السعودية وإيران: جغرافيا سياسية متقلبة من النفط والأقليات

الأربعاء 26 أغسطس 2015 09:08 ص

هناك استياء تظهر فقاعاته تدريجيا على السطح أكثر فأكثر بين السكان الشيعة الذين يسكنون في المملكة العربية السعودية، وخاصة في المنطقة الشرقية من المملكة، حيث موطن حقول النفط الرئيسية في المملكة وصناعة البتروكيماويات.

وبنفس الدرجة هناك حالة من السخط في محافظة خوزستان الإيرانية، حيث تصل نسبة احتياطات النفط الإيراني بها إلى 90%، ويعاني العرب الإيرانيون، الذي يشكلون ما لا يقل عن نصف السكان البالغ عددهم 4 ملايين نسمة في خوزستان، من قمع واضطهاد عرقي جعلهم في حالة استياء شديد.

الحقيقة التي تشير إلى عدم رضا الأقليات في المناطق الغنية بالنفط في كل من إيران والمملكة العربية السعودية تخلق توازنا مثيرا للسخرية، والذي فيه التنافس بين اثنين من القوى في الشرق الأوسط وصل لمرحلة أن كل منهما يعيب الآخر بما لم يخل هو منه. وبدلا من الاعتراف بأن الاحتجاجات وتصاعد حوادث العنف هي نتيجة لفشل الحكومة في معالجة المظالم المشروعة، فإن كل من إيران والمملكة العربية السعودية توجهان اللوم لبعضهما البعض بسبب الاضطرابات في أفنيتهم الخلفية الاستراتيجية.

تسليط الضوء على الضعف في المملكة

غالبا ما يكون من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال في العالم المظلم لسياسات الشرق الأوسط. بيد أن ليس هناك من يشك، ولو بنسبة قليلة، في أن المملكة العربية السعودية وإيران لهما مصلحة في تأجيج الاضطرابات في الساحات الخلفية لبعضهم البعض. وعلى نفس المنوال، فإن السياسات التمييزية والقمع ضد الأقليات في كلا البلدين هي في صميم السخط الذي يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة في أي لحظة. وبالمثل، يمكن لكل من إيران والمملكة العربية السعودية أن تمنعا بشكل فعال التدخل الأجنبي من خلال تبني السياسات التي تضمن أن الأقليات يعيشون على قدم المساواة، بدلا من أن يتم معاملهم كما لو كانوا طابورا خامسا محتملا.

ويمكن للسياسات التكاملية أيضا أن تضعف من قدرة الجماعات الجهادية مثل «الدولة الإسلامية» على استغلال الانقسام الطائفي. وهذا صحيح بشكل خاص في المملكة ذات الأغلبية السنية، حيث المجموعة التي تسيطر على مناطق شاسعة في سوريا والعراق وقصفت المساجد الشيعية ثلاث مرات في الأشهر الثمانية الماضية. وأدى هجومان في مايو/أيار، أسفرا عن مقتل نحو 25 شخصا من الأقلية الشيعية في المملكة والتي تشكل 10% - 15% من سكان المملكة، إلى تشكيل قوة دفاع مدني شيعية.

ومنذ ذلك الحين استهدفت «الدولة الإسلامية» أيضا قوات الأمن السعودية، ما أدى إلى تفاقم التوتر وإظهار الضعف في المملكة. وتتباهى المجموعة بأنها كانت مسؤولة عن تفجير مسجد داخل مقر القوات الخاصة السعودية.

وتعكس فرق الدفاع المدني الشيعية شعورا واسع الانتشار بين الشيعة السعوديين مفاده أن الحكومة فشلت في حماية السكان الأقلية. ويتعزز هذا الشعور من قبل الزعماء الدينيين السعوديين البارزين الذين يصورون الحرب الجوية السعودية في اليمن ضد الحوثيين الشيعة على أنها حرب عادلة، ونظر الحكومة إلى حملتها العسكرية على أنها اعتداء على أحد الوكلاء الإيرانيين.

كشف المشاعر الشيعية

ويتفاقم شعور الانكشاف الموجود لدى الشيعة في المملكة الشيعة نتيجة لحقيقة أن حركة الاحتجاج التي بدأت في عام 2011 مع بداية الثورات الشعبية العربية إلى حد كبير ضعفت بسبب رد فعل الحكومة القاسي، والتي أدت إلى إطلاق النار من قبل قوات الأمن على حوالي 25 شابا شيعيا، والحكم بالإعدام على رجل دين شيعي بارز، «نمر النمر». ناهيك عن مبادرة السعودية لسحق الثورة الشعبية في البحرين المجاورة ذات الأغلبية الشيعية في عام 2011.

العديد من نقاط التفتيش في المدن التي تقطنها أغلبية شيعية مثل القطيف تم تصميمها خصيصا لتكون في مواجهة أي احتجاجات فور اندلاعها، في الوقت الذي تقل فيه آليات التأمين والحماية في مساجد الشيعة في المدن المختلطة بين السنة والشيعة في المنطقة الشرقية، ما جعل العديد من الشيعة يقولون إن الحكومة هي الآن أكثر قلقا بشأن تأمين بقاء النظام السعودي أكثر من اهتمامها بضمان أمن الأقلية الشيعة.

فشل الحكومة في التعامل بجدية ضد خطاب الكراهية، فضلا عن تأطير صراعها مع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية بمصطلحات غالبا ما تعادي الشيعة، عزز من إحساس من إحساس الشيعة بفقدان الأمن، فضلا عن الفكر الوهابي السائد بين السنة في السعودية، وهو الفكر الذي يحارب الشيعة تماما ويصفهم بأنهم ليسوا من الإسلام. وبناء على تلك الوهابية فإن الشيعة السعوديين ممنوعون من الخدمة في القوات المسلحة أو الأمن أو العمل في وزارة الداخلية، في حين تصف الكتب المدرسية الشيعة بروافض المبادئ الأساسية للإسلام. وعلاوة على ذلك؛ لم يوضع أي شيعي في منصب وزاري، والمرة الوحيدة التي حدثت كانت تعيينه كدبلوماسي.

الجلوس في بيوت من زجاج

وعلى النقيض من المملكة العربية السعودية، فإن إيران حريصة على عدم خفض وتيرة وحدة معاركها الإقليمية أو الوصول إلى الأقليات مستخدمة أساليب طائفية. ولكن مع وضع الخطاب جانبا، فإن المظالم السنية في خوزستان تشكل صورة طبق الأصل من تلك التي يعيشها الشيعة في المنطقة الشرقية. وشكا العرب الإيرانيون منذ فترة طويلة أن الحكومة فشلت في إعادة استثمار أرباح النفط لرفع المعايير في المنطقة المعيشة. وحددت منظمة الصحة العالمية الأهواز في عام 2013 كأكثر مدينة إيرانية تعاني التلوث.

وأعلنت حركة تحرير الأهواز الغامضة مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات على قوات الأمن الإيرانية والرموز الحكومية الأخرى خلال الأشهر الأخيرة. وقد تحولت شجارات كرة القدم إلى احتجاجات مناهضة للنظام بوتيرة سريعة لم تتوقعها الحكومة. ومحاكاة لما قام به «محمد البوعزيزي»، بائع الفاكهة والخضروات - في تونس 2011 مشعلا فتيل الثورات العربية، قام بائع عربي إيراني يُدعى يونس العسكري بإشعال النار في نفسه في وقت سابق من هذا العام احتجاجا على مصادرة غير مشروعة لبضاعته. وأثار الحادث موجة من الاحتجاجات التي لجأت فيها قوات الأمن لسحق المتظاهرين.

ونظرا لطبيعتهم الجغرافية السياسية، فإن إيران والمملكة العربية السعودية تشبهان اثنين من المعارضين يجلسان في بيت من زجاج يرميان الحجارة على بعضهما البعض. وتبرز حالة السخط لدى الأقليات والعنف المتقطع في المحافظات الغنية بالموارد التي تبرز ضعفها. سعيهم لتطبيق السياسات التمييزية والقمعية التي هي في جذور الصراعات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط، وتحويل أي انتقال سياسي لا مفر منه إلى عملية مدمرة ودموية، يقوض مطالبهم الشرعية في النضال من أجل الهيمنة الإقليمية.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران المنطقة الشرقية الشيعة الأحواز الصراع الطائفي الرياض طهران

السعودية تروض إيران بالنفط في انتظار القاطن الجديد للبيت الأبيض

معهد الأمن القومي الإسرائيلي: منع نفوذ إيران أدي لتقارب كبير بين السعودية و(إسرائيل)

كيف سيشكل النفط مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية بعد الاتفاق النووي؟

مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي: قلق السعودية من إيران سيدفعها لمواجهتها عسكريا

«ستراتفور»: في السعودية .. الشيعة والحكومة يشكلان حلفا مرتعشا

«جيروزاليم بوست»: القضية التي يمكن أن تجمع إيران والسعودية على طاولة المفاوضات

«الأحواز»: القصة الكاملة لمعاناة إقليم عربي في قلب بلاد فارس

معركة النفط.. من يحسم صراع «عض الأصابع» بين أمريكا والسعودية وروسيا؟

«إيكونوميست»: لماذا لا تستطيع السعودية الرهان على النفط وحده؟

نظرة في جذور الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران

مطالبات أممية لإيران بوقف انتهاكات حقوق الأطفال والأقليات

إيران تعدم طفلا أحوازيا بتهمة تشجيع «الهلال» السعودي

هل فقدت الحدود معناها؟ .. الجغرافيا السياسية في عالم متغير