بين ضابط ونصاب وفنانة.. ولادة متعثرة لأول فيلم روائي مصري

الخميس 19 ديسمبر 2019 09:26 م

البدايات الأولى للسينما في الوطن العربي كانت عبارة عن مغامرات فردية، حققها أفراد بهرتهم صناعة هذا الفن الجديد، والأضواء والهالة المحيطة بالعاملين في حقله، ومع ذلك فقد كان بعضهم ينطلق من منطلق جاد حاملا التزاما خُلقيا يدين للقيم الإنسانية والخُلقية بمفهوم تلك الفترة من حياة المنطقة، بينما البعض الآخر كانوا مرتزقة أو مغامرين، فشل معظمهم في بلدانهم فجاؤوا إلى الشرق باحثين عن الفرصة.

وفي هذه السلسلة من التقارير، سنحاول أن نتتبع البدايات الأولى، وقصة خروج أول فيلم روائي للنور، في البلدان التي شهدت هذه الصناعة، وفي مقدمتها مصر، التي شهدت ظهورا مبكرا للإنتاج والعروض السينمائية.

  • المخاض

استغرقت الفترة ما بين أول عرض سينمائي تجاري عالمي في باريس، والذي كان عبارة عن فيلم صامت للأخوين "لوميير"، وأول عرض محلي تجاري في مصر، أسبوعا واحدا ما بين 28 ديسمبر/ كانون الأول 1895، ومطلع يناير/ كانون الثان 1896. ويبدو أنها المسافة الزمنية التي كانت تقطعها السفينة من مرسيليا إلى الإسكندرية التي استقلبت العرض قي مقهى "زواني".

 انتقلت العدوى إلى القاهرة بعدها بشهر واحد، ففي 28 يناير/ كانون الثان 1896، عُرض أول فيلم سينمائي بالعاصمة المصرية، بدار سينما "سانتي"، التي كانت عبارة عن حمام سباحة مكشوف بجوار حديقة الأزبكية.

النجاح الذي حققته تلك العروض، دفع عددا من رجال الأعمال الأجانب إلى استيراد أفلام أخرى، إضافة إلى بناء دور للعرض السينمائي، إلا أنه سرعان ما مل الجمهور الأفلام الأجنبية لبعدها عن ثقافته، فضلا عن بدء نمو الروح الوطنية تدريجيا خصوصا بعد حادث قرية "دنشواي" (شهدت شرارة الثورة المصرية ضد الاحتلال الإنجليزي).

وهنا بدءت فكرة أول إنتاج مصري على يد أحد ملاك دور العرض، الذي اشترى كاميرا واستأجر أحد المصورين من الخارج ليقوم بتصوير مشاهد محلية مصرية، حيث دفعت تلك الخطوة مجموعة من المستثمرين المصريين والإيطاليين إلى إنشاء الشركة "المصرية الإيطالية السينما غرافية".

أنتجت الشركة أول فليمين روائيين قصيرين هما؛ "شرف البدوي" و"الأزهار المميتة"، إلا أنها سرعان ما أفلست لسوء مستوى الفيلمين.

غير أن هذه التجربة لفتت أنظار المصريين إلى إمكانية إنتاج أفلام روائية في مصر على غرار أوروبا، وأن هناك كوادر يمكن دعمها وتفعيلها، وهذا ما دفع الثنائي "محمد كريم" و"محد بيومي" إلى السفر للخارج لدراسة هذا الفن.

  • حكاية ضابط 

كان "بيومي" أحد ضباط الجيش المصري اللذين تمردوا على الإنجليز، وعرفوا بوطنيتهم الشديدة، فتمت إحالته للتقاعد، لينطلق بعدها لدراسة السينما ويعود عام 1923 فيعمل كمصور مع "فيكتور روسيتو" الذي كان ينتج وقتها فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، والذي خرج للنور عام 1923، ويعده البعض خطأً أول فيلم روائي مصري طويل، بينما يصنف في الواقع كفيلم وثائقي.

بعد انتهاء "بيومي" من تصوير الفيلم، قرر إنشاء أول استديو للتصوير السينمائي، واختار حي شبرا (شمالي العاصمة القاهرة)، ليكون مقرا للاستديو، وأنشأ من خلاله أول معهد سينما في مصر عام 1927، وكانت الدراسة فيه مجانا.

اعتمد المعهد فقط على تبرعات القادرين وبعض محبي الفن من رجال الأعمال والوجهاء، فيما أنتج الاستديو عددا من الأفلام الروائية القصيرة، بدأت بفيلم "الخطيب نمرة 13".

ويعود الفضل لهذا الاستديو في تدريب ممثلي المسرح المصري أمثال "بشاره واكيم"، و"أمين عطاالله" و"علي الكسار" وآخرين على مواجهة الكاميرا، حتى أنه أخرج سينمائيا لفرقة "أمين عطا الله" مسرحية  "الباشكاتب".

  • النصاب والفنانة 

حتى هذا الوقت لم يكن هناك فيلما مصريا روائيا طويلا، إلى أن جاء أحد الأتراك، ويدعى "وداد عرفي"، كمندوب لشركة ألمانية للتفاوض على إنتاج فيلم مصري بعنوان "غرام الأمير"، إلا أن الأمور قد تكشفت فيما بعد، فـ"عرفي" جاء ليبحث عن شخصية مصرية تقوم بدور النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، في فيلم من إنتاج الشركة الألمانية.

وبعد أن انكشفت الخدعة، ورفض الأزهر الأمر، وهدد الملك "فؤاد" بسحب الجنسية من الفنان "يوسف وهبي"، وحرمانه من حقوقه كمواطن مصري، إذا قام بأداء الدور، فقد "عرفي" عمله.

إلا أن "عرفي" واصل البقاء في مصر، وتوسع في تقديم نفسه لمجتمع الفن على أنه أحد مخرجي السينما العالمية، ما دفع الفنانة "عزيزة أمير" إلى إنشاء شركة "إيزيس فيلم"، والبدء بإنتاج أول فيلم روائي صامت طويل، وهو فيلم "يد الله"، سيناريو وإخراج "وداد عرفي"، الذي احتجز لنفسه دور البطولة كذلك أمام "عزيزة أمير".

ونظرا لإمكانيات "عرفي" المحدودة، استغرق الفيلم وقتا طويلا ولم يخرج للنور، ما دفع "عزيزة أمير" إلى إنهاء التعاقد معه.

لم تقف الفنانة المصرية عاجزة، وأصرت على استكمال العمل، فاستعانت بالمصور "ثيليو كياريني"، لإعادة التصوير، وبالممثل "استفان روستي" ليقوم بالإخراج، ويعيد كتابة السيناريو مرة أخرى، ليتحول اسم الفيلم بعد ذلك إلى "ليلى"، ويخرج للنور بعد ولادة متعثرة، غير أنها كانت ولادة للسينما الروائية المصرية، وأول حجر أساس لتطوير فن صناعة السينما في مصر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مسيرة سينمائية إستوديو جيبلي

"احكيلي".. وثائقي حول إحدى أشهر العائلات السينمائية بمصر

أولى لقطات الجزء الثاني لفيلم الرعب مكان هادئ

فيلم الفلوس يحقق أعلى الإيرادات في تاريخ السينما المصرية