هل فشلت قمة كامب ديفيد أم نجحت؟

السبت 16 مايو 2015 02:05 ص

هل نجحت قمة كامب ديفيد أم فشلت؟ إنه سؤال صعب لأنه يعتمد على إعطاء معنى وتعريف لكل من النجاح والفشل. ويستند المصطلحين بدورهما على طبيعة اللحظة الراهنة، وما يأمل كل جانب في تحقيقه. ويختلف النجاح الآن عما كان عليه في عام 1990، عندما غزا «صدام حسين» الكويت، أو في عام 1979 عندما اندلعت الثورة الإيرانية التي رأى «كارتر» أن عليه ألا يغفلها.

وينبغي أن تكون نقطة البداية في أي محاولة لتقييم درجة نجاح أو فشل القمة في السؤال لماذا يعقد الاجتماع الآن في المقام الأول. على جدول أعمال قادة دول مجلس التعاون الخليجي كان هناك اثنان من الموضوعات الرئيسية، الضمانات الأمنية ضد أي هجوم تقليدي خارجي، وإشعال الحروب الإقليمية بالوكالة في سوريا والعراق واليمن. وعلى جدول أعمال الإدارة، كان هناك موضوعان أيضا، الاتفاق النووي الإيراني وضرورة دعم دول مجلس التعاون الخليجي للاتفاق، وحالة عدم الاستقرار التي تخيم على كل جنبات المنطقة.

من خلال تصنيف الموضوعات بهذه الطريقة، تكمن المخاطرة في تقديم الأمر على أنه قضايا منفصلة على حدة. هم ليسوا كذلك، ومن ثم بدأ التورط. والنقطة المركزية حيث تتقاطع كل هذه السطور هي إيران بلا أدنى شك. بالنسبة للعرب، فإن إيران هي المصدر الرئيسي للتهديدات التقليدية والمحرض على الحروب الإقليمية بالوكالة التي تدور رحاها الآن. وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد بات توقيع إيران على اتفاقية نووية تاريخية وشيكا، ما يقود تباعا إلى تطبيع علاقات في الوقت الذي تأخذ فيه دور اللاعب الأساسي في المواجهات الإقليمية المذكورة أعلاه.

وبعد القراءة الأولية لما حدث في القمة، فإنه لا تزال مهمة تحديد نتائج المؤتمر، ووصفها بالناجحة أو الفاشلة أمر صعب للغاية. فمن ناحية، كان من السهل بالنسبة للرئيس «بارك أوباما» تقديم التزامات أمنية حديثة للقادة العرب، لأن هذا من صميم سياسة الولايات المتحدة منذ عقود. ومن ناحية أخرى، فقد تمت مناقشة القضايا الإقليمية بالتفصيل أيضا. وقدمت الولايات المتحدة بعض الأفكار الجديدة نسبيا بشأن العلاقات العربية الإيرانية، وإشراك كلا الجانبين في الصراعات الإقليمية.«شيء أفضل من لا شيء». أما بالنسبة لجهود التصعيد الإقليمية، وبينما كانت أفكار الإدارة إبداعية في بعض الجوانب، ولا سيما فيما يتعلق بسوريا، فإن السؤال الذي جال بكل الخواطر هو: إلى أي مدى تمتلك الولايات المتحدة إرادة وثقل لتكون قادرة على القيام برفع الأحمال الثقيلة اللازمة وصياغة النتيجة.

ويثير هذا السؤال العديد من الإجابات التي لا تتوقف بالضرورة على المفاوضات النووية مع إيران. المفاوضات وما يتبعها من تطبيع متوقع للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تجعل الشكوك الأصلية أكثر عمقا. هي لن تخلق هذه الشكوك ابتداءًا. بتوضيح أكثر، لا يعتقد العرب أن مفاوضات إيران أو الصفقة المتوقعة تجعل إدارة «أوباما» أكثر حذرا أو تمنعها من القيام بدور أكثر فعالية في مواجهة تدخل الوكيل الإقليمي لطهران.

عندما وجد الرئيس «أوباما» نفسه مضطرا للحفاظ على الحد الأدنى من القوات الأمريكية في العراق تنصل. وعندما وجد «أوباما» نفسه أمام نداء جماعي من الإدارة لمساعدة المعارضة السورية المعتدلة رفض. لم يكن هناك اتفاق نووي إيراني وشيك ليتم التوقيع عليه. وكان قرار «أوباما» بشأن العراق أحد أبرز الأسباب وراء ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. ولعب قراره بشأن سوريا أيضا دورا في توسيع «الدولة الإسلامية» لنفوذها هناك. وعلى الرغم من أن القرارين اللذين اتخذهما «أوباما» لم يكونا السبب رقم واحد أو الوحيد في ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في البلدين، إلا إن كلاهما كان عنصرا أساسيا، في المجمل، أطلق العنان لذلك التنظيم.

 وأعطى تدهور الوضع في البلدين الفرصة لإيران بتوسيع نفوذها هناك. وبعبارة أخرى، فإن مشكلة «الدولة الإسلامية» والحروب الإيرانية بالوكالة في كل من العراق وسوريا، والتي تواجه العرب الآن، صنعت إلى حد ما داخل أروقة البيت الأبيض قبل أي احتمال جدي لموضوع الاتفاق النووي الإيراني. وكانت ردود الفعل العربية على التدخل الإيراني في البلدين أحد العوامل الأخرى التي جلبت هذين الصراعين الأكثر صعوبة. ولكن على أية حال، فإن افتقار الرئيس لتقديرات واضحة بشأن المخاطر الكامنة تسبب في توريطه ثم جعله يقف عاجزا أمام المحادثات مع إيران.

كان هناك المزيد من الاهتمام من قبل الإدارة لكيفية ظهور السياسة وذيوعها أكثر مما تحويه. عدم التورط الحاسم في الشرق الأوسط كان مسربلا بثوب من مبررات من الممكن تسويقها سياسيا على أساس التجارب المريرة للحروب السابقة في العراق وأفغانستان وتخضع لقيود الميزانية. ولم يتم إجراء أي فحوصات دقيقة لكل حالة على حدة ولا بحث دقيق لأدوات فعالة متاحة. كما لم يكن هناك أي تقييم دقيق وواضح للعواقب.

ولذلك، فإن أي أفكار أمريكية جديدة لحل الصراعات الإقليمية الآن بشكل جماعي أو من خلال «صفقة إيرانية عربية كبرى»، أو بشكل فردي من خلال مبادرات منفصلة يقابلها شك بالغ من العرب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، وأيضا في السابق، هل هناك إرادة وقوة في الولايات المتحدة للي أي ذرع؟ وإذا كان الرئيس يفضل دائما فعل شيء، فإنه في حالة إبرام صفقة مع إيران أو لا، فهل هناك أي شيء يجعله يراجع هذا الموقف؟

وتم طرح هذا التساؤل بخصوص سجل طويل من عدم القيام بأي شيء لأكثر من ست سنوات حرجة. ولشرح ذلك بوضوح، علينا أن نعود إلى عام 2003. وعلى الرغم من أنه ليس هناك شك الآن أن حرب العراق كانت خطأ كبيرا، فيكفينا القول إنه فقط عندما كانت القوات الأمريكية هناك قررت طهران التخلي عن برنامجها النووي العسكري السري وإرسال رسالة إلى واشنطن تقترح فتح صفحة جديدة غير مشروطة في العلاقات بين البلدين. والآن، بغض النظر عن حرب العراق، التي نوردها كمثال فقط في هذا السياق، فإن السياق تماما على النقيض من ذلك.

أهمية هذا المثال، حرب العراق، أنه يدل على أن النوايا والدبلوماسية في حد ذاتهما لا تعنيان سوى القليل. وفي حين أدى التدخل الأمريكي في العراق إلى كارثة، فإن سلبية الرئيس الحالي تتسبب في كارثة مختلفة. لذا، فإنه مهما تقترح الولايات المتحدة الآن من حيث الحلول للصراعات الإقليمية، أو من حيث «الماسكة الإقليمية»، سوف يحمل الوزن الإقليمي الأمريكي في الوقت الحاضر، والذي هو قريب من الصفر بصراحة.

وفي كامب ديفيد، وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها أمام رئيس حاسم ومتردد تاريخيا، لكنه أثبت الآن أنه حاسم وحازم. وعند الضغط عليه لتحديد شكل التغيير المتوقع، كان الجواب الالتزام بتعزيز أمن الدول العربية في المنطقة، واعتبار ذلك جزءا من أمن الولايات المتحدة والأمن العالمي. ولكن هذه الالتزامات،على أهميتها، صالحة للسبعينيات والثمانينات. فالتهديدات الان لدول مجلس التعاون الخليجي مختلفة. إنها تأتي على وجه التحديد من المصدر ذاته التي باتت واشنطن على مقربة من تعزيز الافراج عن مليارات الدولارات له وتطبيع العلاقات معه. وإذا كانت طبيعة التهديد في المقام الأول من وكلاء وحرب نظامية، وليست فقط تقليدية، فإن المصدر لا يزال هو إيران، والتي معها تنسق الإدارة التحركات في العراق وسوريا، البقعتان اللتان تؤذيان دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من غيرهما.

الاختلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي ووجهات نظر «أوباما» الإقليمية مركبة. فمن وجهة النظر العربية، فإن وجهات النظر هذه لا تجعل الولايات المتحدة حليفا موثوقا به يمكن الاعتماد عليه على حسب عملية التحول التي تطرأ على طبيعة التهديدات التي يواجهونها. العبارة الشائعة بين العرب بعد قمة كامب ديفيد هي «شيء أفضل من لا شيء» تعني أن المساعدة الأمنية الأمريكية مقبولة في نطاقها المعين المتمثل في التحديات الأمنية التقليدية. أما الباقي فعليهم فعله بأنفسهم.

وأثبتت الدعوات التي يطلقها الرئيس «أوباما» بأن إدارته تقف بشدة إلى جانب القيم الديمقراطية ومزيد من الإصلاح في العالم العربي، والتلميحات بأن هذه قضية خلاف مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ونأمل أن يكون الفعل مطابق للقول، أنها كلاما أجوفا. فلم يقم الرئيس بشيء يُذكر تجاه المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والديمقراطية في سوريا عندما بدأ «الأسد» ذبحهم، ولم يحرك ساكنا تجاه امتناع «نوري المالكي» في العراق عن توفير الحد الأدنى من الحقوق للمواطنين. وفي حالة «الأسد»، طلب الرئيس بتجهم «التنحي فورا»، وفي حالة «المالكي» طلب منه الرئيس التفكير في سياساته. لقد كان هذا مختلفا تماما عن قرار إيران السريع بتفكيك البرنامج النووي العسكري السري من دون شروط. وهذا يدل على أنه إذا لم يكن للبلد وزن ملموس على أرض الواقع، فإنه لا يجب أن نتوقع سماع صوتها. ولم يقدم العرب، بدوره، الدعم العام الذي طلبه الرئيس لصفقة إيران، ولم يزيدوا على عبارة مشروطة قصيرة نطق بها أمير دولة قطر.

لذلك؛ فإن الالتزامات الأمنية الأمريكية والصفقات العسكرية الجديدة محل تقدير من كافة العرب. إنها «أفضل من لا شيء». ولكي نتوقع أي شيء أكثر من ذلك يكون «أفضل من لا شيء»، فإنه بحاجة للقاء معين يصيب بخيبة أمل على المدى القصير وما ورائه. لقد تحول مركز الثقل في أي مبادرة إقليمية في المنطقة. ما الذي يعنيه ذلك، وما الذي سوف يترتب عليه؟ الله وحده يعلم.

  كلمات مفتاحية

أوباما السعودية إيران قمة كامب ديفيد

«أوباما» يتعهد بدعم الحلفاء الخليجيين ضد أي تهديد ويفشل في تهدئة المخاوف من إيران

قمة «كامب ديفيد» تناقش الاتفاق النووي و«أوباما» يؤكد على تعزيز قدرات الخليج الدفاعية

«أوباما» يستقبل وليّي العهد السعوديين ويؤكد: مستمرون في بناء الروابط مع الرياض

التودد إلى دول «مجلس التعاون الخليجي»: من الرياض إلى باريس إلى كامب ديفيد

مخاوف الخليج التي لا يفهمها «أوباما» .. لماذا قررت السعودية الاعتماد على نفسها؟

«خامنئي»: إيران ستساعد الشعوب «المظلومة» في المنطقة قدر استطاعتها

«أزمة ثقة» خليجية في الولايات المتحدة ؟ !

«أوباما» والخليج: مخلب أم أسنان؟

«روحاني»: علي قادة الخليج التوجه إلي «معسكر محمد» بدلا من «كامب ديفيد»

الاتفاق النووي أولا... فماذا يبقى من كامب ديفيد؟

بين البيت الأبيض وكامب ديفيد: «عاصفة الحزم» إلى الهدوء

ما بعد كامب ديفيد: تنافر وتفاهم وتناقض

العلاقة الخليجية الأميركية في الميزان

قمة «كامب ديفيد» الأمريكية - الخليجية

الثوابت والمتغيرات بعد كامب ديفيد

ما بعد قمة «كامب ديفيد»

باراك أوباما إذ يدير ظهره للشرق الأوسط 

«شاتام هاوس»: التوترات في الخليج تهدد بتعظيم فوائد الاتفاق النووي لإيران

القمة السعودية الأمريكية: ترميم العلاقات وحسم ملفات المنطقة الشائكة