رويترز: هكذا شدد السيسي قبضته على حكم مصر

الخميس 1 أغسطس 2019 06:05 م

سلط تقرير مطول، أوردته رويترز، الضوء على تفاصيل ما جرى خلف الأبواب المغلقة، في عملية التعديلات الدستورية في مصر، فيما يتعلق بالتخطيط والشخصيات الفاعلة في العملية ومدي فاعلية الأطراف المعنية بالأساس بتمريرها.

وذكرت الوكالة في تقريرها الذي جاء تحت عنوان" هكذا شدد السيسي قبضته على الحكم في مصر"، أن التعديلات الدستورية المقترحة لم تكن نابعة من إرادة مجلس النواب كما أعلن رئيس المجلس "علي عبدالعال" خلال ربيع هذا العام.

وخلال أبريل/نيسان الماضي وقف "عبدالعال" في البرلمان وأكد أن التعديلات الدستورية المقترحة التي تمد فترة رئاسة "السيسي" وتوسيع نطاق صلاحياته على حساب القضاء والبرلمان "لا علاقة لها من قريب أو بعيد برئيس الجمهورية".  

ونقلت الوكالة عن خمسة أشخاص مطلعين على الأمر أن الواقع كان مغايرا تماما لما ذكره رئيس البرلمان المصري.

وقالت مصادر للوكالة إن ثلاثة من مستشاري "السيسي" المقربين أحدهم "محمود" أكبر أبنائه بدأوا التخطيط للتعديلات الدستورية، قبل ذلك بعدة أشهر في أعقاب انتخاب "السيسي" لفترة رئاسة ثانية وأخيرة في أبريل/ نيسان 2018. وكان أحد المصادر الثلاثة حاضرا أثناء بحث الأمر.

وأضافت المصادر أن "محمود السيسي" و"مدير المخابرات عباس كامل" و"محمد أبو شقه" المستشار القانوني لحملة "السيسي" الانتخابية تدارسوا خلال اجتماعات عقدت في شهري سبتمبر/ أيلول، وأكتوبر /تشرين الأول 2018 في مقر جهاز المخابرات العامة المصري في القاهرة الآراء بهدف إطالة فترة بقاء الرئيس في منصبه.

ووفق رويترز "ناقش الثلاثة المواد التي يجب إعادة صياغتها في الدستور وكيفية تحقيق ذلك وتوقيت كل خطوة".

ونقلت الوكالة عن مصدر  على صلة وثيقة بالمخابرات المصرية، أن "محمود" نجل "السيسي"- تخرج من الكلية الحربية ونادرا ما يظهر في المناسبات العامة- يشغل أحد المناصب الكبرى في جهاز المخابرات العامة.

وقال دبلوماسي غربي للوكالة إن "محمود" يتولى الأمن الوطني وهو أحد ثلاثة أبناء للرئيس من المعروف أنهم يشغلون مناصب رسمية.

وأشارت الوكالة إلى أن "عباس كامل" -الذي يطلق عليه وصف "ظل الرئيس" بسبب قربه الشديد من "السيسي" -أصبح مديرا لجهاز المخابرات العامة في يونيو حزيران 2018 بعد أن كان يعمل في السابق ضمن هيئة العاملين في الرئاسة.

وأضافت أن "محمد أبو شقه" -الذي كان يعمل رئيسا للنيابة -فقد قام بدور المتحدث باسم حملة "السيسي" الرئاسية في 2018 ومستشارها القانوني.

وذكرت ان الدستور المعدل-الذي ساعد الثلاثة في صياغته – يوسع صلاحيات الرئيس والجيش، كما يمنحه حق تعيين كبار القضاة والنائب العام واختيار ثلث نواب مجلس نيابي جديد هو مجلس الشيوخ.

وينص الدستور على أن مهمة القوات المسلحة هي "حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها" الأمر الذي يتيح للجيش إمكانية التدخل إذا لم يكن الاتجاه الذي تسير فيه مصر على هواه.

وزادت فترة الرئاسة إلى ست سنوات من أربع سنوات. وتنص فقرة خاصة على تمديد فترة الرئاسة الحالية لـ"السيسي" والتي بدأت في 2018 حتى عام 2024 والسماح له بخوض انتخابات الرئاسة لمرة ثالثة تجاوزا للدستور الذي ينص على قصر مدد الرئاسة على فترتين.

ومما عقد هذه التعديلات الأخيرة شرط قانوني يستلزم أن يكون أي تعديل لفترة الرئاسة مقترنا بمزيد من الحريات. وسعى التعديل المقترح للوفاء بهذا الشرط من خلال النص على ألا يقل عدد أعضاء المجلس من النساء عن 25 %.

وقال "تيموثي قلدس" الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط وهو مركز بحثي مناصر للديمقراطية إن الحكومة المصرية حاولت تسويق التعديلات على أنها "عملية عادية لترتيب أوضاع دستورية وتمديد حكمه باعتباره جزءا صغيرا من مجموعة إصلاحات للدستور".

وقال دبلوماسيون وشخصيات معارضة إن مستشاري "السيسي" حرصوا على اقتناص الموافقة على التعديلات قبل زيادات مقررة في أسعار الوقود في الصيف.

ويشعر المصريون بضغوط من ارتفاع ضرائب المبيعات وتقليص دعم الوقود وانخفاض قيمة العملة بعد تعويمها وكلها تدابير تمثل جزءا من برنامج للإصلاح الاقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي. وفي حين شهد الاقتصاد تحسنا تراجعت شعبية "السيسي". وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر خلال يوليو تموز الماضي أن واحدا من كل ثلاثة مصريين يعيش في فقر.

سرعة تحرك

عندما عرضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب التعديلات المقترحة على المجلس في فبراير/ شباط، قالت إن المقترحات تحظى بدعم 155 نائبا.

غير أن الوكالة نقلت عن مصدر مطلع على الإجراءات قوله إن هؤلاء النواب لم يشاركوا في صياغة التعديلات. كان هؤلاء النواب قد وقعوا فقط على وثيقة معدة سلفا.

وقال ثلاثة نواب إنه لم يتم الكشف عن أسماء النواب الموقعين لأعضاء المجلس فيما يمثل خروجا على الإجراءات المعتادة.

ولم ترد الحكومة على طلبات للتعليق على هذا الأمر.

وفي الأسابيع التي تلت ذلك أجرى مجلس النواب مشاورات حول التعديلات الدستورية المقترحة شارك فيها ممثلون للمجتمع المدني وبعض القيادات المعارضة. وقال "عبدالعال" إن الجلسات أتاحت حرية إبداء الآراء في التعديلات المزمعة.

واختلف معارضون مع هذه الرواية. وقال رئيس حزب الكرامة اليساري "محمد سامي" ”ما كانش في حوار حقيقي“.

ودعا أعضاء في سلك القضاء الذي ستتقلص صلاحياته إلى إعادة النظر في الأمر.

وكتب نادي قضاة مجلس الدولة الذي يمثل حوالي 3000 قاض رسالة إلى مجلس النواب يحذره فيها من أن "المقترح من شأنه المساس باستقلال القضاء بصفة عامة وتقليص دور مجلس الدولة" الذي يبت في النزاعات الإدارية ويراجع عقود الدولة.

وقال رئيس النادي "سمير البهي" في الرسالة التي اطلعت عليها رويترز "العدل أساس الحكم واستقلال القضاء هو أساس العدل وبغير العدل تضطرب الدولة".

ولم تستطع رويترز الاتصال بـ"البهي" للتعليق.

ووصف أحد القضاة الوضع بأنه أسوأ للنظام القضائي مما كان عليه في عهد الرئيس "جمال عبدالناصر" الذي حكم البلاد من 1954 إلى 1970.

وقال القاضي إن "عبدالناصر" كان يعزل القضاة ولا يضعهم تحت سيطرته الكاملة مثلما يحدث الآن.

ووصف بعض النواب الذي صوتوا بالاعتراض على التعديلات كيف تعرضوا لحملة تشويه وتخويف. وقال ناشطون يعيش بعضهم في الخارج إنهم تعرضوا هم وأسرهم لضغوط شديدة.

وقال النائب والمخرج السينمائي المعروف "خالد يوسف" إنه تعرض لهجمات على الإنترنت بدأت عندما "أعلنت أنها خطيئة سيدركها النظام. بعدها مباشرةً اتفتحت النار عليا".

وفي فبراير/شباط وبعد أن أبدى "يوسف" اعتراضه علنا على تعديل الدستور ظهر مقطع فيديو على الإنترنت قيل إنه يظهر فيه مع عدة نساء في مشاهد جنسية.

وكان مقطع الفيديو نفسه قد ظهر في عام 2016 بعد أن عارض "يوسف" قرار "السيسي" تسليم جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. وقال "يوسف" إن مقطع الفيديو مزيف.

وقال "يوسف" الموجود حاليا في باريس "كل فترة، كل لما أعارض قانون .. يبدأوا يشيرو (ينشروا) الفيديوهات دي".

اعتقالات وصمت

في أوائل أبريل/ نيسان وحتى قبل إقرار التعديلات المقترحة في مجلس الشعب امتلأت شوارع القاهرة باللافتات وشاشات العرض الرقمية التي تحث الناس على المشاركة في الاستفتاء الذي لم يكن قد تقرر بعد. بل إن بعض الإعلانات طالبت الناخبين بالموافقة على التعديلات.

قالت الحركة المدنية الديمقراطية المؤلفة من أحزاب معارضة إنه تم اعتقال أكثر من 120 من شخصيات المعارضة قبل الاستفتاء الذي أجري في الفترة من 20 إلى 22 أبريل/ نيسان. وكان من هؤلاء "أمير عيسى" أحد كبار أعضاء حزب الدستور وهو من الأحزاب الليبرالية.

وقال "معتز" شقيق "عيسى" وكذلك محامي الحزب لرويترز إن "عيسى" اعتقل خارج لجنة انتخابية في محافظة القليوبية شمالي القاهرة في ثاني أيام التصويت بعد أن أبلغ مسؤول اللجنة أنه شاهد أفرادا يقدمون رشا للناخبين. ولم تستطع رويترز الاتصال بالمسؤول.

وقال المحامي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن "عيسى" لا يزال محبوسا.

وأضاف أن النيابة أمرت بحبسه بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ارتكاب جرائم من شأنها تعكير السلم والأمن.

وقالت الوكالة إن الانتقادات في وسائل الإعلام المصرية تكاد تكون منعدمة.

ونقلت الوكالة عن عضو مجلس نقابة الصحفيين "محمد عبدالحفيظ" قوله إن رقباء حكوميين في المطابع مكلفين بالرقابة على الصحف قبل طبعها أوقفوا نشر مقالات معارضة للتعديلات.

وأضاف "عبدالحفيظ" "لم يسمح بنشر أي رأي مخالف للتعديلات الدستورية في الصحف المصرية منذ انطلاق قطار التعديلات".

وتم حجب موقع على الإنترنت مخصص لجمع التوقيعات اعتراضا على الاستفتاء بعد ساعات من إطلاقه في مارس آذار وفقا لما قالته جماعة نت بلوكس التي تراقب الإنترنت.

ولم يتضح من الذي يقف وراء هذه الخطوة. وكان الموقع قد جمع بالفعل 60 ألف توقيع.

وفي 24 أبريل/ نيسان أعلنت لجنة الانتخابات المصرية أن 89% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم أيدوا التعديلات وأن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 44 %. وأعلنت اللجنة أن الاستفتاء كان حرا ونزيها.

 

المصدر | الخليج الجديد+ رويترز

  كلمات مفتاحية

التعديلات الدستورية الاستفتاء على التعديلات الدستورية اللواء عباس كامل نظام استبدادي البرلمان المصري

التعديلات الدستورية.. حسابات سلطوية!

بعد إقرار التعديلات الدستورية.. مصر تتحرك نحو الشمولية

التعديلات الدستورية في مصر ومسلسل المهازل المفتوح

باطل سجن مصر.. حملة جديدة لإنقاذ 60 ألف معتقل

برلمانيون: السيسي لن يسمح بإجراء انتخابات محلية

لماذا تزايدت معدلات الفقر والتعاسة بمصر رغم ارتفاع النمو؟

ديكتاتور عسكري وقاهر الغلابة.. مغردون ينتقدون السيسي في كلمتين