السعودية والولايات المتحدة تتفقان على إطالة موت ”امبراطورية النفط“

الأحد 10 مايو 2015 08:05 ص

من يسيطر على أسعار النفط يمكن أن يسيطر الاقتصاد العالمي، وهذا هو السبب في أنّ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تقودان الطريق لتحطيم منظمة «أوبك» وإعادة إنشاء منظمة نفطية عالمية جديدة.

قال وزير النفط السعودي، «علي النعيمي»، في وقت سابق هذا الأسبوع: «لا أحد يمكن أن يحدد سعر النفط، الأمر متروك لله فقط».

تعليق مثير للاهتمام نظرا لإصرار السعودية على تعزيز مستويات عالية من الإنتاج منذ العام الماضي، وقد حافظت الاستراتيجية على وفرة في المخزون العالمي، ولعبت دورًا رئيسيًا في تخفيض كبير لأسعار النفط.

وعلى الرغم من أنّ السعوديين رفعوا مؤخرًا أسعار البيع الرسمية ردًا على زيادة الطلب، إلّا أنّ «النعيمي» أوضح أنّه ليس لديهم خطط لخفض الإنتاج.

وفرة المخزون العالمي من النفط ليست مجرد نتيجة لديناميكيات العرض والطلب التي يحركها السوق، وإنما هي نتيجة مقصودة من استراتيجية أمريكية وسعودية ناشئة لاستخدام النفط كسلاح.

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في اتفاق تام بشأن هذه الاستراتيجية، أو حتى أنّها تُعدّ وتُنفّذ من خلال تنسيق تام بين البلدين، ولكن التقارب غير المستقر للمصالح المتبادلة أدى إلى توافق استراتيجي بين البلدين الحليفين.

أهداف هذه الاستراتيجية تشمل منافسيهم الجيوسياسيين ونشطاء تغيّر المناخ ودعاة الطاقة المتجددة.

السيطرة على النفط

فكرة استخدام النفط للسيطرة ليست جديدة، ولكن بالنسبة لإدارة «أوباما» ظهرت هذه الفكرة مع ازدهار الغاز الصخري في الولايات المتحدة.

في صيف عام 2013، أوضح مستشار الأمن القومي لـ«أوباما»آنذاك، «توم دونيلون»، في صحيفة «فورين أفيرز»، أنّ الزيادة في الإنتاج المحلي من الطاقة الأمريكية «تسمح لواشنطن بالمشاركة في الشؤون الدولية من موقع قوة».

وكشف «دونيلون» أنّ من الأمثلة الأساسية على هذا، هي استراتيجية الولايات المتحدة للضغط على إيران بشأن برنامجها النووي (الأمر الذي تنكره باستمرار أجهزة الاستخبارات الأمريكية)، وشمل ذلك «الدبلوماسية الحثيثة لإقناع الدول المعنية لإنهاء أو الحد بشكل كبير من استهلاكهم للنفط الإيراني، مع التأكيد للموردين على أهمية الحفاظ على استقرار وتموين سوق النفط العالمية».

يجب أن تخفض العقوبات قدرة إيران على تصدير النفط إلى الأسواق العالمية، مع ضمان أنّ «الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة وأماكن أخرى» تقلل من «العبء على بقية العالم» من تأثير الأسعار، «يتم استخدام نفس النهج في سوريا اليوم، وكان يُستخدم قبل ذلك في ليبيا في عام 2011».

الحرب الاقتصادية

بدأ زخم هذه الاستراتيجية في الانتشار في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية منذ أربع سنوات تحت تأثير جماعات الضغط القوية من المحافظين الجدد.

«مارك دبويتز»، المدير التنفيذي لمؤسسة المحافظين الجدد «الدفاع عن الديمقراطية»، هو مستشار قديم لإدارة «أوباما» والكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ بشأن سياسة عقوبات إيران.

في عام 2011، تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، الذي دعم مباشرة سياسات العقوبات من «أوباما»، أيّد صراحة عمل الحكومة الأمريكية مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لزيادة مخزون النفط وبالتالي الحفاظ على انخفاض أسعار النفط.

التقرير، الذي شارك في كتابته «رويل مارك جيريشت»، وهو متخصص سابق في الشؤون الإيرانية في وكالة المخابرات المركزية، دعا لسياسات «تقليل عدد المشترين الإيرانيين المحتملين دون التقليل من كمية النفط في السوق»، ويجب أن يضمن «أوباما» أن «الأسعار والمعروض من منتجات النفط الخام من الموردين غير الإيرانيين ستكون كافية للسماح لمشترين الطاقة للحد بشكل كبير من مشترياتهم من الخام الإيراني».

واختتم «دبويتز وغرشت» التقرير بأنّ «الزيادة في الإنتاج من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة يمكن أن تساعد في تعويض الزيادات في الأسعار».

وكشف التقرير أنّ السعودية بحاجة لتقوم بدور محوري في هذه الاستراتيجية «شعر صنّاع السياسة الأمريكان بالإحباط من عدم رغبة السعودية في زيادة العرض لتعويض ارتفاع أسعار النفط»، وأكّد أن «أوباما» كان يدعم هذا النهج لبعض الوقت.

لذلك يجب على واشنطن «الحصول على الدعم من المنتجين الآخرين في منظمة أوبك، وخاصة المملكة العربية السعودية» لتنفيذ هذه الاستراتيجية، بما في ذلك «تأكيد خاص (وإذا أمكن عام) أنّ هذه البلدان ستزيد من حجم إنتاج النفط»

التقارب الجيوسياسي بين أمريكا والسعودية

أكدت الرسالة الرسمية من «دونيلون» في صحيفة «فورين أفيرز» في 2013 بأنّ الاستراتيجية كانت على قدم وساق في ذلك الوقت، واستهدفت إيران وليبيا وسوريا.

كان «دونيلون» مقربا من كبار المسؤولين السعوديين، وفي كثير من الأحيان يعمل بوصفه مبعوث أمريكا غير الرسمي وقناة اتصال سرية إلى المملكة في السنوات السابقة، وكان يسافر إلى هناك لتوصيل رسائل خاصة إلى الملك «عبد الله».

في مارس/أذار 2014، أوصى «بيتر فيرلجار»، مستشار سابق في الحكومة الأمريكية، وهو خبير اقتصادي كبير في مجال النفط وترأس مكتب الرئيس «جيمي كارتر» لسياسة الطاقة، أنّ الولايات المتحدة يجب أن تحرر النفط من احتياطي النفط الاستراتيجي إلى الأسواق العالمية للحفاظ على انخفاض السعر الذي من شأنه ضرب الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد بشكل مركزي على صادرات النفط والغاز.

«هذه الاستراتيجية النفطية يجب تنفيذها جنبًا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، بحيث لا تقطع إمداداتها من أجل رفع الأسعار، وهذا رهان جيد ستوافق عليه المملكة»، وذلك حسبما ذكرت صحيفة «كوارتز».

وفي الشهر نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن استراتيجية جديدة لاستخدام طفرة الغاز الصخري المحلي «كسلاح» لتقويض النفوذ الروسي على أوكرانيا وأوروبا بسبب صادرات الطاقة، وبحلول نهاية مارس/أذار، التقى «أوباما» مع الملك الراحل «عبد الله»، وتوقع مراقبون ما إذا تم التطرق إلى استراتيجية مواجهة «بوتين» من قِبل رئيس الولايات المتحدة.

وفقًا لمسؤول في منظمة «أوبك» شارك في الاجتماعات مع مسؤولين سعوديين في عام 2014، أراد السعوديون انخفاض سعر النفط العالمي لتقويض المنافسين المحتملين الذين يحتاجون إلى سعر أعلى للحفاظ على الربحية، وعلى الرغم من أنّ انخفاض الأسعار من شأنه أن يقلل عائدات التصدير السعودية، إلّا أنّ هذه الخطوة لا تزال تسمح للسعوديين بالاحتفاظ بحصة أكبر في السوق.

وقال المصدر من منظمة «أوبك» لموقع «رويترز»: «السعوديون قد يعتبرون انخفاض الأسعار فرصة لوضع المزيد من الضغوط على إيران وروسيا لدعمهما للرئيس السوري بشار الأسد، وهو العدو اللدود للرياض، في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد».

وتأمل الولايات المتحدة في التخلص من الأضرار الجانبية لصناعة الغاز المحلي، وكتب «لاري إليوت»، المحرر الاقتصادي في صحيفة الغارديان، أنّ وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» قد «توصل إلى اتفاق مع الملك عبد الله» الشهر السابق، «بموجبه ستبيع السعودية النفط الخام بأسعار أقل من السعر السائد في السوق».

في الواقع، عندما سُئل حول ما إذا تطرقت مناقشات الولايات المتحدة مع الرياض إلى حاجة روسيا لارتفاع أسعار النفط لموازنة ميزانيتها، لم ينكر كيري ذلك، ولكنه، ابتسم وقال: «إنّهم (السعوديون) يدركون جيدًا قدرتهم على التأثير على أسعار النفط العالمية».

انقسام في منظمة «أوبك»

تقسيم قوة منظمة «أوبك» من خلال إغراق الأسواق العالمية بالنفط كان لفترة طويلة حلم المحافظين الجدد، والمفارقة، أنّ استراتيجية النفط بين السعودية وأمريكا تلعب دورًا رئيسيًا في تحويل هذا الحلم إلى واقع وشيك الحدوث.

وفقًا لأحدث تقرير لمستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي من صندوق النقد الدولي، فإنّ انخفاض الأسعار «سيحوّل فائض الحساب الجاري منذ فترة طويلة لمنطقة الشرق الأوسط والدول المصدرة للنفط في شمال أفريقيا إلى عجز بقيمة 22 مليار دولار في عام 2015، مع عائدات تصدير من المتوقع أن تكون بقيمة 380 مليار دولار أقل من المتوقع قبل تراجع أسعار النفط».

بالنسبة للدول المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي، فإنّ فائض الميزانية لعام 2014 بنسبة 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي سيتقلص إلى متوسط عجز بنسبة 8.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، بعبارة أخرى، فإنّه ليس فقط إيران وروسيا، ولكن معظم الدول المصدرة للنفط في المنطقة لن تتمكن من تحقيق التوازن في ميزانياتها في ظل انخفاض أسعار النفط التي تقترب من 60 دولارًا للبرميل.

لكن السعودية هي القوة الوحيدة في منظمة «أوبك» التي لديها القدرة، نظرًا لثروتها الهائلة، لمواجهة الانخفاض المطرد في الإيرادات نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية.

تسحق استراتيجية سلاح النفط قدرات منظمة مثل «أوبك» للسيطرة على أسعار النفط العالمية، بدلًا من تعزيز هذا النفوذ في إطار التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية. وتقلل أيضًا من أرباح الدولة المصدرة للنفط في المنطقة.

على المدى القصير، ستعاني ن صناعة الغاز الصخري الأمريكي وعائدات الصادرات السعودية من انخفاض الأسعار، ولكن على المدى الطويل، التدمير طويل الأمد لمنظمة «أوبك» يمهد الطريق أمام الأمريكان والسعوديين للسيطرة على حصة السوق من النفط والغاز العالمي.

هذه العملية يمكن أن تقوّض بشكل في الأساس سيطرة منظمة «أوبك» على أسواق النفط العالمية، ومنح الشركات الأمريكية والغربية فرصًا غير مسبوقة للانقضاض على هذه الأسواق.

استراتيجية النفط بين أمريكا والسعودية تسارع أيضًا في الانقسام الجيوسياسي في المنطقة، الانخفاض في إيرادات الدولة، يعزز التخفيضات في الدعم المحلي للنفط والمواد الغذائية، ويؤجج المظالم الداخلية التي تغذي التحريض السياسي المحلي والاضطرابات.

إطالة الاعتماد على النفط

ساعد تراجع أسعار النفط أيضًا على درء أكبر تهديد يواجه الجميع التحول عن الاعتماد على الوقود الحفري.

تتزايد الضغوط على هذه الجبهة من ناحيتين: أولًا، مصادر الطاقة المتجددة تتنافس من حيث التكلفة مع أنواع الوقود الحفري. ثانيًا، انتشار دعوات سحب الاستثمارات من الوقود الحفر للتصدي بسبب لمواجهة مخاطر المناخ، وكلا الناحيتين مدعومين بزيادة 100 دولار في أسعار النفط.

منح الانخفاض قبل سعر 100 دولار صناعة الوقود الأحفوري متنفسًا غير متوقع، ومع ذلك دعم أيضًا خرافة أن عصر النفط الرخيص يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى.

في الواقع، يخفي هبوط الأسعار الذروة الحقيقية من النفط التقليدي في عام 2005، ومنذ ذلك كان هناك ثبات في إنتاج النفط الخام، في حين أن النفط غير التقليدي والغاز حقق المزيد من الانخفاض، وعلى الرغم من انخفاض سعر السوق، إلّا أنّ تكاليف الإنتاج ارتفعت بشكل استثنائي، وانخفضت كمية النفط التي يتم إنتاجها بشكل كبير.

منذ عام 2000، وهذا يعني أن الاستثمارات في القطاع النفطي ارتفعت بنسبة 180%، وأنتجت زيادة ضئيلة في مخزون النفط العالمي بنسبة 14٪ فقط، أي ثلثي النفط غير التقليدي.

لذلك، فإن الإنتاج المتسارع من المملكة العربية السعودية للحفاظ على الأسعار منخفضة لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، في عام 2012، توقع تقرير من «سيتي جروب» أنّ الزيادة في إنتاج النفط السعودي سوف تخصص لتلبية الطلب المتزايد بسرعة على الكهرباء المحلية، مما يجبر المملكة العربية السعودية للحد من صادراتها على نحو متزايد.

وبحلول عام 2030، في غضون 15 عامًا فقط، فإنّ صادرات المملكة ستنخفض إلى الصفر، مما يجعلها مستوردًا صافيًا، كما أظهر التقرير أن قدرة المملكة العربية السعودية على الحفاظ على مستوى عال من الصادرات إلى الأسواق العالمية من المرجح أن تنتهي قبل ذلك في السنوات المقبلة.

السيطرة على النفط يدعم الهيمنة الأمريكية، ولكن موت إمبراطورية النفط أمر لا مفر منه.

ملتزمة بالسيطرة على الشؤون العالمية، فإن استراتيجية سلاح النفط الأمريكية السعودية هي محاولة أخيرة لإنقاذ نظام محكوم عليه بالفناء من الهيمنة الجيوسياسية التي ترتكز على الوقود الحفري.

 

  كلمات مفتاحية

أوبك السعودية الولايات المتحدة امبراطورية النفط

الانخفاض الكبير: مقامرة النفط السعودية

الذهب الأسود والبجعة السوداء

«جون ماكين»: علينا شكر السعودية التي سمحت بانهيار الاقتصاد الروسي

لماذا تحطم السعودية عمدا أسواق النفط؟

السياسة والسوق في الانهيار الفادح لأسعار النفط

النفط الصخري والأسواق

السعودية تواصل تضييق الخناق على النفط الصخري الأمريكي

أوبك تتوقع ارتفاع إنتاج منافسيها من النفط رغم انخفاض الأسعار

تنحي الولايات المتحدة جانبا سيكون ثمنه باهظا

منصات حفر النفط الصخري الأمريكية تسجل ثاني ارتفاع منذ 31 اسبوعا