«ستراتفور»: في السعودية .. الشيعة والحكومة يشكلان حلفا مرتعشا

السبت 6 يونيو 2015 09:06 ص

يعيش القادة السعوديون في حالة تأهب قصوى بعد أن أعلنت مجموعات تابعة للدولة الإسلامية مسؤوليتها عن تفجير المساجد الشيعية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية يومي 21 و29 مايو/أيار. وعلى الرغم مما تظهره الهجمات من قليل من التطور التقني، تسعى الرياض لتأمين المنطقة دون أي مظاهر من التحريض على العنف الطائفي. وبشكل رسمي، بثت الحكومة رسالة مفادها أن السلطات وحدها يجب أن تشرف على نشاطات الأمن. ورغم ذلك، فإن من الناحية العملية كانت الشرطة السعودية والشيعة المحليين قادرين على إدارة نزاعاتهم طويلة الأمد في الماضي، وعملوا معا في تأمين المنطقة الشرقية، التي تستضيف معظم إنتاج النفط السعودي والبنية التحتية ذات الصلة بالطاقة.

تحليل

لم يكن لدى الشيعة السعوديون الكثير من الثقة في حكومتهم. قوات الأمن، المدعومة من قبل المؤسسة الدينية الوهابية مع وجهات نظر عميقة ضد الشيعة، غالبا ما تشارك في المواجهات مع الأقلية الدينية التي تخرج محتجة في المنطقة الشرقية.

وبعد هجومين انتحاريين على التوالي ضد مساجد شيعية أثناء صلاة الجمعة، توترت العلاقات الطائفية في المنطقة. وبعد ذلك، وجهت الرياض رسالة قوية إلى السكان الشيعة جاء فيها «الدولة، وليس سكانها، هي الحكم النهائي للعدالة». وفي الوقت الذي تحاول فيه الأقلية الشيعية الإيقاع بالجهاديين ومعاقبتهم بنفسها، فإن الأمر عند الحكومة سيكون بمثابة زعزعة استقرار للبلاد وتحدي سلطة الحكومة السعودية. الحكومة حساسة بشكل خاص لخطر تنامي القوة الشيعية داخل حدودها في الوقت الذي يزداد فيه نفوذ إيران الاقليمي، وتستمر قوات الحوثي، المدعومة من إيران، في السيطرة على اليمن وعلى الجانب الآخر من الحدود.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، فإن الشيعة المحليين، إلى حد ما، يجمعون الأمور في أيديهم. وبحسب ما ورد، فإنهم ينخرطون في عمليات المحافظة على أمنهم الخاص، ويقومون باعتقالات دون تدخل من الرياض. وفي الواقع، فإنه على الرغم من المطالبات الأولية من قبل السلطات السعودية بأنها لن تتسامح مع التنظيمات المحلية، كان الشيعة وسلطات الدولة في الواقع يتعاونون بهدوء في القبض على متشددين يشتبه في انتمائهم السني في الأيام التي تلت هجوم 21 مايو/أيار.

التعاون مع السكان المحليين

وعززت السلطات السعودية تواجدها الأمني والاستخباري في المنطقة الشرقية عقب الهجمات ضد الشيعة، لكنها أقدمت على تحرك دبلوماسي عن طريق الاتصال برجال الدين الشيعة لتوصيل الرسالة بشكل جيد للشيعة، والتعبير عن تفهمات الحكومة لمخاوفهم، كما سمحت الحكومة لمجموعات شيعية بإجراء تحقيقات وتنفيذ اعتقالات في ضوء تلك التفجيرات.

هذا التطور، في حد ذاته، مهم؛ حيث إن بعض تلك المجموعات لها صلات بمليشيات مسلحة شيعية قائمة حاليا، وكانت هدفا للتحقيقات التي تجريها السلطات السعودية. وفي الماضي كان القيام بحشد مثل هذا يدفع السلطات للقيام باعتقالات والدخول في اشتباكات مع الشيعة. هذا التحرك السعودي يتميز بالدهاء، حيث إن الحكومة الحالية تتعاون مع المجموعات الشيعية، في مشهد يدل على أن الحكومة وضعت مسألة احتواء تهديد المسلحين السنة أولوية فوق منع تشكيل قوات الدفاع الذاتي الشيعية.

وتعمل حاليا تلك المجموعات الشيعية المعبئة مع الحكومة السعودية، بدلا من معارضتها، من أجل تتبع واعتقال المسلحين السنة في الداخل، وبدلا من قيام تلك المجموعات بمحاكمة أو إعدام المشتبه فيهما بأنفسهم، تقوم تلك المجموعات بتسليمهم إلى قوات الأمن لمحاكمتهم عبر قنوات العدالة الرسمية. ولا تزال تلك البيئة متوترة، والرياض تخشى من اندلاع عنف طائفي، لكن قوات الدفاع الذاتي الشيعية اختارت تجنب القمع عبر العمل مع المسؤولين. وعلى الرياض   أن تظهر حلولا أمام الناس للوضع الراهن، عن طريق اعتقال ومحاكمة المتشددين السنة، من أجل كسب ثقة الشيعة، واستمرار التعاون وتحقيق الاستقرار.

كما تمكن الحكومة أيضا السكان المحليين من التعامل بما يتطلبه أمنهم الخاص في أماكن العبادة، ما ساعد على تحديد هوية المهاجمين. وفي أعقاب الهجوم الانتحاري 21 مايو / أيار الذي راح ضحيته أكثر من 20 شخصا وجرح عشرات آخرين، عزز الشيعة المحليين من احتياطاتهم الأمنية في المساجد وغيرها من أماكن الاجتماع المحلية. ومنعت جهودهم الانتحاري في 29 مايو / أيار من الوصول إلى هدفه المنشود، فقد قام أربعة شيعة بتوقيف محلي جهادي كان متخفيا في زي امرأة قبل أن يدخل إلى المسجد. وفجر الانتحاري حزامه في السيارة ما أدى الى مقتله وأربعة من السكان المحليين، لكنه فشل في إلحاق أي ضرر بالحشود داخل المسجد أو حتى ببنايته.

التعامل بحذر

بالطبع يعد هذا التعاون الضمني مهما، إلا إن التوتر الطائفي لا يزال قويا ومحتدما، والسعودية هي المنافس الرئيسي ضد إيران الشيعية. ونتيجة لذلك تتحرك السلطات السعودية بحذر، لأن الأمر ببساطة هو أنه ما تزال حالة عدم الثقة المتبادلة مستمرة بين الجانبين، والسبب راجع  في جزء منه إلى قسوة معاملة الشرطة المحلية للشيعة في الاحتجاجات.

سيكون هناك عبء على الرياض لإظهار عزيمة قوية خلال هذا العام في اعتقال ومحاكمة العناصر السنية المتطرفة من أجل الحفاظ على الثقة الشيعية والتعاون، وبالتالي ضمان الاستقرار. وتأتي الهجمات ضد المساجد في المنطقة الشرقية في وقت حرج للرياض، حيث تحاول المملكة العربية السعودية إدارة الاتفاق النووي الناشئ بين إيران والولايات المتحدة ومكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، والتعامل مع الشيعة المنحازين لصف المتمردين الحوثيين في اليمن. إذا باتت الهجمات السنية أكثر تواترا وفتكا، أو إذا أصبح الشيعة غير راضين عن استجابات الحكومة السعودية، فإن السكان المحليين سيصبحون أكثر إقبالا على اتخاذ إجراءات أمنية بأيديهم، ويحتمل أن يؤدي هذا إلى عنف طائفي في قلب الدولة النفطية السعودية وبين سكانها المحليين.

ولكن في الوقت الراهن؛ هناك عدو مشترك يتم مواجهته، وتعمل قوات أمن الدولة والمجتمع الشيعي جنبا إلى جنب لمحاربة التشدد السني، ولكن ربما لن يطول أمد ذلك.

  كلمات مفتاحية

الشيعة في السعودية تفجيرات القديح المنطقة الشرقية الدولة الإسلامية

الهجمات على الشيعة تشكل لحظة فاصلة للدولة السعودية

«ستراتفور»: تفجير القديح يهز الأمن السعودي ويهدد بنشوب صراع طائفي

ما الذي تهدف إليه «الدولة الإسلامية» من هجماتها داخل السعودية؟

«ذي إيكونوميست»: حمى إراقة الدماء تنتقل إلى المملكة الهادئة

الإيكونوميست: السيف المسلول ضد الشيعة في السعودية

مباراة الشطرنج السعودية التي يلعبها تنظيم «الدولة الإسلامية»

تفجيرات «الدولة الإسلامية» في السعودية: من وماذا ولماذا؟

وطن بلا طائفية !

”المملكة“ و”الخلافة“: كفاح السعودية الداخلي ضد «الدولة الإسلامية»

الملك يتبرع ببناء مساجد الشيعة

«معهد الشرق الأوسط»: لماذا ستفشل «الدولة الإسلامية» في السعودية؟

«ميدل إيست آي»: الاختيار المتهور للعائلات الحاكمة في الخليج

إيران و«الدولة الإسلامية» يملكان هدفا مشتركا في زعزعة استقرار الخليج

«داعش نجد».. العمق العقائدي والاستراتيجي

في المملكة العربية السعودية: المشكلات الحقيقية تأتي من الداخل

«أتلانتيك كاونسل»: «الدولة الإسلامية» يوسع الحرب الطائفية لزعزعة استقرار الخليج

السعودية وإيران: جغرافيا سياسية متقلبة من النفط والأقليات

المملكة وشيعتها