوميا تضع اللوم على الانهيار الأخير في أسعار النفط بشكل مباشر على أعتاب أكبر اقتصادين وأقطاب النفط الصخري.

ويصادف هذا الأسبوع المرة الأولى التي تشهد فيه الأسرة الحاكمة في السعودية الغنية بالنفط تغييرا جذريا، حيث يتم تسليم السلطة من جيل إلى آخر. وقد عين الملك «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود» ولي عهد جديد، وأجرى بعض التغييرات على الوظائف الوزارية العليا، وللمرة الأولى يتم تعيين وزير خارجية «عادل الجبير» من خارج الأسرة الحاكمة. وفي خطوة يمكن أن تؤثر على صناعة النفط، فقد حل رجل الأعمال السعودي المعروف «خالد الفالح» محل وزير النفط المخضرم «علي النعيمي» باعتباره رئيسا لشركة أرامكو السعودية.

وفي الوقت نفسه، تساهم الحرب في اليمن بزيادة العجز المالي إلى ما وراء 38 مليار دولار أمريكي في عام 2015، ويشير معلقون إلى أنهم بحاجة إلى سعر نفط حول 80 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن المالي. وهو السعر الذي يبدو غير محتمل في الوقت الراهن في سوق متخمة، ولكن العالم يتطلع إليهم ليكونوا مرة أخرى في موقع المنتج المرجح والمساعد في دعم الاسعار. ومع ذلك، تتمتع المملكة بوضع مالي أفضل مقارنة مع أقرانها في «أوبك»، كما بدأت الحكومة السحب من احتياطاتها النقدية لدرء آثار انخفاض أسعار النفط في زمن الحرب. ورغم ذلك، فإنه قد تراجعت الأصول السعودية من مستوى قياسي عند 737 مليار دولار في منتصف 2014 إلى 707 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2015.

ويتوقع معظم المحللين المعنيين بالنفط والغاز، وحتى السياسة، كالمعتاد عدم رؤية أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم لم يعد مستعدا للعب دور المنتج المرجح. حتى قبل اجتماع «أوبك» القادم في يونيو/ حزيران، فإن بعض أعضاء «أوبك» يظلون يطالبون بخفض الإنتاج لزيادة الأسعار، وذلك لزيادة إيراداتهم الحكومية بينما المملكة العربية السعودية لا تزال صامتة بشأن هذه المسألة. ويعلم المنتج المرجح صاحب الخبرة وحده أن الإنتاج العالمي هو في سباق مع الطلب، وأن الاستثمار النفطي الأمريكي الأخير في الطاقة الإنتاجية لا يزال من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة في إنتاجها بعد عام 2015 إلى 2016، على الرغم من الانخفاض الحاد في مؤشر معدات الحفر والتنقيب في الوقت الذي من المقرر أن يدخل فيه عدد كبير من الآبار إلى نطاق الإنتاج التجاري.

التراجع الأخير وغير المتوقع خلال الربع الأخير في النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا من المحتمل أن يكون قد تسبب في تأجيل أي انتعاش جوهري في الطلب على النفط. وبناء عليه، فإن التأرجح في الإنتاج، والتي يحتاج إلى عودة الأسعار إلى مستوى 80 دولارا للبرميل هي الآن أبعد من أن تكون في متناول أكبر منتج حالي، وربما تتسبب في ضرر كبير في إيراداتها الخاصة واقتصادها بشكل عام. وإذا كانت شركات النفط الدولية بقيادة الولايات المتحدة تريد أن ترى ارتفاعا في الأسعار، فإن عليها النظر إلى نفسها أولا لخفض الإنتاج إذا كانوا يريدون تجنب حرب أسعار في سوق يعاني حالة من الركود.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل «ريكس تيلرسون» سلط الضوء خلال خطاب رئيسي مؤخرا في مؤتمر سيراويك في هيوسيتون على المعضلة التي تواجه منتجي النفط وحكومة الولايات المتحدة عندما قال: «لا تزال صناعتنا تناضل تحت ضغط من السياسات التي أنتجها تفكير السبعينيات ... نحن بحاجة إلى سياسات تعترف بلحظة نقطة التحول التي نجد أنفسنا فيها الآن».

أما بالنسبة لدول أوبك منخفضة التكلفة، فإنها قد تضطر إلى وقف سياساتها المتمثلة في الاعتماد على ارتفاع الأسعار، مبادرين بفعل القليل جدا لتطوير صناعاتهم وفتح صنابير الاستثمار لزيادة الإنتاج، وبالتالي الصراع من أجل حصة السوق من خلال اقتناص عقود طويلة المدى في القارة الأسيوية. وفي الواقع، فإن أكثرها ابتكارا هي الإمارات العربية المتحدة التي تسير أيضا في هذا الطريق مع استثمارات كبيرة في الطاقة النووية والطاقات المتجددة وطاقة إنتاج النفط والغاز. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون الإدارة السعودية أكثر واقعية بما فيه الكفاية في سوق النفط المنخفض السعر لتسير على نفس المنوال من خلال إعادة الخفافيش إلى الداخل ورفض لعب دور المنتج البديل؟ فقط الوقت هو الكفيل بالإجابة على ذلك، ولكن تعيين السياسيين ورجال الأعمال من ذوي الخبرة في مناصب رئيسية، والذين هم على الأرجح أكثر عرضة لوضع مصالح المملكة العربية السعودية في المقام الأول بدلا من الإذعان للولايات المتحدة ومصالح الطاقة ، ربما يؤدي إلى صيف ساخن للنقاش بالنسبة لمنظمة «أوبك» والغرب فيما يتعلق بكل التقلبات. 

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط أوبك السعودية الولايات المتحدة النفط

الانخفاض الكبير: مقامرة النفط السعودية

«النعيمي» ... ”رجل الأزمات“ باق للحفاظ على ثبات السياسة النفطية السعودية

الذهب الأسود والبجعة السوداء

الرابحون والخاسرون في حرب أسعار النفط حول العالم

السياسة والسوق في الانهيار الفادح لأسعار النفط

«بزنس إنسايدر»: حرب أسعار النفط ترتد بنتائج عكسية في السعودية