ليبيا وقوات الدعم التركي.. حسم عسكري أم سوريا جديدة؟

الثلاثاء 31 ديسمبر 2019 04:23 م

ما هو السيناريو المتوقع لإرسال تركيا قوات لدعم حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس؟

سؤال يتصدر اهتمامات مراقبي الشأن الليبي بعد إعلان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" اتجاه حكومته للحصول على تفويض من البرلمان في 8 ـ 9 يناير/كانون الثاني المقبل، من أجل إرسال جنود؛ لمواجهة الهجوم الذي تشنه قوات الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" على العاصمة الليبية.

فمنذ 4 أبريل/نيسان الماضي، تشن قوات "حفتر"، المدعوم من مصر والإمارات وروسيا وفرنسا، هجوما متعثرا للسيطرة على طرابلس، وهو ما أجهض جهودا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين، ضمن خريطة طريق لمعالجة النزاع في البلد الغني بالنفط.

وإزاء ذلك، وجهت حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، طلبا رسميا، في 26 ديسمبر/كانون الأول، إلى تركيا لدعمها عسكريا، برا وبحرا وجوا، ضد هجمات قوات الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" على العاصمة طرابلس.

ويستند القرار التركي إلى اتفاقية دفاع مشترك، وقعت مؤخرا بين أنقرة وطرابلس، وأخرى لترسيم الحدود البحرية، أثارت حفيظة اليونان، حيث مدت خلالها تركيا منطقتها البحرية الاقتصادية وجعلت لها حدودا مع ليبيا قرب جزيرة "كريت" اليونانية.

تعارض أوروبي

وجاء هذا التطور، في ظل تعارض مستمر لمصالح القوى الأوروبية، خاصة إيطاليا التي أعلنت دعمها لحكومة الوفاق وفرنسا التي تدعم "حفتر" فعليا، على أساس الاستفادة من قدرات الإنتاج النفطي في ليبيا.

لكن كلا من إيطاليا وفرنسا لديهما حساسية إزاء زيادة النفوذ التركي بالمنطقة، وعبرا عن عدم ارتياح له، ولذا يتوقع مراقبون معارضتهما لإرسال جنود أتراك إلى طرابلس، وهو ما ستوافق عليه دول الاتحاد الأوروبي على الأرجح، مع احتمال استثناء وحيد يتمثل في موقف بريطانيا.

ويفسر هذا الاتفاق بين فرقاء المصالح الأوروبيين عدم تحمس حكومة الوفاق الليبي في البداية لإبرام اتفاقية للحدود البحرية مع تركيا، بما يمثله ذلك من استعداء لأوروبا؛ وتجاهلها للتعاطي الإيجابي مع مقترح تركي في هذا الشأن منذ عام 2018.

لكن حكومة الوفاق باتت تشعر الآن بأنه ليس لديها خيار آخر، فعلى الرغم من كونها الحكومة المعترف بها دوليًا، لكن هذا الاعتراف لم يتحول إلى دعم ملموس، أو حتى خطابي، خلال هجوم "حفتر" المطول على طرابلس.

وكان من المفترض أن تنهي العملية التحضيرية للمؤتمر الذي دعت له ألمانيا في سبتمبر/أيلول الماضي، انتهاكات الحظر المفروض على الأسلحة إلى ليبيا من قبل مجلس الأمن الدولي، لكن بدلًا من ذلك، كثف مؤيدو "حفتر" دعمهم له بشحنات الأسلحة والغارات الجوية المتقدمة، وقوبل هذا بصمت دولي معتاد، حتى عندما تعرضت طرابلس لقصف لا هوادة فيه، وحتى مع تدخل مرتزقة من المتعاقدين العسكريين الروس أيضًا لصالح الجنرال المتقاعد، وهو ما زاد من الضغط على حكومة الوفاق  للعمل مع تركيا.

وإزاء ذلك، يبقى لموقف اليونان أهمية خاصة في ظل تأثرها المباشر باتفاقية الترسيم البحري، الأمر الذي عبر عنه نائب وزير الخارجية "ميلتاديس فارفيتسيوتيس" بالهجوم على "أردوغان"، في تصريحات لإذاعة "سكاي" (27 ديسمبر/كانون الأول)، واصفا إياه بأنه "يلعب بالنار"، على خلفية خطط أنقرة لإرسال قوات لدعم الحكومة الشرعية في ليبيا.

ولفت الدبلوماسي اليوناني إلى أن بلاده تعمل على "تدويل" ما وصفه بـ"الاستفزازات التركية"، بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

أما إيطاليا فيتأرجح موقفها بين مصالحها مع حكومة الوفاق من جانب، ومخاوفها من نفوذ تركيا الإقليمي من جانب آخر، ومن غير الواضح حتى الآن اعتماد روما لاستراتيجية توفيقية بين الموقفين، غير أن التصريحات الرسمية تشير بوضوح إلى أن إيطاليا لن ترحب بتدخل عسكري تركي في ليبيا.

فقد وصفت نائبة وزير الخارجية الإيطالي "مارينا سيريني"، الوضع في ليبيا بأنه لا يزال "مقلقا للغاية"، لافتة إلى أن ليبيا تمثل لبلادها "الملف الدولي الرئيسي".

وفي السياق ذاته، عبرت إيطاليا عن مشاركتها مصر رفضها للتدخلات العسكرية الخارجية في الأزمة الليبية، وذلك بعد مباحثات هاتفية جرت، في 30 ديسمبر/كانون الأول، بين وزير الخارجية المصري "سامح شكري" ونظيره الإيطالي "لويجي دي مايو".

وعليه، فإذا أرادت أوروبا استعادة أهمية دورها في ليبيا، فستحتاج إلى تطوير موقف موحد في دعم مؤتمر برلين، وإقناع فرنسا بأن مصالحها الأمنية قد يتم خدمتها بشكل أفضل عبر منصة مشتركة تضغط من أجل الاستقرار، بدلًا من مشاركتها الحالية إلى جانب "حفتر"، بحسب تحليل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (28 ديسمبر/كانون الأول).

أمريكا وروسيا

ويرجح المجلس أيضا أن يكون موقف أوروبا الموحد هو الطريقة الوحيدة لإجبار الولايات المتحدة على توضيح موقفها من الصراع في ليبيا؛ حيث يتطلب الوصول لحل للصراع الليبي تأمين دعم أوروبي وأمريكي مشترك، وممارسة الضغط على الأطراف للمشاركة، ودعم محاولات الأمم المتحدة لبناء عملية سياسية.

ومن هنا، بادر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بالاتصال بالرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، لمحاولة إقناعه بالوقوف ضد أي تحرك عسكري تركي، غير أن "ترامب" بدا ملتزما بسياسة "عدم الإفصاح" التي تبنتها واشنطن منذ اشتعال الأزمة الليبية، وترك الصراع يأخذ مداه فيها، على طريقة ما جرى في سوريا.

غير أن بعض مراقبي الشأن التركي يشيرون إلى أن تحرك أنقرة عسكريا في الشمال السوري (عملية نبع السلام) لم يتم إلا بسماحية أمريكية، وهو ما يعني -في حال تكراره بليبيا- إمكانية فرض تركيا لسيناريو الحسم العسكري، في ظل الانقسام الأوروبي وقوة الموقف الدولي لحكومة الوفاق، ورغبة واشنطن في الرد على التدخل العسكري الروسي الذي قلب الموازين في سوريا.

وبإضافة أن روسيا اعتبرت أن تدخل طرف ثالث في ليبيا لن يحل النزاع على السلطة هناك، يرى مراقبون سيناريو آخر يتمثل في إعادة إنتاج النموذج السوري خلال الأسابيع المقبلة.

فالمتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف"، قال، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو في 26 ديسمبر/كانون الأول: "نعتبر أن أي تدخل لدول أخرى في الوضع الليبي لن يساعد في التوصل إلى تسوية، لكن نرحب بأي محاولات من دول أخرى من شأنها المساهمة في التوصل لحل ومساعدة أطراف الصراع على الخروج من الأزمة".

لكن أنقرة تحاول استغلال علاقاتها مع موسكو لإقناع الأخيرة بالتخلي عن دعمها لـ"حفتر"، ورغم أن ذلك غير مرجح حتى الآن، لكن سيناريو اتفاق تركي روسي على موقف موحد داخل ليبيا يمكن أن يكون أساسا لمفاوضاته تضع الأساس لاتفاق أكثر شمولًا يجنب ليبيا سيناريو "سوريا جديدة".

وقد أدركت إيطاليا هذه الديناميكية وفق ما أعلنه رئيس الوزراء الإيطالي "جوزيبي كونتي" بشأن إجرائه محادثات مع الرئيسين التركي "رجب طيب أردوغان"، والروسي "فلاديمير بوتين"، في 28 ديسمبر/كانون الأول، تركزت على حث الجميع على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية.

غير أن تصريحات لـ "أردوغان" مؤخرا، استنكر فيها وجود "مرتزقة روس" في ليبيا، وتعليق موسكو على توقع الاتفاقية العكسرية بين أنقرة وطرابلس، تؤشر إلى أن توافقا بين أنقرة وموسكو بشأن ليبيا يبدو بعيد المنال حتى الآن.

وإزاء ذلك، فإن تكرار السيناريو السوري عبر مناطق نفوذ تحت الحماية التركية في الغرب الليبي من جانب، وأخرى في الشرق تحت الحماية المصرية - الروسية من جانب آخر قد يكون راجحا وفق آخر المعطيات، حسبما يرى المحلل السياسي "أنس القصاص".

 

 

الموقف المصري

ويعزز من احتمالية هكذا سيناريو موقف مصر تجاه إرسال قوات تركية إلى ليبيا، إذ بادر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" باستضافة قائد قوات شرق ليبيا "خليفة حفتر" بالقاهرة، وأجرى اتصالات هاتفية شملت الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والفرنسي "إيمانويل ماكرون"، ورئيس الوزراء الإيطالي "جوزيبي كونتي"، إضافة إلى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، حيث طلب منهم التدخل لوقف تصاعد الأوضاع في ليبيا، والحيلولة دون تصاعد الدور التركي هناك.

وبدا من تحذير وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، في 28 ديسمبر/كانون الأول، من تحويل ليبيا إلى "سوريا جديدة"، إدراكا لمآلات الموقف المصري، ولذا شدد على "خطورة ذلك على دول المنطقة حال تحققه".

ويصب في الاتجاه ذاته إعداد أنقرة لاحتمال إرسال مقاتلين سوريين متحالفين معها إلى ليبيا؛ وفقا لما نقلته وكالة "رويترز" عن 4 مصادر تركية.

وفي السياق، زعم المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن نحو 1600 مقاتل من فصائل سورية وصلوا إلى معسكرات تدريب تشرف عليها تركيا من أجل إرسالهم إلى ليبيا، مشيرا إلى نقل المجندين للمعسكرات "من منطقة عفرين بعد تسجيل أسمائهم".

فهل يحسم التدخل العسكري التركي الأمور لصالح حكومة الوفاق، أم تصبح ليبيا نسخة مكررة من تقسيم مناطق النفوذ إقليميا؟

الأسابيع المقبلة حبلى بالإجابة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة الليبية خليفة حفتر قوات خليفة حفتر حكومة الوفاق الليبية حكومة الوفاق الوطني الليبية حكومة الوفاق الليبي مرتزقة روس البرلمان التركي

الجامعة العربية تحذر من نشر مقاتلين أجانب في ليبيا

أردوغان: تركيا بصدد اتخاذ خطوة جديدة بليبيا وشرق المتوسط

البرلمان التركي يبدأ جلسة طارئة لمناقشة تفويض إرسال جنود لليبيا

جورج فريدمان: تركيا تقوم بخطوتها نحو الظهور الحتمي