في المملكة العربية السعودية: المشكلات الحقيقية تأتي من الداخل

الأحد 5 يوليو 2015 09:07 ص

عندما تسمع إلى القادة السعوديين وهم يتحدثون، تجد التهديد الرئيسي لاستقرار المملكة هو جمهورية إيران الإسلامية. وفي ظل قلقها من تحسن علاقة واشنطن ببطء مع طهران، فقد بدأت الرياض في سياسة خارجية عسكرية وطائفية على نحو متزايد تهدف إلى مواجهة الأهداف الإيرانية المزعومة للهيمنة في الشرق الأوسط.

ولا يزال التوتر مع إيران مجرد عنصر واحد فقط من فسيفساء معقدة على نحو متزايد من التهديدات للمملكة العربية السعودية. وفي الواقع؛ فإن أخطر الأخطار التي تواجه المملكة تأتي من الداخل.

المملكة العربية السعودية هي الدولة الريعية الكلاسيكية. في مقابل الإذعان المطلق لـ29 مليون مواطن، توفر عائلة آل سعود الحاكمة الخدمات مثل السكن  والرعاية الصحية والتعليم ومجموعة متنوعة من الإعانات، والتي تأتي من ثروة نفطية كبيرة في البلاد. فجنبا إلى جنب مع التعصب ضد المعارضة، فقد خدمت السيطرة على هذه الموارد من الناحية التاريخية في الوقت الذي تعمل فيه الأسرة الحاكمة على التحوط ضد عدم الاستقرار من جميع الأشكال.

وفي عام 2011، على سبيل المثال، استجابت القيادة السعودية للثورات الربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة عن طريق حقن ما يقرب من 130 مليار دولار على شكل زيادات في الرواتب، وخلق فرص عمل في القطاع العام، ومنح إعانات الإسكان لتقليل احتمال اندلاع أي انتفاضة. وفي الوقت نفسه، تدهور سجلها في مجال حقوق الإنسان المروع في المملكة العربية السعودية. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، ارتفعت عمليات قطع الرؤوس والإعدام وانتعش التعذيب.

ومع ذلك؛ فإن هذا النموذج للدولة الريعية الاستبدادية غير قابل للاستمرار. وانخفضت عائدات النفط، وازدادت الاضطرابات المحلية غليانا، ويسعى المتطرفون لتحقيق أهداف أو اقتناصها سواء داخل المملكة أو خارجها. ولا تأتي جذور كل هذه المشاكل من إيران وإنما من داخل المملكة العربية السعودية نفسها.

المملكة في مأزق

لقد انعكس التراجع العالمي في أسعار النفط بالسلب على الاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري في المملكة العربية السعودية. وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية بنسبة 36 مليار دولار هذا الربيع، ويتوقع أن تنخفض ​​ثانية 300 مليار دولار خلال عامين. ومن المتوقع أن يصل عجز ميزانية 2015 في المملكة إلى 40 مليار دولار، ليكون الأول من نوعه منذ سبع سنوات. وفي الوقت الذي تشن فيه المملكة العربية السعودية حملة عسكرية مكلفة في اليمن، قام الملك «سلمان» مؤخرا بمنح العلاوات والرواتب لموظفي القطاع العام وعائلات العسكريين، ما تسبب في إنهاك واستنزاف خزينة المملكة العربية السعودية بوتيرة سريعة.

وتفاقم الحقائق الديموغرافية هذه الضغوط المالية. وعلى عكس العديد من الدول العربية التي تمتلك معدلات مواليد مستقرة أو ثابتة، فإن سكان المملكة العربية السعودية آخذ في الازدياد. أكثر من نصف سكان المملكة تحت سن 25 والثلثين تحت الـ29. ومع معدلات بطالة الشباب المرتفعة، وحوالي 25% من السعوديين يعيشون تحت خط الفقر، فإن المظالم الاقتصادية التي دفعت العرب في مصر وليبيا وتونس وسوريا للثورة قد تشعل المقاومة بأشكال مماثلة بين السعوديين، ما يشكل مصدر قلق كبير للعائلة المالكة.

النظام التعليمي في المملكة في حاجة ماسة للإصلاح. في حين أن العديد من الشباب السعوديين على دراية جيدة بالقرآن الكريم نتيجة لتعليمهم الديني، فإنهم غالبا ما يفتقرون إلى المهارات التي هي أكثر عملية وقابلة للتطبيق على الاقتصاد العالمي. رأس المال البشري من نساء البلد يعاني تخلفا كبيرا على وجه الخصوص. حوالي 60% من السعوديين المسجلين في التعليم العالي من النساء، ولكن معدل البطالة بين الإناث في البلاد يبلغ  32.5%.

واصل الملك الراحل «عبدالله بن عبد العزيز» الإصلاحات التقدمية (حسب المعايير السعودية) حول قضايا النوع الاجتماعي، ولكن العناصر المحافظة في المملكة حالت دون تحقيق تقدم كبير. والحقيقة هي أن القانون السعودي لا يزال ينظر إلى النساء كعقار تابع لأقاربهن الذكور. ولا تزال المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تحظر السائقات، وإذا سقطت امرأة في الشارع جراء تعب أو إغماء أو ما شابه فليس من المسموح به قانونا لأي سيارة إسعاف نجدتها أو نقلها.

جهادية متشددة

ومنذ القرن الـ18، اعتمدت الأسرة الحاكمة السعودية على التحالف مع المذهب الوهابي المحافظ المتشدد للإسلام السني. وبعد أن وجدت قيادة المملكة العربية السعودية إشكالية في هذا الترتيب على نحو متزايد، فإن العديد من الجماعات الوهابية تتهم عائلة «آل سعود» الحاكمة بالفساد، ومن ثم بدأت تكريس نفسها للإطاحة بها، والحصول على شرف خدمة الأماكن المقدسة.

وسلطت عشرات الهجمات الإرهابية الجهادية في المملكة، والتي بلغت ذروتها خلال تمرد تنظيم القاعدة في منتصف العقد الماضي، الضوء على فشل حكام المملكة العربية السعودية في الحفاظ على ولاء بعض المتشددين الوهابيين. وفي اللحظة نفسها؛ تساهم المملكة العربية السعودية في الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد «لدولة الإسلامية»، ما دفع الآلاف من السعوديين في المملكة إلى الانضمام إلى صفوف داعش في ساحات المعارك العراقية والسورية. وفي الوقت نفسه؛ شن مؤيدوها سلسلة من هجمات «الذئب الوحيد» ضد الأجانب والشيعة في مناطق متفرقة بالمملكة.

وقد استهدفت قادة الخلافة علنا ​​قيادة المملكة العربية السعودية. وفي بيان نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن زعيم «الدولة الإسلامية»، «أبو بكر البغدادي» عزمه على توسع المجموعة لتسيطر على «أراضي الحرمين»، في إشارة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. وأشار إلى الأسرة الحاكمة هي «رأس الثعبان» و«موطن الداء»، وشبه حكام بأنهم أقرب إلى وثنية ما قبل الإسلام في مكة، ودعا أنصار «الدولة الإسلامية» في المملكة إلى الانتفاض ضدهم.

وبعد بضعة أشهر، عندما توفي الملك «عبد الله»، خرج أنصار الجماعة على وسائل الاعلام الاجتماعية للاحتفال بوفاة «سارق الحرمين الشريفين»، ما يدل على نقد لاذع ورفض قوي من «داعش» للنظام الملكي.

وعلى الرغم من أن الرياض جعلت مكافحة «الدولة الإسلامية» أولوية تسبق محاربة المتمردين الحوثيين في اليمن، فإن المملكة باتت عرضة لتهديدات المجموعة، فضلا عن السعي لإثارة الفوضى في منطقة الخليج بدرجة تسهل من عملياتها وتحركاتها. وأثار وصول «داعش» بسرعة إلى السلطة في أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وتكاثر الجماعات التابعة لها من ليبيا إلى باكستان، قلق الرياض بشأن الآثار المترتبة على الأمن في المملكة.

ارتفاع درجات الحرارة الطائفية

منذ أمد بعيد ويعاني الشيعة، ما يقرب من 15% من مجموع السكان، من التمييز الذي ترعاه الدولة، والتهميش الاجتماعي، وحملات العنف التي يشنها المتشددون ضد الشيعة، لكن بات ذلك في السنوات الأخيرة أشد وتيرة.

ولا سيما منذ الربيع العربي، فإن المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، موطن الأقلية الشيعية بأكملها وجميع احتياطي النفط في المملكة، شهدت تزايد الاضطرابات الطائفية والتوتر السياسي المتصاعد. وفي استجابة لدعوات متزايدة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من رعاياهم الشيعة، تشن السلطات السعودية حملة قاسية في المنطقة الشرقية، مؤكدين أن المعارضة الشيعية هي نتاج التدخل الإيراني ولابد من التعامل بحزم.

وأيضا رفعت إجراءات المملكة العربية السعودية في دول الجوار من معدلات درجات الحرارة الطائفية. قرار الرياض في عام 2011 بنشر قوات الأمن في البحرين المجاورة لمساعدة الحكام السنة في المنامة لقمع ثورة ديمقراطية من الشيعة البحرينيين كثفت التوترات بين الحكام السنة في المملكة العربية السعودية ومواطنيهم الشيعية داخل بلدانهم. وعلاوة على ذلك، فإنه في الوقت الذي دعت فيه المؤسسة الدينية المحافظة في المملكة العربية السعودية إلى حملة عسكرية في اليمن أسموها بـ«حرب مقدسة» ضد الحوثيين، فإن الشيعة في المنطقة الشرقية أدانوا جهارا حرب المملكة ضد الحوثيين. وفي أوائل أبريل/نيسان، اندلعت اشتباكات في قرية العوامية بين قوات الأمن والمتظاهرين الشيعة الذين طالبوا بوضع حد للحملة التي تشنها المملكة العربية السعودية وحلفائها في اليمن.

في العام الماضي؛ حكم على الشيخ «نمر النمر» بالإعدام بتهمة التحريض على العنف ضد المملكة، وهو رجل دين شيعي في المنطقة الشرقية. الشيعة في المملكة العربية السعودية ترى عقوبته مناورة سياسية تهدف إلى الحد من المعارضة في المنطقة الشرقية. وإذا تم تنفيذ حكم الإعدام بالفعل في «النمر»، فإن التوترات الطائفية في المملكة، وكذلك في دول الشرق الأوسط الأخرى، يمكن أن تزداد. الهجمات الموثقة ضد قوات الأمن من قبل فصائل شيعية مسلحة في المنطقة الشرقية تمثل احتمالا متزايد للتشدد والاضطرابات العنيفة.

ويشتكي بعض الوهابيين المتشددين من أن السلطات في السعودية تتسهل بدرجة كبيرة للغاية تجاه المعارضة الشيعية. ولقد استغل «الدولة الإسلامية» هذا التوتر من خلال مطالبة مؤيديها في منطقة الخليج العربي للقيام بوسائل عنف موجه ضد جميع الشيعة في شبه الجزيرة العربية. وأعلنت «داعش» مسؤوليتها عن تفجيرين انتحارية استهدفا مساجد شيعية في المنطقة الشرقية في شهر مايو/أيار، وذلك بعد إطلاق النار على مصلين من الشيعة في منطقة الإحساء في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم الذي كان يصادف يوم عاشوراء المقدس لدى الشيعة.

هناك معضلة تتهدد قيادة المملكة العربية السعودية، ألا وهي مشكلة الإرهاب في المنطقة الشرقية حيث بات «الدولة الإسلامية» يتواجد هناك بشكل ملحوظ وينطلق من هناك لشن عملياته الانتقامية ضد أهداف متعددة. وفي أعقاب أعمال العنف في شهر مايو/أيار، زار ولي العهد الأمير «محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود» على الفور المنطقة الشرقية في محاولة لإقناع السكان المحليين بأن حكامهم ملتزمون بأمن جميع السعوديين. ومع ذلك، فإن العديد من الشيعة يعتقدون أن المؤسسة الدينية في المملكة هي المسؤولة عن الهجمات، ويرون أن المسؤولين في الرياض يغضون الطرف عن أجندة طائفية لـ«الدولة الإسلامية» في المملكة.

وفي نهاية المطاف، سيكون من الصعب على الرياض الحفاظ على الغطاء على المعارضة الشيعية في الوقت الذي يشعل فيه «الدولة الإسلامية» التوترات الطائفية علنا. التفجير الانتحاري الأخير الذي قام به التنظيم في مسجد شيعي في مدينة الكويت، والذي أسفر عن مقتل 28 وجرح 227، جنبا إلى جنب مع دعواته للعنف ضد الشيعة في البحرين، يؤكد التزامه باستغلال التوترات الطائفية في منطقة الخليج كوسيلة لنشر حملته العنيفة على الملكيات في المنطقة، والمملكة العربية السعودية هي الجائزة الكبرى للتنظيم.

ويزيد من تعقيد هذا التوازن الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية لإسقاط النظام المدعوم من إيران في سوريا، وحرب المملكة المستمرة ضد الشيعة الحوثيين الزيديين في اليمن، والتي سوف تستمر لتأجيج التوتر بين القيادة السنية للمملكة العربية السعودية ورعاياهم الشيعة.

وفي حين تعتمد الحكومة السعودية على ثروتها النفطية لشراء ولاء وسحق كل معارضة، فإن عددا كبيرا من التطورات الداخلية والإقليمية تجعل الحاجة إلى إصلاحات حقيقية وجادة في المملكة عاجلة على نحو متزايد. ومن الممكن أن يؤدي عدم تنفيذها إلى تعميق هذه المظالم.

وتعتمد آفاق الاستقرار السياسي والاجتماعي في المملكة على قدرة القيادة الجديدة على معالجة هذه القضايا الداخلية بطريقة مجدية حقا. ولا يمكن أن نتوقع في فترة قصيرة من الزمن تغيرات في المجتمع السياسي والنظام «الرجعي» في المملكة العربية السعودية. لكنها لن تحصل على أي حال إلا بعد أن يتوقف القادة السعوديين عن لوم إيران على مشاكلهم والبدء في النظر في الداخل.

  كلمات مفتاحية

السعودية المنطقة الشرقية الشيعة في السعودية الدولة الإسلامية إيران الحوثيين

تفجيرات «الدولة الإسلامية» في السعودية: من وماذا ولماذا؟

«ستراتفور»: في السعودية .. الشيعة والحكومة يشكلان حلفا مرتعشا

ما الذي تهدف إليه «الدولة الإسلامية» من هجماتها داخل السعودية؟

«ذي إيكونوميست»: حمى إراقة الدماء تنتقل إلى المملكة الهادئة

الإيكونوميست: السيف المسلول ضد الشيعة في السعودية

«جلوبال ريسك»: القيادة السعودية تواجه أزمات محدقة