معان الأردنية.. مدينة تُدفع نحو الإرهاب!

الثلاثاء 9 يونيو 2015 06:06 ص

للإعلام جرائمه، ومن بينها اختزال بعض المدن بكلمة واحدة، وعلى ما يبدو فإن مدينة معان الاردنية تحوّلت الى ضحية من ضحايا الاعلام المحلي والعربي والغربي. 

وبعدما كان ينظر الى معان باعتبارها منبعا لـ«التمرد»، بمعناه الايجابي، أصبحت المدينة الأردنية منبعاً للتطرف الجهادي الذي يهدد المنطقة برمتها. 

المدينة الواقعة في جنوب الأردن، كانت منطلقاً للشرارة التي اشعلت «هبة نيسان» في العام 1989، والتي سرعان ما امتدت الى باقي المحافظات، لتعيد الحياة الديموقراطية الى المملكة الهاشمية بعد 30 عاماً من الأحكام العرفية.

معان نفسها كانت سبباً في إقالة ثلاثة رجال أمنيين رفيعي المستوى، في 17 مايو/أيار الماضي، ومن بينهم وزير الداخلية «حسين المجالي» - الجنرال الذي تمكن من إخماد آثار «الربيع العربي» في الأردن - وذلك على خلفية تقصيرهم في معالجة ملف ثلاثة مطلوبين من أبناء المدينة.

وجاءت هذه الإقالات إثر أحداث عنف جديدة شهدتها معان، بعدما اشتكى أهلها من استخدام «قوة مفرطة» من قبل رجال الأمن في تعاملهم مع مطلوبين أمنيين.

التطورات الأخيرة في معان يمكن إضافتها إلى إرث عمره 27 عاماً، وهي تعزز التساؤلات بشأن واقع المدينة، التي يصفها البعض بأنها الأكثر إشكالاً، مقارنة بباقي مدن المملكة الأردنية ومحافظاتها.

تطرف معان كذبة!

يرى الكاتب والباحث الأنثروبولوجي «أحمد أبو خليل» أن «مدينة عمّان كذبت كذبتها عن معان وصدقتها».

ويشرح «أبو خليل» فكرته، التي توصل إليها بعد إقامته لمدة أسبوع في معان بهدف البحث في قضاياها التنموية، قائلا «أقصد بذلك الانطباع المكتظ بمفردات الفوضى والإرهاب والتمرد وفقدان الأمن... وداعش» من دون أن ينفي الطابع المحافظ للمدينة الواقعة عند الحدود مع السعودية.

وتؤكد دراسات تناولت واقع الجماعات الاسلامية المتطرفة في محافظات الأردن أن معان تعتبر من المحافظات المتشددة، لكن ثمة فرقاً حقيقياً بين أن تختار أي مدينة بمكوناتها طريق التطرف، وبين أن تُقاد إليه بسبب ظروفها التنموية والاقتصادية.

لا ينكر أحد خصوصية معان، والتي تعود بشكل خاص إلى قربها من المملكة العربية السعودية.

ويقول الباحث المتخصص في الجماعات الاسلامية «مروان شحادة» إن «عائلات معان تقسم إلى قسمين: حجازية (نسبة إلى الحجاز) وشامية»، مشيرا إلى أن «الأجواء الاجتماعية للمدينة قريبة جداً من السعودية».

ويبدو أن طابع التدين الوهابي في معان قد أزال الكثير من الحواجز بين أهلها وتيار السلفية الجهادية، ولكن صورة المدينة لا تكتمل إلا بالحديث عن تقاليد المعّاني التي تجعله «ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً».

وانطلاقاً من فكرة التماسك الاجتماعي، يقوم السلفي الجهادي بحماية المعاني المجرم، والعكس صحيح.

كذلك، لعب غياب التنمية دوراً محورياً، ففي بنود أي تقرير أو أي بحث عن التطرف والمدن الأردنية، يبدأ القارئ أو الباحث في كلمة «التنمية» وينتهي عندها. 

ويبدو واضحاً أن ابن معان، الذي يعاني من الفقر والبطالة، إن رأى بصيص نور في نهاية النفق المظلم فسيسعى إليه. 

ومع ذلك، فإن المعّاني لا ينخرط بصورة كبيرة في الاحزاب السياسية، اذ لا انتماءات سياسية تغلب على الانتماء لابن المدينة والعشيرة.

السلفية الجهادية.. و«الدولة الإسلامية»

لكن، لوضع مسألة التطرف في نصابها، لا يمكن إغفال على سبيل المثال «كتيبة شهداء معان» التي أعلنها «الدولة الإسلامية» قبل أكثر من عام، كما لا يمكن تجاهل الدراسات والأبحاث التي تؤكد تواجد السلفية الجهادية في معان. 

في هذا السياق، يقول رئيس ملتقى معان الثقافي «هارون الخطاب» إن «هناك فارقاً بين المتعاطف مع الدولة الإسلامية والمنتمي اليه»، مقرّاً في الوقت ذاته بأن هناك «معانيين متعاطفين مع التنظيم ويعلنون ذلك صراحة». 

كذلك، لا ينفي رئيس فرع نقابة المهندسين في معان المهندس «ياسر كريشان» وجود تطرف في المدينة، لكنه يشدد على أن «هذا التشدد لا يعم المدينة كلها»

ويذهب «كريشان» أبعد من ذلك، إذ يرى أن التطرف الموجود هو بقيادة الأجهزة الأمنية، التي تستغله في أحيان كثيرة لافتعال حدث، أو للتغطية على أحداث معينة. وهو يعتقد أن الحكومة الأردنية مهدت التربة الخصبة للتطرف في المدينة من خلال «غياب التنمية الاقتصادية» وهي في ذات الوقت تمسك بمفاتيح اللعبة من خلال علاقتها مع بعض أعضاء التيار السلفي.

ولكن ما جدوى الامساك بخيوط لعبة خطرة كهذه؟

يجيب «كريشان» بأن الأردن يعتمد على المساعدات الخارجية، وأن الحديث بشكل كبير عن وجود «الدولة الإسلامية» في معان يشرع الابواب للدعم المادي الذي تتلقاه المملكة الاردنية من السعودية ودول الخليج للتصدي لخطر التطرف الذي بات يهدد الجميع.

العز الغائب

يُجمع المحللون والباحثون على أن المشكلة الحقيقية التي تواجه مدينة معان هي مشكلة تنموية بالدرجة الأولى، فهي تعد أحد أكثر مدن المملكة تهميشا، ويقابل ذلك إحساس بمكانة المدينة على مدى مئات السنين، بل ودورها في العصر الحديث، الذي تبعه إهمال من الدولة الأردنية. 

وفي هذا الإطار، يقول «أبو خليل» أنه «بعد الفيضان الذي اجتاح معان عام 1966، والذي قتل العشرات من أبنائها ودمر قسماً من بيوتها، تم نسيان المدينة، فلم تعد تذكر في الصحف إلا مرات معدودة حتى قيام هبة نيسان في العام 1998، إذ حضرت فجأة وبقوة باعتبارها المدينة التي قالت ما يخشى الآخرون قوله».

وبرغم إشارة «أبو خليل» إلى أن معان عاشت خلال عقد التسعينات أفضل صورة لها في الذهنية الأردنية العامة، أي صورة المدينة الشجاعة، حتى أن الأردنيين صاروا عند كل حدث ينتظرون ماذا ستقول معان، إلا أن ذلك لم يغير من سلوك السلطة الاردنية تجاهها، فصرخة المدينة وقتها استدعت الحديث عن الحلول التنموية، ولكن طوال السنوات المنصرمة لم يأكل أهلها إلا الكلام المعسول.

في هذا السياق، يقول «أبو خليل» إن أقبح أشكال التنمية مورست في معان، فمنذ العام 1989، تم انفاق مئات الملايين لهذا الغرض، من دون تحقيق اي نتائج، لأن هذه الأموال ضلت طريق المدينة أصلاً. 

ببساطة هي مدينة تقع أسيرة الماضي بسبب عدم الرغبة الحقيقية لدى الحكومات في تنميتها. إضافة إلى ما سبق يقول الناشط في مجال حقوق الانسان «أكرم كريشان» إن رئيس الوزراء ومنذ توليه المنصب قبل أربع سنوات لم يقم بزيارة معان ولو لمرة واحدة.

ممنوعون من الكلام والطلب، وممنوعون من الاعتراض، وممنوعون من البحث عن بدائل بسبب غياب التنمية، كل هذه الممنوعات تدفع «أكرم كريشان» إلى القول: «نحن لا نهوى المناكفات ولا نحبها .. لكن هذه الطريقة الوحيدة لنقول ما لدينا»!

شخصيات معانية

في هذه الظروف التي تحوّلت خلالها صورة معان من المدينة الأردنية العريقة، التي يرى أبناؤها أنها عاصمة الأردن الأولى، إلى منبع المشاكل على اختلافها (تمرد أو تطرف)، ثمة حاجة إلى استعادة شكل المدينة الحقيقي من خلال تقديم عينة من أبنائها على مر تاريخ الأردن الحديث. 

أول هؤلاء، ولعله أكثر الشخصيات تأثيرا في ذهن الأردنيين وليس أهل معان وحسب، هو عودة أبو تايه الذي انضم الى الثورة العربية الكبرى انطلاقا من انشغاله بالهم القومي. 

وتولى «أبو تايه»، الذي ولد في العام 1870، زعامة قبيلته وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، وكان يناصب الدولة العثمانية العداء منذ الصغر، لكن عندما جاءت الثورة العربية الكبرى بقيادة الهاشميين كان من أوائل المنتسبين إليها، إذ وجد الفرصة مواتية وتصرف بعقيدته التي كانت تعتبر أن الدولة العثمانية كانت فاسدة الإدارة وظالمة للشعوب العربية وساعية لتجهيلها. 

ولم يقف «أبو تايه» ضد الدولة العثمانية وحسب بل نظم مع زعماء بلاد الشام، مع «سلطان باشا الأطرش» ومع «إبراهيم هنانو»، و«محمد الشريقي»، و«سعيد باشا خير»، تظاهرات ضد المخططات البريطانية - الفرنسية في المنطقة.

واختصر وزير الدفاع السوري الدكتور «مصطفى طلاس» أبو تايه بعبارة صغيرة «عودة أبو تايه قبيلة في رجل»، في حين اختصره المؤرخ «محمود عبيدات» بأنه كان بياناً تحريضياً للأمة وللأردن.

وأنجبت معان أيضا «يوسف العظم» الذي يعد واحداً من أبرز أعلام الفكر الإسلامي، ومربياً جمع في شخصيته، أبعاداً متنوعة وعميقة، أسهم في البناء السياسي والفكري والتربوي الأدبي في الأردن.

وولد «العظم» في عام 1931، وعانى من الفقر خلال طفولته وشبابه، حيث كان والده رجلاً فقيراً يعمل في شركة نفط العراق، لكنه مع ذلك أرسل ابنه إلى الكتّاب في المدينة، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب، وحفظ سوراً من القرآن الكريم. وتمكن العظم من التدرج عبر اجتهاده إلى أن أسندت اليه حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية في العام 1990.

أما «بهجت التلهوني» الذي ولد في 1913 فقد كان رئيسا للديوان الملكي في العام 1953 وحتى العام 1960، وهو إحدى شخصيات الرعيل الأول التي ساهمت في مسيرة الحياة السياسية مدة لا تقل عن ثلاثين عاماً. وكان له دور بارز في مجمل الأحداث الهامة في تاريخ الاردن المعاصر أو تلك التي تركت بصمات واضحة في شتى ميادين العمل السياسي الأردني ولقد عرف بمواقفه الوطنية والقومية الثابتة.

وبرغم الظروف التي مر بها ورغبة المحيطين به لم يتجه إلى التجارة، ودرس الحقوق في جامعة دمشق – كما كان يحلم – وتدرج في سلك الوظيفة فشغل مناصب قضائية ومناصب في صناعة القرار بعد ذلك.

 

  كلمات مفتاحية

الأردن معان غياب التنمية التأثير الوهابي شبح «داعش» الإرهاب

معان.. خاصرة جنوبية تقلق الساسة في العاصمة الأردنية

«هآرتس»: خيارات أمريكية معقدة .. «الدولة الإسلامية» على مشارف بغداد والأردن

«الدولة الإسلامية» تؤسس قاعدة في جنوب الأردن

العاهل الأردني: نظام «الأسد» عزز وجود «الدولة الإسلامية»

السلفيون في الأردن يحولون ولاءهم نحو «الدولة الإسلامية»

ملك الأردن يؤكد على واجب بلاده في دعم العشائر شرقي سوريا وغربي العراق

صحيفة: الأردن يحبط مخططا إرهابيا إيرانيا هو الأكبر منذ 10 سنوات