كيف يغير مقتل سليماني قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟

الأحد 5 يناير 2020 02:12 م

أعلن البنتاجون، مساء الخميس (بتوقيت أمريكا)، قتل اللواء "قاسم سليماني"، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية بالعراق، بتوجيه من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

وقتلت الغارة التي استهدفت "سليماني"، زعيم كتائب "حزب الله" أيضا، وهي ميليشيا وكيلة لإيران في العراق، سبق أن هاجمت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها بشكل متكرر، وأطلقت صواريخ على قاعدة عسكرية أمريكية مؤخرا؛ قتلت مقاولا أمريكيا، ما دفع الولايات المتحدة للرد وقتل 25 من المرتبطين بالميليشيات في هجمات في العراق وسوريا.

وفي عمليات منفصلة، ألقت القوات الأمريكية القبض على زعماء ميليشيات عراقية مهمة أخرى، كانت لها علاقات وثيقة مع إيران.

ومن المرجح أن يكون مقتل "سليماني" نقطة تحول في علاقات واشنطن مع العراق وإيران، وسيؤثر بشكل كبير على الموقف الأمريكي الشامل في الشرق الأوسط.

وقد يكون رد الفعل هائلا من قبل إيران، ويعتمد الأمر على مدى استعداد الولايات المتحدة جيدا لمواجهة احتمالات الرد الإيراني ورد فعل العديد من وكلاء طهران في الشرق الأوسط.

وبناء على سجل إدارة "ترامب" في المنطقة، فهناك ما يدعو للقلق.

ولأن القوى التقليدية الإيرانية ضعيفة، تعمل طهران غالبا عبر الميليشيات والجماعات وغيرها من الوكلاء لتعزيز مصالحها في الخارج، ويأخذ الحرس الثوري زمام المبادرة في العديد من هذه العمليات.

وفي العراق والبلدان الأخرى التي تلعب فيها إيران دورا عسكريا وسياسيا، مثل اليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان، وكذلك فلسطين، غالبا ما يكون الحرس الثوري الإيراني هو الطرف المسيطر في السياسة الخارجية الإيرانية، أو يملك على الأقل صوتا مهما.

وفي أبريل/نيسان، اتخذت إدارة "ترامب" خطوة غير معتادة بتصنيف الحرس الثوري رسميا كمجموعة إرهابية، على الرغم من أنها ذراع للدولة الإيرانية، وبالتالي فهي ليست جهة فاعلة من غير الدول، على عكس معظم الكيانات المدرجة في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.

وكان "سليماني" مهندسا للعديد من أكثر قضايا السياسة الخارجية الإيرانية إثارة للجدل، وهو مسؤول مع "فيلق القدس"، عن مقتل العديد من الأمريكيين.

ويضم "فيلق القدس" ما يتراوح بين 10 و20 ألف مقاتل، ويوفر التدريب والأسلحة والتوجيه التنظيمي وغير ذلك من أشكال الدعم للجماعات المؤيدة لإيران في المنطقة.

ويُعد الحرس الثوري الإيراني الذي يتصدره فيلق القدس، المشغل الإيراني الرئيسي لـ "حزب الله" اللبناني، أقوى منظمة عسكرية في لبنان، والذي هاجم (إسرائيل) والولايات المتحدة بناء على طلب إيران.

ويعمل "فيلق القدس" أيضا مع مجموعات فلسطينية تصنفها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية، مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، من بين منظمات أخرى في بلدان أخرى.

وعندما اشتبكت الولايات المتحدة مع القوات الموالية لإيران في العراق سابقا، كان دعم "فيلق القدس" حاسما في جعل تلك الاشتباكات أكثر دموية، حيث زودتهم منذ عام 2005 بالمتفجرات المتطورة التي يمكنها اختراق المركبات المدرعة الأمريكية؛ ما أدى إلى مقتل ما يقرب من 200 أمريكي.

ومع مقتل "سليماني"، سيكون هناك ثمن يجب على واشنطن دفعه. وبسبب نفوذ فيلق القدس الواسع في المنطقة، سيكون لإيران مسارح متعددة متاحة لمهاجمة الولايات المتحدة. وتعد الهجمات على القوات والمنشآت الأمريكية في العراق مرجحة بشكل خاص.

وأمضت طهران أكثر من 15 عاما في بناء شبكات واسعة من مجموعات الميليشيات والسياسيين في العراق. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، قبل مقتل "سليماني"، تمكنت إيران من حشد الوكلاء المحليين بسرعة للتظاهر بعنف أمام السفارة الأمريكية في بغداد، ما خلق مخاطر أمنية جسيمة على الأفراد هناك، حتى مع تجنب حلفاء طهران المحليين قتل مزيد من الأمريكيين؛ لكن من المرجح الآن أن يتم تفعيل هذا الأمر.

وفي الضربة التي أودت بحياة "سليماني"، قتلت الولايات المتحدة أيضا زعيم ميليشيا كتائب "حزب الله" الموالية لإيران، "أبو المهدي المهندس"، والعديد من الشخصيات البارزة المؤيدة لإيران في العراق.

وكانت كتائب "حزب الله" مسؤولة عن العديد من الهجمات على القوات الأمريكية والعراقية، وغالبا ما كان ذلك بناء على طلب إيران.

ولن تمر هذه العملية أيضا مرور الكرام، فبالإضافة إلى الرغبة في إرضاء إيران، تشعر الميليشيات الموالية لطهران في العراق بالتأكيد، بالغضب لوفاة "المهندس" واعتقال قادتها، وتتوق الآن إلى الانتقام.

قتل "سليماني" قد يعزز يد إيران سياسيا

يتمتع العديد من السياسيين العراقيين، بحكم الضرورة، وفي بعض الحالات باختيارهم، بروابط وثيقة مع إيران، وسيزداد الضغط لإخراج القوات الأمريكية من البلاد.

وإذا كان هناك تناقض بين الوجود الأمريكي والإيراني في العراق، فكل ما في الأمر هو أن إيران لديها المزيد من الحلفاء والمزيد من النفوذ هناك، ومن المرجح أن يذعن العديد من القادة العراقيين للضغوط الإيرانية.

وتعدّ القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان وسوريا معرضة للخطر أيضا، رغم أن كلاهما معرض لمخاطر أخرى بسبب تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية" وطالبان، وغيرها من الجماعات الخطرة. وقد يهاجم الحرس الثوري الإيراني، ووكلاؤه أيضا، السفارات الأمريكية الرسمية والأهداف الأخرى ذات الصلة بالحكومة.

وفي عام 1983، فجر "حزب الله" اللبناني، بدعم من إيران، السفارة الأمريكية في بيروت، وكذلك ثكنات "المارينز" هناك، مما أسفر عن مقتل 220 من مشاة البحرية، وعشرات الأمريكيين الآخرين. وقد يكون المدنيون أيضا في مرمى النيران. ويفتقر بعض الوكلاء الإيرانيين إلى المهارة اللازمة لضرب الأهداف الرسمية المحصنة جيدا، لذا فقد تسعى طهران أيضا إلى إرسال رسالة أوسع لتخويف الولايات المتحدة عبر المدنيين.

وعلى الرغم من أن إيران سترد على الأرجح، إلا أنه من الصعب التنبؤ بنطاق ردها وحجمه. وسوف يدعو المتشددون هناك إلى أن تدفع الولايات المتحدة ثمن قتل "سليماني".

بالإضافة إلى ذلك، قد يرى النظام الإيراني في الصراع مع الولايات المتحدة فرصة مفيدة لتحويل الانتباه عن أزمات الاقتصاد الإيراني والاحتجاجات الضخمة التي هزت البلاد.

ومع ذلك، أدركت إيران منذ فترة طويلة ضعفها العسكري مقارنة بالولايات المتحدة، ويعرف قادتها أنه لا يمكن لطهران إلا أن تخسر إذا كانت هناك مواجهة شاملة.

وفي الأعوام العديدة من المواجهات بين الولايات المتحدة وإيران، استفزت الأخيرة واشنطن بالهجمات وعبر دعم الوكلاء المناهضين للولايات المتحدة، لكنها حاولت أيضا التهدئة عندما بدت الأمور وكأنها قد تخرج عن نطاق السيطرة.

ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان الأمر نفسه ينطبق على الموقف الآن، بعد مقتل شخصية رئيسية مثل "سليماني".

هل إدارة "ترامب" مستعدة لعواقب تصعيدها؟

يعتمد الأمر على مدى استعداد الولايات المتحدة للرد الإيراني المحتوم. ولا يعتبر التفكير المتأني من سمات إدارة "ترامب"، ومن الأسهل عليها التركيز على الأثر الفوري لقتل "سليماني" عن التفكير في الآثار طويلة الأجل لهذه الضربة.

ويبقى أكثر ما تحتاجه الولايات المتحدة هو الحلفاء؛ فهم ضروريون لردع إيران، ودعم المزيد من العمليات العسكرية ضدها إذا فشل الردع، والمساعدة في حراسة المنشآت الأمريكية، وتقاسم العبء كذلك.

ولسوء الحظ، أبعدت إدارة "ترامب" العديد من الحلفاء التقليديين عنها، وأخفقت في الإبقاء على الأمور ودية مع حلف "الناتو" وأستراليا وغيرهما.

ورفضت إدارة "ترامب" الرد بعد أن هاجمت إيران منشأة نفطية سعودية، وهو خط أحمر تقليدي، وأرسلت رسالة مفادها أن المملكة تتحمل وحدها متطلبات أمنها.

ووقفت أيضا موقف المتفرج في الوقت الذي عملت فيه كل من قطر والسعودية وتركيا والإمارات على تحقيق أهداف فردية متنافسة في بلدان مثل سوريا وليبيا، بدلا من محاولة إيجاد موقف مشترك من شأنه أن يزيد من نفوذ الولايات المتحدة وقوة المساومة في الصراع مع إيران.

ومن غير الواضح ما إذا كان الحلفاء سيتجمعون الآن حول راية واشنطن. وحتى إذا فعلوا ذلك، فقد لا يكونون متحمسين للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة.

كما لم يخف الرئيس "ترامب" نفسه رغبته في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.

ومن خلال قتل "سليماني"، من المرجح أن تواجه الولايات المتحدة معضلة، فقد يعني ذلك أن تستمر في البقاء في الشرق الأوسط عبر قوات محدودة نسبيا في العراق وسوريا وأفغانستان؛ وبالتالي تكون عرضة للهجمات الإيرانية، أو يمكنها التراجع بشكل أكبر في وجه التهديد الإيراني، ما يبقي قواتها معزولة، ويضعف نفوذها، ويُكسب إيران المزيد من القوة في المنطقة.

ومن هنا، من المحتمل أن يكون مقتل "سليماني"، واستهداف شخصيات موالية لإيران في العراق، لحظة محورية بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة.

وتعتمد درجة دموية تلك اللحظة على ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للظهور بشكل أقوى، وعلى ما إذا كانت إدارة "ترامب" تخطط على المدى الطويل، وتعمل بشكل وثيق مع الحلفاء.

لكن سياسة "ترامب" في الشرق الأوسط حتى الآن، تشير إلى أن العكس هو الأرجح. وتكون عملية قتل "سليماني"، في النهاية، مجرد "انتصار أجوف" وقصير الأجل.

المصدر | فوكس - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني الشرق الأوسط الحرس الثوري الإيراني إدارة ترامب

من الحرب إلى الدبلوماسية.. إيران تدرس ردها على مقتل سليماني

فورين بوليسي: ترامب يلعب بالنار في الشرق الأوسط

نعيم قاسم من طهران: اغتيال سليماني حماقة

ناشيونال إنترست: هل ينبغي على ترامب القلق من الرد الإيراني؟

أمير قطر يبحث هاتفيا مع رئيس العراق تداعيات مقتل سليماني

العاهل الأردني والرئيس العراقي يبحثان تداعيات مقتل سليماني

ألمانيا تدعو لاجتماع أوروبي لبحث التوتر في الشرق الأوسط