«أسوشيتد برس»: سكان المملكة الهادئة لا يشعرون بلهيب الحرب في اليمن

الثلاثاء 12 مايو 2015 05:05 ص

حياة «أم سالم» الآمنة والهادئة لا تشعرك بأي علامات على أن الحرب الطاحنة تدور رحاها على بعد بضعة أميال من هنا.

في الصباح الباكر، تخرج المرأة المسنة لتجلس أمام مروحة صغيرة على باب متجرها الصغير في السوق القديم في نجران. في المساء، تقضي وقتها في الاستماع إلى القرآن الكريم عبر الراديو. ثم تنام دون أن توصد أبوابها حيث أن جميع الجيران يعرفونها.

وعندما سألناها عن الحرب تجاهلت الأمر وشرعت في الصلاة. وبما أنها أرملة فإن تتلقى الرعاية الصحية المجانية، ومبلغا بسيطا يغطي بعض حاجاتها، بما يعادل 1000 ريال سعودي (267 دولار) شهريا.

«في بعض الأحيان أحقق بعض الربح، أحيانا أخرى لا» ، هكذا قالت القروية السعودية التي لا تعلم كم يبلغ عمرها بالتحديد.

المملكة العربية السعودية، تلك الدولة الغنية بالنفط ذات الـ20 مليون مواطن، تشن الآن هجوما ضد المتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن، الذين تدعمهم الجارة والعدو اللدود إيران. في حال لم تعر انتباهك للملصقات الدعائية الضخمة وأصوات الإعلام الرسمي، ربما لن يكون بإمكانك أبدا أن تلحظ أن هذا البلد يخوض حربا. بنفس الطريقة التي تبدو عليها الحياة في الولايات المتحدة بالنسبة للصراع في العراق.

من المدينة القديمة نجران، إلى العاصمة اللامعة الرياض، تبدو المملكة في طريقها للازدهار، تماما كما عكستها مقابلات وكالة «أسوشيتد برس» مع أكثر من 20 شخصًا. أحد الأسباب هو أن العديد من المواطنين يعيشون بالفعل بشكل مريح بمساعدة الحكومة، والعاهل الجديد، الملك «سلمان»، أمر مؤخرا بصرف راتب شهر إضافي لموظفي الخدمة المدنية. بالنسبة للذين يعيشون في الجيوب الفقيرة التي طغت عليها بوابات الرياض الغنية، فإن الحرب تعد إلى حد كبير عملا من أعمال العائلة الحاكمة.

في الرياض نفسها، هناك شعور غامض من الفخر وكأن هناك أمة تتعرف على هويتها. تأتي هذه الحرب في وقت بالغ الأهمية بالنسبة للمملكة العربية السعودية. صعد الملك «سلمان» على العرش في يناير/ كانون الثاني، ثم لم يلبث أن وضع ابنه في خط خلافته. وبينما يأخذ هذا التغيير الجذري في الأجيال مجراه، فإن البلد يريد إعطاء صورة قوية لنفسه باعتباره العمود الفقري للتضامن العربي من خلال قيادة الدول العربية ضد الحوثيين. كما أنها تريد أيضا أن تكون في خط الدفاع عن السنة ضد إيران التي دعمت الميليشيات الشيعية في العراق وحكومة «بشار الأسد» في سوريا.

«هناك دعم للحرب لأنها جاءت بعد الكثير من الإهانة من قبل إيران»، بحسب الكاتب والمحلل «عبد المجيد بلوي»، الذي أضاف بقوله: «ينظر إلى الهجمات على اليمن على أنها معركة للكرامة والشرف».

تظهر هذه الهجمات إلى أي مدى وصلت هذه البلاد منذ حرب الخليج الأولى عام 1990، عندما دافع الجيش الأمريكي عن حدودها. استثمرت المملكة الآن عشرات المليارات من الدولارات في المعدات العسكرية. وقد خرجت من الربيع العربي سالمة، على عكس القوة السابقة مصر، وتعمل الآن على دعم الاقتصاد المتعثر في القاهرة ببعض المساعدات، وفي المقابل تعتبر مصر شريكا أساسيا ضد الحوثيين.

وقال «البلوي»: «المملكة العربية السعودية تدخل مرحلة جديدة أكثر صراحة وشراسة».

القبول الضمني للحرب له علاقة كبيرة بالطريقة التي يتم تصويرها بها. فمع توفر رصيد ديني عميق، فقد مرر كبار رجال الدين المحافظين في البلاد فتاوى ومراسيم دينية تصور الحرب على أنها واجب ديني.

كما سارعت الطبقة العليا من رجال الأعمال في المملكة للتعبير عن دعمها، وإن كان على الورق. مجموعة «بن لادن» السعودية، على سبيل المثال، أخرجت الإعلانات في الصحف على صفحة كاملة التي تضمنت صورا لـمقاتلات F-16 والعلم جنبا إلى جنب مع الملك «سلمان» وتحية للقوات المسلحة. بينما جاء إعلان «الصلب ستيل» عبر كتابة اسم الملك «سلمان» بالصواريخ والطائرات المقاتلة، وتعهدت الصلب العربية السعودية «بحماية كل شبر من بلادنا، حتى آخر قطرة من دمائنا».

في بلد تحكمه علاقات قوية بين عالمي الأعمال والسياسة، فإن هذا الدعم مفيد لكليهما. أصدر محافظ الرياض إشعارا خطيا، اطلعت عليها وكالة «أسوشيتد برس»، حث خلاله الشركات على إقامة لوحات تشيد بالعائلة المالكة ويعرض عليهم فرصة المساهمة في تنصيب سلم العرش الجديد.

بالنسبة للملك «سلمان»، تمثل الحرب فرصة سياسية، فقد دفعت ابنه، وزير الدفاع الثلاثيني، إلى منصب نائب ولي العهد، كما وضعت التركيز مجددا على الأمن. لقد وضع الملك ابن أخيه، وزير الداخلية في البلاد وقيصر مكافحة الإرهاب في المرتبة الأولى في ترتيب ولاية العرش.

القتال الذي تدور رحاه في خلفية المشهد لم يوقف الاحتفالات، ولكنه نسج صورة المملكة العربية السعودية خلال عهد جديد تحت راية حاكم جديد. بعد يوم واحد من الإعلان، سارعت الشركات والشخصيات العامة إلى حجز مساحة 22 صفحة كاملة في جريدة الرياض اليومية إضافة إلى غيرها في سائر الصحف المحلية، خصصت هذه المساحات للتهاني. وفي احتفال ضخم ذات الأسبوع، أضيئت المباني الرئيسية في المدينة وأشجار النخيل باللون الأخضر، اللون الرسمي للعلم السعودي.

وتستخدم الحكومة الحرب في اليمن أيضا كوسيلة للتواصل مع الشباب ومجتمعات الإنترنت، الغالبية العظمى من سكان المملكة هم تحت سن الثلاثين. ويمكنهم ببساطة التحول عن ملل البرامج التليفزيونية الخاصة بالدولة إلى المحطات السعودية الخاصة التي تبث عروض تليفزيونية أمريكية الطابع كبرامج الرقص أو متابعة أخبار «كيم كاراديشيان».

ولعلمها بقدرة الإنترنت على تجاوز الصحافة التقليدية المملوكة للدولة، فقد فتحت الحكومة السعودية  أبوابها للصحفيين على الحدود اليمنية. واصطحبت الحكومة كل من الصحافة المحلية والأجنبية لرؤية القوات السعودية، وعقد مؤتمر ليلي تم بثه على الهواء، تم خلاله تلقي أسئلة الصحفيين.

وعلى ما يبدو، فإن أقنعة الانقتاح تخفي سببا آخر لدعم الحرب: «الخوف»، حتى في المنطقة الشرقية التي هي معقل الشيعة لم نشهد احتجاجات معتبرة ضد الحرب في اليمن. خلال احتجاجات مماثلة في عام 2011، اعتقلت الحكومة عشرات الأشخاص وحكمت على رجل دين شيعي بارز للموت.

«هناك أناس يخافون من إبداء رأيهم، والسبب أن أي شخص قد لا توافق آراؤه آراء الحكومة قد ينظر إليه على أنه عدو للوطن»، وفقا للناشط في مجال حقوق الإنسان «على الحطاب» الذي أضاف: «ليست هناك هيئة مستقلة للبحث إذا ما كان الناس يؤيدون الحرب أم لا».

وربما يكون التأييد للحرب أكثر عاطفية في المنطقة الحدودية مع اليمن «جازان»، هذا هو المكان الذي تطوع فيه 10 آلآف من رجال القبائل للوقوف على طول الحدود مع أسلحتهم الخاصة، وفقا للقوات المسلحة. هؤلاء القبائل السنية لا يزالون يتذكرون بمرارة الاستيلاء على أراضيهم في عام 2009 من قبل الحوثيين، مما اضطر الآلاف من المزارعين السعوديين للنزوح.

هنا، ندوب تلك الحرب الأخيرة تظهر في كل مكان، ويمكن سماع أصوات نيران القناصة من هذه المسافة. تقع أقرب قرية يمنية على بعد نصف ميل. والحدود على طول هذه السلسلة الجبلية تمتد بشكل متعرج ذهابا وإيابا. إضافة إلى ذلك، فإن كثيرا من الهواتف النقالة في هذه المناطق تتلقى الإشارة من مزود الخدمة اليمني.

في نجران، وهي بلدة حدودية أخرى تحوي عددا من الشيعة لا بأس به، تبدو ردود الفعل مختلفة بشكل ملحوظ. هذا هو المكان الذي قتل فيه معظم الجنود السعوديين في المواجهات الأخيرة مع الحوثيين. ومع ذلك يقول السكان أنه ليس لديهم سبب وجيه لدعم أو معارضة الهجوم اليمني طالما أن انتماءاتهم القبلية وأراضيهم لن تصاب بأذى.

وقال أحد سكان نجران، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام، رجال القبائل هنا ببساطة لا يؤمنون بتصوير الحكومة للحوثيين كقوة خطيرة من شأنها أن تزعزع استقرار منطقة الخليج بأكملها. وقال أنه يشعر بالأمان لأنه يعلم أن قبيلته تتولى حمايته.

وأضاف: «نحن لا نخاف من الحوثيين، وأنا لا أعتقد في الكلام الفارغ القائل أنهم سوف يهاجموننا».

  كلمات مفتاحية

السعودية الملك سلمان اليمن جازان نجران عاصفة الحزم

«القوة الضاربة» السعودية تصل إلى نجران وتتمركز علي حدود اليمن

الأمير«محمد بن نايف» يأمر بصرف 3 رواتب و100 ألف ريال لمصابي سجون نجران

«عاصفة الحزم» رفض سعودي لرسْم مستقبل النظام الإقليمي بمعزل عنها

«ستراتفور»: الخيارات المعقدة للمملكة العربية السعودية في اليمن

«فورين بوليسي»: «عاصفة الحزم» .. المقامرة السعودية الكبرى

«فورين بوليسي»: في الرياض .. الجميع ملتفون حول العلم

مرجع شيعي سعودي يدعو لإنشاء جماعة مسلحة مثل «الحشد الشعبي» في العراق

«فاينانشيال تايمز»: الروح القومية تغزو المملكة السعودية الجديدة بسبب حرب اليمن

«عسيري»: التحالف مستعد لوقف إطلاق النار إذا انسحب الحوثيون من المدن اليمنية