النفوذ المرتقب: استراتيجية بريطانيا في الخليج

الثلاثاء 23 يونيو 2015 04:06 ص

لبريطانيا تاريخ فريد من العلاقات المؤثرة في منطقة الخليج، إذ كانت هذه المنطقة ومازالت محط اهتمام المملكة المتحدة، وقد وصف بعض المسؤولين في المملكة علاقاتها في الخليج بالأكثر ديمومة في العالم، إذ تحتفظ بتاريخ طويل من المشاركة والوجود الفعال فيها.

وفي الوقت الحاضر تعد البحرين من الدول الخليجية التي تتمتع بعلاقات قوية جديدة مع المملكة المتحدة، حيث ظلت محمية بريطانية حتى عام 1971، وهي بمثابة البوابة لنفوذ المملكة في الخليج. فمنذ انهيار الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس والسياسة الخارجية لها تعمل بجد من أجل مواكبة الظروف الدولية والحفاظ على ما تبقى لها من مناطق نفوذ، خصوصاً بعد حملة التصفية التي قادتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في القرن الماضي ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي، عن طريق استثمار الأحداث وعدم القيام بالأعمال مباشرة، بل عن طريق أذرعها، ومن هم لا يزالون على الولاء لها.

كل ذلك من أجل تحقيق الهدف، وهو بقاء المملكة المتحدة عاملاً مؤثراً في النظام الدولي، كونها منذ تأخرها عن مركز الدولة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد حملة التصفية ضدها لم تعد قادرة على صناعة الأحداث، وإنما أصبحت سياستها الخارجية تنحو منحى التقارب مع صانع الأحداث والمؤثر فيها وربط ذلك بسياستها، فالمملكة تمتلك شبكة علاقات وثيقة بدول المنطقة مما يجعلها تلعب دورا موثرا.  

وفي عام 2010، أعلن وزير خارجية المملكة المتحدة عزمه على إعادة تنشيط العلاقات الثنائية مع دول الخليج، التي اعتبرها أمثلة واضحة للدول التي تمتلك المملكة علاقات تاريخية معها، فالخليج هو جزء من جهود أوسع للحكومة لتعزيز العلاقات الثنائية الوثيقة بينها وبين الأسواق العالمية الناشئة، والتركيز على شراكات المملكة المتحدة التاريخية لتلعب دورا كبيرا ومؤثرا في السياسة الدولية.

وفي عام 2011 وضعت المملكة خطة عمل لإعادة إطلاق انخراطها مع دول الخليج، من خلال إعادة العلاقات الاستراتيجية مع جميع الدول الست (مجلس التعاون الخليج)، لتعزيز الأمن الإقليمي وتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، وقد نجحت في القيام بذلك مع خمس من دول (مجلس التعاون) فقط المملكة العربية السعودية لم توقع.

كما أطلقت المملكة المتحدة مبادرة الخليج عبر الإدارات في عام 2010، وهي بمثابة بيان نوايا وإطار شامل لتجديد الجهود في المملكة المتحدة نحو الخليج. كما اتجهت المملكة لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع دول الخليج من خلال زيادة عدد الزيارات الوزارية رفيعة المستوى من وإلى المنطقة، وإنشاء مجموعة عمل توفر فرصا مضمونة للحوار على المستوى الوزاري، فالمملكة عازمة على أن تصبح الشريك التجاري الاستراتيجي في منطقة الخليج. 

كما أن استراتيجية المملكة المتحدة إزاء الخليج منبثقة من الاستراتيجية الشاملة التي نشرتها وزارة الخارجية البريطانية في عام 2003، التي تعد أول استراتيجية شاملة تصف الأولويات الدولية للمملكة المتحدة خلال الأعوام العشرة المقبلة، ودور وزارة الخارجية في تحقيق هذه الأولويات، هكذا نجد أن الاستراتيجية المرتقبة تؤكد على الأهمية الحيوية للعمل مع القوى الغربية الاخرى، في إطار متعدد الأطراف لتحقيق اهدافها، لذا فإنها تضع تصورا للعمل عبر الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومجموعة الثماني، وان بناء شراكة قوية وعالمية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من الأمور ذات الأهمية البالغة لرخاء وأمن المملكة المتحدة، وبالتالي يمكن تحديد اهم اهداف استراتيجية بريطانيا في الخليج بما يأتي:

1ـ المصالح الاقتصادية: تتزايد مصالح المملكة المتحدة في منطقة الخليج، باعتبارها واحدة من أكثر المناطق ازدهارا في العالم، وتقع في قلب الشرق الأوسط، كما يوجد اكثر من 160 الف مواطن من المملكة المتحدة في الخليج، حيث حددت وزارة الخارجية للمملكة المتحدة ثلاثة اهداف استراتيجية من وراء الوجود في هذه المنطقة الحيوية وهي: الامن الاقتصادي للخليج، دعم الرعايا البريطانيين في الخارج، وتعزيز التعاون التجاري بين المملكة المتحدة ودول المنطقة، حيث يشكل الخليج سابع أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة، إذ توازي كلاً من الهند وروسيا والمكسيك مجتمعة، بالإضافة إلى ذلك فإن المنطقة هي موطن لـ27٪ من الثروة السيادية في العالم، وبالتالي فإن العامل الاقتصاد محفز كبير للمملكة المتحدة لوجودها في الخليج.

2 ـ أمن الخليج: كما هو معروف تشكل منطقة الخليج بؤرة لمعظم الصراعات الدولية، وبالتالي تنعكس هذه بدورها على أمن المنطقة، فتسعى المملكة المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في هذه المنطقة، في إطار إعادة رسم الاستراتيجية العسكرية لها بعد الخروج من أفغانستان، وإعادة توزيع قوات المملكة المتحدة في المناطق الاستراتيجية من العالم، حيث أتى الاتفاق البريطاني البحريني بإقامة قاعدة عسكرية للبحرية الملكية في المنامة، ويتمثل هذه الاتفاق بالسماح للبحرية الملكية بالعودة الى الخليج بقاعدة عسكرية ضخمة، وبميزانية تقارب 23 مليون دولار أمريكي ستدفع السلطات البحرينية 80 في المئة منه، حيث شكلت هذه القاعدة رسالة من المملكة المتحدة تصب في اتجاهات عدة، أبرزها إيران، خصوصاً أن هذه القاعدة البحرية ستجهّز بحاملة طائرات، مكنت المملكة بأن تكون جزءا مهما من المنظومة الامنية الغربية في المنطقة، ما يعني انها ستشكل ثقلا كبيرا في ميزان القوى في المنطقة الذي سيعطي بدوره المزيد من الثقل للمملكة في الخليج.

3 ـ الملف النووي الايراني: وفي ما يتعلق بالملف الإيراني، فإن نجاح الاتفاق الأولي معها يؤكد على نجاح قوة الدبلوماسية، وهو عامل استقرار لصالح دول الخليج، ويشكل خطوة تمهيدية نحو التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي، في المقابل، تؤكد المملكة المتحدة ألا تراجع عن التزاماتها تجاه حلفائها في المنطقة من ناحية توطيد مقوّمات الأمن والدفاع لدول الخليج، أو أمن خطوطها الملاحية الحيوية، وإن التواصل مع إيران بشأن برنامجها النووي لا يعني أنه يتيح لها أن تفعل ما تشاء في ما يتعلق بسائر القضايا الأخرى في المنطقة.

4 ـ أمن الطاقة: تعطي استراتيجية المملكة المتحدة أهمية كبيرة لأمن الطاقة في الخليج، على اعتبار أن أكبر مخزونات الطاقة من النفط والغاز هو في منطقة الخليج، والعديد من الشركات النفطية للمملكة المتحدة موجودة في منطقة الخليج، وبطبيعة الحال هناك الكثير من العوامل المهددة لأمن الطاقة في المنطقة، التي لا بد أن تنعكس سلباً على وجود شركات المملكة في الخليج، وبالتالي تعمد المملكة المتحدة إلى بناء شركات قوية مع العديد من دول الخليج من اجل تعزيز التعاون في القطاع النفطي وتعزيز الشركات الامنية من اجل فرض الاستقرار السياسي والامني في المنطقة.

5 ـ إعادة النفوذ: بطبيعة الحال كانت المملكة المتحدة من القوى العالمية التي تتمتع بنفوذ واسع ومستعمرات لا تغيب عنها الشمس وبنهاية الحرب العالمية الثانية ورثت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المكانة والنفوذ العالميين، وبعد التراجع النسبي للولايات المتحدة في العالم وإعادة تركيز اهتمامها نحو شرق آسيا لاحتواء القوى الصاعدة (الصين وروسيا) أخذت المملكة المتحدة تعيد حساباتها في المناطق التي وصفتها بالحيوية، حسب وثيقة الاستراتيجية الشاملة لها، فعمدت إلى ان تتخذ مكانة ودورا عالميين، من خلال الانغماس بشكل مكثف في القضايا العالمية وبالخصوص قضايا الخليج والشرق الاوسط، وبالتالي باتت المملكة المتحدة تتطلع نحو ماضيها المأثور ومكانتها المفقودة في العالم. 

ان منطقة الخليج تشكل اهمية جيوستراتيجية للمملكة المتحدة، نظراً لما تمتلكه من مخزون استراتيجي من الطاقة (النفط والغاز)، كما تعد هذه المنطقة ممرا حيويا يربط بين اوروبا واسيا وافريقيا، كما تمتلك ممرات مائية استراتيجية ومخزون طاقة كبيرا فتتزاحم القوى العالمية على هذه المنطقة لتجد لها موطئ قدم تستطيع من خلاله السيطرة على بعض مميزات هذه المنطقة، من أجل إشباع حاجات الداخلية ومنافسة القوى الاخرى على الزعامة والريادة العالمية.

فهي اليوم بمثابة ساحة هشة لتصفية الحسابات بين القوى العالمية المتنافسة، بسبب التناقضات الذي يشهدها النظام الدولي نتيجة التراجع النسبي للولايات المتحدة الامريكية في العالم، وظهور بعض القوى الصاعدة التي تحاول ان تنافس الولايات المتحدة على الهرمية الدولية، وبالتالي أصبحت منطقة الخليج تشكل منطقة نفوذ وتزاحم استراتيجي للقوى العالمية، الأمر الذي انعكس على أمن واستقرار هذه المنطقة.

٭ علي زياد كاتب عراقي

 

  كلمات مفتاحية

دول الخليج بريطانيا التراجع الأمريكي البحرين موارد الطاقة ممرات استراتيجية

القاعدة البحرية البريطانية في البحرين تواجه تحديا قانونيا بسبب أوضاع حقوق الإنسان

البحرين تلقت الإذن من السعودية قبل الموافقة على استضافة القاعدة البحرية البريطانية

الديلي تليغراف: ما جدوى القاعدة البحرية البريطانية في البحرين؟

القاعدة البريطانية في البحرين: عودة الاستعمار إلى «شرق السويس»!