أين تقف دول المغرب العربي من الأزمة الليبية؟

الجمعة 3 يناير 2020 07:05 م

لن يؤدي المشروع التركي بإرسال قوات عسكرية، دعماً لحكومة الوفاق، إن تم فعلاً، إلى تداعيات داخل الأراضي الليبية وحدها، فشمال أفريقيا بأكمله معني بشكل أو بآخر بهذه التطورات.

ومن ذلك المغرب والجزائر وتونس، التي تبتعد منذ مدة عما يأمله "خليفة حفتر" وداعميه العرب والغربيين، وتقترب نوعاً ما من دعم حكومة "الوفاق"، وبالتالي قد تتقاطع مصالحها مع خطط الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ورئيس حكومة الوفاق "فايز السراج".

إلّا أن الدول المغاربية التي يجمعها ماضِ من عدم التنسيق حكم على "اتحاد المغرب العربي" بالفشل، لم تستطع الوصول إلى موقف موحد واضح بخصوص ما يجري، كما أن سياساتها الخارجية التي تتأثر بعوامل إقليمية متعددة، قد تكون حجر عثرة أمام مطامح "أردوغان".

لكن تحوّل ليبيا إلى "سوريا جديدة"، سيخلق لبلدان الجوار مشاكل أمنية خطيرة، فهل سيضطرها ذلك إلى التحالف فيما بينها؟

  • حياد تونسي

عندما قال الرئيس التونسي؛ "قيس سعيّد"، في كلمة له بمناسبة السنة الجديدة، إن مرجع بلاده بشأن ما يجري في ليبيا هو "القانون وليس أزيز الطائرات"، بدت الرسالة موجهة بالأساس إلى "حفتر"، وبعده إلى تأويلات بشأن وجود تحالف عسكري تونسي- تركي.

لكن في الآن ذاته، استدرك "سعيّد" القول إن "الشرعية الدولية هي المرجع، ولكن يجب الانتقال إلى شرعية ليبية-ليبية".

وكأنه يحاول التأكيد أن استقباله "أردوغان" لا يتناقض مع إعلانٍ دعا إليه غداة انتخابه يحمل اسم "إعلان تونس للسلام"، يركز على "شرعية ليبية ترتكز على مشروعية شعبية"، وهي رسائل تونسية للتأكيد أن الدعم الضمني لـ"السراج" لا يعني تجاهل نفوذ "حفتر".

وفي رأي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "سيدي بن عبدالله" المغربية، "سعيد الصديقي"، فرغم أن التوجه العام للرئيس التونسي "يبقى ليبرالياً، يدافع عن القيم والمفاوضات، إلّا أن تونس ستكون مضطرة إلى التعامل البراجماتي، والحذر الكبير".

وبالتالي، يتابع "الصديقي"، فهي "ستدعم السراج، لكن دون الدخول في مواجهة مباشرة مع حفتر، لأن وضعها الأمني لا يزال هشًا ولديها مخاوف أمنية كبيرة من الحدود المشتركة مع ليبيا".

وتابع: "وحالما يتبين لها أن الكفة رجحت فعلاً لصالح السراج، فحينئذ سيكون لها دور أكثر فعالية في دعم حكومة الوفاق".

  • توافق المغرب والجزائر

وكانت الجزائر أكثر الدول المغاربية وضوحا في رفضها "حفتر"، وليست القصاصة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية بداية العام الجديد (حذفتها فيما بعد)، سوى تأكيد على هذا الموقف عندما وصفت عملياته بـ"العدوان العسكري".

ويتذكر المتابعون أنه خلال بزوغ نجم "حفتر"، في مواجهة حكومة الوفاق، زار وزير جزائري مناطق في الجنوب، التقى خلالها قيادات عسكرية غير موالية لـ"حفتر"، ما دفع الأخير إلى انتقاد هذه الزيارة، واعتبارها "انتهاكاً لسيادة ليبيا".

وفي أحدث تصريح، قال وزير الشؤون الخارجية الجزائري، "صبري بوقادوم"، إن بلاده "لا تقبل بوجود أي قوة أجنبية مهما كانت".

وجدد الوزير الجزائري، التأكيد على أن "لغة المدفعية ليست هي الحل، وإنما الحل يكمن في التشاور بين كافة الليبيين وبمساعدة جميع الجيران وبالأخص الجزائر".

وكشف "بوقادوم" أن الجزائر "ستقوم في الأيام القليلة المقبلة بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية، ما بين الليبيين فقط".

وكانت الجزائر في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية، منشغلة أكثر بوضعها الداخلي، حسب "الصديقي"، وهو ما قلّل من وتيرة اهتمامها بالعمل الدبلوماسي.

لكن مع وصول قيادة جديدة إلى الرئاسة وقيادة الأركان في البلاد، فالجزائر ترغب باستعادة حيويتها في الفضاء الإقليمي، وعلى رأس ذلك ليبيا، وهو ما كانت الجزائر واضحة فيه في بلاغ لمجلسها الوطني للأمن.

  • "صالح" و"بوتفليقة"

وبرحيل الجنرال الجزائري الأقوى "قايد صالح"، وانسحاب الرئيس الأسبق "عبدالعزيز بوتفليقة" من المشهد.. هل تغيّر الجزائر استراتيجيتها تجاه ليبيا؟

وإن كانت عقيدة الجيش الجزائري واضحة في رفض المشاركة العسكرية خارج الحدود، فإن الجزائر ستركز أكثر على الدعم السياسي لحكومة "السراج"، يؤكد "الصديقي"، و"إن لم تساند التدخل العسكري التركي علانية، فهي لن تعارضه".

وتتفق تقارير أخرى مع هذا الطرح، بل إنه من المحتمل أن يكون "أردوغان"، قد تواصل مع الجزائر، نتيجة علاقاتها القوية معها، قبل أن يعلن مشروعه إرسال قوات إلى ليبيا.

ويظهر المغرب أكثر البلدان المغاربية تحفظاً في الشأن الليبي، رغم أنه احتضن مباحثات الصخيرات التي أفضت إلى ولادة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برعاية أممية.

لكن وإن كانت التصريحات المغربية قليلة جداً في الشأن الليبي، فهي تعكس استمرار تشبت الرباط بحكومة الوفاق.

ومن آخر التصريحات ما أدلى به وزير خارجية المغرب "ناصر بوريطة"، من أن "اتفاق الصخيرات كان ولا يزال اتفاقًا جيدًا، وأن تكاثر المبادرات حول الأزمة يؤدي إلى تنافر بينها".

ويرى "الصديقي"، أن الدعم المغربي لـ"السراج" سيتواصل، وقد يصل حد الدعم المادي واللوجيستي.

لكن الرباط ستزيد من حذرها، "أولا لأن أيّ انخراط مغربي غير محسوب، قد يسببّ رد فعل من الجزائر التي ترى في ليبيا إحدى حدائقها الخلفية، وبالتالي فأيّ وجود عسكري مغربي في ليبيا لدعم الخطط التركية، ستراه الجزائر موجهًا ضدها".

و"ثانيًا لأن الرباط تدرك أن الملف الليبي معقد، وأن الأزمة مرشحة للاستمرار سنوات أخرى، وبالتالي فالوضع لا يحتمل أيّ مخاطرة"، يقول "الصديقي".

  • تنسيق مغاربي محتمل

لا يمكن للبلدان المغاربية تجاهل الموضوع الليبي، خاصة أن زيادة التوتر في ليبيا يهدّد هذه البلدان أمنياً، والدليل على ذلك أن أول جلسة للمجلس الوطني للأمن في عهد الرئيس الجزائري "عبدالعزيز تبون"، خُصصت لاتخاذ تدابير لحماية الحدود الشرقية، خاصة المشتركة مع ليبيا.

كما أن تونس أعلنت بدورها زيادة تأمين الحدود مع ليبيا وبدأت الاستعداد لموجة نزوح من الأراضي الليبية، فالبلدان المغاربية تدرك أنها ستدفع ضريبة باهظة  لموجات من اللاجئين.

لكن إن كانت بلدان المغرب والجزائر وتونس تتفق ضمنيا على مساندة "السراج"، فلم لا تنسق بينها لأجل حلٍ دبلوماسي يحاصر حفتر؟.

تظهر معالم الجواب في استحضار الخلاف المغربي-الجزائري الذي عطّل أي اتفاق مغاربي ممكن، وجعل كل واحدة منهما تتخذ طريقها الخاص لحل الأزمة الليبية.

إذ ركز المغرب على المحادثات الأممية، فيما ركزت الجزائر على اجتماعات دول الجوار الليبي وعلى الاجتماعات الأفريقية.

ومن المستبعد جدا، حسب "الصديقي"،أن ينسق المغرب والجزائر مستقبلا، حتى في ظل وصول قيادة جديدة إلى الحكم في الجزائر، بسبب التراكمات التاريخية واستمرار المواقف المسبقة.

لكن تونس والجزائر تبدوان أقرب إلى تنسيق بينهما، وهو ما استنتجه "أردوغان" الذي دعا الدولتين، إلى جانب قطر، إلى المشاركة في مؤتمر برلين المزمع، وهو مؤتمر دولي دعت إليه ألمانيا عددا من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالمشكل الليبي، باستثناء الدول المغاربية، والهدف منع "حرب بالوكالة"، حسب تعبير المستشارة "أنجيلا ميركل"، التي تحاول أن تجعل نفسها وسيطًا دوليًا محايدًا في النزاع الليبي.

فهل يكون مؤتمر برلين، فرصة للدول المغاربية، حتى وإن لم تحضر إليه، لإنهاء التوتر ورفع أسهم "السراج"؟

سؤال يحمل إجابات صعبة، فالمؤتمر مهدد بالفشل قبل أن يبدأ، بسبب تحديات متعددة منها تضارب وجهات نظر الدول الأوروبية، والصراع الأمريكي الروسي على المصالح في ليبيا، ووجود عقبات أمام مشاركة فعالة للدول العربية المنقسمة حيال المشهد الليبي، وبالتالي قد لا يكون سوى سلسلة من إخفاقات متعددة لم تستطع وقف تهديدات حمام الدم في ليبيا.

المصدر | دوتشيه فيله

  كلمات مفتاحية

الحرب الليبية المغرب العربي دول جوار ليبيا العلاقات التركية الليبية

من تونس.. أردوغان يهاجم حفتر وداعميه ويطالب بوقف معارك ليبيا

السراج وجاويش أوغلو يزوران الجزائر.. لماذا؟

الجزائر: طرابلس خط أحمر لا يجب لأحد تجاوزه

المغرب يرفض التدخل الأجنبي والتصعيد العسكري في ليبيا