خرافات سنة مرت.. الرئيس المصري حكما بين الطبقات؟!

الجمعة 26 يونيو 2015 09:06 ص

عام مضى على خطاب الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في حفل لطلاب الكلية الحربية الذي أعلن فيه تنازله عن نصف مرتبه ونصف ميراثه العائلي لمصلحة الاقتصاد المصري في سياق إعلانه رفض تمرير مشروع الموازنة العامة وقتها، المقدم من الحكومة، مطالبا بالمزيد من تخفيض العجز في الموازنة.

لم يكن «تبرع» الرئيس وقتها إلا تعبيرا عن خطابه الاجتماعي الذي رددته من خلفه حكومة «إبراهيم محلب»، وهو خطاب مفاده أنّ الشعب كله يد واحدة وسيدفع كله إذاً ثمن تخفيض عجز الموازنة.

خطاب عابر للطبقات من هذا القبيل، ينم عن الدعوة الصريحة «للوفاق الطبقي» بديلا عن التحليل الطبقي للنظام ولتوجهاته الاجتماعية، لاقى قبولا شعبيا يصعب إنكاره، خاصة أن الرجل دعم خطابه بإجراءات بدت للوهلة الاولى وكأنها تتضمن توزيعا لعبء التقشف على الجميع.

فقد أصدر«السيسي» في مطلع هذا العام المالي الحالي الذي ينتهي في الأول من تموز/ يوليو، حزمة تشريعية تتضمن إجراءات ضريبية في الأساس، على رأسها فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة، وتمرير قانون الضرائب العقارية، وضريبة استثنائية على مداخيل الأغنياء بواقع خمسة في المئة إضافية على الحد الأقصى للضريبة على الدخل. كما أقدم على إنفاذ إجراء جنى من ورائه تهليل قطاعات شعبية واسعة، وهو فرض حد أقصى لأجور العاملين في الدولة، وهو الإجراء الذي لطالما طالبت به قطاعات من الناس خلال ثورة 25 يناير.

بـونــابـرتيـــة؟

وقتها، ساهمت مثل تلك الإجراءات التي تستهدف الأغنياء كما يبدو، في تمرير آمن ويسير نسبيا لقرار تقليص الدعم على الطاقة الذي يمس الغالبية بما تضمنه إنفاذه من موجة تضخمية واسعة النطاق، إذ بدا الأمر كما لو أن الدولة قد اتخذت موقفا «محايدا» بين الطبقات.

هذا الحياد المزعوم أغرى من أغرى لاعتبار«السيسي» قابعا على رأس نظام بونابرتي يتسامى فوق الصراع الطبقي لمصلحة الدولة نفسها. ويشير اصطلاح «البونابرتية» إلى ظهور ما يمكن أن يطلق عليه «المخلص» على مسرح أحداث سياسية تتسم بصراع محتدِم بين الطبقات، ويحاول أن يفرض سيطرته على الجميع ساعيا لتوفير الاستقرار عبر مصادرة أدوات كل الطبقات في صراعها، من قبيل النقابات والجمعيات والأحزاب على نحو أو آخر.

الملاحظ أنه في هذا الصراع، لم يحاول «السيسي» على الإطلاق مصادرة أدوات المستثمرين، بل بالعكس فقد جرى تدعيم نفوذ جمعيات رجال الأعمال والاتحاد العام للمستثمرين والغرف التجارية عبر استشارتها في أدق تفاصيل القوانين الاقتصادية قبل صدورها، وذلك دون غيرها من الجهات التي يفترض أن تمثل الطبقة العاملة والمستهلكين، من قبيل النقابات وجمعيات حماية المستهلك.

ولا بد أن مجمل ما جرى فعليا خلال العام المالي المنقضي، قد أحبط المعولين على حياد «السيسي» على نحو أو آخر، إذ جرى التراجع فحسب عن تلك الإجراءات الموجهة للأغنياء، بينما تم الإبقاء على الإجراء المؤلم جدا للفقراء، تقليص دعم الطاقة، بل والتعهد بالاستمرار فيه إلى حين.

ففي منتصف آذار/مارس الماضي، وقبل أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي» في شرم الشيخ، وافقت المجموعة الاقتصادية في مجلس الوزراء على تخفيض وتوحيد الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25 في المئة إلى 22.5 في المئة، وإلغاء الضريبة الاستثنائية الإضافية، في مسعى منها لتشجيع الاستثمار.

ويعد هذا الاجراء الأكبر في دلالته، كون التخفيض في الضريبة على دخول الأغنياء هو الأول من نوعه منذ عشر سنوات، منذ أقدم وزير المالية، الهارب بعد الثورة،«يوسف بطرس غالي» على تخفيضه من 40 في المئة الى 20 في المئة. وبعد الثورة، أصبح إقرار الضرائب التصاعدية وبناء نظام ضريبي عادل جديد، مطلبا شعبيا للمرة الأولى، وهو ما اضطر وزير المالية وقتها إلى تبني الأمر، وبالفعل جرى فرض شريحة جديدة بواقع خمسة في المئة ليصل الحد الأقصى للضريبة الى 25 في المئة.

تفاوتات وتهرّب

أما الضريبة العقارية، فقد كان من المقدر أن تدر نحو 3.6 مليار جنيه، الا أن أحدث تقرير مالي شهري يشير إلى أن حصيلة الضريبة في عشرة أشهر من العام المالي لم تتجاوز 345 مليون جنيه فقط. وينص قانون الضرائب العقارية على عقد اتفاقات ثنائية بين وزير المالية من ناحية وعدد من الوزراء في حكومته، كل على حدة، بما يتعلق بمعايير تقييم المنشآت السياحية والصناعية وآبار البترول والمطارات تمهيدا لإخضاعها للضريبة.

لكن لم يعقد وزير المالية إلا اتفاقية واحدة حتى الآن، مع وزير التجارة والصناعة. وعلى الرغم من أن مصلحة الضرائب العقارية أحصت فعليا 24 ألف منشأة صناعية، إلا أن عدد الإخطارات بالضريبة التي أرسلتها للمصانع لم تتجاوز حتى وقت قريب 1200 تقريبا. ولا يمكن تفسير تأخير عقد الاتفاقات بين وزير المالية والوزراء المعنيين إلا بوصفه محاولات للإفلات من حصر الثروة العقارية نفسها، بغض النظر عن خضوعها من عدمه للضريبة.

أما الحد الأقصى للأجور، فَسَيْرُ الأمورِ فيه كان مثيرا للسخرية المريرة. إذ إن ما كان قد استدعى حنق الرأي العام أصلا على الأجور العالية جدا في الجهاز الحكومي، المتداعي،هو مرتبات القضاة ورؤساء الجهاز المصرفي والشركات المساهمة، وهي القطاعات نفسها التي جرى استبعادها من تطبيق الحد الأقصى للأجور بقرار قضائي. وبذلك أيضا يكون القضاة قد استبعدوا أنفسهم من تطبيق الحد الأقصى للأجور.

كانت النهاية الدرامية لكل تلك الإجراءات هي قرار مجلس الوزراء تأجيل العمل بقانون الضريبة على الأرباح الرأسمالية لمدة سنتين بعد معركة ظافرة لرئيس البورصة ووزير الاستثمار ومن خلفهما المستثمرين في سوق المال، في مواجهة وزير المالية.

وهي معركة تعيد الى الأذهان معركة ظافرة أخرى للبورصة في العام 2011، بعد شهور قليلة من الثورة، حين بلغت الضغوط مداها على وزير المالية وقتها وصولا الى إعلان رئيس البورصة وقتها بنفسه، مبشرا المستثمرين،عن إلغاء مشروع القانون الذي كان قد اعده الوزير قبل الإعلان الرسمي عن قرار الالغاء.

خلاصة القول إن خرافة وفاق الطبقات في ظل حكم «السيسي» وفي سياق الدعاية الوطنية عموما، ربما لن تجد صدى في العام المالي الذي يوشك أن يبدأ، والذي اعتمدت الحكومة مشروع موازنته بانتظار موافقة «السيسي» عليه، بعدما جرى استبعاد كل الإصلاحات من المشهد، وتبدت الحقيقة وحدها عارية هذه المرة: لا يمكن لحاكم سلطوي أن يدعي تساميه فوق الطبقات ما دام قد لجأ لإحداها طالبا منها تسيير الاقتصاد.

* بيسان كساب كاتبة صحافية من مصر، متخصصة بالاقتصاد

 

  كلمات مفتاحية

السيسي التفوت الطبقي تخفيض الدعم المؤتمر الاقتصادي

صحيفة مصرية ترصد 9 أسباب لـ«فشل» تنفيذ مشروعات المؤتمر الاقتصادي

عام على «السيسي»: أوضاع متدهورة ومعارضة متصاعدة

مغردو تويتر يحتفون بالعام الأول لـ«السيسي» عبر وسم «سنتك سودا»

اتهامات للحكومة المصرية باستغلال مشروعات حكومات سابقة في المؤتمر الاقتصادي

«السيسي» يستبق المؤتمر الاقتصادي بإعفاءات ضريبية للمستثمرين ويمنحهم حق تملك الأراضي

خليجيون تعليقا على تسريب مكتب «السيسي»: أعيدوا إلينا أموالنا