بروكينجز: ماذا بعد مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية؟

الأربعاء 22 يناير 2020 08:36 م

انتهك مؤتمر برلين حول ليبيا نهاية الأسبوع الماضي، إرشادات الأمم المتحدة لعام 2012 بشأن الوساطة الفعالة، والتي أكدت على "الشمولية" و"السيادة الوطنية" باعتبارهما عنصرين أساسيين في حل النزاعات بالوسائل السلمية.

ومع ذلك، يشير البيان التفصيلي الصادر عن "مؤتمر برلين"، والذي يغطي مجموعة شاملة من القضايا، إلى أن المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، والممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا "غسان سلامة"، ركزا في هذه المرحلة على القوى الخارجية المشاركة، بدلا من اقتصار الأمر على الليبيين والجهات الفاعلة المحلية، وذلك بسبب اهتمام العالم بالصراع الليبي.

وكان المؤتمر متسقا مع منطق "خطة العمل" المكونة من 3 أجزاء، والتي تم تقديمها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للموافقة عليها في يوليو/تموز الماضي، وهي (هدنة عيد الأضحى، ومؤتمر دولي (في برلين على سبيل المثال)، وعملية بقيادة ليبية تحت رعاية الأمم المتحدة).

ويعتبر مؤتمر برلين مفترق طرق، فإما أن تنفذ الجهات الخارجية الفاعلة ما التزمت به ظاهريا، بما في ذلك الالتزام بالحظر الدولي على الأسلحة المفروض على ليبيا، والمعمول به منذ 2011 ويجرى تجديده سنويا، أو تكشف مجددا عن نفاقها في دعم استئناف القتال.

المشهد في ألمانيا

وفي برلين، تمكنت "ميركل" و"سلامة"، على الأقل على الورق، من إقناع الفاعلين الخارجيين بالتوقيع على أجندة موحدة. وانضم كل من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، والرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، إلى نحو 10 آخرين، مع تمثيل وزير الخارجية "مايك بومبيو" للولايات المتحدة، في الإعلان عن نية إنهاء التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لليبيا.

ويقول البيان: "نحن ملتزمون بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو في الشؤون الداخلية لليبيا، ونحث جميع الجهات الدولية الفاعلة على أن تحذو حذونا".

وإظهارا للجدية فيما يتعلق بالمتابعة، قام "سلامة" وفريقه بتطوير خطة تنفيذية، تم إرفاقها بذكاء بالبيان، وتم اعتمادها، وباركها المشاركون في البيان، تتضمن لجنة عسكرية مشتركة؛ حيث اتفق الجانبان المتحاربان في ليبيا بالفعل على وجود ممثلين لهما في اللجنة. ويبدو أن البيان يحل أيضا بعض الخلافات الدبلوماسية المزعجة والمشتتة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، مما يضع الأمم المتحدة في المقدمة والوسط.

وقد تكون ليبيا مشكلة "أفريقية" بالفعل، لكنها أيضا مشكلة عربية وأوروبية ودولية. وبالنسبة للمظالم السياسية والاقتصادية الكامنة في النزاعات الداخلية في ليبيا، التي لا يمكن حلها إلا عبر الليبيين أنفسهم، فقد تم التعامل معها بشكل معقول.

باختصار، ينبغي الاعتراف بمؤتمر برلين باعتباره أهم محاولة منذ أعوام لمعالجة العوامل الدولية الكامنة وراء مشاكل ليبيا. وينبع منطق استبعاد التركيز على الليبيين، اتساقا مع عرض مجلس الأمن الذي قدمه "سلامة" في يوليو/تموز، من حقيقة أن الجهات الفاعلة الخارجية هي التي تقدم الأسلحة المتطورة، والطائرات بدون طيار، والمرتزقة، والقوات التي تسمح لكل جانب ليبي أن يعتقد أنه قد يتغلب على الجانب الآخر عسكريا، بما يدفعه لتجنب الوصول إلى حل سياسي وسط .

ويبقى السؤال الأساسي، بطبيعة الحال، هو ما إذا كان أي من هذا سيهم المواطنين الليبيين المحاصرين على الأرض. وتعتمد الإجابة على ما يفعله الآن هؤلاء الممثلون الخارجيون الرئيسيون، خاصة أولئك الذين يقفون وراء حلم "خليفة حفتر" الدامي بأن يصبح "الزعيم" القادم لليبيا.

باختصار، يواجه الليبيون إما تصعيدا أو تراجعا في التصعيد، تبعا لقرار القوى الخارجية وراء عجلة القيادة. ولسوء الحظ، فإن سجل مسار الجهات الفاعلة الخارجية نحو تراجع التصعيد وكبح الوكلاء الليبيين بعد الاجتماعات الدولية السابقة، على سبيل المثال في باريس أو باليرمو، لم يكن واعدا.

مباراة الشطرنج الليبية

وبناءً على إصرار الرئيس "بوتين"، كان "فايز السراج"، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها من الأمم المتحدة، و"خليفة حفتر"، قائد "الجيش الوطني الليبي"، الذي يحاصر طرابلس منذ أبريل/نيسان، حاضرين في العاصمة الألمانية. ولكن، حسب ما ظهر، فلم يحضرا المؤتمر معا، وأطلع المسؤولون الألمان والأمم المتحدة كلاهما على نتائج المؤتمر بشكل منفصل.

ولا يمكن لكل من "السراج" و"حفتر" سوى اختيار النقاط التي تقترب من أهدافهما المعلنة في البيان وخطة الأمم المتحدة التشغيلية لادعاء تحقيق إنجاز ما، لدفع مؤيديهما للانتقال من النهج العسكري إلى النهج السياسي.

ويبدو أن "السراج" يلعب دورا حاسما، حتى لو لم يكن مرتاحا للتضمين بأن المفاوضات السياسية في نهاية المطاف ستؤدي إلى استبداله وحكومته ليحل محلها حكومة أكثر شمولية وصدقا تمثل كامل ليبيا. لكن لا أحد يشك في أن "حفتر"، على وجه الخصوص، سيحتاج إلى الشعور بالضغط الروسي والمصري والإماراتي والفرنسي المستمر لإعادة النظر في رؤيته لغزو "طرابلس" بالقوة.

وفي رفضه لاقتراح وقف إطلاق النار الروسي التركي الأسبوع الماضي، الذي قبله "السراج"، أظهر "حفتر" تجاهله الغريب لموسكو، بالنظر إلى أن نشر موسكو لمرتزقة مجموعة "فاجنر" في الأسابيع الأخيرة منحه ميزة تكتيكية في معركة طرابلس. ويبدو أن "حفتر" قد ضيع الفرصة لتقليص الزخم التركي العسكري الجديد، أو ما يسميه البعض "العثمانية الجديدة" المستمرة في ليبيا، مع وجود ما يصل إلى 2000 سوري موالين لتركيا بالفعل على الأرض، ووجود آلاف آخرين في الانتظار.

وفي قراره بتعطيل الصادرات الليبية من النفط، التي انخفضت الآن إلى ما يقدر بنحو 72 ألف برميل يوميا، من 1.2 مليون برميل في الأسبوع الماضي، في الوقت الذي اجتمع فيه المشاركون في برلين، فقد أظهر "حفتر" عدم احترامه للمبادرة الألمانية الأمريكية أو أي تحرك نحو حل سياسي وسط.

ومع تصريحاته المتكررة منذ أبريل/نيسان الماضي بأن "النصر خلال أيام"، فإن مؤيدي "حفتر" الخارجيين يدركون أنه ليس المنقذ والموحِّد الذي يزعم أنه هو. لكن مصر والإمارات، حتى بداية اجتماع برلين على الأقل، كانت تعتبره أفضل رهان ضد الإسلاميين السياسيين الذين يربطونهم بحكومة الوفاق الوطني.

ويبدو أن روسيا، بالإضافة لبعض الزعماء الأفارقة، ينظرون إلى "حفتر" كأداة لعكس الثورة التي أطاحت بـ"معمر القذافي" عام 2011. ويفتخر "حفتر" بمزاعمه حول محاولة الإطاحة بـ"القذافي" حتى قبل عام 2011، ويرى إمكانية أن يستخدمه الروس لإعادة حكم يشبه حكم "القذافي" إلى ليبيا، في حين تتحدث دوائر داخل طرابلس حول أشخاص آخرين قد يعتمد عليهم الروس، مثل "سعيد"، ابن "معمر القذافي".

فرصة واشنطن

ويجب أن يكون واضحا في غضون أسابيع ما إذا كان مؤتمر برلين يمثل استئنافا لعملية سياسية بناءة أم سيتم إحالته إلى سجلات الفشل مثل سابقيه، أمام تفاقم عنف ليبيا منذ عام 2011. وعلى الرغم من التفاصيل الواردة في بيان برلين، الذي يظهر ما يشبه الإجماع، إلا أن الاختلافات الحادة في التفسير والأولويات بين الجهات الخارجية الفاعلة ووكلائها في ليبيا ستظهر بسرعة.

ولمراقبة وتشجيع التنفيذ، أنشأ مؤتمر برلين لجنة متابعة دولية للاجتماع على مستوى كبار المسؤولين، تجتمع في جلسات عامة شهريا، بالإضافة إلى 4 لجان فنية تجتمع مرتين كل شهر.

ولكي تكون آليات المتابعة فعالة، فإنها تحتاج إلى جهة إنفاذ ثقيلة الوزن، وعادة ما تكون الولايات المتحدة في دور ما خلف الكواليس، لضمان جدية كل الأطراف. لكن على الرغم من مشاركة وزير الخارجية "مايك بومبيو" في برلين، إلا أن سياسة الولايات المتحدة تجاه ليبيا تبدو غير مستقرة، حيث ترى واشنطن ليبيا "مشكلة أوروبية".

وبينما كانت تركيا وروسيا تدعمان الأطراف المتصارعة في ليبيا، فقد حاولا معا ملء الفراغ الناشئ عن الغياب الأمريكي. وقد يطمح الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي إلى أن يحذوا حذوهما.

لكن القوة الكاملة لآلية الدبلوماسية الأمريكية، التي تعمل على تعزيز تنفيذ بيان مؤتمر برلين، لا يمكن تعويضها من قبل أي جهة فاعلة أخرى. وبفضل قيادة برلين والأمم المتحدة، أصبح لدى واشنطن الآن مخطط واضح، أنشأه مؤتمر برلين، لما ينبغي للمجتمع الدولي أن يفعله.

وقد يكون تخلي إدارة "ترامب" حتى الآن عن قيادة الأمور في ليبيا ميزة؛ حيث يمكن لواشنطن، التي لديها مصالح ومشاركة مباشرة أقل من الجهات الخارجية الفاعلة الأخرى، أن تكون الأكثر فاعلية في تشجيع التنفيذ.

ونظرا لأن النجاح غير مؤكد، يرجع للألمان الفضل في المخاطرة بتقديم المكانة والوزن السياسي للمستشارة "ميركل" من أجل دعم جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في ليبيا.

وإذا وفت الجهات الفاعلة الخارجية بالتزاماتها في برلين، فقد ينتقل التركيز إلى المرحلة التالية من اقتراح الأمم المتحدة بشأن ليبيا؛ حيث تجري محادثات داخل ليبيا حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك الأمن والاقتصاد والمالية والقضايا السياسية.

لكن يجدر بنا أن نتذكر أن خطط المحادثات الليبية في منتصف أبريل/نيسان قد أثارت قرار "حفتر" بمهاجمة طرابلس، باعتباره الحل الأفضل في التعامل مع الليبيين الذين تختلف رؤيتهم للبلاد عن رؤيته.

بعبارة أخرى، لا يكفي أن يتحول الفاعلون الخارجيون الآن إلى مجرد دور سلبي. بل هم بحاجة إلى استخدام نفوذهم لإقناع حلفائهم الليبيين بالجلوس معا وبناء ترتيبات سياسية لإعادة توحيد البلاد.

المصدر | جيفري فلتمان - بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مؤتمر برلين الأزمة الليبية أنجيلا ميركل

من الصخيرات إلى برلين.. الفشل يلازم مؤتمرات حل الأزمة الليبية

المونيتور: مؤتمر برلين يمنح تركيا نفوذا في مفاوضات ليبيا المقبلة

إدانة أممية لخرق حظر التسليح في ليبيا بعد قمة برلين

وزراء خارجية مؤتمر برلين يبحثون الأزمة الليبية في مارس المقبل