أدى نجاح تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش مؤخرا في احتلال مدينة الرمادي في العراق، التي تقع على مسافة نحو 110 كيلو متر عن العاصمة بغداد الى عدة توقعات مفزعة بشأن استمرار تقدم التنظيم. ومع ذلك، رغم أهمية المدينة، عاصمة محافظة الأنبار - مشكوك أن يكون رفع أعلام التنظيم الجهادي على ما تبقى من مباني الحكومة في الرمادي يعكس بالضرورة أكثر من مجرد انجاز موضعي.
يخيل أن المعارك الأكثر دراماتيكية تجري الآن بالذات في سوريا: حول الضغط الذي تمارسه منظمات الثوار السنية على نظام بشار الأسد في العاصمة دمشق، القتال في جبال القلمون التي على الحدود السورية اللبنانية، وبالأساس تقدم قوات المعارضة نحو الجيب العلوي في شمالي سوريا.
نجاح «الدولة الإسلامية» في الرمادي يمكن أن يعزى لذات الأسباب التي من أجلها حظي التنظيم بسلسلة انتصارات هامة في الصيف الماضي: استغلال ميزة المفاجأة مقابل القتال غير المنظم الذي أظهره الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، قدرة حراك عالية واستعداد استثنائي للتضحية برجاله في خطوات خطيرة بهدف مراكمة ذخائر برية.
حكومة العراق، رغم الإسناد الذي منحته إياها الولايات المتحدة مع القصف الجوي، لم تتمكن من تحقيق الهجوم المضاد الذي أعلنت عنه في محافظة الأنبار، وهذا الأسبوع تراجعت باقي وحداتها من عاصمة المحافظة. غير أنه كما سبق أن تبين على مدى السنة الأخيرة، يصطدم الجهاديون غير مرة بالمصاعب في الاحتفاظ بالذخائر بعد أن تكون انتقلت إلى سيطرتهم. ثمة فارق بين الهجوم لاحتلال الهدف وبين الاحتفاظ به على مدى الزمن.
ضباط أمريكيون كبار يسألون بين الحين والآخر عن نجاح المعركة التي تديرها الولايات المتحدة بمساعدة دول عربية ضد «الدولة الإسلامية» في العراق وفي سوريا يحافظون منذ زمن على التفاؤل الحذر. وعلى حد قولهم، فإن الجهد الحربي ضد التنظيم يحقق نجاحا في احتواء خطواته الهجومية بل وأحيانا في قضم بعض من الأراضي الإقليمية التي تحت سيطرته، في المس المنهاجي بكبار مسؤوليه وبسد بعض من قنوات ضخ الأموال إليه.
وحسب صورة الوضع، كما يفهمها أولئك الأمريكيون، فإن الزخم الهائل الذي تمتع به التنظيم على مدى السنة الماضية توقف ومدى تأثيره الحقيقي قل بالتدريج مع الزمن.
لكن المعركة ضد «الدولة الإسلامية» هي فقط واحدة من جملة النزاعات الجارية في سوريا، وعلى رأسها الجهود غير المنسقة جدا لإسقاط النظام. هنا، استمرارا لما سبق أن كتب في الأسابيع الأخيرة، تلوح مصاعب متزايدة لدى الأسد. والمصاعب كبيرة لدرجة أن جهاز الأمن في إسرائيل لم يعد يستبعد امكانية أن يضطر الرئيس - في ضوء الهجمات المتواترة من الثوار الذين يقصفون قصره - إلى أن يهجر في النهاية العاصمة ويركز على الدفاع عن المنطقة العلوية في شمالي الدولة، حول مدينتي اللاذقية وطرطوس على شاطيء البحر المتوسط.
غير أنه بالذات هناك، على مقربة من اللاذقية ستقع قريبا معركة حرجة لجهود النظام للبقاء. ففي الشهرين الأخيرين حقق الثوار نجاحات عديدة في شمالي سوريا وواصلوا التقدم العنيد غربا: من حلب إلى إدلب، من هناك إلى جسر الشغور ولاحقا إلى سلسلة جبال النبي يونس التي يمكن منها القصف الناجع للاذقية التي في قلب المنطقة العلوية.
هناك، كما يبدو، سيركز الثوار جهودهم في الفترة القريبة القادمة وبناء على ذلك سيسرعون تعزيز القوات في المنطقة من أجل السيطرة على مزيد من المناطق. ويضع الضغط المزدوج، في المنطقة العلوية وفي دمشق، لأول مرة منذ زمن بعيد تهديدا على استقرار نظام الأسد، الذي بدا قبل ذلك وكأنه يتكيف مع مصاعب المعركة وينجح في صد هجمات الخصوم.
قسم كبير من اهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية لا يزال يتركز على معركة أخرى، في جبال القلمون. هناك، يحاول الجيش السوري وحزب الله إعادة تثبيت السيطرة في الممر الذي تضخ عبره وسائل القتال وقوات التعزيز بين سوريا ولبنان. لقد أعلن حزب الله بصوت عال عن انجازات في المعركة، ولكنه عمليا استولى أساسا على مناطق مفتوحة اختار الثوار السنة الانسحاب منها. بل إن رجاله أجروا في الأسبوع الماضي جولة للصحفيين الغربيين في المواقع التي تم الاستيلاء عليها، ولكنهم لم ينجحوا في إقناع ضيوفهم بانهم حققوا هناك انجازات حقيقية.
كقاعدة، فان النجاحات العسكرية للنظام في الأشهر الاخيرة طفيفة للغاية. ففي يناير/كانون الثاني من هذا العام، أعلن الأسد، بتشجيع إيراني عن هجوم يستهدف استعادة سيطرته على طول أجزاء من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. ولم تعطي الخطوة شيئا. وأظهرت قوات الجيش السوري دافعية متدنية وقوات حزب الله التي عملت إلى جانبها لم تتمكن من دحر الثوار من المناطق التي تحت سيطرتهم قبل أن يتم استدعاؤم الى مدينة حلب، حيث احتاجهم الأسد.
في الأسابيع الأخيرة بالذات دارت معارك في الجولان السوري، ولكن هذا كان قتالا بين الثوار وبين أنفسهم. ميليشيتان سوريتان هما جبهة النصرة والجيش السوري الحر الأكثر اعتدالا، أعلنتا حربا على فصيلين محليين أعلنا الولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية» ويسيطران على قريتين، واحدة في جنوب الجولان وأخرى قرب القنيطرة. في المكانين دارت اشتباكات شديدة، في نهايتها استسلم مقاتلو الفصيلين على ما يبدو.