قصة رجلين كان بإمكانهما إنقاذ الرمادي

الأحد 24 مايو 2015 10:05 ص

خلال الأيام القليلة الماضية؛ حقق تنظيم «الدولة الإسلامية» أكبر انتصار له منذ سقوط الموصل العام الماضي. في يوم 15 مايو/أيار، استخدمت الجماعة الجهادية الانتحاريين لاختراق المجمع الحكومي في مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار المترامية الأطراف في العراق. ومنذ ذلك الحين، أحكم التنظيم قبضته على المدينة، حيث رفع علمه الأسود فوق المجمّع، وأعدم المقاتلين القبليين الذين يعارضونه، وحاصر مركزًا للعمليات العسكرية في غرب الرمادي.

تقدِّم لنا قصة رجلين من الأنبار لمحة عن سبب فشل الجهود المبذولة لوقف تقدم «الدولة الإسلامية» في هذه المدينة حتى الآن، ورد فعل القادة المحليين من السُنة تجاه تدفق الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي من المرجح أن تأتي بعد سقوط الرمادي. أحد هذين الرجلين هو زعيم قبيلة سُنية كانت في قلب المقاومة ضد «داعش». أما الرجل الآخر، فهو متمرد سابق حارب ضد القوات الأمريكية والحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، وكان متحالفًا مع تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل الانشقاق عنه منذ أربعة أشهر.

في فبراير/شباط الماضي؛ استضافني الشيخ «خميس الفهداوي»، زعيم عشيرة «البو فهد»، في منزله في عمّان. كان يرتدي جلبابًا أبيض مزركشًا بخطوط ذهبية، وكان مساعدوه يجيبون على المكالمات الهاتفية ويقدمون البلح والشوكولاتة أثناء حديثنا. أوضح الشيخ أنّ قبيلته، يصل عددها إلى ما يقرب من 160 ألف شخص، وكانت تقاتل ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرمادي، على امتداد ما يقرب من 20 ميلًا في شرق المدينة، حتى القاعدة العسكرية في الحبانية.

أثناء حديثنا؛ نجح مقاتلو قبيلة البو فهد في إبقاء تنظيم «الدولة الإسلامية» بعيدًا بما يقرب من 13 ميلًا مربعًا عن منطقة تصفها قبيلة بالمنزل، وتعرضت لأقل من 100 إصابة. واليوم؛ تعرضت العديد من هذه القبائل لخسارة تُقدّر بنحو 500 شخص قُتلوا في الرمادي أثناء استيلاء «داعش» على المدينة.

وقال «الفهداوي»: «عندما دخلت داعش الأنبار، كانت قبيلة البو فهد من بين أول القبائل التي حاربتهم». وفي عامي 2006 و2007، عندما كان يسيطر تنظيم القاعدة في ذلك الوقت على الأنبار، قالوا: «إننا هنا لمحاربة المحتلين الأمريكان»، ولكن بعد ذلك بدأوا بقتل العراقيين.

في منتصف الألفية الثالثة؛ تلقت قبيلة البو فهد دعمًا عسكريًّا كبيرًا من الولايات المتحدة كجزء من «صحوة الأنبار»، التي اتحدت فيها القوات الأمريكية والعشائر السُنية لإخراج تنظيم القاعدة في العراق من المنطقة الغربية. تشغل الرمادي حيزًا كبيرًا في ذاكرة الولايات المتحدة؛ إذ خاضت القوات الأمريكية وحلفاؤها المحليون معركة ضارية من أجل السيطرة على المدينة؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 أمريكي، ولكن في النهاية نجحت في تقليل الهجمات في واحدة من الأماكن الأكثر عنفًا في البلاد إلى ما يقرب من الصفر.

ومع ذلك، في هذه المرة، لم تقدم الولايات المتحدة ولا الحكومة العراقية دعمًا مماثلاً لمقاتلي قبيلة «الفهداوي». وعلى الرغم من وعد بغداد بتمكين عشائر الأنبار، إلّا أنّ توريد الأسلحة لايزال ضعيفًا. وفي الزيارة الأخيرة لمراسل صحيفة «فورين بوليسي» إلى معسكر تدريبي خارج الفلوجة، وجد بعض المجندين يتدربون بأسلحة قديمة.

وقال «الفهداوي»: «يبدو أن الحكومة الاتحادية تخاف أن تعطينا أسلحة. إنّهم يزعمون دائمًا أن عشائر الأنبار ستبيع الأسلحة إلى داعش، ولكن هذا مستحيل؛ فهذه القبائل تقاتل الآن، وتحتاج إلى كل الأسلحة».

لكنّ التعزيزات في طريقها، أخيرًا، إلى «الفهداوي» في شكل الميليشيات الشيعية الذين لعبوا دورًا رئيسًا في جهود الحكومة لانسحاب تنظيم «الدولة الإسلامية» من مناطق أخرى في البلاد. ووفقًا لمجلس محافظة الأنبار، وهو هيئة إدارية محلية، فإنّ 3 آلاف من المتطوعين الشيعة قد وصلوا بالفعل إلى الأنبار، في حين أنّ قادة الميليشيات يستعدون لإرسال عدد أكبر من القوات.

صوّت مجلس محافظة الأنبار من أجل عملية انتشار الجنود، في يوم 17 مايو/أيار؛ ولكن استخدام الميليشيات المدعومة من إيران في المحافظة التي تقطنها غالبية سُنية يبقى أمرًا مثيرًا للجدل. كان «الفهداوي» يميل إلى قبول المساعدة من الميليشيات، ولكن لا يزال ينظر إليهم على أنهم سلاح ذو حدين.

وأوضح «الفهداوي»: «إنّنا نخشى من أنّ هذه الجماعات سوف تجلب أشياء سيئة لشعبنا، وسوف تقتلنا. لكن، ضع نفسك مكان هؤلاء الناس الذين يقاتلون داعش لأكثر من سنة حتى الآن، لم يحصلوا على أي شيء في المقابل. ربما يشعرون أنهم يغرقون، ولذلك فهم بحاجة إلى الدعم».

وعلى الرغم من أنّ رجال «الفهداوي» يعارضون تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ البداية، لكنّ زعماء القبائل السُنية يعترفون بأن هناك زعماء آخرين انضموا منذ البداية إلى هذا التنظيم كحليف في نضالهم ضد رئيس الوزراء «نوري المالكي»، وانشقوا عنهم عندما بدأ الجهاديون تضييق الخناق على الجماعات الأخرى المضادة للحكومية في المحافظة.

كان «أبو قاسم»، وهو ضابط عسكري سابق في الأربعين من عمره، ذو لحية رمادية، واحدًا من هؤلاء الرجال. كمواطن في مدينة الكرمة، وهي مدينة تقع بالقرب من الفلوجة، رأى الظلم طوال حياته. وتحدث بمرارة عن كيف كان يتم الاحتفال بأتباع «صدام حسين» على أنهم أبطال وطنيون بعد نهب الثروة النفطية الهائلة في البلاد، وكيف كان الزعماء العراقيون الشيعة الذين جاءوا بعد سقوط نظام «صدام» عاقدين العزم على تسليم البلاد إلى إيران وإخضاع السُّنة.

يرى «أبو قاسم» نفسه كجندي في الثورة السُنية ضد ما يسميه «الصفويين»، وهو مصطلح تحقيري للقادة الشيعة في العراق يساويهم بالإمبراطورية الإيرانية القديمة. وقال لي: «أردت أن أكون روبن هود».

أيًّا كانت المفاهيم الرومانسية عند «أبي قاسم»، لكنّ أفعاله مهّدت الطريق لاستيلاء الجهاديين على مدينته. فقد انضم إلى التمرد ضد الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من غزو العراق، وقاد مجموعة مكونة من 150 مقاتلًا ضد القوات الأمريكية خلال معركة الفلوجة الأولى في ربيع عام 2004. وفي ذلك الوقت؛ قال بفخر: إنّ جماعته أكبر من جماعة التوحيد والجهاد، وهي جماعة جهادية بقيادة «أبو مصعب الزرقاوي»، التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في العراق، ومن ثم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن نفوذه لم يستمر طويلًا؛ ففي البداية حاولت جماعته التعايش مع قوات «الزرقاوي»، وتشكيل جبهة مشتركة ضد الولايات المتحدة، ولكن بعد ذلك طردتها المنظمة الجهادية التي بدأت بقتل أو احتواء غيرها من الجماعات المتمردة.

وقال «أبو قاسم»: «كان للزرقاوي أجندته الخاصة، فهو استخدمنا لأننا كنا سذّجًا. لقد وقعنا في الفخ».

في ربيع عام 2014، كرّر التاريخ نفسه. في ظل تحرك حكومة المالكي وزعماء الأنبار من السُنة نحو المواجهة؛ بدأ أبو قاسم مرة أخرى بتسليح نفسه من أجل «الثورة» القادمة، من خلال الوصول إلى ضباط الجيش العراقي التي دربتهم الولايات المتحدة وكانوا من المفترض أن يحاربوه.

وأوضح «أبو قاسم»: «كان لدينا اتفاق مع الضباط العراقيين لشن هجومًا وهميًّا ضدهم. لذلك؛ أطلقنا الرصاص في الهواء. ثم يُقدّم الضباط تقريرًا إلى قائدهم يذكرون فيه أنه بسبب هذه المعركة، خسروا الأسلحة. ولكن في الحقيقة؛ هم باعوا الأسلحة لنا».

شملت هذه الأسلحة بندقية كلاشينكوف طراز AK-47 بسعر 250 دولارًا، وخمسة رشاشات آر بي جي بسعر 100 دولار، وزي عسكري بسعر 30 دولارًا لأبي قاسم ورجاله. لقد كان سوقًا مفتوحًا للأسلحة على حساب دافع الضرائب الأمريكي، في صحراء غرب العراق.

ومرة أخرى، قدّم الجهاديون أنفسهم كحلفاء في معركة ضد عدو مشترك في بغداد. في 9 يناير/كانون الثاني 2014، قال «أبو قاسم»: إنّ تنظيم الدولة الإسلامية دخل إلى الفلوجة للمرة الأولى. ووعدوا بالعمل جنبًا إلى جنب مع المقاتلين المحليين السُنة مثل رجال «أبي قاسم»، وتجنبوا النهج العنيف الذي أدى إلى توتر العلاقات في عامي 2006 و2007. ووافق المتمردون السُّنة، الذين يتوقون إلى مقاتلين جُدد للاستيلاء على الأراضي من قوات الأمن العراقية الشيعية.

ويرى «أبو قاسم» أنّ التحالف بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والقوى القبلية؛ استمر لمدة شهر، قبل أن تبدأ الجماعة الجهادية باستخدام مواردها المتقدمة لهزيمة منافسيها. وروى «أبو قاسم» كيف أعطى 200 دولار للموظفين في مستشفى الفلوجة، في محاولة لكسب ولائهم. وقال: «بعد ذلك؛ جاء شخص من داعش وأعطى كل موظف ألف دولار. وبدأ الجميع يهللون: الله أكبر».

بعد سقوط الموصل في شهر يونيو/حزيران، لم يعد تنظيم «الدولة الإسلامية» يطلب من الجماعات الصغيرة الانضمام إلى صفوفه، بل يأمرهم بذلك. وأضاف «أبو قاسم»: «لقد استعرضوا مقاتلي العشائر السُنية في الشوارع، وأخذوهم إلى مدرسة كبيرة، وأوقفوهم في صفين، ثم طلبوا منهم سحق رؤوسهم في الحائط. ولن يُطلق سراح أي شخص حتى يروا الدماء تسيل على رأسه».

كانت هذه هي طريقة تنظيم «الدولة الإسلامية» لتعزيز عدم جدوى المقاومة: محاربتهم كان مثل ضرب أحدنا لرأسه في الجدار. هرب «أبو قاسم» إلى عمّان، حيث ينتظر المجتمع الدولي لتزويده بالأسلحة والأموال التي ستسمح له بمحاربة «داعش»، ويرثي أخطاء ثورته الفاشلة.

وقال «أبو قاسم»: «قد كانت مقاومة نبيلة، لكنها كانت سخيفة أيضًا».

رجالٌ مثل «أبي قاسم» سوف يشير إليهم بعض المسؤولين العراقيين الآن باعتبارهم السبب في عدم تسليح المقاتلين السُنة. لقد قاتل «الفهداوي» ضد تنظيم القاعدة في العراق وضد تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ البداية. كما وقف «أبو قاسم» ضد الحكومة العراقية مرتين، ومع المزيد من الأسلحة؛ يخشى مسؤولون في الحكومة، أنّه ربما يفعل ذلك مرة أخرى.

وعلى الرغم من المسارات المختلفة منذ الغزو الأمريكي عام 2003؛ إلّا إنّ هناك أشياء مشتركة تجمع بين «أبي قاسم» و«الفهداوي»؛ فكلاهما يكره بشدة الحكومة العراقية، ويتهماها بتهميش السُنة وتجاهل مطالبهم السياسية المشروعة. ويفضلان أن يدافع السكّان المحليين عن مدينتهم، بدلًا من الاعتماد على الميليشيات الشيعية الذين يخشون من أنهم لن يجلبوا معهم سوى الموت والدمار.

في ظل معارضة العديد من السُنة لتنظيم «الدولة الإسلامية» والنخبة السياسية الشيعية في نضال بغداد لتسوية الخلافات؛ تتقدم «داعش» إلى الأمام عبر مدينة الأنبار. وبالنسبة «للفهداوي» و«أبي قاسم»؛ لم تعد بغداد أو الميليشيات التي ينتظران منهم المساعدة، ولكنهما بحاجة إلى المساعدة من الولايات المتحدة.

روى «الفهداوي» حكاية للرئيس السابق «جورج دبليو بوش» عندما التقى به في البيت الأبيض: دخل اثنان من الجنود في مواجهة، وأصاب أحدهما الآخر بجروح مميتة. الجندي المنتصر، اعتقد أنّ قتل خصم جريح ضد رمز الشرف؛ ولذلك غادر ميدان المعركة، ولكن الجندي المصاب نادى عليه، وطلب منه إنهاء معاناته إما من خلال الموت أو العلاج الطبي.

واختتم «الفهداوي» قائلًا: «العراق والولايات المتحدة هما هذان الجنديان، والعراق تنزف الآن؛ لذلك فمن واجبك الأخلاقي إما قتل العراق، أو علاجها».

 

  كلمات مفتاحية

الرمادي الأنبار الدولة الإسلامية تنظيم القاعدة

بعد سقوط الرمادي: كيف يمكن تجنب حدوث تفكك آخر في العراق؟

خبراء أمريكيون: سقوط الرمادي انتكاسة تنسف استراتيجية أوباما ضد «الدولة الإسلامية»

«أسوشيتد برس»: الرمادي ”نكسة جديدة“ تعيد إلى الأذهان ”سقوط الموصل“

«البنتاغون» يعد بمساعدة القوات العراقية في استرجاع الرمادي من تنظيم «الدولة الإسلامية»

«الدولة الإسلامية» يحكم قبضته علي الرمادي ويسيطر علي مقر قيادة عمليات الأنبار