«فورين بوليسي»: أسطورة العملاق العسكري الإيراني

الأحد 12 يوليو 2015 12:07 م

يتخطى الإنفاق العسكري في المملكة العربية السعودية نظيره في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بنسبة 5 إلى 1، كما يتخطى الإنفاق على الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة نظيره في إيران بنسبة 50%، ولذا لن يغير إنهاء الحظر المفروض على الأسلحة بعد الاتفاق النووي المرتقب من الأمر شيء.

قد يكون لك كامل العذر لتفكر في أن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران سيطلق لها العنان لتستبد بجيرانها من دول الخليج، وتتسبب بمتاعب جمة لـ(إسرائيل). وهناك حجة منطقية ومخيفة في الوقت ذاته؛ فبينما كانت يد إيران مكبلة بعقوبات شديدة فقد تمكنت من فرض نفوذها على أربع عواصم عربية، هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، فليس عليك سوى أن تتخيل ما الذي ستفعله إذا ما تحررت يدها المكبلة من تلك العقوبات وباتت بلا حظر عالمي مفروض على شرائها للأسلحة. وكما ذكر الباحث الإيراني «راي تقية» مؤخرا: «الإرث الأكثر أهمية في الاتفاقية المستقبلية قد يكون تمكين زيادة الإمبريالية للجمهورية الإسلامية». وقد تم دفع نفس هذا الخط بشدة لدرجة أنه أصبح واقعا مقبولا في واشنطن.

والمشكلة هي أن هذه الحجة غير صحيحة. ولكنها رغم ذلك تهدد بحدوث انقلاب على اتفاق نووي دائم مع إيران.

وفي الوقت الذي تتجه فيه المحادثات النووية بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحد إلى نهايتها في فيينا النمساوية، ظهرت القضية في سؤال متعلق بإمكانية الاحتفاظ بحظر الأسلحة المفروض على إيران وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي بعد الصفقة النووية، أم لا. وفي الوقت الذي تجيب فيه الولايات المتحدة وشركاؤها في أوروبا على هذا السؤال بالإيجاب، ترد روسيا والصين وإيران بالسلب.

ويُعتبر توقيت نشوء هذه القضية مثيرا للقلق على أقل تقدير. وفي حين أنه تم التوصل بصعوبة إلى حلول من شأنها أن تقيد وتجبر عناصر من البرنامج النووي الإيراني على التراجع، تحصل هذه القضية، التي توجد خارج مجال المحادثات النووية، على قدر من الاهتمام المبالغ فيه، لدرجة أنها قد تهدد بتقويض التقدم الذي تم تحقيقه في الأشهر الـ18 الماضية. وتوصل المفاوضون في الولايات المتحدة وإيران تقريبا إلى اتفاق من شأنه فقط أن يفضي إلى طريق مسدود بشأن هذا البعد الإقليمي. وبالطبع؛ لا أحد يتصور مرة أخرى في عام 2010 أن حظر الأسلحة التقليدية، جزء من ما هو خلاف ذلك قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة تركز بشكل مباشر على أنشطة إيران الانتشار النووي، سوف يطل بوجهه تماما بهذه الطريقة.

ويعتمد الموقف الروسي والإيراني على جدلية أن قرارات مجلس الأمن قامت على أساس أنه سيتم رفع الحظر المفروض على الأسلحة فور التوصل إلى حل بشأن المخاوف المتعلقة ببرنامج إيران النووي. وفي الوقت نفسه، قد لا يكون الموقف الأمريكي الحالي مهتما بالحفاظ على التماسك مع السياسات السابقة، أكثر من اهتمامه بضمان تخفيف قلق الحلفاء الإقليميين قدر الإمكان كجزء من الصفقة النووية مع إيران. وبشكل واضح، تخشى إدارة الرئيس «باراك أوباما» من أن التراجع عن حظر الأسلحة المفروض على إيران سيكون بمثابة خطوة أبعد من اللازم بالنسبة لبعض الحلفاء الإقليميين الرئيسيين للولايات المتحدة، ولا سيما المملكة العربية السعودية، وهو ما قد يهدد بتقويض ما تروج له الإدارة من أن الاتفاق النووي سوف يراعي مصالح هؤلاء الحلفاء الإقليمين المعروفين.

إن المشكلة هنا توجد في الحكايات المبالغ فيها المنتشرة الآن في واشنطن حول صعود النفوذ الإقليمي الإيراني في أعقاب الاتفاق النووي، والتي لا تنسجم مع الواقع.

وبعيدا عن كونها قوة مهيمنة، فضلا عن قدرتها إخضاع منافسيها الإقليميين والاستبداد بهم من دون عقاب، فلا تزال إيران تمتلك موقف إقليمي لا يمكن الدفاع عنه، في حين أن جميع منافسيها الإقليميين يمتلكون بشكل متزايد أنظمة الأسلحة التي تجعلهم أقل عرضة للخطر.

ويكشف التقييم المتزن للكم والكيف، في واقع الأمر، أن المنافسين الإقليميين لإيران في وضع جيد ليس فقط لمواجهة «علو أسهم» إيران، بل وللتنافس معها أيضا. علاوة على ذلك؛ فقد كان هذا هو الحال منذ فترة، ووفقا لتقرير صادر في شهر أبريل/ نيسان الماضي عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقد أظهرت «البيانات بشكل لا جدال فيه أن لدى دول الخليج العربية تقدما ساحقا ملموسا على إيران في كل من الإنفاق العسكري، والوصول إلى أحدث الأسلحة».

فمن ناحية الكم، تعتبر النفقات العسكرية في الخليج أكبر بكثير من تلك الموجودة في إيران. فوفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) في عام 2014، تم تخصيص أكثر من 25% من الإنفاق الحكومي السعودي لحشد الأصول العسكرية، وبلغت النفقات أكثر من 80 مليار دولار. وجنبا إلى جنب مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أنفقت نحو 23 مليار دولار أمريكي، كان نصيب هاتين الدولتين أكثر من نصف الـ173 مليار دولار التي أنفقتها دول الشرق الأوسط مجتمعة ذلك العام على شؤون الدفاع.

وفي الناحية الأخرى، بلغ الإنفاق العسكري الإيراني خلال عام 2014 حوالي 15 مليار دولار فقط، وهو ما يشكل نحو 9% من إجمالي الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، كان إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، البحرين والكويت وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الأسلحة ضعف الإنفاق الإيراني بحوالي 13 مرة تقريبا.

وليس هذا الفارق في الكم مجرد ظاهرة حديثة. ففي الواقع، فإنه وفقا لبيانات المعهد، فقد تجاوزت النفقات العسكرية في المملكة العربية السعودية خلال العقدين الماضيين، وحتى قبل فرض حظر الأسلحة على إيران الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2010، المبالغ التي أنفقتها إيران على تسليح جيشها بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف. وبالتالي، لا يتمثل الاتجاه الجديد في أن الإنفاق السعودي تفوق على نظيره في إيران، حيث إن الحال كان هكذا طوال عهد الجمهورية الإسلامية، بل يتمثل هذا الاتجاه في أن الإنفاق العسكري السعودي تضاعف عدة مرات منذ عام 2005، لدرجة أنه يقزم بجواره الآن أي إنفاق عسكري للمنافس الإقليمية إيران.

وتعد القصة نفسها صحيحة من ناحية النوع. فكما يلاحظ تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «لقد حصلت دول الخليج العربية، ولا زالت تحصل على بعض الأسلحة الأكثر تقدما وتأثيرا في العالم. أما إيران، فقد اضطرت للعيش في ماضيها، وغالبا ما تعتمد على أنظمة تم تسليمها لها في الأصل خلال زمن حكم الشاه».

وبالنسبة لدول الخليج العربية، فإن هذا يشمل بعض المعدات العسكرية الأمريكية الأكثر حداثة، مثل أحدث الطائرات المقاتلة من طراز بوينج، ولوكهيد مارتن، والطائرات بدون طيار، وطائرات الهليكوبتر الهجومية الأباتشي، وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت، والمخزونات من أحدث الصواريخ والقنابل، وغيرها من الأسلحة الأكثر تطورا. وكما ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في مايو/أيار الماضي، فإن هناك اندفاع لدى هذه الدول لشراء أنظمة أسلحة أمريكية ذات تقنية عالية لحماية نفسها ضد إيران الساعية لنفوذ أوسع على مستوى الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، ما تزال إيران مع أنظمة أسلحة عفا عليها الزمن، وتعتمد على المعدات العسكرية من عهد الشاه. ونظرا لعدم قدرتها على العثور على شريك موثوق به في الخارج لشراء الأسلحة، اضطرت إيران إلى الاعتماد على القاعدة الصناعية الخاصة بها في إحداث أي تطورات جوهرية في برامج أسلحتها العسكرية. وفي حين أنها تحتفظ بأكبر مخزون في المنطقة من الصواريخ الباليستية، يبقى رأي الخبراء أن إيران كانت أقل نجاحا في القيام بذلك، ما يجعلها في موقف ضعيف لكونها في حالة من الإنهاك، كما أنها لم تقم بتطوير أسلحتها كما اعتاد أن يفعل خصومها الإقليميون.

وبالنظر إلى خطوط هذا الاتجاه أيضا، فمن غير المحتمل أن يتغير هذا الوضع في أعقاب الاتفاق النووي. وتشير الإحصاءات إلى أن الإنفاق العسكري للجمهورية الإسلامية كان دائما في حدود 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم اعتبار البعض العقوبات سببا في تفاهة المبلغ الذي تنفقه إيران على جيشها، فقد ارتفع الإنفاق العسكري الإيراني في الواقع بدرجة متوسطة، بدلا من أن ينقص خلال حقبة العقوبات. ومن الممكن إرجاع السبب في حدوث هذا الأمر إلى حقيقة أن الأزمات الأمنية الإيرانية تفاقمت نتيجة للنزاع النووي المستمر. وبناء على ذلك، لا تميل إيران لصالح زيادة الإنفاق العسكري بعد التوصل إلى اتفاق، بل تميل لصالح خفض الإنفاق.

وبالإضافة لكل ما سبق، هناك حقيقة أن القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إما أنها تعمل على الحفاظ على / زيادة وجودها في منطقة الخليج بطرق ملائمة لمصالح دول الخليج العربية، وفي تعارض صارخ مع المصالح الإيرانية.

وعلى الرغم من كل هذا؛ فإنه التصور السائد في واشنطن، أنه ما زال التفوق لإيران باقيا على غريمه في الخليج العربي في أعقاب أي صفقة نووية.

وفي الأوقات البسيطة، فإن هذه الحكايات المبالغ فيها من صعود العدو تخاطر بتشويه مجالنا الإدراكي وجعلها أكثر صعوبة لتبني استراتيجيات معقولة لحماية المصالح الأمنية الأساسية لدينا. ولكن في هذه اللحظة، فإنه مع نتائج المحادثات النووية في الميزان، فإن هذه الروايات الطويلة من القدرات الإيرانية في المستقبل تهدد بانهيار المفاوضات في حين أنها تبدو على أعتاب النجاح. سواء ذلك عن سوء علم أو بقصد خبيث، فإن اللقطات الوجهية في واشنطن تصور ما هو في نهاية المطاف صورة خاطئة لميزان القوى في المنطقة.

وقد ثبت أن الانتهاء من المفاوضات أكثر صعوبة مما توقع الكثيرون، في الوقت الذي يدفع فيه الدبلوماسيون خلال المهلة الثالثة في الأسبوع الماضي. مسألة حظر الأسلحة المفروض على إيران هي نقطة من جملة نقاط ما يزال الخلاف قائم بشأنها، كما أنها نقطة صعبة؛ لأن روسيا انفصلت رسميا عن مجموعة الخمس زائد وتطالب برفع الحصار. ويمكن للاتفاق النووي بأكمله أن ينقض على هذه القضية بمفردها.

ولهذا السبب، من الضروري جدا تصحيح هذه الحجة الشائعة، ولكن الكاذبة، وتبني نظرة أكثر واقعية لما قد تبدو عليه المنطقة بعد الوصول لاتفاق نووي مع إيران. إن القضية ليست مجرد مسألة صواريخ، إنها مسألة حرب وسلام.

  كلمات مفتاحية

إيران الولايات المتحدة الاتفاق النووي الإنفاق العسكري السعودية الخليج التسليح

خلافات بشأن الصواريخ الباليستية وحظر السلاح تعرقل محادثات إيران

صفقات السلاح الفرنسي تسلط الضوء على تنامي الإنفاق العسكري السعودي

«ديفينس وان»: لماذا يجب الاهتمام بصواريخ إيران كجزء من برنامج الحد من قدراتها النووية؟

«فاينانشيال تايمز»: السعودية تسعى لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة 27% خلال 5 سنوات

زيارة مرتقبة لخبراء أمريكيين إلي الخليج لبحث تسريع وتيرة صفقات السلاح

«ديفينس نيوز»: نفقات السعودية والإمارات على التسليح تستخدم للضغط على عواصم القوى الكبرى

إيران تكشف عن الصاروخ الباليستي «خليج فارس» المستخدم في مناورات «الرسول الأعظم»