ما الذي تعنيه التغييرات الأخيرة التي أجراها الملك «سلمان»؟

الاثنين 4 مايو 2015 12:05 م

تشبه التغييرات الأخيرة في المملكة العربية السعودية إلى حد كبير الدور قبل النهائي في القصة التي بدأت بإعلان وفاة الملك الراحل الملك «عبد الله بن عبدالعزيز» في يناير/كانون الثاني الماضي. ومع ذلك؛ فإن هذه المرحلة من المتوقع أن تستمر حتى يحدث تغيير آخر في المستوى العلوي. لقد كانت استقالة الأمير «مقرن بن عبدالعزيز»، الذي قضى فترة طويلة من حياته السياسية في ولاية العهد بالمملكة العربية السعودية، متوقعة بشكل كبير منذ يناير/ كانون الثاني.

إن صعود الأمراء «محمد بن نايف» و«محمد بن سلمان» إلى المركزين الثاني والثالث في ترتيب ولاية العرش بمثابة فاتحة لمرحلة جديدة في هيكل ميزان القوى بين العائلة المالكة في السعودية. وبمجرد أن تمر هذه الفترة، فسوف نكون مرة أخرى في وضعية «العمل كالمعتاد»، أو بعبارة أخرى إننا سوف نعود تقريبا إلى ما كان يحدث دائما في الديوان الملكي السعودي. ومع ذلك؛ فلا أحد يغفل أن التغييرات في السياسات السعودية سوف تكون ذات مغزى بالغ، ليس فقط بسبب التغييرات الداخلية في قيادة المملكة، ولكن أيضا نتيجة التغيرات الجذرية التي تحدث في الدول المجاورة للمملكة.

سوف يتم استعادة إرث الملك «سلمان بن عبد العزيز» على اعتبار أنه الملك الذي عمل على تأمين الانتقال الآمن للقيادة من أبناء المؤسس الملك «عبد العزيز» إلى أحفاده بكل سلاسة. وبدأ هذا التحول مع دور سعودي أكثر حزما في المنطقة، وكسر لحواجز نفسية ظلت لفترات طويلة تعرقل استخدام القوة العسكرية واتخاذ مبادرات أكثر فاعلية. ويبدو أن المبدأ المعمول به في السابق من تبني الحذر البالغ عند الإقدام على فعل أي شيء قد تراجع. فقد جاءت عقلية جديدة لتجد الكثير من المخاطر بطبيعة الحال. وإذا حدثت نكسة أو ارتداد لسبب ما، فسوف تجد السياسات الجديدة تحديات داخلية في طريقها، وربما تتم العودة إلى تطبيق المبدأ السابق المتمثل في الحذر البالغ.

ورغم ذلك، فإنه من المهم تحويل الدوافع إلى قنوات للتفكير الاستراتيجي الحكيم. إن تبني خطوة ضخ دماء جديدة في الحكومة السعودية سيكون له أثر مفيد ملحوظ. هناك عدد كبير من المواهب السعودية التي تلقت تعليما جيدا، ومن ثم فهي قادرة على بناء عملية فاعلة وقادرة تماما على النقاش وإنتاج الأفكار الإبداعية.

ويدل قبول الأمر داخل المملكة العربية السعودية بجانب الحرب في اليمن، والتي وصفت بأنها حققت انتصارا كبيرا بغض النظر عن ما يراه الآخرون، على حقيقة أن المعارضة في الأسرة الملكية انخفضت إلى أدنى مستوى ممكن. لقد تحمل الحرس الوطني مهمة على الحدود مع اليمن ما يضمن وجوده بعيدا. وسوف يقلل المرسوم الملكي الأخير بشكل كبير أي معارضة محتملة داخل الملكية.

لقد تم اختبار الأمير «مقرن» في عدة محادثات على انفراد خلال الشهرين الماضيين لمعرفة رد فعله تجاه فكرة التنحي. الشعار العام الذي تم إعطاؤه لهذه الخطوة كان «تمكين جيل جديد لتحمل المسؤولية». لقد كانت رغبة وشهية «مقرن» للحكم أو لعب دور سياسي محدودة للغاية، ولم يكن لديه أدوات لخوض مثل هذه المباريات حتى لو فكر أو قرر القيام بذلك. ورغم كون ضعفه بالإضافة إلى جذوره في العائلة المالكة، إلا إنه لا يُنظر إليه على أنه «دخيل» على العائلة. وكان من حكمته أن لا يظهر أي معارضة لفكرة التخلي عن منصبه على الرغم من النصائح المختلفة التي ذكرت الجميع بمرسوم الملك «عبد الله »الذي صاغ تعيين «مقرن» باعتباره وليا للعهد على اعتبار أنه «لا رجعة فيه» و «غير قابل للتغيير». لم يكن من الصعب إقناع «مقرن» بأن يطلب هو بنفسه تخفيف مسؤولياته. وأثبت مرسوم الملك «عبد الله» أنه لا رجعة فيه بالفعل ولا يمكن التحايل عليه إلا إذا طلب ولي العهد نفسه الإعفاء وتقدم باستقالة.

وعلى أية حال، فإن ما ينبغي أن يشكل أولوية الآن هو استقرار المملكة. ويبدأ هذا الاستقرار من الاستقرار داخل بيت آل سعود. لكنه لا يتوقف عند هذا الحد. فهناك أكثر من 60٪ من المواطنين السعوديين أقل من 21 سنة. وتتجه أسعار النفط إلى الهبوط، وستبقى على تلك الوتيرة لبعض الوقت. كما يمر الشرق الأوسط بفترة هي من بين الأصعب في تاريخه. ويستحضر الإيرانيون الصور التاريخية لإمبراطورية إقليمية كبيرة، في الوقت الذي توجد فيه «الدولة الإسلامية» التي تسعى لنفس الهدف بصورة مضادة. وهناك حروب مستمرة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. وهناك موجة ضخمة من الطائفية والأصولية تغرق المنطقة.

ومع ذلك، يمكن أن تزداد المنطقة سوءا. وتمر مصر بفترة انتقالية. وتظهر علامات على شقوق وتصدعات داخلية في لبنان المعرضة لوهج حرارة الأزمة السورية.

ولكنها أيضا قد تتحسن وتصبح أفضل. ويتعين على القيادة السعودية الجديدة أن تتبنى نهج سلام في المنطقة باستخدام المكاسب النفسية من حربها في اليمن ضد المتشددين، كما فعل الرئيس المصري الراحل «أنور السادات» في السبعينات. تم توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بعد الحرب، وأظهر السادات للمصريين أنه استعداد لصنع السلام بقدر ما قدرته على إشعال القتال.

قدرة المملكة العربية السعودية، وجميع دول المنطقة في هذا الشأن، على مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية واستيعاب سكانها الشباب في سوق العمل هي شرط مسبق هام من أجل الاستقرار والإصلاح. ولا يأتي التطرف ويذهب بشكل عشوائي كما أنه ليس له وقت محدد يأتي فيه. بل هو عرض من أعراض مجموعة من المشاكل الاجتماعية والسياسية الأخرى. كما لا يأتي الإصلاح بالوعظ والإصلاح. بل يتعلق الأمر بخلق ضرورة وحاجة اجتماعية حقيقية لتنفيذ ذلك.

التغييرات في المملكة العربية السعودية هي بالتأكيد تمهيد لدور إقليمي أكثر حزما. وسوف تشارك المملكة في قمة كامب ديفيد المزمع انعقادها في 13-14 مايو / أيار، والتي سوف يحددها موقف متماسك حول القضايا الاقليمية. الادعاء بأن هناك صفقة إقليمية كبرى وشيكة ربما ليس أمرا مقبولا في الوقت الراهن. وهذا لا يعني أنه لا ينبغي رفعه باستمرار. وهو ما يعني ببساطة أن أي قرار صعب بات أكثر صعوبة.

عندما نتحدث عن أطراف لا تستنفد حتى الآن ما يكفي لقبول اتفاق، فإننا نتحدث عن كل من الوسائل والإرادة. وكلاهما متوفر الآن على أي من الجانبين. ويبدو أن القيادة السعودية الجديدة على استعداد لخوض المعركة إلى نهايتها، ولديها العديد من الأدوات التي تحت تصرفها. ويعيش الإيرانيون نشوة «الانتصار» النووي، ومن الصعب إقناعهم بوقف القتال.

نحن الآن في مرحلة انتقال وتحول كبيرة في منطقة الشرق الأوسط. سيتم تعزيز التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية أكثر في شمال سوريا. وسوف تحاول جبهة النصرة التسلل إلى مناطق تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. وسيتم تعزيز العلاقات بين الرياض والقبائل العربية السنية في بلاد الشام، كما ستواصل المعركة استمرارها. لن يكون لهذه كله أن يتوقف إلا على يد قائد عالمي، ووجود قائد عالمي في هذه الأيام من الصعوبة بمكان.

  كلمات مفتاحية

الملك سلمان محمد بن نايف عاصفة الحزم سوريا اليمن محمد بن سلمان مقرن بن عبد العزيز

«الملك سلمان» بين عاصفتي «الحزم» و«الفجر» .. مائة يوم في حكم السعودية

«بلومبرج»: نجم ”الفتى الذهبي السعودي“ يتصاعد .. والمملكة تغير استراتيجيتها في المنطقة

«فورين بوليسي»: السعودية تمكّن الشباب من السلطة لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة

الملك «سلمان» يجري تعديلا في سلم الخلافة في مواجهة أوقات عصيبة

«بن نايف» وليا للعهد و«بن سلمان» نائبا له .. و«الجبير» خلفا للمخضرم «سعود الفيصل»

«صنداي تايمز»: «أوباما» يستكشف ”الطفل السعودي الغامض“ خلال لقاء كامب ديفيد

«سايمون هادرسن»: ما الذي يعنيه التعديل الوزاري الأخير في الرياض؟

«أتلانتيك كاونسل»: محاولة فهم عملية انتقال القيادة في المملكة العربية السعودية