استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العلاقة الخليجية الأميركية في الميزان

الخميس 21 مايو 2015 06:05 ص

مع أن المسؤولين الخليجيين والأميركيين خرجوا علينا بعد قمة كامب ديفيد بتصريحات إيجابية تشيد بـ"نجاح اللقاء" و"التوافق التام في الرؤى"، إلا أن ذلك يبدو تفاؤلاً اضطرارياً يدخل في مجال العلاقات العامة، أكثر منه تلخيصاً لحقيقة الواقع. فالعلاقة الأميركية مع منطقة حيوية، والتي وضعها في السابق الرئيس كارتر ضمن أولويات الأمن القومي الأميركي، تمرّ بمرحلة مضطربة، على الأقل منذ عقدٍ ونيفّ. قد تكون قمة كامب ديفيد أزالت بعض تراكمات الاضطراب، ولكنها على ما يبدو لم تزلها بالكامل.

ذهبت دول الخليج إلى كامب ديفيد مُظهرةً علائم الامتعاض من الداعي، وهاجسها الأساس ضمان عدم زعزعة استقرارها في اقليم يواجه حالة تقلبّات وتغيّرات عاصفة، مردّها – من وجهة نظر خليجية – تلكؤ السياسة الأميركية وترددها تجاه المنطقة. ذهبت هذه الدول إلى القمة وفي جعبتها ثلاثة مصادر قلق عميق، وتريد من الجانب الأميركي ليس فقط تطمينات عامة بشأنها، وإنما التزامات فعلية تجاهها. ذهبت هذه الدول وهي تشعر بأن أمنها القومي مهددّ وتريد حمايته.

مبعث القلق الخليجي الأول، وهو منبع كل التوجسات، يتلخص بتضعضع موثوقية الحلفاء الخليجيين من صدقية السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة وتجاههم، وبالأخص ما يتعلق بضمان أمن دولهم. فقد أعرب الرئيس أوباما سابقاً عن رؤيته القاضية بتركيز الاهتمام الأميركي المستقبلي على منطقة المحيط الهادي، لمواجهة خطر تحوّل الصين إلى قوة إقليمية صاعدة ومهيمنة، ما يعني تقليص الاهتمام والانسحاب الأميركي التدريجي من المتابعة الحثيثة لقضايا منطقة الشرق الأوسط، ما عدا استمرار الالتزام بإسرائيل وضمان أمنها.

لقد أدى هذا التوجه الأميركي الجديد إلى نسف أسس السياسة الأميركية السابقة، والتي في صلبها الحفاظ على أمن الخليج، ولكن دون أن يترجم نفسه بسياسة جديدة واضحة تحدد معالم ومرتكزات الاهتمام الأميركي المستقبلي في المنطقة. فهل ستبقى منطقة الخليج مستقبلاً ضمن قائمة أولويات الأمن القومي الأميركي، أم سيتم التخلي عنها؟ الإشارات الأميركية بهذا الصدد كانت متلعثمة وغير حاسمة، بل أضحت مرتبكة ومترددة. ونتيجة لذلك دخلت المنطقة برمتها في حالة انفلات، إن لم يكن في حالة انفلاش تام. ووجدت الدول الخليجية نفسها محاطة، بل محاصرة، في أتون صراعات مركّبة تؤثر سلبياً على استقرارها ووجودها، وبدون ضمانة أميركية موثوقة وأكيدة تستطيع هذه الدول الركون إليها للدفاع عن أمنها واستقرارها. لقد تغيّب الدرع الأميركي الواقي، فانكشف الخليج على الطامعين.

أما مبعث القلق الخليجي الثاني، وهو مرتبط بالأول وناجم عنه، فهو الاستعداد الأميركي لقبول إيران كقوة إقليمية في المنطقة، في تغيّر لافت لما كانت عليه السياسة الأميركية سابقاً. فبعد أن كانت الإدارة الأميركية ترفض التراخي مع إيران في ملفها النووي، وفي تحالفاتها الإقليمية، في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن، قبلت هذه السياسة بالإعلان عن اتفاق لوزان الذي يُبطئ فقط، ولا يُلغي، إمكانية تسلح إيران نووياً. هذا بالإضافة إلى التراخي الأميركي في مواجهة حلفاء إيران، وخاصةً فيما يتعلق بالسياسات الأميركية المتقلبة تجاه النظام السوري. لقد أصبحت إيران تشكّل مصدر قلق كبير للدول الخليجية، ليس فقط بسبب ملفها النووي الشائك، وإنما لتعاظم قوتها العسكرية التقليدية، وخاصةً في مجالي الصواريخ والبحرية، ما يُشكّل خطراً مباشراً على هذه الدول. هذا إضافةً إلى التمدد الإيراني في المنطقة العربية، ورعايتها لبعد طائفي يهدد بتشظي المنطقة بأكملها بين مذاهب دينية وعرقية، ما يمكن أن يصيب الخليج منها بشظايا مؤثرة.

إذاً، القلق الخليجي ليس فقط موقوفاً ومرهوناً بإيران، وإنما يمتد ليصل الولايات المتحدة التي يعتقد الخليجيون أن تقلبات سياساتها وضعف تدخلاتها سمح لإيران بالانبثاق لتصبح قوة إقليمية مقبولة أميركياً، ليس فقط مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، والخليج تحديداً، وإنما أيضاً توسعية ومهددة لأمن واستقرار دول هذه المنطقة. إن وصول أميركا لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، والاستعداد لرفع الحظر الاقتصادي عنها، ما يمكن أن يعاظم قوتها العسكرية، في حين أنها تتوغل وتتغول في المنطقة، يعطي دول الخليج إشارات سلبية حول مدى جدية الالتزام الأميركي بالتحالف الاستراتيجي معها، وثبات ضمانة الانخراط الأميركي الفعلي في الدفاع عنها، إذا اقتضى الأمر ذلك.

وثالثاً، الدول الخليجية قلقة من ارتفاع وتيرة ومستوى ما تعتبره تدخلاً أميركياً في شؤونها الداخلية. فقد اتسعت دائرة المطالبات الأميركية بضرورة احداث تغييرات بنيوية في أنظمة الحكم الخليجية من مستوى أعضاء في الكونجرس والإدارة، ناهيك عن الصحافة والإعلام، لتصل مستوى الرئاسة الأميركية. فقد خرج الرئيس أوباما مؤخراً ليعلن أن الخطر المحدق بدول الخليج إنما ينبع بالأساس من داخلها، ولا يأتيها من خارجها فقط. فتطلعات الشباب للمشاركة في رسم المستقبل، والحداثة ونبذ التعصب والتزمت، ومكانة المرأة، ووضع الأقليات، وحقوق الإنسان، قضايا ملحّة تتطلب، وفقاً للرؤية الأميركية، معالجات خليجية جادة.

بالنسبة للرؤية الخليجية فإن هذه الدعوات الأميركية تخرج مآزق المنطقة من سياقها الصحيح ومسببها الحقيقي، وتستعيض عن ذلك بإلقاء اللوم على المتضررين منها. فبدلاً من معالجة الاختراقات الإيرانية في المنطقة العربية، ومتابعة السجل الإيراني في تأجيج الصراع الطائفي، وملاحقة المعارضين، والانتهاكات المتراكمة والمتسعة لحقوق المرأة والأقليات والإنسان، تتفاوض الولايات المتحدة مع الملالي، وتتساهل مع بسط الهيمنة الإيرانية على المنطقة بالعنف، وتلقي باللائمة على حلفائها الخليجيين. هذه المفارقة، يجدها الخليجيون، ذات دلالة عميقة، وهي أن الولايات المتحدة على استعداد للتعامل باحترام وندّية مع القوة الأكثر من الخصوم والأعداء، أكثر من تقديرها للولاء والاعتمادية القادمة من الحلفاء. أما الدرس المستقى من ذلك فهو ضرورة إظهار الدول الخليجية لامتعاضها المستمر من السياسة الأميركية تجاهها، وتجاه القضايا التي تهمها في المنطقة، ومطالبة الإدارة الأميركية الحالية ليس فقط بإعادة تأكيد الالتزام بالتحالف معها، وإنما بتوثيقه نصاً وعملاً.

ذهبت الدول الخليجية إلى قمة كامب ديفيد وهي تريد ترقية تحالفها الضمني مع الولايات المتحدة ليصل إلى مستوى المعاهدة، أو على الأقل إلى درجة الإعلان الرسمي عن تعاملها مثل الدول المنضمة إلى اتفاقيات تحالف مع أميركا، مثل دول حلف الناتو. ذهبت هذه الدول إلى الإجماع وهي تريد التزاماً أميركياً بالدفاع عنها وحمايتها، ومطالبة بمواجهة أميركية أكثر حزماً للتوسع الإيراني في المنطقة، وخصوصاً تغيير اتجاه السياسة الأميركية فيما يتعلق بالأزمة السورية.

لم تخرج القمة بالنتائج المتوخاة خليجياً، بالالتزام بأمن واستقرار دول الخليج، مع أنه تم التأكيد عليه من الرئيس أوباما، بقي التزاماً شفوياً. ما تمت ترجمته عملياً هو استعداد الإدارة الأميركية لتسليح هذه الدول بأسلحة متطورة، وبصورة مستعجلة، وبالطبع بأموالها التي ستفتح حياة في مجرى الاقتصاد الأميركي. صحيح أن الرئيس أوباما استخدم عبارات قاسية في وصف إيران ودوافعها في المنطقة، ولكن الاتفاق معها بشأن ملفها النووي لا يزال قائماً. أما تغيير السياسات الأميركية تجاه الملفات الساخنة التي تعاني منها المنطقة، وتهم الدول الخليجية، فلا بّد من الانتظار للتبيان والتحقق.

لقد شُرخت العلاقة الاستراتيجية التقليدية التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والدول الخليجية. رأب الصدع يحتاج اعتماد أسس جديدة، وينتظر إجراء تغييرات عديدة. إنها مقاربة مفتوحة على احتمالات عريضة.

  كلمات مفتاحية

العلاقات الأمريكية الخليجية قمة كامب ديفيد

قراءة في بيان البيت الأبيض و«مجلس التعاون» بعد كامب ديفيد

هل فشلت قمة كامب ديفيد أم نجحت؟

التودد إلى دول «مجلس التعاون الخليجي»: من الرياض إلى باريس إلى كامب ديفيد

مخاوف الخليج التي لا يفهمها «أوباما» .. لماذا قررت السعودية الاعتماد على نفسها؟

جدول أعمال كامب ديفيد: تأييد دول مجلس التعاون للصفقة مع إيران باهظ التكلفة