تسعى الحكومة السعودية إلى دحض عنصر بارز اعتمد عليه تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، الذي خلص إلى أن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" أمر على الأرجح بقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، في إطار جهود الرياض لإصلاح سمعتها التي تضررت كثيرا بسبب تلك الجريمة.

إذ وجد تقرير سري أشرف عليه النائب العام السعودي، "سعود المعجب"، عبر الاستعانة بشركة أمنية أمريكية خاصة، أن رسائل "واتسآب" التي تم تبادلها بين "بن سلمان" و"سعود القحطاني" أحد كبار مساعدي الأمير في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، يوم قتل "خاشقجي"، لم تتضمن أي محتوى يتعلق بالصحفي أو جريمة قتله.

وحصلت صحيفة "وول ستريت جورنال" على نسخة من التقرير.

كانت تلك الرسائل بين الأمير السعودي و"القحطاني" -الذي أشرف على فريق اغتيال "خاشقجي" بالقنصلية السعودية في إسطنبول وفقا لأشخاص على دراية بعمله- أحد الأدلة التي ورد ذكرها في تقييم "سي آي إيه".

واعترف مسؤولو الاستخبارات في التقييم، الذي تم الانتهاء منه في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بأنهم كانوا على علم بالاتصالات بين الرجلين، لكنهم لا يعرفون مضمونها.

وقال مسؤولون سعوديون وأمريكيون إن تقرير النائب العام السعودي، أعدته "كرول"، وهي شركة أمنية أمريكية خاصة، ويركز على فحص هاتف محمول عائد لـ"القحطاني"، الذي أدار بصفته مستشارا إعلاميا لـ"بن سلمان" وذراعه اليمنى، حملة قوية لقمع المعارضين السعوديين.

وقال مسؤولان أمريكيان، هذا الأسبوع، إن تقييم "سي آي إيه" خلص بـ"ثقة بين العالية والمتوسطة" إلى أن "بن سلمان" استهدف شخصيا "خاشقجي"، وأذن بالعملية ضده، وربما أمر بقتله.

ويستشهد تقييم "سي آي أيه" بمجموعة من الأدلة في هذا الصدد؛ بينها  اهتمام "بن سلمان" الشخصي بـ"خاشقجي"، وسيطرة الأمير على الفريق الذي قام بقتل الصحفي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية، فضلا عن وجود دلائل بأنه أمر سابقا عناصر من فريق الاغتيال ذاته باستهداف عنيف لمعارضين آخرين.

واستخدم "بن سلمان" و"القحطاني" تطبيقا آخر للمراسلة، إضافة إلى تطبيق "واتسآب"، وفقًا لشخص مطلع على الاتصالات، لكن تقييم "سي آي إيه" لم يتضمن أي ذكر لذلك التطبيق.

تقرير "كرول"

ويركز تقرير "كرول"  فقط على رسائل الـ"واتسآب" التي تم تداولها بين "بن سلمان" و"القحطاني" على رقم هاتف وحيد في يوم قتل "خاشقجي". ولا يتناول محادثات أخرى حول "خاشقجي" ربما أجراها الأمير عبر قناة تواصل أخرى مع "القحطاني"  أو غيره من فريق الاغتيال.

ونفت الحكومة السعودية مرارا تورط "بن سلمان" في جريمة قتل "خاشقجي"، الذي عاش في المنفى في الولايات المتحدة، وأثار غضب حكام المملكة بتعليقاته الجريئة عبر صحيفة "واشنطن بوست" وغيرها.

وقالت الرياض إن قتله جاء نتيجة "عملية مارقة"، ووجه النائب العام السعودي، الذي يحقق في القضية، اتهامات لـ11 شخصا، بينهم "القحطاني"، بالتورط في الجريمة، فيما رفضت الحكومة السعودية دعوات لإجراء تحقيق دولي.

وفي حين قلل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من شأن تقييم "سي آي إيه" حول جريمة قتل "خاشقجي"، وسعى إلى حماية العلاقات الأمريكية السعودية، طالب العديد من المشرعين الأمريكيين بإعادة تقييم العلاقات مع "بن سلمان".

واستنتج عدد من أعضاء الكونغرس، الذين اطلعوا على تقييم "سي آي إيه"، أن "بن سلمان" أمر بقتل "خاشقجي"، فيما أصدر مجلس الشيوخ قرارا في ديسمبر/كانون الأول الماضي حمل فيه الأمير المسؤولية عن الجريمة.

وفي سياق المساعي السعودية للرد على ذلك، استأجر النائب العام السعودي شركة "كرول" لفحص رسائل "واتسآب" التي تم تبادلها بين "بن سلمان" و"القحطاني".

26 رسالة وواحدة محذوفة

وكشف فحص هاتف "القحطاني" عن 11 رسالة بعث بها "بن سلمان" إلى الأول في 2 أكتوبر/تشرين الأول، والتي ورد ذكرها في تقييم "سي آي إيه"، إضافة إلى 15 رسالة أخرى أرسلها "القحطاني" للأمير في ذلك التاريخ.

وقال "كرول" في التقرير: "لم تتضمن أي من تلك الرسائل إشارات واضحة لخاشقجي".

وأضاف التقرير: "لم تحدد كرول مؤشرات على التلاعب أو الحذف أو تغيير في محتوى تلك الرسائل".

ولفت إلى أنه وجد رسالة واحدة تم حذفها من هاتف "القحطاني".

وعن ذلك، قالت "كرول"، في تقريرها إنه تم إبلاغها من قبل النائب العام السعودي بأن "القحطاني" أرسل تلك الرسالة، وأدرك أنها احتوت على خطأ مطبعي؛ لذلك قام بحذفها وإرسال رسالة مصححة.

وتغطي الرسائل الـ11 من "بن سلمان" و"القحطاني" مسائل عادية نسبيا، بما في ذلك مكالمة هاتفية أجراها الأمير مع رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيز"، والترجمة المناسبة لخطاب ألقاه زعيم أجنبي، وبيانا صحفيا حول التزام المملكة بتعزيز استخدام الطاقة الشمسية.

ويشير فحص الرسائل إلى أن "بن سلمان" يتعامل بفظاظة مع المرؤوسين، إذ تبين إحدى الرسائل أنه عند معرفة الأمير بنشر وكالة الأنباء السعودية خبرا عن اتصاله "سانشيز"، بعث "بن سلمان" رسالة لـ"القحطاني" في الساعة 3:54 صباحًا، قائلا له بحدة: "كم مرة قلت إنه لا يجب بث هذه الأخبار قبل الحصول على إذن مني؟"، وأضاف مشيرا إلى والده الملك "سلمان": "لقد نسيت أن أقول للملك وهو الآن غير سعيد".

وبعد دقيقتين، أرسل الأمير رسالة أخرى: "حقق في الأمر فورا".